أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين عبد العزيز - بسبب التكالب على السلطة ترك المسلمين الإسلام أيام نكبة الاندلس















المزيد.....


بسبب التكالب على السلطة ترك المسلمين الإسلام أيام نكبة الاندلس


حسين عبد العزيز

الحوار المتمدن-العدد: 4404 - 2014 / 3 / 25 - 16:50
المحور: الادب والفن
    


بسبب التكالب على السلطة ترك المسلمين الإسلام أيام نكبة الاندلس
فهل يعيد التاريخ نفسه مع العرب استر يا رب
تتولى الكوارث على رأس أم المسلمين من ناحية واحدة لا غير وهي عشق المسلم للسلطة.
وقد سألت نفسي لماذا يحب المسلم السلطة إلى تلك الدرجة ... هل لأنه يرى في نفسه عبقرية سياسية واقتصادية وزراعية (دواليك) عن غيره من البشر.-فالتكالب على السطلة متوغل في تاريخ المسلمين فمن محنة المسلمين الأولى والتي وقعت بعد مقتل سيدنا عثمان واستغلال معاوية الحدث لانتزاع السلطة بأي طريقه وبكل الوسائل.
وفي المحنة الثانية تغير الوضع حيث أن الغلبة كانت للمسلمين في كل الميادين والمجالات فكيف يمكن إيجاد ثغرة يدخل منها من يريد تفريق المسلمين وإيجاد ثغرة التناحر على السلطة والكرسي وهذا ما حدث بالضبط للمسلمين في الأندلس .. وأننا سوف نقرأ أحداثها بالتفصيل بعد قليل.
أما محنه المسلمين الأخيرة فبدأت بزرع اسرائيل في المنطقة بمساعدة غباب العرب وعنجهية المسلمين التي ما بعدها عجنهية.
وقد تجلت تلك العنجهية بعد 25 يناير . حيث ظهر رغبة ميحه لديهم في تولي الحكم وكأن الحكم تزه بالسيارة أو بالتوك توك أو سير أعلى الاقدام .
ومن تلك الرغبة القاتلة في الحكم أصبحنا نرى المكسح والاعمى والأطرش والاهبل والاهطل (وما أكثرهم) يحلمون بالحكم.
والآن وبعد أن نقرأ تفاصيل محنة المسلمين الثانية سوف نتذكر على الفور محنة المسلمين الأولى والأخيرة وربنا يستر.
ونبدأ القراءة بتلك الجملة القاتلة التي قالتها أم الملك أبو عبدالله عائشة أجل فالتبكي كنساء ما لم يستطع أن تدافع عنه كالرجال)
ويبدو جالياً أن التاريخ يعيد نفسه ومن هنا فنحن سوف نعيد قراءة التاريخ الأن فنجد أن التاريخ يعيد نفسه حيث نرى أن المسلمين أضاعوا دولتهم واسلامهم بسبب التكالب على السلطة أرجوا ألا نندهش فالأحداث التي وقعت في نهاية دولة الاندلس تكاد تكون هي التي تقع للعرب الآن بل يمكن أن أؤكد أن أبو عبدالله موجود بيننا وزوجته كذلك والسراع على السلطة الذي أضاع الأندلس هو الذي يحدث الآن على أرض العرب سؤال اعتراضي لماذا العرب تحب السلطة إلى تلك الدرجة التي تجعله تضحي بكل شيء من أجل السلطة.
مأساة شهيرة في التاريخ الاسلامي، هي مصرع غرناطة آخر معقل للاسلام بالأندلس، وشخصية محزنة هي شخصية آخر ملك أندلسي مسلم، طويت على يده تلك الصفحة المجيدة الباهرة التي افتتحها موسى وطارق في تاريخ الاسلام بإسبانيا قبل ذلك بثمانية قرون.
