أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - رائد الحواري - الحضارة الهلالية والتكوين التوراتي المقدمة















المزيد.....


الحضارة الهلالية والتكوين التوراتي المقدمة


رائد الحواري

الحوار المتمدن-العدد: 4352 - 2014 / 2 / 1 - 20:58
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


مقدمة
إن إعادة إبراز تاريخنا القديم وتقديمه بما أهل به من عظمة يجيء في هذا الوقت كالماء للظمآن، حيث هناك الغيوم السوداء تعتلي فوق رؤوسنا وتجلعنا في حالة من الضياع والاستسلام لما هو كائن وما سيكون، وأصبح إنساننا الذي هو عماد الوجود الحضاري يعيش في حالة من الإحباط في كافة نواحي الحياة، وأمسى مثل الجذع اليابس، لا حول له ولا قوة يجرفه التيار حيث شاء، رغم أن تاريخه فيه من القوة مما يجعله يتقدم في هذا التيار بشكل مبهر ومتألق، آخذاً بزمام الحاضر نحو مستقبل ساطع.
إن عملية التعتيم المتعمدة للتاريخ، وجريمة تزييفه، وأخيراً سرق وانتحال تركتنا الحضارية والثقافية، جعلنا ـ من مفهوم حضاري اجتماعي ـ عبارة عن قبائل بدوية ليس لها عمل سوى النهب والسلب ـ قديماً وحديثاً ـ ومن ثم نفي أي دور لنا سوى الذي وضعه لنا أعداؤنا.
والمسألة الفكرية تبقى بين مؤيد ومعارض ومستحسن ومنفر، لها رجالاتها المتخصصون، وتبقى كذلك إلى أن تتحول إلى فعل يرفع الإنسان أو يسقطه. ولقد تعرضنا قديماً لمجموعة من الهجمات الفكرية والعملية، واستطاع أجدادنا أن يردوها ويعيدوا هؤلاء الغازين إلى مواقعهم الفكرية ـ والجغرافية ـ التي انطلقوا منها، وكان الموقف العملي دائماً هو المحرك نحو مواجهة الخصم، أما إنْ بقيت تلك الأفكار أو العقيدة داخل إطار الحوار والنقاش فلا تواجه بتلك الطريقة العنيفة وتتم عملية الرد عليها بأسلوبها الحواري نفسه، وهذا النوع من الصراع الفكري يوجد حتى داخل المجتمع الواحد، و له من يتناوله من هذه الزاوية أو تلك. وما نتعرض له في الوقت الحاضر من هجمات داخلية وخارجية معاً، يدعونا لنقف في مواجهته بوعي وصلابة.
فالوجود الصهيوني في فلسطين، وتغلغل أفكاره بين مجتمعنا، فرض علينا العودة إلى التاريخ القديم وإعادة النظر فيه، حيث أنهم يزعمون الاعتماد على التاريخ التوراتي لتبرير وتأكيد سيطرتهم على أرض فلسطين من خلال (يهوه) الذي أعطاهم هذه الأرض.
["وقال الرب لأبرام بعد أن اعتزل لوط عنه. ارفع عينيك وانظر من المواضع الذي أنت فيه شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً. الآن جميع الأرض التي أنت ترى، لك أعطيها ولنسلك أيضاً من بعد قم إمش في الأرض طولها وعرضها لأني لك أعطيها" " "].
["وأقيم عهدي بيني وبين نسلك من بعدك في أجيالهم عهداً أبدياً لأكون الهاً لك ولنسلك من بعدك وأعطي لك ولنسلك من بعدك أرض غربتك كل أرض كنعان ملكاً أبدياً وأكون إلههم" " "].
