أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - في نقد الشيوعية واليسار واحزابها - رائد الحواري - من تاريخ الحزب الشيوعي الفلسطيني















المزيد.....



من تاريخ الحزب الشيوعي الفلسطيني


رائد الحواري

الحوار المتمدن-العدد: 4343 - 2014 / 1 / 23 - 18:30
المحور: في نقد الشيوعية واليسار واحزابها
    



الحديث عن الحزب الشيوعي الفلسطيني يوجب علينا التمعن والتوقف عند كل مرحلة من مراحل الحزب، فمنذ التأسيس عام 1919 إلى الاعتراف به من قبل الأممية الشيوعية وما واكب ذلك من عمليات الضغط والتآمر ـ على العناصر العربية ـ من قبل الصهاينة وحلفائهم الانجليز، كل ذلك دفع العرب الفلسطينيين لإخلاء الحزب للعناصر اليهودية الصهيونية، وذهبوا لتشكيل عصبه التحرير الوطني الفلسطيني عام 4319، والتي تمثل أهم ظاهرة حزبية تحرريه في زمانها، وهي الأنموذج الأمثل الذي استطاع الفلسطينيون أن يشكلوه، والذي طرح قضيتهم على إنها قضية تحرر وطني في الأساس، قبل أن تكون قضية عدالة اقتصادية، وشرحت للعالم ماهية الصراع في فلسطين، وأوضحت الدور الذي يقوم به الاحتلال الانجليزي وحليفته الحركة الصهيونية في فلسطين، فقد استوعبت العصبة دور الاحتلال الانجليزي لفلسطيني على انه الممهد والمسهل والحامي للمشروع القومي الصهيوني، وكما تبين لها – كما هو الحال لكافة الفلسطينيين – المخطط الصهيوني الرامي إلى إقامة دوله يهودية في فلسطين على حساب الشعب والأرض الفلسطينية معا، وشرحت و أوضحت ما يمثل هذا المخطط من إيقاف النمو و التطور والتنمية في فلسطين، وقالت بان إقامة دوله يهودية في فلسطين يرمي إلى الحيلولة دون إقامة دولة عربية واحدة، قادرة على النهوض في وجهه الاحتلال الامبريالي وتستطيع التقدم بالمشروع القومي العربي إلى الأمام، وقدمت حلا يتناسب مع الواقع في فلسطين وطرحت ألدوله الديمقراطية، بحيث يتساوى فيه المواطنين ـ بصرف النظر عن معتقدهم الديني ـ في الحقوق و الواجبات، وهي بهذا الطرح كانت على علم وقناعة تامة بما يحاك لفلسطين من مؤامرات من خلال مشاريع التقسيم التي طرحت من قبل الاحتلال الانجليزي، فقد استوعبت خطورة التقسيم وما سيسببه من آثار مدمره على الوطن والمواطن الفلسطيني خاصة وعلى الوطن العربي عامة .