لبث الاسلام في اسبانيا خلال هذه القرون الثمانية يغالب النصرانية وتغالبه، والاسلام مذ انهار صرح الدولة الأموية دائم الخلاف والتفرق، سائر أبدا في طريق الضعف والإنحلال؛ والنصرانية تجتمع دائما على غزوة ونضاله، وتنتزع منه تباعا قواعده وثغوره، حتى إذا داء القرن الثامن لم يبق من دولة الاسلام الشامخة بالأندلس سوى مملكة غرناطة الصغيرة، تواجه وحدها داخل الجزيرة عدوها القوي. وسطعت هذه الأندلس الصغيرة مدى حين، ولكنها لم تنج من خطر التفرق؛ واسباني النصرانية أثناء ذلك متربصة بها تكاد تلتهمها من وقت الى آخر، لولا أن كانت صولة الإسلام في الضفة الأخرى من البحر – في المغرب الأقصى – تروعها وتردها. وكانت مملكة غرناطة كلما تبينت شبح الخطر الداهم تستغيث بجارتها المسلمة القوية فيما وراء البحر، دولة بني مرين. ولكن بني مرين لم يستجيبوا دائما إلى دعوة الإسلام المحتضر بالاندلس ، وكانت لهم أحيانا مطامع ومشروعات في الأندلس ذاتها. وكانت اسبانيا النصرانية كلما استيقنت تصرم العلائق بين الشقيقتين انقضت على الأندلس فاقتطعت منها ثغرا أو قاعدة جديدة. وكن رجالات الأندلس يستشفون من وراء ذلك خطر الفناء المحقق ، بل لقد استشعر به ابن الخطيب وزير الأندلس ووكاتبها الكبير قبل تحققه بأكثر من قرن، وصرح به في إحدى رسائله إلى ملك فاس إذ يدعوه إلى غوث الأندلس ونجدتها ويقول: "ولا شك عند عاقل أنكم إن انحلت عروة تأميلكم أو أعرضتم عن ذلك الوطن استولت عليه يد عدوه".
وهكذا نرى الأندلس منذ أوائل القرن التاسع الهجري تسير بسرعة في طريق الانحلال والفناء حتى إذا كانت أواخر هذا القرن لم يبق للإسلام في اسبانيا سوى مملكة غرناطة الصغيرة وفيها مدن وثغور قلائل تتربص بها النصرانية وتعد العدة لسحقها.
وكان على عرش غرناطة يومئذ السلطان أبو الحسن علي بن سعد النصرى الأحمري. ولي الملك سنة 871هـ (1466)، ولكنه لم يستخلص الملك لنفسه إلا بعد نضال عنيف بينه وبين منافسيه وعلى رأسهم أخوه أبو عبد الله المعروف "بالزغل". وكانت الحرب الأهلية تضطرم في مملكة غرناطة كلما لاحت فرصة للتنازع على العرش. فما استقر أبو الحسن في عرشه، أبدى همة فائقة في تحصين المملكة وتنظيم شئونها، وبث فيها روحا جديدا من اليأس والطمأنينة، واستطاع أن يسترد عدة من الحصون والقواعد التي افتتحها النصارى، ولاح للنصرانية أن الأندلس المحتضرة تكاد تبدأ حياة جديدة. بيد أن هذا البعث الخلب لم يطل أمده. ذلك أن عوامل الخلاف الخالدة عادت تعمل عملها، وبذر أبو الحسن حوله بذور السحط والغضب بما ارتكبه في حق الأكابر والقادة من العسف والشدة، وبما اغرق فيه من صنوف اللهو والعبث. وكان أبوالحسن قد اقترن بالأميرة عائشة ابنة عمه السلطان أبي عبد الله الأيسر، ورزق منها ولدين هما محمد ويوسف. ولكنه عاد فاقترن بنصرانية رائعة الحسن تعرف في الرواية العربية "بثريا الرومية".