إن الكتب والبحوث العربية التي كتبت لصد هذه الأطروحة محدودة جداً، مقارنة مع ما نشر من كتب وبحوث أخرى في الوطن العربي، أو مع ما نشر من كتب إسرائيلية حول هذا الموضوع، وهذا الشح يعود إلى ندرة المواد التي نشرت عنه، خاصة إذا علمنا بأن عدد الكتب والأبحاث التي نشرت حوله في الغرب محدودة جداً، ونحن نعلم بأن نسبة كبيرة من الباحثين العرب يعتمدون على المراجع والكتب الغربية، وكذلك بسبب عدم وجود الكادر المؤهل الذي يتقن معرفة اللغات المسمارية، والأبجديات القديمة، كذلك لعدم وجود مؤسسات تمول هذه البحوث، إذ أن من يقوم بمثل هذه المهام بحاجة إلى دراسة ميدانية وأكاديمية حتى يتمكن من تقديم كل ما هو جديد موثق، وأيضاً عدم احتفاظ متاحفنا الوطنية بالمكتشفات الأثرية، ونقل أغلبها إلى المتاحف الأوروبية، وهذا جعل بلادنا محرومة من تراثها الأثري مما جعل ذهنية علمائنا ترتبط بما يقوله الغربيون، وهكذا تعلق باحثونا بما كتب علماء الغرب عن تاريخنا وأخذوا يستخدمون مصطلحاتهم ونظرياتهم الخاطئة والصائبة بدون تمييز، فاستخدموا كلمة (الساميين) ومن ثم أخذوا بتحليلاتهم لهذا التاريخ.
لقد بدأ الغربيون الخوض في هذا المضمار منذ القرن الثامن عشر، وتوسعت حملاتهم بشكل كبير في القرن التاسع عشر، ومع نهاية النصف الأول من القرن العشرين كانت هناك الإنجازات التاريخية والأثرية الكبيرة التي حققها الغرب من خلال حل اللغة المسمارية والأبجدية الكنعانية، ومن ثم تحديد الفترة الزمنية والإنجاز الحضاري والثقافي لكل دولة من الدول التي ظهرت في منطقتنا.
إننا على يقين بأن الثقافة الغربية ورجالاتها ينتقصون من مقدرتنا في مجال الإبداع والإنجاز الحضاري والثقافي، وهذا الأمر يعمق الهوة بين مجريات التاريخ الحقيقية وبين ما هو مدون عنه من وجهة النظر الغربية، خاصة إذا تأكدنا بأن تلك الكتابات اعتمدت بشكل أساسي على الرواية التوراتية ، وهذه الرواية بعد الاكتشافات الأثرية والتاريخية وجد بأنها لا تملك المصداقية التاريخية بتاتاً، وما هي إلا خليط متناقض من الأحداث التاريخية، ومن هنا جاءت كتاباتهم سلسلة من الأخطاء المجحفة بحقنا وبحق الحقيقة التاريخية المجردة.
ومن الأمور التي دفعت هؤلاء الغربيين إلى تبني الموقف السلبي من إنجازنا الحضاري، هو بدء أعمال الحفر والاكتشافات الأثرية والتاريخية في منطقتنا في وقت كنا فيه أضعف ما يكون في مجال القوى الحربية والعلمية والاجتماعية والحضارية والثقافية، حيث أننا منذ القرن السابع عشر وحتى دخولهم بلادنا لم نقدم أي شيء، وحتى أننا فقدنا صلتنا بالإنجازات العلمية والثقافية التي قدمناها في القرن العاشر وما تلاه، ولهذا نظروا إلينا من زاوية الاستهتار والاستهانة مجبولة بحقد ديني ومصلحة اقتصادية، ومن دوافع هذا الموقف قدومهم إلى منطقتنا وهم في أوج قوتهم العسكرية، حيث كانت بعثاتهم مرافقة للجيوش الغازية وكذلك نجد اهتمام بعض حكامهم وقادتهم بعلم الآثار والتاريخ.
