أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر - حميد طولست - قرانا وقراهم !!!














المزيد.....

قرانا وقراهم !!!


حميد طولست

الحوار المتمدن-العدد: 4391 - 2014 / 3 / 12 - 02:39
المحور: الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر
    


قُرانا وقراهم !!!
كلما سرح بي البصر في البراري الممتدة خلف نوافذ القطارات ، التي أصبحت من المدمنين على ركوبها نحو كل الاتجاهات ، شرقية كانت أو غربية ، شمالية او جنوبية ، إلا وانقلب إلي البصر خسئا ، من كآبة مشاهد تلك البادية الكالحة ، وحسيرا من بشاعة منظر قراها المزرية البائسة ، التي لا تمتلك وعياً قروياً ولا مدينياً ، ولا وعياً سياحياً أو ثقافياً أو عمرانياً ، وكأنها قرى من مرحلة ما قبل المدينة والمدنية ، لا تليق بالقرن الواحد والعشرين ، تشعر المتجول بربوعها البئيسة ، بالاكتئاب والتذمر والاشمئزاز ، وتدفع به أحوالها البائسة ، إلى المقارنة بينها وبين قرى غيرنا من بلدان الغرب التي تحترم نفسها وتقدر مواطنيها ، التي تضج بالنمو البشري ، وتحفل بكل المتغيرات الايجابية بكل أشكالها البيئية والعمرانية والصناعية ، وترفل بالرفاه والترابط الاجتماعي كسمه لكل جوانب الحياة بها ، وعنوانا للازدهار الهائل الذي هيأته وفرة الوسائل والإمكانات والخبرات والتجارب ، التي تغوي إنسان المدينة بالذهاب صوبها ، حين يفكر بالابتعاد عن ضوضاء مدينته وصخب شوارعها وضنك حياتها ، لاستنشاق هوائها النقي ، والتمتع بسطوع شمسها الناشرة الدفء فوق مروجها الدائمة الخضرة والجمال الذي لا تخطئ عين المسافر تدفق مشاهدها الخلابة عبر نوافذ القطارات المتميزة براحتها وسرعتها ...
مقارنة ليس فيها نمة على البلاد ، ولا مسا بقيمة العباد ، وليس بها انتقاصا أو تقليلا من مرتبهما ، بل بالعكس ، هي مقارنة إذا ما دلت على شيء ، فإنها تدل على اهتمامي الكبير بألا تتأدى سمعة البلاد التي أحبها حبا متجذرا في القلب ، ولا شيء يمكنه اقتلاعه منه ، رغم كل الخيبات التي قد تنالني ربما من مناظره المشينة ، وتدل على حرصي اللامتناهي بألا يساء لطبيعتها ، أو تسرق روعتها ، كما أنها تدل على أنها دعوة لإعادة النظر في واقع قاس ومؤلم ومشوه ، أستوطن وجدان الناس ، وتجسد في الطبيعة ، إلى درجة بدا معها أمرا طبيعياً ، بل وأخاذاً في أحيان كثيرة ، رغم كونه واقعاً شاذاً ومؤذياً للعين والخيال ، ويجافي الفطرة والجمال ويعارض اليسر والطبيعة ، ويؤثر تأثيرا كبيرا على نظافتها ونقاء جوها ، ويتسبب في أمراض للساكنة ويسيء للسياحة القروية ..
ولتتأكد من أن قولي ليس افتراء ولا تجنيا ، فما عليك سوى أن تتجول في أي منطقة من باديتنا ، وسوف تجد نفسك أمام أقبح بوادي العالم ، وتلاحظ أن كل ما تناثر فيها من تجمعات سكنية صغيرة -يصطلح على تسميتها بـ"القرى" - ما هي في حقيقتها، إلا منازل شاحبة كسيرة ، غارقة في سحب البؤس الاجتماعي والاقتصادي ، مندمجة في غيوم الكبت النفسي والجنسي والثقافي ، وسابحة في مراثي القهر والضياع والاستلاب ، ليس فيها ابسط أسس القرى المدنية ، فلا كهرباء ، ولا ماء ، ولا طرقات منظمة ، ولا مصحات ، ولا مدارس ، ولا حضانات ، ولا رياض أطفال ، ولا مراكز ثقافية ، ولا نوادي ترفيهية ، ولا سينمات ، ولا مسارح ، ولا حدائق ، ولا مراكز تجارية .
قرى بلا خدمات -بخلاف كل قرى وأرياف البلدان المتقدمة – لا شيء فيها يفضي إلى مسماها ، كل ما فيها : أرض قاحلة نزحت عنها معالم القرية ، فطعنت في نزق والأوساخ ، والقمامة المتراكمة ، والأتربة المتطايرة ، والنفايات المتناثرة حول بيوتها المطلية بلون القبور ، تسكنها أقوام جافة ضائعة ومنقسمة على نفسها ، تموج بها بلا قانون ولا نظام ، للتخلص من حمى الفقر والحاجة ، وتجهد نفسها لإثبات وجودها وانتمائها العائلي ، اعتمادا على نمط عيش (culture) خاص ، خال إلى حد كبير من الفن والذوق السليمين وكل إمكانيات التمتع بالجمال والحضارة والتحضر ، كسلوك وقيم وجماليات قبل أن تكون مظاهر مادية مستوردة ، ما عجل بضياع القرية ، وجعلها تدور في فراغ الوجود والتاريخ ، أو ما يسمى بـ( الحلقة المفرغة ) ، الذي قادها الى فواجع متواصلة من الفراغ التاريخي والموت المستقبلي ، وجعل منها ذاك النموذج السيئ الذي عم البلد طولا وعرضا ، مع ان الكثير من المناطق -رغم شراستها البدوية وبداوتها الشرسة- لم تكن كذلك أبداً ، فتحولت كلها إلى نسخة واحدة قبيحة ، لا تستطيع على البعد أن تقول عنها بأنها بادية ، كما لا تستطيع على القرب أن تقول بأنها قرية.
في الوقت الذي تشهد فيه القرى الأوربية وتلك الموجودة في دول أمريكا وبعض دول أسيا المقارن بها ، الكثير من المسوغات والأسباب والإمكانيات التي تدفع بابن الريف للاعتقاد بشكل راسخ أن قريته ، توفر له بيئة معيشية مثلى ، بما تنعم به من هواء نقي ومناظر طبيعية خلابة ، وإمكانات جبارة ، فيبقى في مكانة دون الحاجة إلى ترك طيوره وأسماكه وحيواناته وأرضة . فترى أغلب أرياف العالم ، وقد أصبحت أكثر نموا وتطوراً ، وكسبت تحولات لا تحصى في شتى جزئياتها ، مع الإبقاء ، وبشكل دائم ، على نوعية الحياة والقيم والثقافة القروية ، من تلاحم قوي في العلاقات الاجتماعية ، وود فياض ، وكرم وافر ، وحماسة للتطوع والمساعدة دون مقابل ..
حميد طولست [email protected]



