|
لكل جهنمه 3
حميد طولست
الحوار المتمدن-العدد: 4368 - 2014 / 2 / 17 - 00:00
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
لكل جهنمه !(3) إذا كانت الديانات السماوية قد جعلت مسألة الجنة والنار من الأمور الغيبية التي يعجز العقل البشري عن استيعاب كل حيثياتها ، ودعت إلى اعتبار الجنة مصيرا للمؤمنين والنار مآلا للكفار المكذبين بالأنبياء والرسل ، فإن الـ"جهنم " التي اخترت التحدث عنها اليوم في مقالتي الثالثة من سلسلة المقالات التي خصصتها لموضوع "الجهنمات" تحت عنوان "لكل جهنمه !" هي أشد وقعا ومرارة على الإنسان في حياته من تلك "الجهنم" التي اعدها الله للكافرين بعد الموت ، والتي قال عنها سبحانه وتعالى : "هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ * وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ * عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ * تَصْلَىٰ-;---;-- نَارًا حَامِيَةً * تُسْقَىٰ-;---;-- مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ * لَّيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِن ضَرِيعٍ * لَّا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِن جُوعٍ "الغاشية : 1- 7 ، والتي ليست بعيدة عن الجهنمات التي عرفها الأطفال الذين لم تواجه تنشئتهم الأولى المرحلة الحساسة في حياتهم بالعطف والحب والحزم اللازمين فيصابون بالنهيارات السلوكية والعقد المرضية كثيرة ، التي حضيت بدراسات مسهبة وكثيرة من طرف علماء النفس ..فما هو يا ترى الجهنم/الجحيم الذي أقصد هاهنا ؟؟ أنه الـ"جهنم " الذي تأتي تعاساته وعذاباته المتلاحقة ، من مجموعة بشر يعيشون بيننا ، قد نكون لا نعرفهم ، ولكننا نراهم ونحس باختلافهم وتباعدهم وتنافر شخصياتهم ، وقد نكون نعرفهم ، لأنهم من الأهل والأقربين ، الذين نحبهم ونقدرهم ونحرص على إرضائهم ، ولكننا ، وهذا هو الأخطر ، لا نشعر باختلافهم وتناقضهم ، ولا نفطن إلى أن كل شيء عندهم يُعبر عن أزمة أخلاقية تملأ قلوبهم بالغرور والنفاق والكذب والحقد والخيانة والطمع والظلم الأشد مضاضة وإيلاما من ظلم الغير الغرباء ، ولا نكتشف إلا بعد فوات الأوان ، أنهم لا يرعون للحمة الصلة حقا ، ولا يقيمون للمصاهرة وزنا ، ولا يكون للقريب عندهم سندا ، احذر عــدوك مـــرة *** و احذر صـــديقك ألـــف مـــــرة --- ابن معروف فلربما انقــلب الصـــديق *** فكــــان أعلـــم بالمضــــرة --- ابن معروف ... رغبة منهم في التجبر على طيبتنا ، والحجر على رغباتنا وتقزيم ميولاتنا وكبح لطموهاتنا ، وتكبيل لقدراتنا ، وتقييد لتطلعاتنا ، وإضعاف لثقتنا بأنفسنا وإمكاناتنا ، وملأ نفوسنا بالخوف والقلق ، كلما أحسوا أن حبنا واحترامنا لهم ، أصبح ملموسا وقويا ، وغرهم ، ان وجودنا اصبح مرهونا بوجودهم ، كما في قول امرؤ القيس : أغرك مني أن حبك قاتلي *** و أنك مهما تأمري القلب يفعل رغم كونهم مجرد أسماء تافهة ، ومقامات كرطونية محاطة بهالات مزيفة .. والصادم في هذه الجهنم ، التي تنتجها هذه النوعية من الأقرباء والخلان والأصدقاء والزملاء والمعارف ، والموجودون في كل مكان من حولنا ، أن غالبيتهم لا تتوقف عن التشدق بمفاهيم وشعارات المحبة وصلة الرحم والقرابة والمصاهرة والصداقة والزمالة ، والتعاون ، والتسامح ، وغيرها من المفاهيم والقيم والأخلاق والعادات والطبائع الرزينة ، والأساليب الحكيمة في التعامل مع ذوي القربى ، والتي كنا نعتقد في يوم من الأيام أنها من المسلمات المفهومة والمتعرف عليها دينيا وعرفيا ، فأضحت اليوم محل مراجعة وقراءة جديدة في مدلولاتها ومآلاتها ، بسبب انتقالها من التنظير إلى الواقع العملي ، الذي أفرز نتائج جد سلبية ومآس إنسانية ، أدت بضحاياها من النساء والأطفال والرجال والشيوخ ، إلى كوارث وخيمة ، أغرقت الكثير منهم في عذابات هذه "الجهنم " التي وصلت الى حد لا يمكن اغفالها او تلفيقها بالأوهام والخدع الواهية ، والتي وقف أمامها علماء النفس ورجال الدين عاجزين على علاجها ..