وتقول الرواية الاسبانية إن "ثريا" هذه كانت ابنة عظيم من عظماء اسبانيا هو القائد (سانكو كمنيس دي سوليس) وإنها أخذت أسيرة في بعض المعارك وهي صبية فتية، وألحقت وصيفة بقصر الحمراء، فهام أبو الحسن بجمالها حبا، ولم يلبث أن تزوجها واصطفاها على زوجة الأمير عائشة المعروفة "بالحرة" تمييزا لها من الجارية الرومية أو إشادة بعفتها وطهرها ولم يكن اقتران السلطان بنصرانية بدعة، ولكنه تقليد قديم في قصور الأندلس، وقد ولد كثير من خلفاء الأندلس ورجالها العظام من أمهات من النصارى مثل عبد الرحمن الناصر وحفيده هشام المؤيد. وكان لهذا التقليد أثره السيئ في انحلال عصبية الدولة الإسلامية، بيد أن كان أشد خطرا وقت الانحلال العام. وكان وجود أميرة أجنبية في قصر غرناطة تستأثر بالسلطان والنفوذ في هذا الظرف العصيب، عاملا جديدا في إذكاء عوامل الخصومة والتنافس ذلك لأن "ثريا" أعقبت من السلطان أبي الحسن ولدين، وأرادت أن يكون العرش لأحدهما، وبذلت كل ما استطاعت من الاغراء والدس لابعاد خصيمتها الأميرة عائشة عن كل نفوذ وحظوة، وحرمان ولديها محمد ويوسف ولقبه أبو عبدالله ولي العهد المرشح للعرش، فنزل أبو الحسن عند سعي حظيته وأقصى عائشة وولديها عن عطفه ورعايته: ولا زالت ثريا في سعيها ودسها حتى اعتقلهم أبو الحسن في أحد أبراج الحمراء وضيق عليهم وأخذ يعاملهم بمنتهى الشدة والقسوة، فأثار هذا التصرف غضب كثير من الكبراء الذين يؤثرون الأميرة الشرعية وولديها بعطفهم وتأييدهم ، وانقسم القصر وانقسم الزعماء والقادة إلى فريقين خصيمين، واضطرمت الأهواء، والشهوات والأحقاد، وأشتد السخط على أبي الحسن وحظيته التي أضحت سيدة غرناطة الحقيقة، واستأثرت بكل سلطة ونفوذ.
وكانت الاميرة عائشة امرأة وافرة العزم والشجاعة فلم تستسلم إلى قدرها الدائر، بل عمدت إلى الاتصال بعصبتها وأنصارها، وأخذت تدبر معهم وسائل الفرار والمقاومة. وفي ذات ليلة استطاعت أن تفر من الحمراء مع ولديها محمد ويوسف بمعاونة بعض الأصدقاء المخلصين. وتقدم الرواية إلينا عن هذا الفرار صورا شائقة، فتقول إن الأميرة استعانت بأغطية الفراش على الهبوط من نوافذ البرج الشاهق في جوف الليل، وأبدت في ذلك من الجرأة والشجاعة ما يخلق بأبطال الرجال. وكان ذلك في ليلة من ليالي جمادى الثانية سنة 887هـ (1482م). واختفى الفارون حيناً حتى قويت دعوتهم وظاهرهم فريق كبير من أهل غرناطة، وظهر الأمير الفتى محمد أبو عبد الله في وادي آش حيث مجمع عصبته وأنصاره ونشبت الثورة وانقضت العاصفة على أبي الحسن، وكانت عصبته أقلية ففر إلى مالقة وكان بها وقتئذ أخوه الأمير أبو عبدالله محمد بن سعد (المعروف بالزغل) يدافع عنها جيشا جرارا من النصارى سيره ملك قشتالة (فرديناند الخامس) لافتتاحها. وجلس أبو عبدالله محمد بن السلطان مكان أبيه على عرش غرناطة (أواخر سنة 887هـ) وأكاعته غرناطة ووادي آش وأعمالهما وبقيت مالقة وغرب الأندلس على طاعة أبيه. وكان أبو عبد الله يومئذ فتى في نحو الخامسة والعشرين.