إلا أن الحقيقة تبقى حقيقة رغم أنف المزيفين، ومع تزايد الاكتشافات الأثرية المبهرة والرائعة في منطقتنا، مثل اكتشاف بوابة بابل والأعمال الفنية المتنوعة والألواح المسمارية وترجمة ما فيها من روائع ملحمية وأسطورية وحكم وأمثال وحقائق تاريخية مدونة، تتطرق إلى كل مرحلة من مراحل المنطقة والدول المجاورة لنا، كل ذلك دفع بعض هؤلاء العلماء إلى جادة الصواب والحقيقة التاريخية والعلمية. من هنا بدأ بعض العلماء الحديث عن تاريخنا العريق وإظهار ما فيه من عظمة، ومنهم من خرج من ظلام أفكاره المترسبة وصرح علانية بأن الأحداث التوراتية ما هي إلا أغلاط وتزييف للأحداث التاريخية، ومنهم من تقدم أكثر نحو الحقيقة، فتحدث عن السرقة التي تمت لكل ثقافة المنطقة (الهلال الخصيب) ومن ثم انتحال هذه الثقافة والتركة وإضفاء بعد توراتي مغاير للحقيقة عليها.
لقد كان هؤلاء الباحثون هم الرواد الذين استرشد بهم كتابنا وباحثونا، وجاءت الأبحاث العربية في هذا الموضوع متميزة وناجحة بصورة ملفتة للنظر، وظهر بعض الكتاب كأعلام في مجال التاريخ القديم، لما في كتاباتهم من عمق متجذر في الحاضر المعاش لشعوب المنطقة، فكان هناك طه باقر وفوزي رشيد وأحمد سوسة وسامي سعيد الأحمد وفاضل عبد الواحد من العراق، وفراس السَّواح وتوفيق سليمان من سوريا، ووديع بشور ويوسف الحوراني وأنيس فريحة من لبنان، وظهر بعض الكتاب في مصر لا يقلون أهمية عن نظرائهم الهلاليين، وبعض هؤلاء وغيرهم من الكتاب أصبحت كتبهم وأبحاثهم تترجم إلى اللغات الأخرى لما فيها من تميز وتطوير وإضافات تاريخية حول تاريخ المنطقة.
وبرز من خلال المكتشفات الأثرية التي أكدت بأن اليهود لم يكن لهم وجود تاريخي في فلسطين نظريتين، إحداها تاريخي، يتحدث عن اليهود الذين عاشوا فترة محدودة جداً في فلسطين، ثم طمست مملكتهم نهائياً على يد نبوخذ نصر، وبهذا كانت المملكة اليهودية جزءاً صغيراً جداً من الممالك التي انتشرت في المنطقة عندما ضعفت الدولة المركزية، وتأخذ هذه النظرية ببعض الأحداث التاريخية التوراتية وتنفي مجملها وتؤكد على وجود الأماكن الجغرافية الهلالية المذكورة في التوراة، من هنا جاءت هذه النظرية لتؤكد وجود الأماكن الجغرافية وتتفق أو تختلف مع الحدث التاريخي التوراتي.
والثانية جغرافي والتي تبناها كمال صليبي، تعتمد هذه النظرية على نفي المكتشفات الأثرية لأي تواجد يهودي في فلسطين من جهة، وعلى إعادة أسماء الأماكن التوراتية ـ جغرافياً ـ إلى جذورها اللغوية ومن ثم نسب هذه الأسماء إلى أماكن ما زالت توجد في الجزيرة العربية وتحمل الأسماء نفسها، وهذه النظرية تعتمد على الجغرافيا التي تؤكد على عدم وجود آثار يهودية في فلسطين. ولها ما يؤيدها من الباحثين التاريخيين من خلال الحدث التاريخي الذي يتحدث عن الملك سليمان عندما طلب من ملك صيدا ببعث المهندسين ليبنوا له الهيكل في القدس، ونحن نعلم بأن الكنعانيين جميعاً سواء كانوا في الشمال أو الجنوب، كانوا يتقنون عملية بناء المعابد الكنعانية، من هنا لو كانت المملكة السليمانية في القدس لما طلب من ملك صيدا تقديم المساعدة في عملية بناء الهيكل، وهذا يشير إلى أن تلك المملكة لم تكن في أرض كنعان وإنما خارجها.