أمثال هؤلاء التافهين المغرورين -وما أكثرهم في كل مكان في عالمنا - الذين يصرون على أن لهم حق الوصاية على آراء الغير ، بحجة أنهم الأكثر جدارة ، والأعلى مكانة ، ما يجعلني وغيري كثير -رغم أني أبدو أحياناً نشيطاً ، ومبتهجاً ، وسعيداً - أتألم كثيرا لحالي وحالهم ، بل ، ولأني إنسان وقابل للألم وللإنجراح فإن الاشمئزاز يملؤني بغزارة ، وقد يمتد الشعور به ليشمل الكون كله من حولي ، خاصة حينما يكون وراء ذلك "الجهنم" أتفه الأقرباء شأناً وأقلهم قيمةً ، الذين لا يعون تفاهتهم وحقارتهم ، ولا يحسون بخواء دواخلهم ، ويظنون أنهم الأقوى والأعلى مقاما ، بالمكانة الزائفة التي تقلدوها ربما صدفة ، والتي تمنحهم حق التعصب المذموم لرأيهم ، وتزيد من انتفاخهم المتورم ، وتضخم استعلاءهم المقيت المزمن .. هؤلاء الذين لا يمكن لنا إلا أن نتوقع منهم المزيد من محاولات احتقار الآخرين ، لحاجتهم إلى تفريغ ما تراكم بدواخلهم المعتمة من عقد نفسية والذين يجب أخذ الحيطة والحذر منهم ، كما قال ابن معروف : احذر عــدوك مــــرة *** واحذر صـديقك ألـــف مـــــرة فلربما انقــلب الصـديق *** فكــــان أعلـــم بالمضــــرة.. [email protected]
#حميد_طولست (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المجتمعات الاستعراضية ، رياء ونفاق !
-
لكل جهنمه !!!(2)
-
فضائح أئمة المسلمين الجنسية !
-
الحكامة في المشهد السياسي !
-
لكل جهنمه !!!
-
حوار ودي مع نقابي متميز على هامش يوم دراسي .
-
معاناة المعالم التراثية العمرانية الحضارية والتاريخية للمدن
...
-
لماذا رثاء المهندس خالد الغازي؟
-
رثاء المهندس خالد الغازي
-
وداعا المهندس خالد غازي .
-
كفى فتنة ، فقد بلغ السيل الزبى!
-
الحملات العنصرية الخاسرة للإسلاميين ضد الأمازيغ .
-
كل عام و -رجال العام - ، بكل خير !
-
الويسكي والشمبانيا في ميزانية 2014 للحكومة الإسلامية !
-
كل عام وانتم بالف خير ...
-
تشييع جماعة الإخوان إلى مثواها الأخير !
-
بياض الثلج يزين حمرة لافتات المشاركة في استفتاء الدستور..
-
الرياضة والسياسة (5) .
-
حفل افتتاح الكارثي وفاشل بكل المقاييس
-
جولة في مطاعم الفول الشعبية 2
المزيد.....
-
فيديو منسوب لدعوة شيخ الأزهر إلى مسيرات في مصر.. ما صحته؟
-
-أبو مينا- ينجو من الغرق.. كيف أنقذت مصر مدينة مسيحية نادرة
...
-
إسرائيل: اليهود المتشددون ينددون بـ-حرب- من الحكومة لفرض الخ
...
-
إسرائيل.. اليهود المتشددون يصعدون ضد الخدمة العسكرية
-
المرشد الأعلى الإيراني يعين مسئولين سابقين في مجلس الدفاع ال
...
-
على خلفية رفض تجنيدهم في الجيش الإسرائيلي.. الزعيم الروحي لل
...
-
قوات الاحتلال تعتقل 12 مواطنا من محافظة سلفيت
-
أسوأ يوم في تاريخ المسجد الأقصى!
-
أسوأ يوم في تاريخ المسجد الأقصى!
-
عالم دين سني يطالب الأمة بالإستشهاد بطريقة الامام الحسين (ع)
...
المزيد.....
-
علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب
/ حسين العراقي
-
المثقف العربي بين النظام و بنية النظام
/ أحمد التاوتي
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
المزيد.....
|