أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين علوان حسين - حكاية الكلب المثقف :- سربوت -















المزيد.....

حكاية الكلب المثقف :- سربوت -


حسين علوان حسين
أديب و أستاذ جامعي

(Hussain Alwan Hussain)


الحوار المتمدن-العدد: 4379 - 2014 / 2 / 28 - 18:17
المحور: الادب والفن
    


حدثني صديق ، عن صديق له ، قال : أنه سمع أباه يقول له : " إعلم يا بُني ، أنه ليس غريباً أن يتحيون الإنسان ، ففي حَيْوَنَتِه نزوعاً لأصله ؛ و لكن الغريب هو عندما يتأنسن الحيوان فيقتدي بالإنسان المُتَحَيْوِن " . ثم حكى عليه هذه الحكاية :
" كان يا ما كان ، في قديم الزمان ، بيت غني أشتهر بإسم " بيت دغمور " ، عُرف بإنجابه لأعظم العباقرة و الشجعان و الشرفاء في المنطقة ، إلى جانب أعظم المجرمين و الجبناء و الأغبياء فيها . و لكونه بيتاً غنياً شديد البأس و العنفوان ؛ لذا ، فقد أغرى كل بيوت الجيران بالعدوان عليه في كل مكانٍ و آنٍ ، و الحيلولة دون أن يستتب الحكم فيه إلا لأولي الأمر من المجرمين و الجبناء و الأغبياء ، لتسليطهم على رقاب أهل البيت من أولي العزم من الموهوبين و الشجعان و الشرفاء ، فينطمر البيت في دوامات لا تنتهي من حمامات دماء الحتوف ، و يتفرغ أهله من المغدورين باللطم و البكاء جيلاً بعد جيل على جثث قتلاهم المتناثرة المحروقة ، و لعق جراحهم المريعة ، بدلاً من جني ثمارهم اليانعة البديعة .
و كان أحد العباقرة الشجعان الذين أنجبهم بيت دغمور هو : مصعب بن نصران ، الخبير بالحياة الكريمة و بالمستقبل الأفضل للإنسان و الحيوان ، و المحرّض على الثورة ضد ظلم السلطان . إشتهر مصعب بتدريب الكلاب تدريباً عالي التخصص ، و بزقِّها بعلم فريد الفوائد يجعلها تحتبي في القوم جالسة لتتكلم بلسان ناطق فصيح عالم . كان " سربوت " أحد تلك الكلاب المدرّبة ، و الذي عرفه أهل الدار بإسم " الكلب المثقف " لذلاقته و لباقته . كما درّبه مصعب فوق ذلك على فنون التأدب و التواضع مع أهل الدار ، و قوة المراس و الضرب الناقع ضد الأشرار ، و هم كل من الثلاثي : الحاكم " طرطور " و الآغا " عربور " و صديقهما اللص " خرخور " المغتصب لبساتين البحور ، و أتباعهم ؛ فأصبح سربوت مثالاً يحتذى بين الكلاب ، و حارساً أميناً لدار الأهل و الأصحاب ، ومحل الحسد و الغيرة عند أولي الأمر .
و لما كانت السعادة لا تدوم و لا تستقيم بغير التعاسة ، لذا فقد إغتال ثلاثي الأشرار مصعباً في الخرابة ، فأصيب الكلب سربوت باليأس و الكآبة . ثم تحولت الكآبة إلى الوهن و الإنهيار ، فسرقه اللصوص من أتباع خرخور و هو راقد على مضض ، و باعوه بثمن بخس لبيت الحابس .
تعجَّب الحابس لدى إكتشافه مهارات سربوت اللغوية ، فوضع أمامه المكروفون ، لتلبية طلبات ما يطلبه المستمعون ، فراح سربوت يخطب و يغرّد ، و يصول في الفناجين و يجول . ثم ، ما لبث أن ركبه الغرور الذي جعله يؤمن أيماناً لا يتزعزع بأن الكذب و الشر من التشرف ، في حين أن الصدق و الخير من التخلف ؛ فأستبد به داء الإسهال اللغوي المريع ، و صار لا يفرق من أصوات النقيق و بين الشدو الرقيق ، ففضح صاحبه الحابس ، الذي سارع ببيعه لجاره الشرير الأبله : الكابس .
