أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الغني سهاد - أوجاع قريتي...11( اهل الحال ..متى يصفى الحال ..)















المزيد.....

أوجاع قريتي...11( اهل الحال ..متى يصفى الحال ..)


عبد الغني سهاد

الحوار المتمدن-العدد: 4398 - 2014 / 3 / 19 - 18:07
المحور: الادب والفن
    


يفتش القايد باشوا عن عمر بوسحابة وتطوق مخازنيته البيت ليلا لكن دون جدوى ..قيل انه رحل واسرته الى مكان مجهول ..لم يستطع القايد القبض عليه لكنه تمكن من موسى البهلول الذي اعتقله ورمي به في البنيقة المخزنية متهما اياه بالمشاركة والتأمر على اغتيال عون المخزن (الغراب الاسود) في ليلة الحفل ..لم تكن التهمة تابثة ولا مفهومة كل شيئ بني فيها على الاقاويل والاشاعات فجثة الضحية مفقودة والشهود مفقودين باستثناء هلوسات موسى البهلول... ..لكن المخزن عادة يدين الاشخاص حتى يتبثوا برائتهم ..ا ديدنه عبر التاريخ.وعبر الازمنة..الاشاعات يروج لها الناس البسطاء ويغديها هو ويستعملها لاغراضه غير الواضحة ..وقيل قديما اياك ان تتق في ثلاث :الماء والنار والمخزن ....كان اعوان المخزن في بحث دائم عن جثة الضحية وبوسحابة المتهم رقم واحد في القضية ...و لكن بوسحابة غادر القرية الى جهة المجهول ..تخلى حينها عن تحقيق مشاريعه الحالمة في قريته ..فالاحداث تتكالب عليه من كل الجهات بعد وقائع ليلة الحفل ..قرر مع زنوبة الرحيل بعض الوقت الى المدينة القريبة ..قد تطول الرحلة وقد تقصر..لكنهما سيعود ان يوما ليستانفا الحلم وينجزان البعض من تلك المشاريع التي يستحقها الناس الطيبيين لقريتهما ...تركا البيت الصغير والبئر والضيعة .. للمعلم المهدي ..ولم يكن لهما اذنى شك في امانة المهدي واعتنائه بما تركوه له .....كما امناه على ثلاثة ارباع المال الذي حصله بوسحابة من الكنز...كان تفشي خبر مقتل الغراب الاسود هو المفصل في تحول افكار الزوج عمر حول موضوع الهجرة ففاتح زوجته في الامر فوجد عندها نفس الاستعداد النفسي والمادي للهجرة...فهي جد مستاءة من تغول الاشاعات بالقرية حول زوجها ...لم تعد تطمئن لماقيل ولما يقال ..عنه ..وعن تلك الخرافة التافهة السحابة التي تجوب القرية ويتحدث عنها النسوان....كل الاشياء اصبحت هراء في هراء...والاشياء النفيسة اقتصرت عندها في الابناء الهادي والمهدي....والمال الذي الذي رزقاه بعد موت البغل ...هو رزقهما .....
وهي شاكرة لعناية السماء بها حيث امطرتها بنعم لا يمكن ان تتكرر في حياتها ..
وهي تطمح للحفاظ على زوجها و ابنائها وتحميهم من دسائس السلطة ومن تقلبات الزمن ودسائس الاعداء ... في ذلك الصباح قررا معا الرحيل ..جمعا معا ما قل وزنه وارتفع ثمنه .. الابناء والقليل من المال ..ورزمة تحتوى ملابس ولوازم الطفلان ..
حملت هي رزمة الثياب والهادي ..وحمل هو كيس المال وحضن المهدي ..
واتجها معا الى مكان وقوف الحافلات على الطريق ..ركبا الحافلة الاولى القادمة من الساحل دون ان يعلم بهما احد ..وسارت بهما الحافلة الى المدينة القريبة في الداخل وهي تبعد عن القرية ب150 كلمترا ..الطريق يبدو قصيرا ..لكن الرحلة طويلة و قد بدات ...المهدي المعلم على علم بالقرار...و علمه سرا من الاسرار التي يتقاسمها مع صديقه الحميم عمر ...
يعلم ان عمر سيعود يوما الى بيته ..والى اهله وعائلته الكبيرة في القرية ولا يخشى عليه فهو مع المال الذي يكفيه مدة طويلة... نسيى امره وتابع عمله في تدريس الاطفال ..كما كان في ايامه العادية..