ومن الأمور التي ساعدت في إبراز الاهتمام في هذا الموضوع عند كتابنا، هو وجود اتجاهات سياسية دفعت بعض المهتمين بالتاريخ لإظهار تاريخ المنطقة (الهلال الخصيب) ككتلة واحدة متميزة عن المناطق المجاورة لها، وهناك من رأى بأن التاريخ فيه من المتعة والمعرفة الشيء الكثير، ومن هذا المنطلق بدأ الخوض في هذا المضمار، ثم تحول هذا الدافع إلى حب وعشق (تاريخه) أكثر من كونه مجرد متعة ومعرفة للتاريخ المجرد، وأصبح ينظر إلى هذا التاريخ كجزء من ذاته واستمرار وجوده.
من هنا جاء الحديث عن التركة الحضارية والثقافية لسكان المنطقة، والتي ما زالت تتصل بما خلفه الأجداد من إنجازات علمية وفَنيَّه وعسكرية ومدنية وحضارية. فهناك من ربط بين تكرار المقاطع في ملحمة عشتار ومأساة تموز وبين الزجل الشعبي المغنى، وكذلك الأعياد الموسمية التي تقام في بعض مناطقنا وبين الاحتفالات القديمة بأعياد تموز وبعل، ومنهم من أعاد بعض الكلمات التي نستخدمها في الوقت الحاضر إلى عقائد دينية كانت سائدة عند أسلافنا مثل كلمة (بعل)، وهذا معروف بأنه إله كنعاني يرمز إلى الخصب، حيث أن هذا الوصف ما زال يستخدم حتى الآن لتميز الخضار (البعلية) التي تنمو بدون الري المباشر، ومنهم من تحدث عن إنجازاتنا فأصبحنا نعرف بأننا أول من استخدم العجلات وما يتبعها من تقدم صناعي وانعكاس ذلك على المواصلات، حيث استخدم أسلافنا العربات، وكانوا بذلك أول من أحدث ثورة في وسائل المواصلات. كذلك جاء اكتشاف اللغة السومرية كأول لغة مكتوبة في العالم وبذلك كنا أول من علّم وتعلم بلغة مكتوبة، ومن ثم علَّمنا هذا العلم إلى الشعوب المجاورة لينتقل هذا الاكتشاف ـ الكتابة ـ إلى العالم أجمع، ولقد استمر أسلافنا في تطوير هذا الاختراع إلى أن استخدموا الحروف الأوغارتية والتي تعتبر أول حروف أبجدية استخدمت على وجه الأرض، وهذا الأمر دفع المجتمعات الإنسانية إلى ترسيخ وتسريع التقدم الحضاري والثقافي لكل المنطقة، ومن ثم تحديد ثقافة كل مجتمع بشكل متميز عن غيره. وفي القوانين والشرائع كذلك كان لنا دورٌ ملفتٌ للنظر، فاكتشاف قانون (أرغو) في مدينة نيبور يعد أول أقدم قانون مكتشف في العالم، ومن ثم استمر تقدمنا القانوني على بقية الأمم من خلال اكتشاف القوانين الأخرى من قانون أورنامو إلى لبت عشتار وايشنونا وأخيراً جاءت شريعة حمورابي التي تعتبر أكمل شريعة مكتشفة حتى الآن، وكانت أرضنا أرض المصلحين والمشرعين والأنبياء، فقد أظهرت المكتشفات الأثرية في لكش عن (أوكارجينا) الذي يعتبر أول مصلح في المنطقة، وكذلك تم الكشف عن أول أقدم إمبراطورية وجدت على الأرض وهي إمبراطورية (سرجون) الأكادي، الذي أقام دولته الممتدة من البحر الأسفل (الخليج العربي) إلى البحر الأعلى (البحر المتوسط)، وبالنسبة للمدينة وما يتبعها من مقومات، فقد كنا أول من أوجد المدن، من أريحا إلى دمشق وأورك ولكش وجيش وابلا وماري وبابل وآشور ومجدو وعسقلان وجبيل وبعلبك وصور وصيدا وحيفا وعكا واغوريت وقرطاج وقادش وملقا، وهذه المدن كانت مدناً متطورة في زمانها ومرافقها تشابه المرافق العصرية في مدينتنا الحالية، فقد كانت هناك