العصبة بعد حرب 48

لكن بعد قيام دوله إسرائيل في عام 1948، ودخول الجيوش العربية لاستكمال القضاء على (الفلسطينية) أرضا وشعبا، ومن ثم التآمر على العصبة وبرنامجها وموقفها وقراراتها التحريرية، وتم إزالة اسم فلسطين من الخارطة السياسية والجغرافية، ومن ضمن ذلك إنهاء دور عصبة التحرير الوطني في فلسطين نهائيا، ولم يتبقى منها إلا ذكريات من ماضي .
أعضاء العصبة تشتتوا في ثلاث أقاليم سياسية متباينة – الأردن – قطاع غزه – فلسطين المحتلة – هذا لا ينفي وجود أفراد من العصبة في سوريا و لبنان، لكن الدور الأبرز لأعضاء العصبة كان في هذه المناطق، ورث الحزب الشيوعي الأردني العصبة بكل ما تحمل ولكن بعد أن تخلت ـ جزئيا ـ عن فلسطينيتها، لصالح الأردنية التي كانت من ضمن مشروع إنهاء الفلسطينية بالكامل، فتم دمج بعض الحلقات الماركسية في شرق الأردن إلى العصبة وشكلوا الحزب الشيوعي الأردني.
وهنا لا بد من التوقف قليلا، كيف تتخلى الأكثرية ـ العصبة ـ عن اسمها وبرنامجها وتاريخها لصالح الأقلية من العناصر الماركسية في شرق الأردن ـ ؟ أليس من المفترض أن تلتحق الأقلية بالأكثرية؟، وتطور العصبة برنامجها لكي تستوعب هذه الأقلية؟ ولماذا كانت المعارضة الشديدة من قبل الحزب الشيوعي الأردني لقيام الحزب الشيوعي الفلسطيني في بعد؟ وحتى الاعتراف بالتنظيم الفلسطيني في سوريا واجه المعارضة الشديدة من الحزب الأردني، بحيث رفض الحزب الأردني المشاركة في أحد المؤتمر للشيوعي السوري إذا تم طرح موضوع التنظيم الفلسطيني، كما وقف الشيوعي الأردني بقوة وبشكل متطرف من قضية الاعتراف بالحزب الشيوعي الفلسطيني في قطاع غزة، وكأن هناك تناقض بين الشيوعي الفلسطيني والأردني، ألا يجعل كل ذلك موقف الحزب الشيوعي الأردني في موضع الشك؟، علما بأن أكثرية العناصر فيه هي من الفلسطينيين.
وفي فلسطين 48 اندمج أعضاء العصبة بقرار – سيتم البحث في تفاصيله لاحقا – إلى الحزب الشيوعي الإسرائيلي، وبقية الأعضاء الآخرين في قطاع غزه تمسكوا بفلسطينيتهم وحملوا اسم الحزب الشيوعي الفلسطيني في قطاع غزه، إلا إن الأخير لم يتم الاعتراف به لا عربيا ولا أمميا، وهذا يدفعنا إلى التوقف عنده كثيرا والبحث عن أسباب الحقيقة لعدم الاعتراف بالحزب الشيوعي الفلسطيني الوحيد، و يجعلنا نثير الشكوك والتساؤلات عن الدوافع الحقيقية وراء انضمام أفراد وقيادات العصبة إلى الحزب الشيوعي الإسرائيلي وتأسيس الحزب الشيوعي الأردني، كما إن عملية الولادة القيصرية للحزب الشيوعي الأردني ـ بتلك الكيفية ـ والتي تمت باستعجال وتسرع دون أن يتم دراسة وتحليل موضوعي للأحداث الجارية في حينه يشكل احد أهم الأخطاء القاتلة في تاريخ العصبة وتاريخ فلسطين السياسي والجغرافي، وتأكد تلك العملية القيصرية بأن هناك من وقف وراء كل هذه الأخطاء والنهج غير السوي، الذي انتهجته بعض القيادات المتنفذة في العصبة.

الكتابات عن الحزب والعصبة

إلى وقت قريب كانت المواد المكتوبة عن الحزب الشيوعي الفلسطيني وما تفرع عنه يعد محدود جدا إذا ما قورن بتاريخ ودور الشيوعيين الفلسطينيين على الساحة، وذلك يعود إلى حالة القمع التي مورست من قبل الأنظمة الحاكمة، فكان يعتمد في كثير من الحالات على التاريخ الشفوي للحزب، والذي تم تناقله بين الأفراد، وحتى المطبوعات والمنشورات كانت تتلف في حينها وذلك لعدم تمكن الأجهزة الأمنية من إيجاد أي دليل على أفراد الحزب، وما تم إصداره لا يتناسب وتاريخ الحزب.
ومع هذا الحصار والمراقبة برز هناك العديد من الكتاب الذين تناولوا تاريخ العصبة والعمل الشيوعي في فلسطين ونخص منهم ماهر الشريف وعمر حلمي الغول وسميح سماره، وهناك من كتب مذكرات عن الحزب مثل يعقوب زيادين و فائق وراد ومعين ابسيسو وبشير ألبرغوثي وبولس فرح وعبد الرحمن عوض الله، ومنهم من جمع شهادات ولقاءات صحفية مع قيادات في الحزب مثل كتاب "شيوعيون في فلسطين شظايا تاريخ منسي" الذي جمعه موسى البديري.