أعاد الكابس تدريب و ترويض الكلب المثقف سربوت من طرف أمهر المدربين الذين علموه فنون المزاوغة و المراوغة ، و كيفية حفر الآبار الإرتوازية بإبر الخياطة الناعمة ، فبزَّ سربوت الجميع بهذه المواهب الجديدة الرائعة ، و نسي تدريب و علوم مدربه السابق مصعب و أهل بيت دغمور . و لكنه عوَّض خسارته هذه باصطناعه جمهوراً من الكلبات الشيقات اللبقات الشبقات اللائي ما فتئن يتمسَّحن بذيله فيما هو يروي لهن أكاذيب بطولاته الخارقة ، و يلفِّق لهن أساطير معجزاته الطارقة . و لإكتشاف الكابس بأن لسان سربوت طويل على نحو غير معهود ، و لا يمكن ربطه على نحو محمود ، لذا فقد أوكل لأحسن المدرسين مهمة تعليمه فن الكتابة و التسليت ، بدل الخطابة و التفليت و التشويت و التخريت ؛ كما عهد إليه بمهمة مراوغة أعدائه للتبرز و التبول خلسة في سوح كل بيوت الطيبين الطاهرين ممن دأبوا على الضحك على البلاهات و الشرور المستطيرة للكابس . و للإبتعاد عن المشاكل فقد شدد عليه وجوب عدم العض .
و لأن الحظ لا بد أن يخذل يوماً المفسدين ، فقد ضبطه أحدهم يوماً و هو ينجِّس في مطبخ الآكلين ، فنصحه بالكف عن ذلك ؛ فما كان من سربوت إلا أن غافله ليهجم عليه ، فينهش كعب مِداسه ، ثم يهرب بالمِداس إلى بيت صاحبه الكابس . سر الكابس في سره بنهشة سربوت لعدوّه ؛ و لكنه راقبه بقلق و هو يسرط المداس , و يتلذذ به بدلاً من أكل اللحم الطازج المشوي في إناء الطعام الخاص به ، فذهب به لعيادة الطبيب البيطري ، و قال له :
- أيها الحكيم ، هذا كلبي المثقف سربوت قد أصبح يعضّ البشر ، و يأكل مِداساتهم ، بدلاً من أكل اللحم و الشحم الطازج المشوي . أرجوك أن تفحصه ، و أن تشخص داءه ، و أن تصف لي دواءه .
فحص البيطري سربوت طويلاً بدقة ، ثم إبتسم للكابس و هو يقول :
- إن سربوتاً هذا مصاب بداء فقدان الذاكرة !
- مستحيل ! لا يمكن أن أصدق هذا !
- و لماذا ؟
- كيف يكون مصاباً بفقدان الذاكرة ، ثم يتذكر أنه كلب ، فيعض ؟
- لأن الطبع يغلب التطبع .
- و أنّى له إصطناع كل أكاذيبه و خرافاته و هو فاقد الذاكرة ؟
- الأكاذيب و الخرافات لا تحتاج إلى ذاكرة ، بل تحتاج إلى خيال و نفس داعرة لا تحترم الحقائق العارية .
- و الحل ؟
- تخلص منه بأسرع ما يمكن ؛ فلا نفع فيه .
من فوره ، أخذ الكابس سربوتاً إلى ساحة بيع الكلاب ، عارضاً إياه للبيع هناك ، علَّ أحداً يشتريه . جاء المالك لسيرك المدينة ، فاقترب من سربوت الجالس ، و تفرّس فيه طويلاً ، ثم سأله :
- هل تستطيع الكلام ، أيها الكلب ؟
- أنا أعظم لغوي في العالم . رد سربوت .
- إحكي لي قصتك !
- لقد إكتشفت قدراتي اللغوية منذ الطفولة ، فأبلغت جهاز المخابرات بها ، فعينوني عندهم رئيساً للجواسيس ، و صرت أطير من بلد إلى بلد مُجالساً كل قادة العالم لأن أحداً منهم لم يكن يستطيع أن يشك بأن بإمكان الكلاب التصنت على أحاديث بني البشر . و أمضيت ثمان سنوات كنت فيها أنجح جاسوس في العالم ، حيث إستطعت إماطة اللثام عن مئات المؤامرات الدولية الجهنمية ، و كشفت عن آلاف عمليات تهريب المواد الخطرة جداً و المحرم نقلها دولياً ، كما حصلت على طنين من أرفع الأوسمة . ثم تزوجت ، و صار عندي عدة جراء ، و أنا متقاعد الآن .
يلتفت صاحب السيرك إلى الكابس ، و يسأله : بكم تبيع هذا الكلب ؟
- بفلسين !
- بفلسين فقط ؟ إن هذا الكلب معجزة ، فلم تريد بيعه بمثل هذا الثمن البخس ؟
- لأنه كذاب أشر ، فكل تلك القصة التي حكاها لك عن حياته هي مجرد خرافات و إختلاقات و أكاذيب !
- لقد إشتريته ! سيصبح أعظم مهرج عندي في السيرك !
- شايف الخير ! "