كانت الحافلة متهالكة كعجوز تجاوزها الزمن باكثر من جيل بالتمام والكمال ..لكنها لاتزال تعبر الطريق القديم ببطء..وكان يجلس الى جانب عمر رجل غريب في عقده السادس نظيف الهيئة حليق الدقن انيق يرتدي بدلة عصرية فاخرة ..وقطعة من الثوب المزركش تحيط بعنقه النحيف تتدلى على صدره الضيق..لا تشبه في شيئ صدرية الصبيان ..سبق لعمر ان شاهد مثلها حينما دشنت السلطة محطة البريد المهجورة اليوم ..... الرجل النحيف كان مستغرقا في مطاردة حركات عمر بعيونه الضيقة وهذا الاخير لا يحيد بصره على ربطة عنقه الملونة..بهرته تلك الالوان الزاهية والتي ازدادت نصوحا على ثوب قميصة الابيض الناعم ..تمنى لويستمتع يوما بارتداء مثلها ..ويتباهى بها على اعوان السلطة والمخازنية في قريته ...تمنى ان تأتيه الايام بمناسبات سعيدة يتبختر امامهم بربطة عنق مثلها لم تخطر الوانها ببالهم يوما ..تخترق الحافلة بمهل الطرقات ..تتمايل بين المنعرجات الضيقة ..لكن السائق المسن كان بارعا في لجمها وقيادتها ..يتفنن في مسك مقودها الكبير ..وهو يستمع للموسيقى الشعبية ..التي يصل مقاطعها الحزينة الى اذن عمر ..
اقتحم خلوته هذه الرجل الانيق بقوله :
_ الى اين بالسلامة ..
_ الى المدينة طبعا....
_ وانت
_ انا كذلك
_ هل لك اهل هناك تريد زيارتهم ؟
_ لا ..
_ اذن انت مهاجر ...
_ نعم ..على كل حال اعتبرني وافد جديد اليها ..
_ عمرتم...البلاد ..واش اللي باع بقرة ..يركب الكار ويقول نسكن في المدينة ..راه المدينة جحيم اعباد الله ..
_ ساستقر بها لاجل السياحة لوقت معلوم سيدي ...ثم اني لم ابع شيئا من املاكي ...لولا حاجتي للراحة لما رحلت عن اهلي ..
_ الراحة .... تركتها في الحقول والسواقي عندكم في البادية .. ؟
على العموم.. الوطن للجميع ...
_ لك افكار مغلوطة عن واقع البادية سيدي ...
_ كيف ..اشرح لي ...قد اكون خاطئا..
_ مشاكل البادية كثيرة والسكون الذي تظهره يخفي عذابات الناس بها ..والا لما هجروها
_.....ربما ..
_ الهجرة الى المدينة هي ضرورة سيدي وليست امتياز ..والمسؤليين بسياستهم المتهورة افسدوا البوادي ..مظالم كثيرة في جباية الضرائب ..و ونفود ورشاوى في توزيع المياء .واحتقار وتهميش في التعليم والصحة والري .. هذه زوجتي امامك وضعت حملها بدون مولدة ولامساعدة اجتماعية كالبقرة وضعت توأمان ضربةواحدة وكادت ان تزهق روحها وتودع هذه الحياة البئسة لولا ارادة السماء ..الارض تتفتت بالثوارت تم تتجمع في يد راسماليين عقاريين غرباء عن القرية .. وسلطة تظلم وتجور على الناس لا تتملقهم الا في فترات الانتخابات ..للتصويت على ممثل المخزن ...حتى يبقى الوضع على ما هو عليه ...اين الراحة سيدي..السفر الى الجحيم اهون من المكوت بالبادية ولو الى حين ...
_ من كلامك يبدو انك بعت ما تملك ...وغادرت القرية دون رجعة ..
_ ليس الامر كذلك ...تركت املاكي للمعلم المهدي ..(ضحك عمر ضحكة صفراء ساخرة).
_ تترك معلما على ممتلكاتك .؟...غربية هذه الدنيا ..
_ سايرتك في الحد يث الى الان ... ولا اعرف عملك؟
_ عملي لا يهمك ..في شيء ..على كل حال احسبني متقاعد ..