لا نقلل من أهمية المذكرات والكتب الصادرة، لكن سنأخذ كتاب من العثمانية إلى الدولة العبرية لبوليس فرح، حيث يعد هذا الكتاب من أهم الوثائق التاريخية للحزب الشيوعي الفلسطيني ولتاريخ عصبة التحرر الوطني في فلسطين، وذلك لأن كاتبها كان عضوا قياديا فيها، ولأنه رفض أن ينجر وراء صهينة العصبة، ولم يقبل أن يرتمي في أحضان الاحتلال الإسرائيلي، وآثر البقاء في الصف الوطني الفلسطيني، وبعيد عن الأضواء الوطنية الكاذبة التي تخدم أولا وأخيرا المشروع الصهيوني، كما أن الأحداث عند بوليس فرح تروى بدون مهادنة للاحتلال، ويعتمد فيها الحياد الموضوعي، والقراءة الصحيحة للتاريخ فلسطين المعاصرة، كما انه اعتزل العمل السياسي وقرر أن يكتب شهادة للأجيال الفلسطينية بكل صراحة ووضوح.
مع تشتت الفلسطينيين في ثلاث دول، في الأردن وقطاع غزة وفلسطين 48 كان لا بد من البحث عن أعضاء العصبة، وإيضاح مواقفهم السياسية عما جرى في فلسطين، فرغم ضياع الشعب الفلسطيني في هذه الأقاليم المختلفة والمتباينة سياسيا، كان من المفترض أن يستمر عمل العصبة بين أفراد الشعب المشرد والمشتت، لكن لم يحدث ذلك، وهنا نتساءل لماذا التخلي عن العصبة لصالح الإسرائيلية والأردنية؟، رغم وجود البرنامج الوطني التحرري ووضوح الرؤية عند قيادة العصبة؟، والذي كان أحد أسباب سرعة وقوة انتشارها في فلسطين، فدرايتها التامة لما يحاك لفلسطين وأهلها من مؤامرات، وواضعها الحل الأمثل والمتمثل بقيام دولة ديمقراطية لكافة السكان فلسطين، كان يمثل الرد الموضوعي على تقسيمها بين العرب واليهود، ونجزم بان انفراد حديث العصبة عن المخطط الامبريالي في فلسطين والمتمثل بإقامة دولة لليهود، وإعطاء جزء منها لإمارة شرق الأردن وآخر للملك فاروق، ينم عن عمق التفكير والمعرفة العلمية لمسار الأحداث، ومن هنا جاء الحل العقلاني والواقعي والبعيد عن الحماس والشعارات الكبيرة التي تضر بالشعب الفلسطيني وبفلسطين معا.
سنحاول في هذا البحث إزالة الغموض والغباش عما لحق بالعصبة، وتوضيح دورها كحركة تحرر وطني، رفضت التقسيم وعملت على مقاومة الاحتلال ـ الانجليزي والإسرائيلي ـ إلا إن إجهاضها كان من خلال عناصر تبوؤا مراكز قيادية فيها، فعملت على التخلي عن البرنامج التحرري الوطني أولا، ثم التخلي عن فلسطينية عملها ثانيا، و من ثم ستكون النتيجة إنهاء وحل العصبة ثالثا، بعد أن فقدت وطنيتها واندمجت في الأنظمة السياسية المصطنعة.