الأسوار المحيطة بها وأنظمة صرف المياه العادمة ونظام خاص بمياه الشرب، وكذلك كان انتظام الشوارع حيث تصل إلى كافة النواحي والمرافق العامة في المدينة، وقد علمنا من الاكتشافات الأثرية والتاريخية بأن معابد أسلافنا كانت عبارة عن مستودعات للأغذية يستخدمها السكان كاحتياطي في حالة القحط أو الحرب، وكان يستخرج ما في هذه المعابد ليتم توزيعه على عامة الشعب. ومن الأمور المبهرة والرائدة اهتمام أجدادنا بالتعليم والعلم، ولهذا أنشأوا المدارس والمكتبات، وقد اكتشف علماء الآثار أضخم وأول مكتبة في التاريخ، وجدت في مدينة نينوى وهي مكتبة (آشور بانيبال) التي تحتوي على عشرات الألوف من الرقم الطينية، وهذه المكتبة تضم بين محتوياتها الإنجازات الأدبية والعلمية المختلفة.
فكانت (الأنوماايليش) أول ملحمة في التاريخ كتبت بالأحرف المسمارية، ثم تبعتها (عشتار ومأساة تموز) ثم جاءت (ملحمة جلجامش) تلك القطعة الأدبية الكاملة التي أبهرت العالم بجماليتها وفنيتها الفكرية، وظهرت كذلك في بلاد الشام ملاحم وأساطير لا تقل أهمية عن الملاحم العراقية، فكانت هناك (ملحمة بعل) وأسطورة (كرت) ثم (أقهات بن دانيال).
وفي الانفتاح على العالم الخارجي كان لنا الدور البارز، فقد كنا أول من استخدم القوارب والسفن في صور وصيدا، وقمنا بإنشاء المدن والبؤر التجارية في ملقا وقادش وقرطاج، وكانت أوروبا وأفريقيا تخضع ولفترة تزيد عن الخمسمئة عام للنفوذ الفنيقي القرطاجي، وقد سُمَّيَ البحر المتوسط قديماً (بالبحر الفنيقي) نسبة إلى الفينيقيين الذين استطاعوا أن يفرضوا قدرتهم التجارية على محيط المتوسط، ولقد اكتشف في أمريكا على قطعة حجرية منقوش عليها باللغة الفنيقية (حتى هذا المكان وصلناه)، وهذا يؤكد المقدرة البحرية التي كانت عند الفنيقيين، أما الحديث عن لغتنا فقد كانت اللغة المستخدمة في دول المنطقة، فقد استخدمت اللغة السومرية في الأناضول وحتى رومانيا حسب المكتشفات الحديثة، وبعدها جاءت اللغة الأكادية لتحل محلها في الاهتمام والاستخدام، وبعد ذلك جاءت اللغة البابلية والتي لا تختلف كثيراً عن الاكادية لتحوي كل التركة السابقة وتضيف تطوراً جديداً على اللغة، والمكتشفات الأثرية في تل العمارنة تؤكد سيادة اللغة البابلية في المنطقة، أما إذا انتقلنا إلى الحديث عن القادة العظام فقد كانت بلادنا منبت هؤلاء من (لوجال كيسي) الذي يعتبر أول محرر لهذه البلاد من الغزو الخارجي، مروراً بسرجون وحمورابي وسنحاريب ونبوخذ نصر وآشور بانيبال وحانون وهاني بعل، الذي كانت تخيف به أمهات إيطاليا أطفالهن كي يخلدوا للنوم، فكان (البعبع) الذي أرهب إيطاليا لفترة طويلة، أما الحديث عن الديموقراطية فقد سادت في أغلب المدن العراقية، وقد أطلق عليها علماء التاريخ (الديمقراطية البدائية) وهناك نماذج مدونة كثيرة تؤكد وجود تلك الديموقراطية، منها تلك النصوص التي تتحدث عن أورك في عهد جلجامش الذي دعا مجلس الشيوخ ثم مجلس الشباب لمواجهة مدينة كيش، أما المدن التي أُنْشِئت في إفريقيا وأوروبا فقد كان هناك مجلس شيوخ في العاصمة قرطاج متماثل مع ذلك المجلس في روما الإيطالية.
