أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حازم شحادة - طريق النحل















المزيد.....

طريق النحل


حازم شحادة
كاتب سوري


الحوار المتمدن-العدد: 4406 - 2014 / 3 / 27 - 13:35
المحور: الادب والفن
    


لطالما حلمت بواقع سوري آخر...لا تكون لقمة الخبز وعلبة الحمراء الطويلة هي الإنجاز الحضاري الذي يفاخر به المواطن... فإذا ما استطاع أن يؤمن بيتاً بإيجار رحيم لا يعتبر نفسه ولا تعتبره أسرته وأصدقاؤه (توماس هوبز) المحلي... فينطلق على سجيته في زيادة التعداد السكاني ليستيقظ ذات يوم وقد ضاقت به الدنيا وأثقلت أعباء لقمة الخبز هذه كل أركانه لتأكله غربته النفسية والوطنية ويبتدئ معها تراكم الحقد على الله والحكومة والناس و الطبيعة وعلى نفسه أيضاً لأنها سمحت له أن يُخدع ويعتقد أن قوى الخير هي من تسيّر هذا الكون.
لطالما حلمت بوطن لا يقف على الحياد من همومي كجزء أصيل منه..ولا يتركني فريسة شياطيني وشياطين الآخرين تلعب بي كما تشاء..فأكون على يقين بأنه يحبني كما أحبه ويبكي عليّ إذا ما تغربت عنه كما أبكي عليه..ويحزن إن رآني في عجاج البؤس أبحث عن مكان أعمل فيه..مكانٍ يقدّر ما حصلته من علم بين أحضانه ويسمح لي بأن أحيا بلا أن يكون شغلي الشاغل على الدوام هموم تدور حول المستقبل الذي يظل مجهولاً بكآبة.

لطالما تساءلت في نفسي...لم هذا الدفع اللامتناهي للاغتراب عن أرض هذا الوطن وأنا الذي أعشق النسيم الذي يمر بين أشجاره وأعبد المويجات المترقرقة على طول شاطئه وأتنفس من تلك الأمسيات التي تدور على أسطحة منازله...وعلى حد علمي الأمّ لا تميز بين إبن وآخر..فلماذا كل هذا التمييز؟ وهل كان يجب أن أولد ابناً لسارقِ أو مرتشٍ أو إقطاعي أو رجل دين يبيع الغيب أو ابناً لنصّاب أو ماسح جوخ أو برجوازي حتى يكون لي مكان بين أبناء الوطن..ولأني لست كذلك لا حل سوى انتظار رحمة السماء بتلك اللقيمات المغمسة بالتفاهة أو الرحيل

لطالما شعرت أن ازدياد الفروقات المادية بيني وبين الآخرين لا يصب في مصلحة أحد لأنه يعمل على التباعد العفوي كمرحلة استهلالية ومن ثم يتحول رويداً رويداً إلى حقد عام يجعل النفس مريضة بالأوهام والأحلام والرغبات التي يؤدي عدم تحققها مجتمعة إلى آثار تشبه تلك الآثار التي تخلفها قذائف الطائرات ولكن الخسائر هنا تكون في قلب الروح لذا كان من المتوقع ألا يشعر بها أحد من العباقرة المسؤولين.
لطالما تساءلت في نفسي..هذه بلاد مليئة بالخير..فلم لا يكون توزيع هذا الخير عادلاً (نوعاً ما) فأنا أعلم أن تحقيق العدل بالمطلق ضرب من ضروب الهلوسة غير الممكنة...وتساءلت أيضاً لم لا يكتفي من مكنّه الله والشيطان من السرقة بحد المعقول فمثلاً رجل سرق مليون دولار..ما حاجته للمليون الثاني وهكذا...وبالتالي وحتى مع وجود التوزيع غير المتكافئ للثروة فبإمكان الجميع أن يعيشوا باستقرار (وعلى فكرة هذا ما يحدث تماماً في دول أوروبا الغربية وأمريكا...هناك العديد العديد من الأثرياء وهناك العديد من الفقراء لكن الطبقة المتوسطة هي الأكثرية وهذا مايضمن ـ كما يقول أرسطوـ خير المجتمع وارتقائه المستمر في العلوم والصناعات والآداب والفنون).

لم يكن أمامي بعد فشل هذه الأحلام إلا أن أرحل عن هذا الوطن تاركاً ورائي أهلي وأصدقائي وأحبتي وذكرياتٍ على شاطئ البحر وسطح منزلنا..مع كم كبير من الحقد على كثير من الأشخاص الذين أرى فيهم سبباً من أسباب غربتي هذه..ولكن مع ازدياد العشق المجنون للوطن الذي لم أحقد عليه..لأني أعلم أن ما حل بي لم يكن من تدبيره هو بل من تدبير الحماقات المتراكمة يوماً.. بعد يوم.. بعد يوم.

