أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ثائر زكي الزعزوع - تفاؤل..ولكنه حذر















المزيد.....

تفاؤل..ولكنه حذر


ثائر زكي الزعزوع

الحوار المتمدن-العدد: 1253 - 2005 / 7 / 9 - 09:20
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


تفاؤل... حذر
في الكثير من النشرات الإخبارية، والتقارير الصحفية، ترد هذه التركيبة اللغوية ذات الإيقاع والوقع الغريب، والتي تدفعني أنا شخصيا للتمحيص والتبصر فيها مليا، كيف يكون التفاؤل حذرا..؟
فإما أن تتفاءل كما ينبغي أي أن ترسم على شفتيك ابتسامة يلمحها البعيد قبل القريب، وأن تستيقظ في الصباح مشرقا كما الشمس حتى وإن كنا في فصل الشتاء والغيوم السوداء تحجب وجه الشمس، فعليك بحكم التفاؤل أن تستحضر روح الشمس التي خزنتها منذ الصيف اللاهب لترسم ملامحها على وجهك، وأن تضحك للنكات التي تروى، لا لأنها مضحكة بل لأنك لا يمكن أن تستهجن شيئا، المقصود منه الضحك والإضحاك، حتى وإن كان كلاما لأحد المسؤولين فيه ضحك على اللحى والذقون، وكذلك أن ترفع عقيرتك عاليا بالغناء لسبب أو بلا سبب، المهم أن تغني دون توقف لكي يسمع المتربصون بالوطن وزلات أبنائه أن الوطن بخير وأن أبناءه يغنون فرحين.
هكذا يكون التفاؤل، ولا مبرر أبدا للحذر وأنت متفائل، لا قلق ولا تلفّت إلى الخلف خشية انقلاب الآية وعودة الأمور إلى ما كانت عليه موشاة بلون التشاؤم، الذي أدمنته كما أدمنت تفاصيل وجوه زملائك في المكتب وصرت قادرا بكل سهولة على معرفة الوقت الذي سيشربون فيه الشاي، ومتى سيخرج كل واحد منهم "سندويشته" التي أحضرها من المنزل لينقض عليها ويلتهمها، وصرت تعرف تماما المواعيد التي يتوجهون فيها للحمام، والمواعيد التي يقررون فيها الحديث في السياسة أو زيادة الأجور، أو قرارات المكافآت وعدم رضائهم عنها، على الرغم من إنهم وأنت واحد منهم لا تستحقونها كونكم أولا وأخيرا لا تعملون بل عاطلون عن العمل.
التفاؤل بحد ذاته هو علم قائم، وفن من أجمل الفنون وأكثرها إمتاعا، فلا يمكنه أن يقلد، ولا يمكنه أن يستنسخ، فهو بلا خلايا، هو كتلة واحدة متراصة ذات بنيان كتيم لا يمكن النفاذ إليه.
إذن فلماذا يكون التفاؤل حذرا؟
كتب أميل حبيبي قبل سنوات كثيرة روايته المتشائل وفيها اقترح مزج التشاؤم بالتفاؤل لينتج عنه مخلوق عجيب يدعى التشاؤل، لكن مخلوق أميل حبيبي لم يكتب له أن يعيش وظلت مفردته التي نحتها حبيسة رائعته سداسية الأيام الستة يوميات أبي السعيد النحس المتشائل.
نعود إلى تفاؤلنا الحذر فأنا وعلى الرغم من حديثي عن التفاؤل فإني والحق يقال أدنو في بعض حالاتي من التشاؤم الشديد الذي قادني في أوقات كثيرة إلى نوع من الكآبة خلّصت نفسي منها بالتحايل عليها، وأظن، وبعض الظن إثم، أني لم أشف منها، ولم تزل عالقة في ركن قصي من نفسي تنتظر الفرصة السانحة لتطل برأسها من جديد.
مستعينا بفن التفاؤل الذي تعلمته نتيجة الخبرة راقبت الوضع السوري خلال السنوات المنصرمة، وكنت كثيرا ما أسمح لنفسي بالترحيب بالخطوات التي تخطوها البلد وإن كانت بطيئة، بل ومتعثرة وغير مجدية في بعض الأحيان، كانت تلك الخطوات تفرحني كوني باحثا نهما عما يبعث الفرح والسرور في النفس، وأتابع وإن على مضض أفلام عادل إمام لعله يحرك وجهه بتلك الطريقة فيرسم ضحكة على محياي.
لا شك أن الوضع كان مختلفا عما كان سائدا من قبل ولعل سقف الرقابة الذي ارتفع لميليمترات ساهم بشكل فعال في الحد من حالة العبوس الأبدية التي كانت تميز الشعب السوري حيثما توجه، فهو الشعب الجدي، المحلل، المتشائم.
ولكني، وللأمانة، كنت أشعر بشيء من خشية الانجراف وراء التفاؤل ولم أدر لماذا كان ذلك الشعور يغلب في الكثير من الأحيان على تفاؤلي، ويفتر همتي وتحفزي للفرح.