إذن كان لنا دور حضاري متميز حققناه في الماضي، لذلك اندفعت أنظار الشعوب المجاورة إلينا ليقتبسوا منا ذلك التقدم، ولقد تكسرت تلك المقولات الخاطئة، ولم نعد أولئك البدو والقبائل المتناثرة المتناحرة التي لا يجمعها شيء، وإنما أمه قدمت للإنسانية أكثر مما قدمت الإنسانية جمعاء.
أما العامل الثاني الذي يدفع بمجتمعنا إلى العزوف عن تاريخنا القديم هو اقتصار البعض على إظهار الإنجازات الحضارية والثقافية التي حققناها في الفترة الثانية من تاريخنا أي العصر الإسلامي، معتبرين ما دون ذلك ليس بذات أهمية، منطلقين من مفهوم شمولية وعالمية الرسالة الإسلامية، وهم بذلك يكونوا قد ألغوا فترة زمنية تقدر بأكثر من سبعة آلاف عام من تاريخنا، وباترين بين حاضرنا وإرثنا الحضاري والثقافي.
لذلك لا بد من العودة للتاريخ لفهم الكثير من الأمور الخافية علينا، ومن هنا اندفع بعض علماء الدين للتغلغل قليلاً في التاريخ القديم، وتحديداً في الفترة البابلية الثالثة وخاصة فترة نبوخذ نصر، ليفسروا بعض آيات القرآن الكريم التي تتحدث عن سبي اليهود، دون الخوض فيه بشكل متكامل وشامل، ونحن نعتقد بأن التوغل والخوض في التاريخ يوضح ويؤكد صحة ما جاء به القرآن الكريم ولا يتنافى معه، ومثل هذا التوغل سيترك فضاءات تضيء بعض المساحات الداكنة في التاريخ، خاصة إذا علمنا بأن القرآن فيه من المعرفة الشيء الكثير، من هنا فإننا تدعوا الباحثين الإسلاميين إلى الخوض في غمار التاريخ القديم، ونحن على يقين بأن مثل هذه الخطوة ـ من الزاوية الدينية الإسلامية ـ ستساهم في نقض المقولات الصهيونية، وستسهم كذلك في رفع البحوث الإسلامية وستضيف انجازاً علمياً جديداً يسجل للمسلمين.
ومن العوامل الذاتية المتعلقة بالمجتمع، اتجاه الإعلام الرسمي إلى تجهيل المجتمع وصب اهتماماته فقط على (الثقافية) السوقية، أما التعليم المدرسي فتكاد الكتب المدرسية تخلو من ذكر تاريخنا القديم، واقتصرت فقط على رَصْدِ الفترة الإسلامية والرومانية تحديداً، وهم بذلك يكونوا قد ساهموا بشكل فاعل على ترسيخ الشرخ بين ماضينا وحاضرنا، وهناك اتجاه يعمل على محو مرتكزنا التاريخي القديم مما يؤكد الفهم الخاطئ الذي يزعم، أننا لم نكن شيئاً قبل الإسلام.