وكان ملك قشتالة يرقب سير الحوادث في مملكة غرناطة بمنتهى الاهتمام. فلما اضطرمت بنار الحرب الأهلية ولاحت له فرصة الغزو والفتح، سير جيشة إلى مالقة لافتتاحها ولكن المسلمين تأهبوا لرد النصارى بعزم وقوة وهزموهم في عدة مواقع فيما بين مالقة وبلش (فيليز Velez) وهزم النصارى في ظاهر مالقة هزيمة ساحقة وقتل وأسر منهم عدة آلاف بينهم عدة من الزعماء والأكابر (صفر 888 هـ - 1483م) وكان منظم هذا الدفاع الباهر الأمير أبو عبد الله "الزغل" فانتعشت آمال المسلمين نوعا وسرت الحماسة إلى غرناطة واعتزم ملكها الفتي أن يحذو حذو عمه الباسل في الجهاد والغزو وأن ينتهز فرصة اضطراب النصارى عقب الهزيمة، فخرج في قواته في ربيع الأول من هذا العام (ابريل 1483) منتجهاً نحو حصن قرطبة شمال شرقي غرناطة؛ واجتاح في طريقة عدداً من الحصون والضياع، ومزق النصارى في عدة معارك محلية؛ ثم ارتد مثقلا بالغنائم يريد العودة فأدركه النصارى في ظاهر قلعة اللشانة وكان يزمع حصارها: ونشبت بين الجيشين معركة هائلة ارتد فيها المسلمون إلى ضفاف شنيل والنصارى في اثرهم، فهزم المسلمون هزيمة شديدة وغرق كثير منهم في شنيل. وقتل وأسر كثير من قادتهم وفرسانهم، وكان بين الأسرى السلطان أبو عبد الله محمد نفسه، عرفه الجند النصارى من الأسرى أو عرفهم بنفسه خشية الاعتداء عليه وأخذوه إلى قائدهم الكونت كابرا، فاستقبله بحفاوة وأدب وأنزله بأحد الحصون القريبة تحت رقابة حرس قوى وأخطر في الحال ملكي قشتالة بالنبأ السعيد؛ وعاد المسلمون إلى غرناطة دون ملكهم، فارتاعت غرناطة للنكبة واضطرب الشعب؛ واجتمع الكبراء والقادة وقرروا استدعاء أبي الحسن السلطان المخلوع ليجلس على العرش، ولكن أبا الحسن كان قد هدمه الاعياء والمرض وفقد بصره ولم يستطع أن يضطلع طويلا بأعباء الحكم، فنزل عن العرش لأخيه محمد أبي عبد الله "الزغل" حاكم مالقة وارتد الى المنكب فأقام بها حينا حتى توفى، وجلس "الزغل" على العرش يدي شئون المملكة وينظم الدفاع عن أطرافها.
أما السلطان أبو عبدالله بن أبي الحسن فلبث يرسف في أسره عند النصارى وأدرك ملك قشتالة في الحال ما للأمير الأسير من الأهمية، وأخذ يدبر أفضل الوسائل للاستعانة به في تحقيق مآربه في مملكة غرناطة. وبذل أبو الحسن حين عودة إلى العرش مجهودا لافتداء ولده لا حبا فيه وشفقة عليه، ولكن لكي يحصل في يده ويأمن بذلك شره ومنافسته، وعرض على فرديناند نظير تسليمه أن يدفع فدية كبيرة وأن يطلق عددا من أكابر النصارى المأسورين عنده فأبى فرديناند وآثر أن يحتفظ بالأسير إلى حين، وبذلت الأميرة عائشة من جهة أخرى مجهوداً آخر لإنقاذ ولدها بمؤازرة الحزب الذي يناصره، واقترحت على ملك قشتالة معاهدة خلاصتها أن يتولى أبو عبد الله الملك في طاعة ملك قشتالة، وأن يدفع له جزية سنوية، وأن يطلق كل عام عدداً معيناً من النصارى، وأن يدفع مقابل إطلاقه عدية كبيرة وأن يفرج في الحال عن أربعمائة من أسرى النصارى