|
المجتمعات الاستعراضية ، رياء ونفاق !
حميد طولست
الحوار المتمدن-العدد: 4363 - 2014 / 2 / 12 - 12:15
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
المجتمعات الاستعراضية ، رياء ونفاق ! مع ايقاع مصاعب الحياة المتزايدة ومشاكلها المستمرة ، تنتاب كل منا مشاعر متنوعة ما بين الغضب والفرح والحزن والقلق الذي اصبح سمة مشتركة بين كل من يعيش في أوطاننا العربية البائسة ، التي يعيش كل شيء في ذهنية مجتمعاتها أزمات مفاهيمية ، تجعلها لا تستطيع أن تفكر إلا من خلال الثنائية المرضية والشاذة ، المعتمدة على قاعدة الشهيرة :" أن كل من لم ليس معها ، فهو فاسق ومارق وكافر ويجب قتله شرعا " تلك القاعدة التي تعبّر عن حجم الأزمة الأخلاقية والمبدئية التي تعانيها جل شعوبها ، والنابعة من محاصرة العقد النفسية ، لإرادتها ، وفي طليعة تلك العقد وأكثرها تمكنا من النفوس و وتأثيرا فهيا ، عقدة "الاستعراض" أي حب الظهور والرغبة في أن يُرى ويقدر الفرد من الآخرين (حتى لو لم يكن يستحق ذلك) . فالإهتمام الزائد بالمظهر الخارجي واهمال الجوهر ، والتركيز على منظومة المقاييس المضخمة التي وضعها المجتمع ، للجمال أو للبشاعة ، أو لطريقة اللّبس ، التي يحكم من خلالها على الأشخاص ومدى امتثالهم لها ، والتي أصبحت عند البعض بنفس الأهمية ، أو أكبر من كل القيم الدينية والأخلاقية التي جاء بها الاسلام لعلاج الكثير من الأمور الكبيرة التي تنخر المجتمع من جهل وفقر ومرض .. لعل ما يصدم في تلك العقدة المعقدة ، هو أننا نجدها وبنسبة كبيرة في كثير ممن هم حولنا ، أو فينا نحن بالذات ، حيث نلاحظ في سلوكيات بعضنا ، الكثير من المبالغة والإصرار على الخضوع للمقاييس المجتمعية المجحفة ، التي تحول المحافظة على المظهر الخارجي ، إلى عبء نفسي ، ينعكس ألماً على حياة من يهتمون بارضاء غيرهم على حساب قناعتهم الشخصية ، والذين يخافون من انكشاف حقيقة شخصياتهم المناقضة لما يعملون جاهدين على الظهور به من ذوات زائفة ، والذي تكفي هفوة صغيرة من تصرف بعضهم ، أو بوح لسان أحدهم ، دون وعي منهم ، ليجدوا أنفسهم أمام الآخرين في واقع مكشوف مناقض للصورة التي يرسمونها عن أنفسهم .. الأمر الذي قد يتحول إلى ما يعرف بالانفصامات والاكتئابات والهلوسات والوساوس القهرية ، التي تدفع بالكثير منهم إلى اللجوء إلى توظيف كل الحيل الخارقة ، والألاعيب الكبيرة القادرة على إخفاء حقائقهم الفاضحة ، وتصعيب ادراك الغير لمعاني سلوكياتهم الشخصية غير السوية، والهدف من وراء الكثير من تصرفاتهم المنحدرة ، التي يأتون بها للمحفاظة على المظهر الخارجي ، الذي تُقيّم بواسطتها المجتمعات المتخلفة الأشخاص ، وتحكم عليهم من خلاله ، والذي أصبحت ، مع الأسف الشديد ، غالبيتنا العظمى ضحية له ، إلا من رحم ربي ، وشكل استثناءا بتمسكه بالصّدق مع الذّات ، وفي علاقته مع الآخرين ، فعافاه الله من داء ، بل وباء ، عقدة "الشكل أو المظهر الخارجي " وألهمه سبحانه وتعالى توظّيف إيجابيّاته وتطويرها لتخطي سلبيّات التقلّب والتبدّل وفقا للمتطلّبات المجتمعية المظهرية الزائفة ، وتلافي مضار الإنجرار خلف أحاكم الغير وآرائهم الخاطئة -التي تفقد المرء الكثير من اتّزانه ورصانته وتجعل منه جزءا من القطيع ، أو نسخة مستنسخة من نعاجه - ليعيش إنسانا ثابتا مستقرّا محبوبا من الآخرين كما هو ، بعيوبه وليس بمقدار تقديسه الخداع والتلفيق والمراوغة والمزاوغة ، وإجادته ارتداء قناع المثالية والأخلاق الدينية والاجتماعية ، وليس كما يريد له الغير أن يكون ، يتزي بزيّ الحرباء ، يلبس