لم يطمئن عمر لهذا الكلام ..توجس من الرجل الانيق في مظهره والغبي في جوهره .فتوقف عن الكلام معه ..كان الرجل الانيق يتفحص بعيونها الصغيرة المخادعة الصبيان في حضن زنوبة ..مستغربا هجرة هذه الاسرة الى البادية بدون تخطيط مسبق ..اشارت زنوبة بنظراتها الى عمر ليكف عن متابعة الحديث مع الرجل الغريب .كانت تتابع مجريات الحديث معه ..فهم عمر الاشارة و صوب نظره الى النوافد .غير مباليا بالرجل النحيف..لا يجب ان يأمن لامثاله من الناس على الطريق ...قد يكون من رجال السلطة او من المخبرين والعملاء الكثر في القرية..كلامه يشبه كلام السلطة ..البادية عنده هي التي تراكم مشاكل المدينة ..والمدينة هي مصدر معاناة السلطة ..ويخفي الحقيقة البارزة كون السلطة الفاشلة هي سبب تراكم كل المشاكل في المدينة والبادية معا ..
التفت يتأمل الحقول والمراعي التي تتحرك أمامه على النافذة ..مناظر مفزعة احيانا ومدهشة اخرى الحقول الصغيرة محاطة بالحجارة او بالاشواك ..الرزب او السدرة..بينما الضيعات الكبرى تسيج بالاشجار الباسقة كالصفصاف او الارز ...كانت ضيعات للمعمرين في السابق تم تحولت الى الاعيان ...تبدو بعض القرى غارقة في الفقر لا تغطي ارضها سوى الحجارة والسدرة ...وتتفرق فوقها قطعان الاغنام الهزيلة ..منازلها متناثرة تنتصب قرب الابار والاودية .. يطغى لون التراب والتبن الاصفر على جدرانها ...
في منعطف على الطريق اخد صوت محرك الحافلة ينخفض كأن سائق الحافلة يريد توقيفها لامر ما .. صوت المدياع لا زال يصدح باغاني قديمة لزمن العليل ..مساعد الحافلة يدنوا من الباب الامامي يجر كيسين من الخيش مملوئين..و الركاب يتطاولون باعناقهم من النوافذ ..لعلهم اعتادوا على متابعة هذا المشهد ..في هذا المنعطف البئيس ..منهم من يتسلى ..ومنهم من يتحسر ..لكنه لاول مرة يعاين المشهد المرعب ..كانت تحاصر الحافلة اسراب الكلاب الضالة القادمة من الدواوير القريبة من الطريق .. تنتظر الحافلة في دلك التوقيت المحدد من اليوم ..يفتح الكريسون نصف الباب لا يظهر منه سوى راسه.. ويبدأ في رمي اقراص الخبز وبقايا السمك التي تبرع بها ارباب المطاعم الشعبية في مدينة الساحل التي قدم منها ..تلتقط الكلاب الخبز والسمك وهي تتعارك لاجله فيما بينها ..ومن قريب تعدو طفلة قروية جميلة المحيا وسخة الثياب لم تتعدى عقدها الاول كانت تحت الشمس ترعى القطيع ..تتعارك بدورها من اجل الخبز والسمك.. ..وتقاتل بقوة الكلاب الضالة بشراشة .لاجل حصتها من تلك الاكياس....
قال احد الركاب انه احيانا حتى الرعاة الشباب يقفون على المنعطف احيانا للعراك من اجل بقايا الطعام..كان المنظر مقززا ..لم يكن عمر هل كان جود السائق ومساعده (الكريسون) على الكلاب والرعاة بدافع العطف والشفقة..ام بدافع الشماتة من بؤس الاخرين والاستمتاع بالمهم...
تتحرك الحافلة ويستمر الركاب يتابعون المشهد من النوافذ الخلفية ..تتفرق الكلاب ولكل نصيبه من الطعام القادم من الساحل ...والفتاة تعود الى قطيعها تحفن في ثيابها الرثة ما لقطته من معركتها اليومية...في دلك المنعطف ...
ينظر عمر الى الرجل الانيق...ويباغثه بالسؤال ؟
_ اين يجب ان تكون هذه الطفلة في نظرك ..سيدي؟
يصمت الرجل الانيق..
_ تحت حرارة الشمس وسطوة البرد القارس توجد تلك الفتاة وفتيات قرويات اخريات ينتظرن من يقدفهن بقطعة خبز و بقايا هيكل سمكة .على الطريق..
أليست البادية هي التي تطعم المدينة ...؟
لازال الرجل الانيق يلود بصمته ...ويضغط السائق على المذياع ليرتفع صوت مبحوح لمطرب شعبي أصيل كان يردد والركاب يسمعون بصمت والمشهد ..
لا يزال يمزق احساس البعض منهم :
اهل الحال ...يا اهل الحال...
متى يصفى الحال ؟.......