#حميد_طولست (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لهذا السبب أصبحت مدمنا على ركوب القطار !
- لكل جهنمه !!(4)
- مداخل مدن أم مفارغ زبالة ؟؟
- التعيين العائلي في الوظائف العمومية !
- خائن من يعتصب ورود مدينتي !
- لكل جهنمه 3
- المجتمعات الاستعراضية ، رياء ونفاق !
- لكل جهنمه !!!(2)
- فضائح أئمة المسلمين الجنسية !
- الحكامة في المشهد السياسي !
- لكل جهنمه !!!
- حوار ودي مع نقابي متميز على هامش يوم دراسي .
- معاناة المعالم التراثية العمرانية الحضارية والتاريخية للمدن ...
- لماذا رثاء المهندس خالد الغازي؟
- رثاء المهندس خالد الغازي
- وداعا المهندس خالد غازي .
- كفى فتنة ، فقد بلغ السيل الزبى!
- الحملات العنصرية الخاسرة للإسلاميين ضد الأمازيغ .
- كل عام و -رجال العام - ، بكل خير !
- الويسكي والشمبانيا في ميزانية 2014 للحكومة الإسلامية !


المزيد.....




- ترامب: جامعة كولومبيا ارتكبت -خطأ فادحا- بإلغاء حضور الفصول ...
- عقوبات أميركية جديدة على إيران تستهدف منفذي هجمات سيبرانية
- واشنطن تدعو بغداد لحماية القوات الأميركية بعد هجومين جديدين ...
- رئيس الوزراء الفلسطيني يعلن حزمة إصلاحات جديدة
- الاحتلال يقتحم مناطق بالضفة ويشتبك مع فلسطينيين بالخليل
- تصاعد الاحتجاجات بجامعات أميركية للمطالبة بوقف العدوان على غ ...
- كوريا الشمالية: المساعدات الأمريكية لأوكرانيا لن توقف تقدم ا ...
- بيونغ يانغ: ساحة المعركة في أوكرانيا أضحت مقبرة لأسلحة الولا ...
- جنود الجيش الأوكراني يفككون مدافع -إم -777- الأمريكية
- العلماء الروس يحولون النفايات إلى أسمنت رخيص التكلفة


المزيد.....

- ‫-;-وقود الهيدروجين: لا تساعدك مجموعة تعزيز وقود الهيدر ... / هيثم الفقى
- la cigogne blanche de la ville des marguerites / جدو جبريل
- قبل فوات الأوان - النداء الأخير قبل دخول الكارثة البيئية الك ... / مصعب قاسم عزاوي
- نحن والطاقة النووية - 1 / محمد منير مجاهد
- ظاهرةالاحتباس الحراري و-الحق في الماء / حسن العمراوي
- التغيرات المناخية العالمية وتأثيراتها على السكان في مصر / خالد السيد حسن
- انذار بالكارثة ما العمل في مواجهة التدمير الارادي لوحدة الان ... / عبد السلام أديب
- الجغرافية العامة لمصر / محمد عادل زكى
- تقييم عقود التراخيص ومدى تأثيرها على المجتمعات المحلية / حمزة الجواهري
- الملامح المميزة لمشاكل البيئة في عالمنا المعاصر مع نظرة على ... / هاشم نعمة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر - حميد طولست - قرانا وقراهم !!!