بدايات التأسيس وعملية التعريب

على اثر وعد بالفور الذي منح اليهود حق إقامة وطن قومي لهم في فلسطين، عملت الحركة الصهيونية على دفع اليهود للهجرة إلى فلسطين بكافة السبل والوسائل، ومن ضمن ذلك الأفكار لاشتراكية، حيث تم وعودهم بإقامة المجتمع الاشتراكي المنشود في فلسطين، ومن هنا كانت بعض العناصر اليهودية قد تبنت الفكر الاشتراكي وعملت على تأسس حزب شيوعي فلسطيني عام 1919 أي بعد أن انتصر البلاشفة في ثورتهم في روسيا وتأسيسهم أول دوله اشتراكية، من هنا كانت العوامل والظروف الداخلية والخارجية تعمل في اتجاه وجود حزب اشتراكي يحمل الفكر الماركسي ويبشر بالدولة الاشتراكية، وقد وجدت بعض العناصر اليهودية المتصهينة الفرصة مهيأة لها لتشكيل هذا الحزب، يحث انه يمهد ويسهل عملة الهجرة لليهود إلى فلسطين، وتم تشكيل الحزب فعليا ـ لكن الحزب لم يخرج من الجيتو اليهودي الصهيوني، واستمر يعمل بين اليهود فقط، متجاهلا عن قصد العناصر العربية، إلى غاية عام 1923، حيث عقد مؤتمر للحزب اشترك رفيق عربي بإلقاء كلمة على العكس المؤتمرات الآخرة.
كل المعطيات كانت تشير إلى أن دور الحزب الشيوعي الفلسطيني مقتصر على اليهود فقط، وقد أسس فعليا من العناصر اليهودية والخدمة مصالح اليهود تحديدا، فلماذا تم العمل على إدخال عناصر عربيه إليه؟ وهل كانت القيادة اليهودية معنية بالعرب وخدمة الطبقة العاملة العربية؟ أم إنها كانت مكره عن ذلك؟ وهل استفاد العرب من دخولهم الحزب الشيوعي الفلسطيني في تطوير نضالهم وكفاحهم ضد الاحتلال الانجليزي؟، أسئلة سنحاول الإجابة عليها ضمن موقع حيادي ـ قدر الإمكان ـ ولا ننزلق وراء المواقف المتشنجة هنا أو هناك .
بداية كان من ضمن الشروط لقبول عضوية الحزب الشيوعي الفلسطيني في (الكومنترن) التخلي عن توجهاته القومية اليهودية، و بما أن فلسطين في تلك الفترة كانت الأغلبية السكانية فيها من العرب الفلسطينيين كان لابد لهذا الحزب كي يتم قبوله في الأممية الشيوعية أن يضم عناصر عربية إلى صفوفه، إذن الدوافع كانت وراء هذا التوجه ليست خدمة العرب الفلسطينيين، ولكن لخدمه الحزب والذي سيتم الاعتراف به كحزب شيوعي،ـ إذا عمل على إستوفاء شروط العضوية ـ والمتمثلة في ضم عناصر عربية فلسطينية إلى صفوفه.
إذا تتبعنا عملية التعريب في الحزب سنجد بأنها كانت تسير ببطء وحذر شديد، وقد حاولت القيادة اليهودية المتصهينة على الحد من عملية التعريب، بحيث تكون عملية شكلية فقط، تلبي طلب الكومنترن ولا تؤثر على خط ونهج الحزب العام، الذي أسس لخدمة المشروع الصهيوني في فلسطين، بحيث تكون غير ذات مضامين فعلية بالنسبة للعرب الفلسطينيين، كما عملت قيادة الحزب على التخلص من العناصر العربية المؤثرة والفاعلة وبأبعادها من الساحة الفلسطينية بواسطة الاحتلال الانجليزي الذي لم يتوانى عن اعتقال وإبعاد العناصر العربية.
لقد خضعت عملية التعريب للحزب الشيوعي الفلسطيني للتسويف والتأجيل لزمن طويل، من قبل القيادة اليهودية إلى أن جاء رد من الأممية الشيوعية، بأنه لن يتم الاعتراف بالحزب الشيوعي الفلسطيني إلا بعد أن يجري عملية التعريب، لكن هذا القرار كان يتم تطويعه وتكيفيه ليتناسب مع الفكر الصهيوني الرامي إلى إقامة دولة (اشتراكية لليهود) في فلسطين، ولم يكن هدف هؤلاء الاشتراكيين اليهود سوى تحقيق الحلم الصهيوني في فلسطين، ولتوضيح ذلك سنعطي مجموعة من الشهادات الشخصية لأفراد عرب فلسطينيين عاشوا تلك الفترة وانطباعاتهم حول الطرق التي استخدمتها قيادة الحزب بحق العناصر العربية، ومفهوم التعريب عندها، ولكن قبل ذلك سنطرح مجموعة من التساؤلات حول عملية التعريب في الحزب، هل كانت قيادة الحزب الشيوعي الفلسطيني تعمل لخدمة الطبقة العاملة في فلسطين بصرف النظر عن ديانتها أو قوميتها؟، أم أنها عملت لخدمة اليهود أولا وأخيرا؟، وهل كان الحزب يعمل لإقامة دولة للعمال في فلسطين؟، وهل كانت عملية التعريب التي فرضت على قيادة الحزب من الخارج تخدم العناصر العربية الفلسطينية؟، وهل كانت العناصر العربية تعي طبيعة الصراع في فلسطين؟، وهل خدمت العناصر العربية الفكر الاشتراكي البعيد عن العنصرية؟، وهل نجحت في تخطي المشروع الصهيوني الرامي لإقامة دولة لليهود في فلسطين؟، سنحاول من خلال بعض الشهادات الإجابة على هذه الأسئلة، لنحدد طبيعة الحزب الشيوعي الفلسطيني وما هي الإستراتيجية التي عمل لتحقيقها، وهل كانت الاشتراكية لكافة سكان فلسطين أم اشتراكية لليهود فقط؟.