العمارة ، 28 / 2 / 2014



#حسين_علوان_حسين (هاشتاغ)       Hussain_Alwan_Hussain#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصة قدموس مثالاً للملحمة التاريخية / 1
- كارل ماركس و بيرتراند رَسْل / 3
- كارل ماركس و بيرتراند رَسْل / 2
- كارل ماركس و بيرتراند رَسْل / 1
- هيجل و رَسْل : الأسد يُعرف من فكيه
- عودة إلى خرافات يعقوب إبراهامي بشأن قوانين الديالكتيك / 2 و ...
- حكاية الطَّبْر و الهَبْر
- الفتى صالح و السبحة الكهرب
- عودة إلى خرافات يعقوب إبراهامي بشأن قوانين الديالكتيك /1
- الحمار و عبد الكريم
- قوانين الديالكتيك و ظواهر فيزياء علم الكم / 7 - الأخيرة
- قوانين الديالكتيك و ظواهر فيزياء علم الكم / 6
- قوانين الديالكتيك و تخريفات أبراهامي بصدد عدم وجود الصراع دا ...
- قوانين الديالكتيك و تخريفات أبراهامي بصدد عدم وجود الصراع دا ...
- ألحمار المناضل
- طبيعة قوانين الديالكتيك و طريقة إستنباطها و فحصها و علاقتها ...
- قصة البغل المتهوِّر
- قصة العيد
- رفسة إسطنبول
- تخريفات إبراهامي و التشكيك بصدد طبيعة الصراع و قوانين الديال ...


المزيد.....




- تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك 2025 بتحديثه الجديد على النايل ...
- قصة الرجل الذي بث الحياة في أوليفر تويست وديفيد كوبرفيلد
- وزيرة الثقافة الروسية: زاخار بريليبين مرشح لإدارة مسرح الدرا ...
- “وأخيرا بعد طول انتظار” موعد عرض مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 1 ...
- وزير الثقافة والاتصال الموريتاني يوضّح موقف نواكشوط من من مق ...
- جودة خرافية للمباريات.. تعرف على أحدث تردد قناة MBC أكشن 202 ...
- -الدين المعرفي-.. هل يتحول الذكاء الاصطناعي إلى -عكاز- يعيق ...
- هوليود تنبش في أرشيفها.. أجزاء جديدة مرتقبة لأشهر أفلام الأل ...
- رئيس هيئة البحرين للثقافة والآثار: التعاون الثقافي مع روسيا ...
- -بيت الشعر في المغرب- يتوّج بجائزة الأكاديمية الدولية للشعر ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسين علوان حسين - حكاية الكلب المثقف :- سربوت -