يختارهم ملكهم، وأن يقدم ابنه الوحيد كفالة مع عدد من أبناء الأسر الكبيرة ومع ان عقد هذه المعاهدة كان خطوة كبية في سبيل القضاء على مملكة غرناطة، فان فرديناند رأي قبل عقدها أن يستغل أسر ملك غرناطة وأن يستعين به على تنفيذ برنامجه الحربي. وكان أبو عبدالله أميراً ضعيف العزم والإرادة، قليل الحزم والخبرة، كثير المطامع والأهواء، ولم يكن يتمتع بشيء من تلك الخلال الباخرة التي امتاز بها أسلافه وأجداده العظام بنو الأحمر، وكان الملك والحكم غايته يبتغيها بأي الأثمان والوسائل. وقد ألفى مل قشتالة القوى في ذبك الأمير الضعيف المستهتر بحقوق أمته ودينه، أداة صالحة يوجهها كيفما شاء، فاتخذه وسيلة لبث دعوته بين أنصراه ومؤيديه في غرناطة لكي تنتزع أثناء الاضطراب العام كل ما يمكن انتزاعه من القواعد والحصون الإسلامية، فاستولت على عدة منها، ونشبت من جهة أخرى في غرناطة حرب أهلية لم تكن بعيدة عن وحي أبي عبد الله وحزبه، وقامت (البيازين) ضاحية غرناطة بدعوته، وشغل ملك غرناطة (أبو عبد الله الزغل) باخماد الثورة عن مقاتلة النصارى وفي نفس هذه الآونة العصيبة أطلق فرديناند سراح أبي عبدالله بعد أن ارتضى عقد المعاهدة التي غرضت عليه مع تعديل يسير في بعض نصوصها، وبعد لقاء تم بين الملكين في قرطبة أعلن فيه أبو عبد الله خضوعه وطاعته لملك قشتالة، واتفق ان تكون الهدنة لعامين وأن تطبق في جميع الأنحاء التي تدين بالطاعة لأبي عبد الله. وظهر أبو عبد الله يبث دعوته في الأنحاء الشرقية والحرب الأهلية قائمة في غرناطة (أوائل سنة 891هـ -1486م).
وبدأت المفاوضة بينه وبين عمه (ملك غرناطة) في الصلح. ولكن حدث أثناء ذلك أن هاجم النصارى مدينة لوشة جنوب غربي غرناطة واستولوا عليها (جمادى الأولى سنة 891هـ) وكان موقف أبى عبد الله عبدالله أثناء هذه الحوادث مريبا؛ وكان يمزج الدعوة لنفسه بالدعوة لملك قشتالة، ويشيد بمزايا الصلح المعقود معه، ولم يكن حافيا أنه يستظل بمظاهرة النصارى وفي شوال 891 ظهر أبو عبد الله في (البيازين) فجأة واجتمع حوله أنصاره، واعلن الثورة على عمع؛ ونشبت بينهما الحرب في ظاهر غرناطة، وأمد عرديناند حليفه أبا عبد الله بالحند والذخائر والمؤن. واستمر القتال بينهما مدى أشهر. وفي ربيع الثاني سنة 892 (1487م) سير قواته إلى بلش مالقة (فيليز مالاخا) الواقعة على مقربة من ثغر مالقة ليفتتحها تمهيدا للاستيلاء على مالقة ، وترك البعض الآخر لقتال أبى عبد الله واهل البيازين ولكن إقدام الزغل وعزمه وشجاعته لم تغن شيئا، وسقطت بلش في يد النصارى (جمادى الأولى) ، فارتد بصحبه إلى وادى آش وامتنع بها، وانقسمت بذلك مملكة غرناطة الصغيرة إلى شطرين يتربص كل منهما بالآخر: غرناطة وأعمالها ويحكمها أبو عبد الله محمد، ووادي آش وأعمالها ويحكمها عمه أبو عبد الله الزغل، وتحقق بذلك ما كان يبتغيه ملك قشتالة من تمزيق شمل البقية الباقية من دولة الإسلام بالأندلس تمهيداً للقضاء عليها.