لكل حالة لباسا ، ويتكيف مع كل وضع وفق تغيّر احواله ، وتبدل مآله ، على حساب الضمير ، والنزوع الانساني ، وصفاء الضمير .. تلك السلوكيات ، التي تتظاهر فئة كبيرة من مجتمعنا بأنها متمسكة بها ، ما هي في حقيقتها إلا وسيلة تبريرية للتحكم في الرقاب ، والاعتداء على براءة العقول ، وتشويه الأفكار ، وقمعها بأوامر ونواهي أولئك الذين صادروا القرار الالهي , وأصبحوا بقدرتهم هم لا بإرادة الله ، يُدخلون الجنة والنار من ارادوا من اتباعهم ، ويخرجون منها من لا يُريدون ممن خالفهم الرأي والتوجه ، لأجل كبح وتقييد وتكبيل وإضعاف المختلفين ، باستعمال كل الوسائل الوحشية ، التي وصلت إلى حدود كارثية من الصراع والتناحر والقتل ، وعلى رأسها سلطة الدين التي اغتصبوها من رجاله الحقيقيون ، الذين احترموا العقول قبل الأصول ، وقدسوا الدين أكثر من رجاله ، وتجنبوا الحرام أكثر من العيب ، الذين قدموا ارواحهم ودماءهم في سبيل الله ، وأطاعوه بايجابية سلوكياتهم وترفعهم عن الصغائر ، رافضهم للظلم ، وتمردهم على الهوان ، وأخذهم بأسباب بناء الصروح الكبيرة المحققة للتنمية والإنتاج ، والموفرة للغذاء ، والشاحذة للعزائم والمطبقة للمناهج الصحيحة المنشئة للأجيال المتفاعلة مع الحياة التي لا تخاف ثعابين وسحالي عتمة القبور !! حميد طولست [email protected]
#حميد_طولست (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لكل جهنمه !!!(2)
-
فضائح أئمة المسلمين الجنسية !
-
الحكامة في المشهد السياسي !
-
لكل جهنمه !!!
-
حوار ودي مع نقابي متميز على هامش يوم دراسي .
-
معاناة المعالم التراثية العمرانية الحضارية والتاريخية للمدن
...
-
لماذا رثاء المهندس خالد الغازي؟
-
رثاء المهندس خالد الغازي
-
وداعا المهندس خالد غازي .
-
كفى فتنة ، فقد بلغ السيل الزبى!
-
الحملات العنصرية الخاسرة للإسلاميين ضد الأمازيغ .
-
كل عام و -رجال العام - ، بكل خير !
-
الويسكي والشمبانيا في ميزانية 2014 للحكومة الإسلامية !
-
كل عام وانتم بالف خير ...
-
تشييع جماعة الإخوان إلى مثواها الأخير !
-
بياض الثلج يزين حمرة لافتات المشاركة في استفتاء الدستور..
-
الرياضة والسياسة (5) .
-
حفل افتتاح الكارثي وفاشل بكل المقاييس
-
جولة في مطاعم الفول الشعبية 2
-
جولة في مطاعم الفول الشعبية
المزيد.....
-
“عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي
...
-
شاهد..المستوطنين يقتحمون الأقصى في ثالث أيام عيد -الفصح اليه
...
-
الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام
...
-
طلاب يهود بجامعة كولومبيا: مظاهرات دعم فلسطين ليست معادية لل
...
-
مصادر فلسطينية: أكثر من 900 مستعمر اقتحموا المسجد الأقصى في
...
-
مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى تحت حراسة إسرائيلية مش
...
-
سيبدأ تطبيقه اليوم.. الإفتاء المصرية تحسم الجدل حول التوقيت
...
-
مئات المستوطنين يقتحمون باحات الأقصى في ثالث أيام عيد الفصح
...
-
أوكرانيا: السلطات تتهم رجل دين رفيع المستوى بالتجسس لصالح مو
...
-
“خليهم يتعلموا ويغنوا ” نزل تردد قناة طيور الجنة للأطفال وأم
...
المزيد.....
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
-
جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب
/ جدو جبريل
-
سورة الكهف كلب أم ملاك
/ جدو دبريل
-
تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل
...
/ عبد المجيد حمدان
-
جيوسياسة الانقسامات الدينية
/ مرزوق الحلالي
-
خطة الله
/ ضو ابو السعود
المزيد.....
|