قصة ذلك الشعور ابتدأت حين حل خريف دمشق بدل ربيعه، واعتقل عناصر الربيع وأودعوا السجن وهم الذين كانوا لما يبدؤوا مرحلة الإزهار بعد، ثم جاء سحب ترخيص الدومري الأسبوعية، ليكتسب ذلك الشعور قوة إضافية، ولتصير الحالة بعد توالي الحالات أشبه بالقلق الذي يشوبه شيء من التفاؤل... وربما كان مبعث التفاؤل وجود بعض الكتابات هنا وهناك، وبعض الاعتصامات التي لم تفض بالهراوات والعصي، بالإضافة إلى منتدى جمال الأتاسي ونشرة كلنا شركاء ولاحقا أيضا نشرة أخبار سوريا، صحيح أن كلا النشرتين الأخيرتين نشرتان إلكترونيتان ولا يطلع عليهما إلا متصفحو الانترنت، ولكنهما تُركتا، وصحيح أن نشرة كلنا شركاء حجبت عن التداول وصارت عبارة عن رسالة إلكترونية تُتداول عبر البريد الالكتروني للمشتركين فقط، لكن القائمين على النشرتين، حسب علمي، ظلوا يزاولون نشاطاتهم ولم يتم إيداعهم في السجن، وهذا الأمر وللأمانة يدعو للتفاؤل الجزئي.
أما منتدى الأتاسي فقد استمرت ندواته ومحاضراته خمس سنوات دون أن يتعرض أحد من رواده أو القائمين عليه للمساءلة، حتى وقعوا في "المحظور" حين سمحوا للصحفي علي العبد الله بإلقاء كلمة المراقب العام لجماعة الأخوان المسلمين المحظورة، فتم استدعاء أعضاء مجلس إدارة المنتدى ليقبعوا في التوقيف أسبوعا، وهذا الأمر طرد أي سبب للتفاؤل أو أي مبرر له، ولكنهم وبعد أسبوع تم إطلاق سراحهم ليعودوا لممارسة نشاطاتهم، وفي أول دعوة وجهوها للعودة إلى منتداهم تم إغلاق المنتدى، باتصال هاتفي قطع حبل التفاؤل الذي كاد أن يلتئم من جديد، فلم يكمل التفاؤل دورته ولم يتمّ حركته ليصير تفاؤلاً عمومياً غير محدد بزمن أو حدث، تفاؤلاً لمجرد التفاؤل، وتفاؤلاً حراً غير مقيد بالحذر، أو الخدر.
حين يكون الحَذَرُ حلاً!!!
لا شك أن التفاؤل حل استثنائي، ولا بديل له، فهو أشبه بطوق النجاة الذي يُلقى لغريق فيخرجه من فم الموجة التي قررت أن تضع نهايته، ولا شك بأنه خيار حين تقبع أجهزة القمع على ناصية كل شارع وتتربص كل همسة، وكل سكتة، وكل بوح.. حتى وإن كان بوح عاشقين يشبهان روميو وجولييت.
حذري يدفعني لئلا أسمي الأمور بأسمائها الحقيقية، ويدفعني لئلا أنجرف وراء التصريحات فأستبشر خيراً، ويعلمني أن المرحلة التي يسود فيها التفاؤل مرحلة عابرة، وأن الحل النهائي بالحذر لا بالتبجح بتفاؤل أعمى لا مبرر له.
أفهم مع الأيام كيف يكون التفاؤل حذرا، وأفهم كيف تكون الحلول حذرة، على الرغم من أننا ومنذ نعومة أظفارنا تعلمنا المقولة البليدة التالية: اضحك للدنيا تضحك لك، ويبدو أنه آن الأوان لنعلن مقولتنا التي سنلقنها لأجيالنا القادمة: تفاءلوا ولكن احذروا... واحذروا.
هل يسمى الحَذِرُ خائفاً؟
في التراث الديني الإسلامي لُقّنّا ألاّ نلقي أنفسنا إلى التهلكة، وأن نستعين على قضاء حوائجنا بالكتمان، فالجدران لها آذان وقد تنتقل عبارة نقولها في غرف نومنا لتؤرق نوم جهاز أمني كامل متكامل فتحذّره، فينقض علينا.
وقد علمونا طوال سنوات عمرنا الطويلة أن لكل مواطن منا رجل أمن يسهر على راحته وأمنه، وراحة لسانه، ويجنبه الوقوع في الخطأ وفي الباطل، وألا يتحدث لا في السياسة ولا في الاقتصاد، ولا في الرياضة، ولا في الحب، ويحدّد له أولويات لسانه، فاللسان حصان، ولكل حصان كبوة، والكبوة محسوبة، وويل لمن يكبو حصانه، ولذا فإن الحَذِرَ لا يخاف لكنه لا يريد أن يقتاد فجرا "مشحوطا" وهو يتلمظ منامه ليُدق عظمه، ويُسحب لسانه ويُغسل ويُعاد تصنيعه وفقا للقوانين والأنظمة المرعية،
وقد يحدث في حالات أخرى أن يتم تصنيع عقله من جديد ليصير عقلا سليما يناسب المرحلة، ولا يكلف صاحبه جهد وعناء الحذر أثناء تفاؤله.