#عبد_الغني_سهاد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- همسات ....قلم
- عزوف المواطن عن السياسة / اولاد عبد الواحد كاع واحد...
- أوجاع قريتي ...10(.. لمن تحكي زابورك يادتوود ...)
- في الحاجة الى الديموقراطية
- أوجاع قريتي - 8 - ساعات الليل الطويلة ...
- عاد يوم 8 مارس ..ولا شيء تحقق للمرأة العربية
- كأنه السحاب العابر ...
- اوجاع قريتي ..8 الحفل .(هيرضربوا ولا هربو..)
- اوجاع قريتي 7 (بوسحابة )
- خلف النوافذ
- حكاية كرسي
- في مسالة الاخلاق
- ققجات : ربيع اخر
- في سياق منتظم
- البطالة وغلاء المعيشة والنقابات
- أذنى من ديمومة الثلج
- أوجاع قريتي ..5
- أوجاع قريتي-4
- رسالة العيد
- مجتمع يتغير ..ومدارس ثابتة


المزيد.....




- الحكم بالسجن على المخرج الإيراني محمد رسولوف
- نقيب صحفيي مصر: حرية الصحافة هي المخرج من الأزمة التي نعيشها ...
- “مش هتقدر تغمض عينيك” .. تردد قناة روتانا سينما الجديد 1445 ...
- قناة أطفال مضمونة.. تردد قناة نيمو كيدز الجديد Nemo kids 202 ...
- تضارب الروايات حول إعادة فتح معبر كرم أبو سالم أمام دخول الش ...
- فرح الأولاد وثبتها.. تردد قناة توم وجيري 2024 أفضل أفلام الك ...
- “استقبلها الان” تردد قناة الفجر الجزائرية لمتابعة مسلسل قيام ...
- مونيا بن فغول: لماذا تراجعت الممثلة الجزائرية عن دفاعها عن ت ...
- المؤسس عثمان 159 مترجمة.. قيامة عثمان الحلقة 159 الموسم الخا ...
- آل الشيخ يكشف عن اتفاقية بين -موسم الرياض- واتحاد -UFC- للفن ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الغني سهاد - أوجاع قريتي...11( اهل الحال ..متى يصفى الحال ..)