من خلال ما تقدم يمكننا تفسير ندرة الكتب التي نشرت عن حضارتنا القديمة، واقتصار النشر على الموضوعات الأخرى. إلا أن هناك قطرين عربيين امتازا بالاهتمام في موضوع النشر لهذه الكتب، وهما العراق ومصر، فهناك زخم جيد تم إصداره في العراق لكتاب غربيين وعراقيين، تناولت كافة نواحي التاريخ ومن زوايا متعددة ومختلفة أثرى المكتبة العربية والعالمية بهذا الموضوع، أما في مصر فقد نشرت كتب عديدة عن الحضارة الفرعونية خاصة، وامتازت هذه الكتب بإضافة كل ما هو جديد حول حضارة مصر القديمة لمواكبتها الاكتشافات الأثرية المضطرده، حيث ما زال يرزح تحت أنقاضها كم هائل من الآثار التي تنتظر من يخرجها إلى الحياة من جديد، أما في سوريا فقد كانت هناك نزعة لإصدار مثل هذه الكتب وقد تميزت إصداراتها باهتمام خاص فيما يتعلق بالأسطورة أكثر منها بالتاريخ ومساره، وفي لبنان كتب بعض الأساتذة اللبنانيين ترجمات عن اللغة السومرية والأوغارتيه والبابلية، أما باقي الأقطار العربية فلم يصدر منها إلا النزر اليسير وهذه الإصدارات لم يتم تسويقها بشكل تجاري بل بقيت محفوظة في مكتباتهم الرسمية.



#رائد_الحواري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -حبر- لمحمود ابو هشهش
- ادب القفز بالمظلات لمعين بسيسو
- رائحة النوم
- من تاريخ الحزب الشيوعي الفلسطيني
- -أميرة الوجد- للشاعر فراس حج علي
- مدخل النص القرأني (الكامل)
- ملحمة جلجامش النص الكامل
- محلمة جلجامش -الطوفان-
- هواجس
- ملحمة جلجامش - الحلم
- محلمة جلجامش -الثور السماوي-
- ملحمة جلجامش -غابة الأرز-
- ملحمة جلجامش -انكيدو في اوراك-
- ما هو المطلوب في سوريا
- محلمة جلجامش -البغي والوحش انكيدو-
- ملحمة جلجامش والجنس
- ملحمة جلجامش والآلهة
- الملعون لبدر عبد الحق
- حاجتنا إلى الإمام علي
- نزف القلوب لجهاد دويكات


المزيد.....




- -أكسيوس-: الولايات المتحدة قد توقف إمدادات الأسلحة لإسرائيل ...
- طهران تؤكد على تطوير علاقاتها مع روسيا في مختلف المجالات
- الخارجية المصرية: لا يمكن أن تستمر الانتهاكات الإسرائيلية دو ...
- المغرب.. ارتفاع جديد في حصيلة ضحايا التسمم الغذائي بمراكش
- رويترز: مدير الـ -سي آي إيه- يزور إسرائيل الأربعاء
- كيم جونغ أون يهنئ الرئيس بوتين بمناسبة تنصيبه رئيسا لروسيا ل ...
- الخارجية الأمريكية توافق على بيع معدات تحديث صواريخ للإمارات ...
- بعد تعليقها لساعات.. استئناف حركة الملاحة في مضيق البوسفور
- قوات كييف تستهدف مستودعا للنفط في لوغانسك بصواريخ -ATACMS- ا ...
- مصدر مصري: تم إبلاغ إسرائيل بخطورة التصعيد وجاهزية مصر للتعا ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - رائد الحواري - الحضارة الهلالية والتكوين التوراتي المقدمة