#ثائر_زكي_الزعزوع (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فضائيات بفتح التاء
- ديمقراطيون ولكن بالمجان
- عندما نبعث نحن الموتى
- بعيدا من السياسة
- ما الذي يعنيه أن تكتب في السياسة
- لماذا التنكيل بسوريا؟
- كي تكون معارضا
- انتماءات
- كنا هناك... أذكر سلمى تماما
- فن تصريف الفجائع
- -المعارضة-سر وجود -النظام-
- -سوريا-ليست-سورية-
- ما هكذا يكون النقد ياأستاذ نصرة
- فلنفكر معا
- اعتصام وتفكير
- طهروا أبناءكم
- مامعنى رأيك؟
- بيانان الأخوان المسلمون ورفعت الأسد يدعوان للمصالحة الوطنية ...
- آخر أخبار الوطن
- نص المحو


المزيد.....




- بالأرقام.. حصة كل دولة بحزمة المساعدات الأمريكية لإسرائيل وأ ...
- مصر تستعيد رأس تمثال عمره 3400 عام للملك رمسيس الثاني
- شابة تصادف -وحيد قرن البحر- شديد الندرة في المالديف
- -عقبة أمام حل الدولتين-.. بيلوسي تدعو نتنياهو للاستقالة
- من يقف وراء الاحتجاجات المناهضة لإسرائيل في الجامعات الأمريك ...
- فلسطينيون يستهدفون قوات إسرائيلية في نابلس وقلقيلية ومستوطنو ...
- نتيجة صواريخ -حزب الله-.. انقطاع التيار الكهربائي عن مستوطنت ...
- ماهي منظومة -إس – 500- التي أعلن وزير الدفاع الروسي عن دخوله ...
- مستشار أمريكي سابق: المساعدة الجديدة من واشنطن ستطيل أمد إرا ...
- حزب الله: -استهدفنا مستوطنة -شوميرا- بعشرات صواريخ ‌‏الكاتيو ...


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ثائر زكي الزعزوع - تفاؤل..ولكنه حذر