شهادة بولس فرح
تعريب الحزب

سنأخذ شهادة بولس فرح في كتابه "من العثمانية إلى الدولة العبرية" حيث يعد احد ابرز العناصر العربية في الحزب الشيوعي الفلسطيني، "عقد مؤتمر الحزب الشيوعي السابع سنة 1930 وهي السنة التي قرر فيها الحزب في مؤتمره المذكور الأخذ بسياسية التعريب، على اثر الإلحاح الكومنترن بإفساح المجال أمام الرفاق العرب للقيام بدور أكثر أهمية من دورهم قبل التعريب، وصلتنا مقررات المؤتمر وشرحها لنا الرفاق اليهود وجاء معهم رفيق عربي أمي، وأظنه كان إشارة منهم إلى التعريب، يعرف اللغة الايديشية أكثر من العربية، ويقلد اليهود بلباسهم وطريقة معيشتهم وحتى في لثغة الغنج المحببة إلى النساء العبريات،" ص71 نستنتج من هذه الكلمات بان عملية التعريب أريد منها الحفاظ على الشكل وتجاهل الجوهر، فهي لا تمس نهج ومسار الحزب العام، فالعناصر العربية المنطوية تحت قيادة الحزب، اضعف من أن تتفهم الفكر الاشتراكي، وهي لا تفقه من الاشتراكية سوى هذا الشكل ـ اللبس واللهجة ـ وهذا لا يؤثر بتاتا على خط ونهج الحزب، كما إن الإقدام على هذه الخطوة يمنح الحزب الاعتراف الكامل به من قبل الأممية العالمية، ومن ثم يمكن أن تحصل قيادته على الدعم المالي والسياسي في هذه المنظمة العالمية، تستطيع من خلالها التقدم أكثر نحو الهدف الذي تسعى إليه ـ إقامة دولة العمال اليهود في فلسطين ـ .
وقد فهم بولس فرح ذلك تماما فيقول "وفهمت منه التعريب على النحو التالي : زيادة عضوية الرفاق العرب يتيسر له توسيع نفوذ الحزب بين الجماهير العربية، ولم نفهم، ولم يقل لنا أن التعريب هو ابعد من العضوية واهم من العدد. وانه أكثر من بيانات ومنشورات يصدرها الحزب لاستهلاك الجماهير العربية. وان القول بإقامة السوفييت في فلسطين والبلاد العربية، انعكاس بغباء القائمين بها، ولم نفهم التعريب كنهج سياسي جديد يستمده الحزب من الطبيعة الثورية للحركة الوطنية، وانه من غير المرغوب فيه صهينة الحركة الشيوعية، أي بالفصل بيت الشيوعية وقاعدتها العمالية، ولم نفهم ولم يفهموا أن الثقل الثوري الاجتماعي والوطني، ومستقبل قضية الاشتراكية في فلسطين، والعالم العربي هي مهمة الجماهير العربية، وان الجماهير اليهودية وقيادتها وأحزابها من اليمن إلى اليسار تلعب دور الوكيل للمصالح الامبريالية وإنها منه وله." ص71و72 ، هنا تنجلي الخدعة والكاذبة لعملية التعريب، فهي ليست سوى ثوب زاهي الألوان يبهر الآخرين ـ الكومنيرن والعرب ـ بشكله فقط، أما الجوهر فمازال صهيونيا تماما.
كان الاهتمام بإعداد العرب في قاعدة الحزب فقط، وان أمكن إبقائهم مؤيدين له ليس أكثر، أما القيادة فيجب أن تكون في العناصر الأكثر ثقافة ومعرفة بالماركسية، وطبعا المقصود هنا هم العناصر اليهودية المتصهينة، ومن هنا نستنتج بان قيادة الحزب كانت تعي تماما الخطر الذي تنطوي عليه عملية التعريب، والذي يعني ربط نضال وكفاح الحزب بالقضية العربية، والذي يعني العمل على تحقيق برنامجها التحرري الوطني أولا، والاجتماعي ألمطلبي ثانيا، فكان يهم الجماهير العربية الفلسطينية في حينه وقف الهجرة اليهودية إلى فلسطين التي أكلت الأخضر واليابس، فلم تبقي لهم من الأرض الخصبة إلا القليل، والهجرة تعني إبعاد وطرد الفلاحين العرب من هذه الأراضي لصالح المهاجرين اليهود، والذي يترتب عليه أيضا طرد العمال العرب من أماكن عملهم لصالح المهاجرين الجدد، وهذا يوضح التناقض بين المشروع الصهيوني الاشتراكي في فلسطين وبين المشروع العربي، فقيادة الحزب