تبوأ أبو عبدالله عرش غرناطة المرة الثانية بعد أن قضى في أسر ملك قشتالة زهاء ثلاثة أعوام. وكانت الخطوب والفتن التي توالت على مملكة غرناطة قد مزفتها حسبما بينا، فلم يبق منها بيد الإسلام سوى ببضع مدن وقواعد متناثرة مختلفة الرأي والكلمة ينضوي بعضها تحت لواء أبي عبد الله والبعض الآخر تحت لواء عمه محمد بن علي (الزغل). وكان واضحا أن مصير غرناطة يهتز في يد القدر بعد أن نفذت جيوش النصرانية إلى قلبها: واستولت على كثير من قواعدها وحصونها الداخلية، ولم يكن الملك الصغير (أبو عبدالله) طبق المعاهدة التي عقدها مع فرديناند سوى تابع لمملكة قشتالة، يدين لها بالخضوع والطاعة. وكان ملك قشتالة يحرص من جهة أخرى على المضي في تحقيق خطته لسحق البقية الباقية من دولة الإسلام في الأندلس قبل أن يعود إليها اتحاد الكلمة، فيبعث إليها روحا جديدا من العزم والمقاومة، فبدأ بغزو القواعد الشرقية والجنوبية التي يسيطر عليها مولاي الزغل لأنه كان في صلح مع غرناطة يمتد إلى عامين، وقد أراد أن يسبغ على عهوده مسحة غادرة من الوفاء، ولأنه أراد أولا أن يعزل غرناطة، وأن يطوقها من كل صوب. وزحف فرديناند بادئ بدء على مالقة أمنع ثغور الاندلس وعقد صلتها بالمغرب، وطوقها بقوات كثيفة من البر والبحر وسقطت مالقة رغم دفاعها المجيد في شعبان سنة 892هـ (أغسطس 1487م).
ثم استولى فرديناند على المنكب والمرية (أواخر سنة 894هـ - 1489م) ثم على بسطة (المحرم 895هـ - ديسمبر 1489) ثم أقصد إلى ادي آش آخر معقل الزغل ورأى الزغل رغم شجاعته وبسالته أنه يغالب المستحيل وان جيوش النصرانية تحيط به من كل صوب، فانتهى إلى الإذعان والتسليم، ودخل فرديناند وادي آش في صفر سنة 895هـ (يناير 1490م) واتفق بادئ بدء أن يستمر (الزغل) في حكم قواعده باسم ملك قشتالة وتحت حمايته، وان يلقب بملك اندرش، وان يمنح دخلا سنويا كبيرا، لكنه لم يلبث ان رأى أنه يستحيل عليه الاسمرار في ذلك الوضع الشاذ، فباع حقوقه لفرديناند مقابل مبلغ كبير، وجاز البحر إلى المغرب واستقر في تلمسان يقضي بها بقية حياته في غمر من الحسرات والعدم، وجاز معه كثيرون من الكبراء الذين أيقنوا أن نهاية الإسلام بالأندلس قد غدت قضاء محتوما.
ثم جاء دور غرناطة آخر معقل للاسلام بالاندلس. وكانت جميع قواعد الأندلس الأخرى: مالقة والمرية ووادي آش والحامة وبسطة قد غدت نهائيا من أملاك مملكة قشتالة وعين لها حكام من النصارى، وتدجن أهلها أوغدوا مدجنين يدينون بطاعة ملك النصارى وذاعت بها الدعوة النصرانية فأرتد كثير من المسلمين عن دينهم حرصا على أوطلانهم ومصالحهم، وحشية الريب والمطاردة؛ وجازت ألوف أخرى ممن خشوا على أنفسهم ودينهم إلى المغرب وتفوقوا في ثغوره، وهرعت ألوف أخرى إلى غرناطة تلوذ بها حتى غدت المدينة تموج بسكانها الجدد. وكان سلطان غرناطة أبو عبد الله يرقب هذه الحوادث جزعا ويشعر انها تسير الى نتيجة محتومة هي سقوط غرناطة في يد العدو الظافر، وكان قد تحلص بانسحاب عمه الزغل من الميدان من منافسه القوى، ولكنه فقد في نفس الوقت أقوى عضد يمكن الاعتماد عليه في الدفاع والمقاومة.
