|
رجل داهمه المطر !
يوسف ابو الفوز
الحوار المتمدن-العدد: 1253 - 2005 / 7 / 9 - 09:45
المحور:
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
رغم البرد الخفيف ذلك المساء ، توجهتُ بحيوية الى قاعة الاحتفالات في مبنى نقابات العمال في موسكو ، وهناك التقيتك . كان يوما من أواخر اذار عام 1993 ، وكان لقاءنا الأول والأخير . ربما أكون غادرت ذاكرتك ألان (احتفظ بصورة لكِ ، بالأسود والأبيض ، وأنتِ تجلسين هادئة ساكنة في كرسي كبير يكاد يضيع فيه جسدكِ الضئيل ، لون ثوبك غامقا ، وتسريحة شعركِ الأسود القصير بسيطة ، وعلى وجهكِ يرتسم هدوء جميل ) ، هرج الحفل لم يتح حتى لرفيقي الذي قدمني لكِ أن يتحدث كثيرا معكِ ، ولم أتفوه ساعتها بأكثر من : لي الشرف ! أريد ألان ، بعد كل هذه السنين ، ان أتحدث اليكِ ، ربما تعويضا عن ذلك المساء الصاخب . كان بودي يومها ان أحكي لك أشياء كثيرة ، منها ان لي أختا في العراق البعيد ... البعيد ، الذي اضطررت الى الهروب منه منذ سنين طويلة ، في رسائلي السرية المرسلة لها عبر دروب ودروب ، اخترت لها اسمك : سوزان ! اليوم أود ان أحكي لك عن أشياء عديدة منها : نمو النخيل في جبال النرويج ! سوزان ... ليس في الأمر دعابة ، فأنا جاد تماما ! في 1935 كان ثمة رجل عراقي ، وصل مدينة موسكو ، ويوما ما من تموز ، كان يتنزه في حديقة غوركي ، وفجأة داهمه مطر صيفي غزير ( لاحظي يا سوزان ... دائما ثمة مطر في حكايات العراقيين ) ، فالتجأ ومترجمته الخاصة الى شقة صديقتها. كان اسم الصديقة " أرينا جيورجيفنا " * ( أنت تعرفين تفاصيل الحكاية ومع ذلك أعيدها لك ألان بترتيب يناسب رغبتي في الحديث معك ) فيما بعد ، وهي تقص ذكرياتها عن ذلك اليوم ، قالت السيدة أرينا جيورجيفنا وفي عينيها يلمع بريق الوفاء : ـــ فجأة سمعت على الباب دقات متسارعة . فتحته فوجدت أمامي صديقتي المترجمة وخلفها رجل شرقي الملامح ، متوسط الطول ( في مذكراته وصفه الجواهري انه : اقرب الى القصر ! وقال اخرون عنه ومنهم زكي خيري انه : مربوع القامة ، متين البنيان ) ، في الثلاثينات من عمره ( تعرفين جيدا ويعرف الكثيرون انه مواليد 1901) ، وكانا مبتلين بالمطر . مطر ... ! كيف كانت ستسير الأمور ــ يا سوزان ــ لو لم يهطل المطر ؟ كيف كان لحكايتنا ان تزهر لأرويها لك وللاخرين من دون المطر ؟ هل كان يمكن لسياب جيكور ان يكتب أناشيد الوجع العميق عن ذؤابات النخيل وأناشيد الصيادين الفقراء من دون المطر ؟ وهل كان يمكن لاغاني الأمهات المترعة بالوجد والشكوى ان تعشوشب بالامل من دون المطر ؟ مطر ... مطر يا حلبي أشعندك أبيت الجلبي ؟ مطر ... مطر يا قداح عبر بنات الفلاح مطر ... لك ان تصلي يا سوزان للمطر ، فبين الرجل الغريب ، الثلاثيني ، والسلافية الفاتنة أرينا جيورجيفنا ، ولدت حكاية : ــ مكثا في بيتي فترة ، تحدثنا فيها عن مواضيع عديدة ، كان هذا اللقاء كافيا لكي يجعلنا ، أنا واياه ، نرتبط بصداقة وثيقة ، كانت علاقتنا تتوطد باستمرار بعد اللقاء الأول ، وكنا نتجول في شوارع موسكو حتى الصباح أحيانا . ينقر المطر في موسكو بلاط الساحة الحمراء ، قباب الكرملين ، شوارب ستالين الكثة في صوره المرفوعة فوق كل سارية ، وقرميد بيوت العمال ، وهم يحتسون "السماغون " ** ويدخنون تبغا رخيصا ، ويتبادلون هواجسا شتى لا تمنعهم من الحلم بيوم جديد يمنح الانسان فجرا لا مثيل له ، ويداعب وجنتي الفاتنة أيرينا جيورجيفنا ، وهي تشد بقوة على أصابع الرجل القادم من خفايا الف ليلة وليلة ، من هوسات فلاحي ثورة العشرين ، من إضرابات عمال موانئ البصرة ، من البيانات السرية الاولى ... ناثرا الآمال والأسرار والسعادة في ايامها التي ارتبطت بأسمه : ـــ تحسستُ مشاعره الرقيقة نحوي قبل ان يبوح بها مباشرة . ومثلما في مواقف عديدة وردت في سيرة حياته اللاحقة ، حسم رجلنا المداهم بالمطر أمره : ـــ عندما اختمرت فكرة الزواج عنده صارح والدتي قبل ان يصارحني ، كان متأكدا من قبولي ، وقد أبدت والدتي في البداية تخوفا من ارتباطي برجل غريب ... كانت أم أيرينا تخشى الغموض الذي يلف شخصية هذا الغريب ، الذي يتحدث مع الجميع عن كل شئ عدا حقيقة شخصيته . ــ كنت أريد ان اعرف كل شئ عنه وعن بلاده ، لكنه كان يتهرب من ذلك ، وكان أساسا يتهرب من رغباتي في التقاط صور تذكارية ، كنت أخمن بان ظروف عمله تتطلب ذلك ... وهي تتحسس جذوة الحب العارم لكل ما هو جميل ومشرق في قلب حبيبها الغامض ، ابدت أرينا جيورجيفنا احتراما وتفهما كبيرا لظروفه : ــ ... وجاء في اليوم نفسه وهو يحمل كل متاعه ليسكن بيتنا ، كان كل متاعه رزمة من الكتب وكيس برتقال . برتقال ... ! البرتقال يا سوزان له عندي اكثر من حكاية ، لكن سأكتفي هنا بواحدة منها ، حكاية تحمل معان اكثر من روح الدعابة ، ففي زمن يختلف عن الزمن الذي عاشه رجلنا الغريب الغامض ، وصل موسكو شاب عراقي ( ثلاثيني أيضا !) مترع بالآمال والاماني والجنون بالحياة ، وفي يوم ما قرر هذا الثلاثيني ، الانتقال ليعيش في بيت صديقته الروسية . قبل ان يصل بيتها ، فجأة ترك الحافلة وسط دهشة مرافقيه وهرول الى اقرب سوق واشترى ... كيس برتقال ! الصديقة فهمت ان ذلك من عادات العراقيين وراحت تتحدث عنه في مجالسها وكأنها ضليعة بالعادات الشرقية ! ــ ... وهكذا تزوجنا ، كانت حياتنا منذ بدايتها بسيطة وهادئة ، كان يعلمني الانكليزية ، وكان يحاول ان يساعدني في العمل المنزلي و ... كان رجلنا الغريب يتجول في موسكو ، ويرى كيف ان كلمات لينين تحولت الى شقق سكنية ، ومدارس ودور حضانة ومولدات كهربائية وانهار جديدة في قلب الصحراء ، ويسأل مترجمته عن كل شئ ويطابق ذلك مع المستقبل في بلاده ، وكان هاجسه الدائم : ـــ متى سيتحقق لشعبي مثل هذا ؟ لم يكن هذا الغريب ، الغامض ، الذي داهمه المطر ، يا سوزان سوى : يوسف سلمان يوسف ، أبوك ، الذي تشير سيرة حياته ( التي صارت معروفة الان وكتب كثيرون عنها ) انه مواليد مدينة بغداد ، لعائلة كلدانية قدمت من قرى الموصل ( يقول زكي خيري انها قدمت من قرية برطلة ويقول جميل توما انها القوش ) كان جدك حلوانيا ، وكان أبوك في السابعة من عمره حين انتقلت عائلته الى البصرة حيث درس في مدارسها ، وفي عام 1919 انتقل الى الناصرية التي كانت ضمن مقاطعة المنتفك لمساعدة عمك داود في تشغيل معمل صغير للثلج . وعن الاوضاع في مقاطعة المنتفك في سنة انتقال أبيك ، وصف ضابط بريطاني في تقريره مزاج الناس "بالبارود القابل للانفجار لاي شرارة "، وفي 1920 جاءت الشرارة من فلاحي السماوة والرميثة ، وكانت ثورة العشرين التي حكى في السجن لرفاقه بأنها حركت فيه أول شعور بحب وطنه وتركت تأثيرها على ارتباطه بالنضال الوطني . وعن أبيك ، زوجها المهموم بشعبه ووطنه والأسئلة الكبيرة التي جاء الى موسكو ضمن سعيه المتواصل في البحث عن أجوبة لها ، تقول امك ، أيرينا جيورجيفنا : ـــ كنت لا أراه الا وهو يدرس أو يكتب ، حتى في الليل كنت استيقظ فأجده منكبا على كتاب أو جريدة أو دفتر كتابة . في مذكراته ، يقول عبد الرحمن سلطانوف ، نائب رئيس القسم العربي ومدرس الاقتصاد السياسي والجغرافية الاقتصادية في جامعة كادحي المشرق في موسكو في 1935 ، عن أبيك ، الذي كان تلميذه وصديقه ورفيقه : ـــ كان شابا متعطشا للعلم ، يصارع الزمن ويريد ان يعرف كل شئ ... نعم كل شئ ، ليتوغل في أعماق الظاهرة . كان يتميز بأنضباط عال وبتواضع جم وحس مرهف . كان تلميذا يجيد فن الاصغاء ، لم يكن يحب الصخب والثرثرة لقتل الوقت ( يسجل حنا بطاطو عنه : كان يزدري المناقشات الطويلة التي لا شكل لها ) ، كان قليل الكلام ( يضيف زكي خيري : خفيض الصوت يتكلم بأناة) ولكنه يركز بدقة على الموضوع الذي يتكلم عنه ( وقال عنه بهجت العطية مدير الشرطة السياسية في العهد الملكي : كانت لديه حجج اقناع قوية ، وله موهبة تفسير الامور بطريقة واضحة وبسيطة ) . كان يصارع الوقت وتحس حين يتكلم بأنه يستل كلماته من أعماقه، يبلور جملته بصدق وبساطة ( ويضيف حنا بطاطو : بانه كان ميالا الى الحديث باختصار ، وفي احيان كثيرة كان يجلس ساعات دون ان ينبس ببنت شفة ، ولكن حين يتعلق الامر بشرح خط سياسي او احدى نقاط العقيدة كان اقل بخلا بالكلمات ) . وجهه صارم كعامل منجم . حين يبتسم ، وهو قليل الابتسام ، تحس بفرحة طاغية تغمره ، عيناه لهما بريق خاص ( عن عينيه قال زكي خيري : مقرح الجفنين قليلا يضيئ من بينهما شعاع بعيد ينم عن ذكاء عميق ، بينما قال الجواهري : في عينيه شئ من العمش لربما بسبب عمله وراء الماكنة ) . فضلا عن ذلك كان نموذجا للأناقة والنظافة (يؤكد زكي خيري : بسيط المظهر كما لو كان فلاحا) وكان يعرف كيف يستفيد من الوقت وحظي باحترام رفاقه وأساتذته . وهناك في عراق النخيل ، الرازح تحت القيد الاستعماري ومخالب شركات الاحتكار وعسف الاقطاع ، وتحت الرقم487 من ملفات الشرطة وبتأريخ 1936 . 8 . 