الصهيونية فعليا كانت تسعى لإقامة دولة الفلاحين والعمال اليهود في فلسطين، ولا احد يشكل في ذلك، وقد عملت قيادة الحزب بكل تفاني لتحقيق الحلم الاشتراكي، وكان يهيء للمهاجرين اليهود كل الدعم الممكن، لكن كل ذلك على حساب الفلاح والعامل العربي أولا، وعلى حساب المجتمع الفلسطيني عامة ثانيا، فعملة الهجرة أضرت ليس بمصالح العمال والفلاحين الفلسطينيين وحسب بال أيضا بالطبقة البرجوازية الفلسطينية وحتى لحق الضرر بالطبقة الإقطاعية، التي فقدت أرضها وأمست بلا ملكية، إذن عملية الاستيلاء على الأرض الفلسطينية والهجرة اليهودية تدمر المجتمع الفلسطيني وفلسطين ـ كمشروع وطني تحريري ـ معا، وهنا نفهم إصرار القيادة الصهيونية واستماتتها لإبقاء الحزب تحت رحمة القيادة اليهودية، وهذا الأمر يؤكده بولس فرح فيقول في كتابه "كان من المفروض في الحزب الشيوعي الفلسطيني، عندما تبنى سياسة التعريب، أن لا يقوم بتسليم زمام القيادة إلى الرفاق العرب فحسب بل بانتهاج سياسة تلبي مطالب الحركة الوطنية، وبالتالي الاعتراف الضمني بان الثقل الثوري المعادي الاستعمار هو في الجانب الحركة الوطنية، لكن هذه السياسة كانت تتعثر برفض أقسام من الرفاق اليهود قبول هذا النهج ولهذا لم يتم لها النجاح الكامل، الكوادر اليهودية لم تكن مفهومة قبل أن تكون مقبولة من الشعب العربي، لا لأنها يهودية فسحب، بل لأنها كانت تنتمي قوميا وشعبيا إلى أعداء الشعب العربي، إلى الكولونيالية الصهيونية لأنها قسما منها، ... إذا كان الشيوعيون اليهود مخلصين في شيوعيتهم فلماذا جاءوا إلى البلاد؟" ص80 هذه شهادة السيد بولس فرح الذي حدد مكان الجرح الذي يعاني منه الفلسطينيون، بدون أي رتوش أو عملية تجميل، ونجزم بأنه من خلال هذه الفقرة استطاع فرح أن يجمل القضية الوطنية الفلسطينية والقضية الاشتراكية بأبسط الكلمات، وبعدا عن المهاترات الجوفاء التي يستخدمها البعض، فالقضية تكمن بوجود شعب أصيل على الأرض الفلسطينية، وهناك مجموعة من المهاجرين اليهود جاءوا ليحلوا مكان الفلسطينيين، هذه هي المسألة الفلسطينية، طرد العربي الفلسطيني من وطنه فلسطين، ووضع المهاجر اليهودي مكانه، فالمسألة بالنسبة للفلسطيني تتعلق بوجوده ـ كانسان وارض وكحضارة وتاريخ ـ فلم يكن يهتم بفكر هؤلاء القادمين، هل جاءوا ليقيموا دولة الله أم دولة الاشتراكية أم دولة الرأسمالية، بالنسبة لهم القضية تتعلق بوجودهم، أما أن يكونوا أم لا يكونوا.
ونعتقد بان السؤال الذي طرح بولس فرح في نهاية الفقرة ـ إذا كان الشيوعيون اليهود مخلصين ـ يحرج الكثيرين إن كانوا اشتراكيين أم لبراليين، وقد أجاب الكاتب على العديد من الأسئلة التي طرحنها، ووضح ماهية الحركة الاشتراكية اليهودية في فلسطين ودوافع عملها، وفهما لعملية التعريب، فهي ليست أكثر من شكل يخدما أولا وأخيرا المشروع الصهيوني، فها هو العامل العربي ـ المحزب ـ يعرف اللغة الاديشية أكثر من العربية، ويقلد الرفاق اليهود بلباسهم وطريقة معيشتهم، هكذا أرادت قادة الحزب الشيوعي من العرب أن يكونوا، أن يكونوا مقلدين ليس في هيئتهم وحسب بل في فكرهم أيضا، وهذا ما تم فعلا مع الكثير من الشيوعيين العرب، فكانت عملية التعريب التي عملت قيادة الحزب على تطبيقها من خلال ربط التعريب بفكرة "السوفييت للفلاحين العرب"، كانت تنم عن الفهم الدقيق عند القيادة اليهودية لطبيعة الصراع في فلسطين، من هنا كان استمرارها في خدمة المشروع الذي جاءت من اجله ـ دولة العمال اليهود في فلسطين ـ
شهادة رضوان الحلو