وسرعان ما بدت طوالع الخطر الداهم، وبعث فرديناند إلى أبى عبد الله بطلب إليه تسليم الحمراء والبقاء في غرناطة في طاعته وتحت حمايته مثلما وقع لعمه الزغل؛ فثار أبو عبد الله لذلك الغدر، وأدرك – وربما لأول مرة – فداحة خطئه في محالفة ذلك الملك الغادر ؛ وجمع الكبراء ، والقادة، فأجمعوا على الرفض والدفاع حتى الموت عن وطنهم ودينهم؛ ودوت غراناطة بصيحة الحرب ؛ وحمل أبو عبدالله بغزم شعبه على القتال والجهاد، وخرج في قواته يحاول استرداد القواعد والحصون المسلمة المجاورة؛ وثار أهل البشرات وما حولها على النصارى؛ ووقعت بين المسلمين والنصارى عدة موقع ثبت فيها المسلمون، واستردوا كثيرا من الحصون والقرى في تلك المنطقة (أواخر سنة 895هـ)، وعاد أبو عبد الله إلى غرناطة ظافرا، وانتعشت قلوب الغرناطيين نوعا بذلك النصر الخلب، وأخذوا يتأهبون للدفاع بعزم. وغضب فريديناند لتلك المفاجأة التي لم يكن يتوقعها واعتزم ان يقوم بضربته الحاسمة في الحال؛ فخرج في ربيع العام التالي (896هـ) في جيش ضخم مزود بالمدافع والذخائر الوفيرة: وسار توا الى غرناطة ونزل برجها الجنوبي وانشا لجيشه في تلك البقعة مدينة صغيرة مسورة سميت سانتافي أو الايمان المقدس رمزا للحرب الدينية.
ولسنا نقف طويلا عند حوادث هذا الصراع الأخير بين الإسلام والنصرانية في الأندلس؛ فهي تملأ فصولا طويلة مؤثرة في الروايات العربية والافرنجية؛ ويكفي أن نقول أن غرناطة دافعت عن نفسها دفاعا مجيدا، ولم تدخر لاجتناب قدرها جهدا بشريا؛ وأن فروستها الشهيرة بذلت بقيادة زعيمها موسى ابن أبي الغسان أشجع فرسان عصره، ضروبا رائعة من البسالة، وخرج المسلمون من مدينتهم المحصروة غير مرة وأثخنوا في النصارى. ولكن الضيق كان يشتد بالمدينة المحصروة يوما فيوما، وتقل مؤنها شيئا فشيئا، ويتساقط جندها تباعا. وكانت مدى الربيع والصيف تستمد بعض المؤن من جهة البشرات من طريق جبل شلير، فلما دخل الشتاء غطت هذه السهول والشعاب بالثلج الكثيف؛ وازدادت غرناطة ضيقا، واشتد بأهلها الجوع والمرض، وهم أبو عبدالله بمفاوضة فرديناند في التسليم غير مرة لو لا أن كان يمنعه موسى بن ابي الغسان وتحمله الحماسة العامة، فلما اشتد الحطب تقدم حاكم المدينة أبو القاسم بد الملك، وقرر أن المؤن تكاد تنفد، وأن الجوع أحذ يعصف بالشعب، وأن الدفاع عبث لا يجدى؛ واتفقت كلمة الزعماء والقادة على التسليم؛ وارسل أبو القاسم لمفاوضة فرديناند؛ فاستقبله بترحاب وحفاوة، وتم الاتفاق على ان تسلم غرناطة بشروط كثيرة أهمها أن يؤمن المسلمون على أنفسهم ودينهم وأموالهم. وأن لا تمس مساجدهم وشعائرهم وشرائعهم وتقاليدهم: وان يجوز منهم الى المغرب من شاء. وهكذا اذعنت غرناطة وسلمت، وانتهت دولة الإسلام بالأندلس (صفر 897هـ ديسمبر سنة 1491م) وطويت الى الأبد تلك الصفحة المجيدة الرائعة من تاريخ الإسلام، وقضى على تلك الحضارة الأندلسية الشامخة وآدابها وعلومها وفنونها وكل ذلك التراث الباهر بالفناء والمحو، ودخل النصارى غرناطة في الثاني من ربيع الأول سنة 897 (2 يناير سنة 1492) واحتلوا حمراءها وباقي قصورها وحصونها وخفق علم النصرانية ظافرا فوق الصرح المنهار.