5 كتب أحد عملاء الشرطة : ـــ ان اعادة تنظيم الحزب الشيوعي ( العراقي ) لا يتوقع ان تتم قبل عودة شيوعي مهم ، قاد خلايا البصرة والناصرية والديوانية وبغداد وكركوك والعمارة والكوت واماكن اخرى ، من موسكو ... وهذا الشيوعي المذكور هو يوسف سلمان ، من سكان الناصرية . ومثلما تعرفين فان نبوءة هذا العميل لم تكن بدون معنى ، عاد ابوك ومنح كل جهده لهدف بناء هذا الحزب ، وابتدأت لديه حياته الحقيقية (في سجن الكوت ، سأله رفيق سجين معه عن عمره فأجاب : يبدأ عمري يوم دخولي الحركة الوطنية اما الباقي فليس من عمري ) ومثلما تعودت منه امك ، كانت حياته باستمرار مغلفة بالاسرار ، فهي تتذكر انه حين سافر لم يودعها : ـــ ... وقد اخفى عني حتى خبر سفره . فاجأ امك برسالة من باريس كتبها بالانكليزية والروسية ، كانت هي الرسالة الوحيدة التي استطاعت الاحتفاظ بها بعد ان اتلفت الحرب العالمية كل شئ : ــ عزيزتي أيرا ... أرجو ان تكوني في افضل حالات الصحة والسعادة . يؤسفني انني لم استطع الكتابة اليك في وقت اسبق . اهنئك بعيد ميلادك ، اشتريت لك هدية بهذه المناسبة ، ارجو ان تتقبلي هذه الهدية المتواضعة . أنا واثق من انك ستغفرين لي يا عزيزتي . كانت امك حاملا بك ، ظلت تنتظر ولادتك ، وظلت تنتظره . وصلتها منه رسائل عمد الى كتابتها مسبقا وتركها مع رفاقه المتواجدين في موسكو ، وطلب منهم ايداعها في صندوق البريد في التاريخ المسجل عليها . عند عودته مرة ثانية الى موسكو عام 1942 للمشاركة في اجتماع ممثلي الأحزاب الشيوعية ، كانت زيارته قصيرة وكان عجلا للعودة ، فلم يملك الوقت الكافي لرؤيتك اذ كنتِ في احد دور الحضانة بعيدا عن موسكو التي كانت تعيش أجواء الحرب ، فالغزو الهتلري اجتاح اراضي الاتحاد السوفيتي ، واقتربت جيوش العدو من مدينة موسكو ، ومرة حطم صوت المدافع زجاج البيت ، أصلح زجاج النوافذ بنفسه ، وابدى تفاؤله بهزيمة النازية . كانت امك مسرورة بزيارته ، ورغم علاقته الحميمة معها لم يبح لها بمركزه الحزبي ولا بمهامه الحزبية . وغادرها وهي تعيش أمل عودته يوما ما ، كانت لامك يا سوزان ذاكرة طيبة وتحمل لابيك احلى الذكريات : ـــ حلوه ! كانت هذه الكلمة العربية الوحيدة التي تعلمتها منه ، وكانت تشعر بالفرح اذ يدلعها بذلك . تتذكر امك جيدا انه في رحلة في نهر موسكو وهو يجذف كان يدندن بأغنية عراقية (هل يمكن لأحد ان يخمن تلك الاغنية واية تداعيات مرت بباله لحظة ترديده لها ؟) ، وتتذكر انه لم يكن حماسه كثيرا للموسيقى الكلاسيكية ( لقد زعل شاب عراقي ، موسيقي وهوعازف الة جلو في فرقة سيمفونية ، في العشرين من عمره مقيم في المنفى حين سمع ذلك ، واقنعناه بان والدك ومثلما تروي امك في كل الاحوال كان يميل الى الموسيقى الثورية ) وكان ضعيفا في الرسم ، فهل تصدقي يا سوزان ان ابيك حين كتب مقالا لجريدة الحائط المدرسية اخفق في رسم المطرقة والمنجل ، هذا الشعار الذي رسمه بدمه في ارجاء وطنه العراق ؟ فحين تمكنت الحكومة من اعتقاله ( وقصة محاكمته صارت حكاية ثورية معروفة ) ، واعادت محاكمته ، ثم ووفق المادة ( 89 أ ) من قانون العقوبات البغدادي حكمت عليه بالموت شنقا لنشره الشيوعية ، فأنه ظل محتفظا بثقته بقوة افكاره وحيوية حزب المطرقة والمنجل الذي منحه جهده وحياته . موته البطولي وجه صفعة لاعدائه بصلابته وشدة عزيمته ، وهذا كله جعل بكر صدقي يتململ وهو في قبره . الجنرال بكر صدقي الذي لم يقف حد عند طموحه الشخصي الىالسلطة ، فعمد في التاسع والعشرين من تشرين الاول في العام 1936 ، الى قيادة وحداته العسكرية ونفذ اول انقلاب عسكري في العراق والوطن العربي ، انقلابه الذي ايده كل اليساريين والشيوعيين منهم ، وخرجت تظاهرات لمساندته ، اذ توسموا فيه خيرا للبلاد ومستقبلها ، بل اصدر الشيوعيون بيانا حزبيا في الاول من تشرين الثاني ونظموا بالتعاون مع جماعة الاهالي عددا من مظاهرات التاييد ترفع شعارات تطالب بالخبز للجياع والارض للفلاحين وتندد بالفاشية ، لكن بكر صدقي وبعد بضعة شهور دخل لعبة الصراع على السلطة ، واستخدم الجيش فيها كأداة في الصراع ، جاهر بموقفه العدائي للديمقراطية وانطلقت حملة ضارية ضد الشيوعية، وتوج ذلك بصرخته : ــ لن تنبت جذورالشيوعية في العراق الا اذا نبت النخيل في جبال النرويج! سوزان ... يا ترى لماذا اختار النرويج وليس السويد ؟ سؤالي هذا ليس لان أعداد العراقيين في السويد هي اكثر من أي بلد اسكندنافي اخر ، بل لانه لو كان اختار السويد لكان ذلك اكثر ملائمة لحكايتي التالية : ان رحلة البحث عن سقف آمن ، التي قادت الالاف من العراقيين الى بلدان الشمال الاوربي ، قادت عراقيين الى السويد ، الاول سكن شمال السويد ورأس جمعية بأسم ( نادي الصداقة ) ، والثاني سكن ستكهولم ورأس جمعية بأسم ( عصفور الشرق ) ، معا اصدرا مجلة للاطفال اسمياها " النخيل " . رئيس نادي الصداقة له أخ اصغر منه يتعاطى الشعر ، ويجعله هدوؤه المفرط يبدو كأنه منطو على نفسه ، ولكنه في كل الاحوال والظروف لا ينسى انه عراقي حد النخاع ، ويوما ما سأله احد المتذاكين بشكل أحس شاعرنا ان فيه شئ من دغش ولؤم : ما الذي يفعله اخوك في شمال السويد ؟ أجابه شاعرنا ببساطة : يزرع النخيل من اجل ذاكرة ابنائك ! سوزان ... لقد نما النخيل في جبال النرويج يا سوزان ! وان ما يسجل لبكر صدقي هو تشبيهه الشيوعية بالنخيل . فالحزب الذي منحه ابوك كل جهده وحياته ، تمتد جذوره في تربة العراق عميقا مثل نخلة بهية . ورفاق ابيك بعد ان امتلأت بهم ارض النخيل ، ضاق صدر الديكتاتور فملأ بهم السجون والاقبية ، وواصلوا مد جذورهم في الارض الطيبة ، وحملتهم جبال كوردستان وعرفت بنادقهم ، وعرفتهم نواحي المعمورة بعيدا عن ارضهم وشمسهم ، بل ووصلوا حد القطب ! صاروا يستقيظون صباحا في ستكهولم وهلسنكي وأمستردام وبرلين وباريس ولندن و ... اوسلو وغيرها ، وقبل ان يتوجهوا الى اعمالهم ، يفطرون بالخبز العربي ودبس A A ، ويبحثون في الصحف عن اخبار وطنهم . لم يتخلوا يا سوزان عن ارتباطهم بالنخيل ووطن النخيل . لهم ذاكرة النخيل وأصالته ، وعيونهم تمتد دائما الى هناك ، الى العراق الذي تحت صهد شمسه تخضر سعفات النخيل ، ومن سمائه يهطل المطر فجأة ، فيبتل ــ يا سوزان ــ رجل وامراة ، يهرعان الى بيت صديق قريب ، ويطرقان الباب بدقات متسارعة ، وتفتح الباب امراة فاتنة ، و ... !