وبعد سبع سنوات من هذه الغربة القاسية والتي مررت فيها بتفاهات جحيمية لم تكن تخطر لي على بال أراقب ما يحدث في وطني غير مصدق حجم الجهل الذي تبدى من خلال أناس كنت أحسبهم أعلاماً في هذا الوطن من ممثلين وأكاديميين ومفكرين...تبيّن أن صاحب العقد الاجتماعي الذي يريدونه لسوريا هو العرعور وأمثاله..كما أني غير مصدق أن هناك ممن يحسبون على الحكومة أشخاصاً ما زالوا يعتقدون وبعد كل الطعن الذي تعرضت له سوريا من قبل البدو والأعراب أننا...أمة عربية واحدة...ذات رسالة خالدة...فيوجهون من خلال إعلامهم الرسمي الفكرة ونقيضها وعلى المشاهد العادي البسيط أن يقوم بتحليل هذه الشيفرة ليعود ويستمع إلى خطاب ما زالت مفرداته تتردد منذ عقود عدة دون أي بنتيجة .

لطالما كنت أفكر بيني وبين نفسي الأمّارة بالسوء ـ على نفسي فقط ـ لمصلحة من ازدياد عدد الفقراء وبالإمكان ألا يزدادوا؟ لمصلحة من عدم تطوير مؤسسات بنيت وقت كان تعداد سكان سوريا 6 ملايين وبقيت على حالها وقد بلغ العدد إلى 24 مليون..لمصلحة من انحدار مستوى التعليم والخدمات الاجتماعية في بلد عمر حضارته 9 آلاف سنة وقد علم البشرية كيف تكون الحضارة...لمصلحة من قتل هذه الحضارة بدماء سورية نيرونية..لمصلحة من ازدياد هذا التعلق بالدين ورجاله والغيب وعوالمه والجهل وأسبابه حتى صرنا نقيم الآخر حسب دينه وطائفته وإيمانه بالله أو عدم إيمانه في الوقت الذي يستقبل الغرب الصور من التيلسكوب(هابل) الذي وضعوه على ارتفاع 500 كم عن سطح الأرض لرصد حركة النجوم والكواكب... ويقومون بالتدريب كي يتمكنوا من المشي على المريخ الذي لا أعلم إن كان في السماء الثانية أو الثالثة حسب التقسيمات الدينية للسماوات والتي تتكشف يوماً بعد يوم.

ما حدث في سوريا لا يمكن بأي شكل من الأشكال أن يسمى بالثورة وهذا الأمر ينطبق على ما حدث في تونس ومصر وليبيا لأن أي حراك في العالم يباركه تجار الدين ومن خلفهم فرنسا وأمريكا وبريطانيا لا يمكن أن يطلق عليه اسم (ثورة) حتى وإن كان يقودها جان جاك روسو بنفسه... ....ولا حل في الدنيا لما يحدث سوى بانفتاحنا كسوريين على بعضنا البعض وتقبلنا للآخر الذي يحترم الآخر ونبذه إن كان عكس ذلك مع وعي القيادة السياسية أن الأعباء الملقاة على كاهلها كانت في الأساس إقتصادية تليها تلك الأعباء الاجتماعية التي وقفت تتأمل ترديها عاماً بعد عام دون القيام بخطوات من شأنها تخليص المجتمع من مفرزاتها الدينية والسياسية السقيمة..ثم تليها الأعباء السياسية.

وباسمي المتواضع أطالب بتجريم كل سوري ثبتت مطالبته دول الغرب أن تتدخل في الشأن السوري بتهمة الخيانة العظمى وهذه الخيانة تنقسم إلى شقين: الأول متعلق بذاته السورية التي خانها وخان جذورها الحضارية والفكرية، والشق الثاني متعلق بخيانته لشعبه الذي كافح على مدار العصور ولم يتوقع أن ينجب بعض أبناء الحرام.



#حازم_شحادة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عَزفٌ مٌنفَرد على أوتَارِ رُوح
- أنا حازم شحادة
- المُقَامِر
- دعوةٌ للاعتذار
- أشبَاح
- شَيءٌ مِنَ البحر
- جلجامش
- المُعَاتِبه
- دكتوراه
- صعود المطر
- مطرُ الشام
- في صلنفة بين الأغنياء
- رِهَانُ الشِّعر
- في بيتِ لميا
- قصيدةُ حُبٍّ لدمشق
- يا ماريا
- تركتُ يدَ أمّي لأَجلِك
- كلُّ البلادِ بلا حضوركِ كالملاجئ
- مسعد يا تنور
- صاعقة


المزيد.....




- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...
- هاجس البقاء.. المؤسسة العلمية الإسرائيلية تئن من المقاطعة وا ...
- فنانة لبنانية شهيرة تكشف عن خسارة منزلها وجميع أموالها التي ...
- الفنان السعودي حسن عسيري يكشف قصة المشهد -الجريء- الذي تسبب ...
- خداع عثمان.. المؤسس عثمان الحلقة 154 لاروزا كاملة مترجمة بجو ...
- سيطرة أبناء الفنانين على مسلسلات رمضان.. -شللية- أم فرص مستح ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حازم شحادة - طريق النحل