أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ثائر زكي الزعزوع - كنا هناك... أذكر سلمى تماما














المزيد.....

كنا هناك... أذكر سلمى تماما


ثائر زكي الزعزوع

الحوار المتمدن-العدد: 1200 - 2005 / 5 / 17 - 10:21
المحور: الادب والفن
    


قصة

كنا هناك...
أذكر سلمى تماماً... أذكر عينيها الباحثتين في التفاصيل عن شيء ما، لم تكن الساعة، كما زعمت، قد تجاوزت العاشرة مساء، لكن المطر والغيوم منحانا شعور الفجر، وفي لحظات تمايلنا كغصني زيتون وانسكبنا على المرج الأخضر.
قالت: هل تعلم تبدو هذه الوريقات السابحة على وجه النهر نجوماً في السماء.
سرنا باتجاه التقاطع تركت يدها تسافر بعيداً، ومضيت يغلفني ذلك الهدوء الذي يسبق الموت والحزن، لم أدر أني قادر على امتلاكها ساعة أخرى إلا حين انبثقت الشمس بوقاحتها من خلف أعذاق النخيل المتراصة، على الضفة الشرقية للفرات.
أذكر جزيئات سلمى تماماً... عندما كنا صغارا بحجم عصفورين، لم تكن تبالي كثيرا بحالات شعرها وهو يتدفق على ظهرها معلنا عصيانها وشغفها، كانت تقول وهي تحك أرنبة أنفها: هيه، مرحباً، أما زلت تحصي النجوم؟..
لم أكن في الحقيقة أحصي النجوم، بل كنت منشغلاً أكثر بالتفكير بها، كنت أتحين الفرص للانقضاض على لحظات سكونها لأوقف عجلة الوقت قليلاً، وحين أتمكن من التقاطها، كنت لا أنفك أرنّم وأنا أدق بإحدى قدمي أرض الغرفة: سلمى... سلمى.
لعلها ذات أرق، أو ذات صداع نصفي بفعل الشقيقة، تستجيب لنداءاتي التي ظلت تتردد عقودا طويلة.
على الطرقات الموحلة في البساتين.. كنا هناك، ربما لم نكن قمرين، ولا زهرتي عباد شمس، ولكننا كنا هناك، بأحلامنا كلها، بنزقنا كله، وقلقنا، وألقنا، وتفتّح قلبينا، نعم كانت تحتويني، وتحتوي إحساسي المريع بالحزن وأنا أرى الشعر الأبيض بدأ يلون شعري الكستنائي، وأنا أرى أسناني المنخورة وهي ترجني رجاً كلما انقضت ساعات من الليل والسكينة، وأنا أرى تعب العمر والكلمات والذكريات يتفلت من بين يديّ.
كان زهير عبد الله المنبثق في لحظة شرود لا منتهية قد أخفى وجهه بكلتا يديه لكن ابتهال لم تكن قادرة على استيعاب تلك الحالة، ولذلك فقد فردت جناحيها وحلقت عالياً، عالياً.. دون أن تترك أية مساحة لتحط قريباً من قلبه.. حين رأيت زهير عبد الله قبل يومين لم أصدق أنه كان بسيطاً مثلما كان دائماً حدثني عن الورود والعصافير والشعر... تركته هناك حيث تركته أول مرة... وسرت باحثاً عن سلمى..
أدق الفراغ، نعم كان عليّ أن أدق الفراغ، وأن أدكه دكاً، كي أكتسب تلك الصفة المحببة، وتلك العادة الخارجة على التقاليد، أن تكون في الوقت ذاته حاضراً وغائباً، وأن يكون حضورك، كلما كنت حاضراً، غياباً بكل تفاصيله.
قالت سلمى: استمع إلى هذه الأصوات الغريبة... إنهم يرثون أنفسهم...
لم نكن أصدقاء كما ينبغي، لم نكن عشاقاً كما ينبغي. كنا عابرين في نفق مظلم، ولم نستطع إدراك أحجامنا فارتطمنا بالجدران، وسقطنا في الجحور.
صحيح أن سلمى هربت مرة من رجل الأمن الذي كان يتعقبها، لكنها بعد أيام قليلة استطاعت أن تكتب تقريرا تفضح فيه أسرار الحب والعلاقات العابرة، وبذور الثورة التي كانت تشبه لفافات التبغ المحترقة.
لا جدوى...
هكذا انقضت سلمى كما كان يجب أن تنقضي، بلا مقدمات، ولا نتائج، ولا أي شيء، فقط انقضت سلمى.
حين وقعت عيناي عليها منذ يومين كانت تتمايل، تفتش في الوجوه المتناثرة على قارعة الطريق كالأفكار تماماً عن وجه تعرفه، حين رأتني تراجعت إلى الخلف... إلى الخلف بعيداً، وغابت في الزحام.
ركضت وراءها، حاولت اللحاق بها، وحين لم أستطع، قلت كعادتي دائماً: لا لم تكن سلمى، ربما لم تكن سلمى.
وعدت أجر قدميّ أحاول لملمة أشلائي وأشيائي، أحاول أن ألوّن وجه سلمى بلون غير هذا الرمادي الكئيب.



#ثائر_زكي_الزعزوع (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فن تصريف الفجائع
- -المعارضة-سر وجود -النظام-
- -سوريا-ليست-سورية-
- ما هكذا يكون النقد ياأستاذ نصرة
- فلنفكر معا
- اعتصام وتفكير
- طهروا أبناءكم
- مامعنى رأيك؟
- بيانان الأخوان المسلمون ورفعت الأسد يدعوان للمصالحة الوطنية ...
- آخر أخبار الوطن
- نص المحو
- قاب فراغين
- فهرنهايت 11/9 سيد البيت الأبيض عاريا
- بيكاسو يدين (الحريـــة) الأميركية
- قصائد
- الروائية السوريةأميمة الخش: المفجع أن ثقافتنا باتت من الركاك ...
- حوار مع الفنان التشكيلي محمد غنوم
- كِفَايَتِي مِنَ الحُبِّ
- كتاب اليأس - للمقاومين الحق في أن يقاوموا .. ولي الحق في أن ...
- حوار مع الرسام السوري برهان نظامي : حين أمسك بالسكين أحس بأن ...


المزيد.....




- البيت الأبيض يدين -بشدة- حكم إعدام مغني الراب الإيراني توماج ...
- شاهد.. فلسطين تهزم الرواية الإسرائيلية في الجامعات الأميركية ...
- -الكتب في حياتي-.. سيرة ذاتية لرجل الكتب كولن ويلسون
- عرض فيلم -السرب- بعد سنوات من التأجيل
- السجن 20 عاما لنجم عالمي استغل الأطفال في مواد إباحية (فيديو ...
- “مواصفات الورقة الإمتحانية وكامل التفاصيل” جدول امتحانات الث ...
- الامتحانات في هذا الموعد جهز نفسك.. مواعيد امتحانات نهاية ال ...
- -زرقاء اليمامة-... تحفة أوبرالية سعودية تنير سماء الفن العرب ...
- اصدار جديد لجميل السلحوت
- من الكوميديا إلى كوكب تحكمه القردة، قائمة بأفضل الأفلام التي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ثائر زكي الزعزوع - كنا هناك... أذكر سلمى تماما