هلسنكي ـــ أيار 2001
هوامش
* ــــ كل ما يرد هنا على لسان السيدة ايرينا جيورجيفنا مأخوذ حرفيا من لقاء اجري معها نشرته طريق الشعب في سبعينات القرن الماضي ، واعيد نشره في العدد 7 من دورية (خبر) اصدار منظمة السويد اذار 1994 .
** ــــ السماغون : كحول منزلي الصنع ذو تركيز عال .
#يوسف_ابو_الفوز (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قصة ملف
-
أيزيدية زهير كاظم عبود
-
ماذا لو مات الشيخ ابو مصعب الزرقاوي ؟
-
رحيل القائد الشيوعي اليوناني المخضرم هاريلوس فلوراكيس
-
نهاية حرب عالمية أم انتصارعلى الفاشية ؟
-
من المسؤول عن تصاعد وتيرة العمليات الأرهابية ؟
-
تداعيات البصرة : ما اشبه هذا بذاك ؟
-
بين الديكتاتورية والمطر وهموم المواطن !
-
في ذكرى مجزرة حلبجة: شهادة شادمان علي فتاح ــ كنتُ هنــاك !
-
ماذا سنقول لـ ليلى ؟
-
هل نحن بحاجة الى محاكمة صدام حسين؟
-
رحيل مبكر !
-
بمناسبة قرب محاكمة الدكتاتور المهزوم : -الانفال- شاهد اثبات
...
-
النائمون !
-
عابرو الشطوط !
-
المثقفون العراقيون خارج الوطن : لماذا يتم ظلمهم ؟
-
- على عنادك يا برد ! -
-
الإرهاب الإليكتروني
-
أفكار عن العراق والانتخابات الرئاسية الأمريكية
-
إضراب السواق في العاصمة الفنلندية هلسنكي
المزيد.....
-
تجويع غزة.. حين يتساوى الميسورون والفقراء
-
قانون طرد المستأجرين: لا بديل عن التنظيم الشعبي للدفاع عن ال
...
-
عمال “المتحدة” يحتجون على عدم صرف رواتبهم للشهر الثاني
-
“أمن الدولة” تُخلى سبيل رئيسة تحرير موقع مدى مصر
-
رقابة وسيطرة ناعمة، عبر الذكاء الاصطناعي كأداة قمع سياسي متد
...
-
حزب الشعب الوطني الكشميري الموحد ينتقد خطاب باكستان بشأن حزب
...
-
كلمة الميدان: الحل في يد الجماهير
-
افتتاحية: من أجل النهوض بالحركة النضالية الشعبية في بلادنا
-
كوبنهاغن تكافئ السياح على حماية البيئة
-
محمد نبيل بنعبد الله يعزي الرفيقة فريدة خنيتي عضوة اللجنة ال
...
المزيد.....
-
سلام عادل- سيرة مناضل - الجزء الاول
/ ثمينة ناجي يوسف & نزار خالد
-
سلام عادل -سیرة مناضل-
/ ثمینة یوسف
-
سلام عادل- سيرة مناضل
/ ثمينة ناجي يوسف
-
قناديل مندائية
/ فائز الحيدر
-
قناديل شيوعية عراقية / الجزءالثاني
/ خالد حسين سلطان
-
الحرب الأهلية الإسبانية والمصير الغامض للمتطوعين الفلسطينيين
...
/ نعيم ناصر
-
حياة شرارة الثائرة الصامتة
/ خالد حسين سلطان
-
ملف صور الشهداء الجزء الاول 250 صورة لشهداء الحركة اليساري
...
/ خالد حسين سلطان
-
قناديل شيوعية عراقية / الجزء الاول
/ خالد حسين سلطان
-
نظرات حول مفهوم مابعد الامبريالية - هارى ماكدوف
/ سعيد العليمى
المزيد.....
|