***
اما الملك التعس أبو عبد الله فقد قضت معاهدة التسليم أن يغادر غرناطة مع أسرته الى البشرات وأن يحكم هذه المنطقة باسم ملك قشتالة وفي طاعته وأن يكون مقره في قرية اندرش. زلما زاعت أنباء التسليم اضطرم الشعب غضبا وسخطا على أبى عبد الله واعتبره مصدر كل مصائبه ومحنه؛ فبادر أبو عبدالله بالأهبة للسفر مع أسرته وخاصته وحشمه، وبعث بأمواله ونفيس متاعه الى مقره الجديد في اندرش, وفي نفس اليوم الذي دخل النصاري فيه غرناطة، غادر أبو عبد الله قصره ومواطن عزه ومجد آبائه إلى الأبد؛ وخرج للقاء عدوه الظافر في سرية من الفرسان والخاصة، فاستقبله فرديناند في محلته على ضفة شنيل. وتصف الرواية هذا المنظر المؤثر فتقول ان أبا عبد الله حين رأى فرديناند، هم بترك جواده، ولكن فرديناند بادر بمنعه وعانقه بعطف ورعاية؛ ثم قدم إليه أبو عبد الله مفاتيح الحمراء قائلاً: "ان هذه المفاتيح هي الأثر الأخير لدولة العرب في اسبانيا. وقد أصبحت أيها الملك سيد تراثنا وديارنا وأشخاصنا. هكذا قضى الله ، فكن في ظفرك رحيما عادلا". وسار أبو عبد الله بعد ذلك صحبة فرديناند الى حيث كانت الملكة ايزابيلا، فقدم اليها تحياته وخضوعه، ثم انحدر الى طريق البشرات ليلحق بأسرته وخاصته.
وهنا تقول الرواية أن أباً عبد الله أشرف أثناء مسيرة في شعب تل البذول (بادول) على منظر غرناطة فوقف يسرح بصره لأخر مرة في هاتيك الربوع العزيزة التي ترعرع فيها، وشهدت مواطن غزه وسلطانه، فانهمر في الحال دمعه وأجهش بالبكاء، فصاحت به أمه عائشة: "أجل فلتبك كالنساء ما لم تستطع ان تدافع عنه كالرجال".
حسين عبد العزيز



#حسين_عبد_العزيز (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المفكر سيد قطب يعرض لنا كتاباً مهماً لابد أن نقرأه
- التحرش الديني .. بركان مصر القادم – لا محالة
- هل فشلت 25 يناير
- روح العبيد احتلت الفيس وتويتر كما احتلتنا؟!
- الديمقراطية التي نبحث عنها وهل الإخوان هم جودو!!!؟
- أول ضربه وجهت للثورة هو جعلها ثورة دينيه!
- حسين شفيق المصري – الخواجه بدم مصري
- قراءة في رواية (في قلب امرأه)
- النقد هو السر؟!
- في ظل كارثة بور سعيد
- القطة وفلسفة الحكم
- الشعر بديلاً للانتحار عند أمل دنقل
- المستقبل فى ظل الدين والفلسفة والعلم .. أوجه الحياة الثلاث
- كل أكتوبر وانتم طبيبين فى ظل المسمار؟!
- حكاية الجثة وسياسة الكلب وحكاية أخرى؟!
- من معاوية إلى نابليون إلى الأخوان الإسلام هو الحل شعار نقشه ...
- نحن زي الكورة – حديث العالم
- فى رمضان المسجد ... محاولة للفهم؟!!
- آه يا فيس بوك يا حبيبي يا بن الإيه
- ثورة 25 يناير مثل شجرة التوت؟!


المزيد.....




- -يوم أعطاني غابرييل غارسيا ماركيز قائمة بخط يده لكلاسيكيات ا ...
- “أفلام العرض الأول” عبر تردد قناة Osm cinema 2024 القمر الصن ...
- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين عبد العزيز - بسبب التكالب على السلطة ترك المسلمين الإسلام أيام نكبة الاندلس