ولان سنتحدث عن شهادة السكرتير الأول للحزب الشيوعي الفلسطيني رضوان الحلو حول مسألة التعريب، وكيف حاولت القيادة المتنفذة فيه الالتفاف على شرط الأممية الشيوعية بالإسراع في عملية تعريب للحزب، "كانت هناك معارضة، لكن علينا أن نفهم هذه المعارضة ضمن إطار هذه المسألة، فقد تركزت معارضة القيادة حول انعدام كوادر عربية واعية سياسيا، وقادرة على تحمل مسؤوليات القيادة، وكانت نتيجة هذه المعارضة إن وضع جوزيف بيرجر وقادة الحزب الآخرين شعار التعريب + البلشفية. في الواقع كان الربط بين التعريب والبلشفية يعني تجميد عملية التعريب لانعدام كوادر عربية بلشفية بالمعنى المطلوب، وبذلك ارتفعت أصوات تقول أن الحزب يعارض عملية التعريب، وفي رأيي إن موقف القيادة كان خاطئا إذ كيف يمكن بهذه الكوادر العربية أن تتطور وتتبلور ما لم تمارس مسؤولتها وتقوم بدورها، وعلى الرغم من هذا فان قيادة الحزب لم تقف على الإطلاق ضد عملية التعريب بشكل علني" ص27 و28 كتاب رضوان الحلو إصدارات مركز فؤاد نصار، هذا اعتراف آخر من سكرتير عام الحزب والذي يكشف بكل وضوح الإصرار والتعنت عند قيادة اليهودية للحزب الشيوعي الفلسطيني حول مسألة التعريب، والتي لا تهتم لحمل البرنامج التحرري للجماهير العربية الفلسطينية، بل كل همها إقامة الدولة الاشتراكية لليهود فقط وفي فلسطين تحديدا.
قد تبدو عملية الربط بين التعريب والبلشفية للوهلة الأولى منطقية، وان هناك اهتمام لدى قيادة الحزب بالخط المركسي اللينيني، وان عملة الربط طرحت للحفاظ على توجه الحزب، وهذا لا يتعارض مع الفكر الماركسي اللينيني، لكن في حقيقة الأمر كانت عملية الربط تهدف إلى إبقاء الحزب تحت سيطرة القوى الرجعية اليهودية، حيث يتسنى لها تحقيق المشروع الاشتراكي الصهيوني ـ دولة العمال والفلاحين اليهود في فلسطين ـ وليس الدولة الاشتراكية في فلسطين، ولندقق بكلمات رضوان الحلو حين يقول بان القيادة "لم تقف ضد عملية التعريب بشكل علني" فهو يعني بذلك بان الرفض كان مستترا وراء الأطروحات والتسويف عند القيادة، ولم يكن رفضا صريحا، مما صعب تحليل الوضع على العناصر العربية في تحديد موقفا واضحا من قيادة الحزب المتصهينة، ونعتقد بان الرفض لو كان واضحا وصريحا لكان أسهل على العناصر العربية في أخذ موقف منفصل وواضح في العديد من القضايا الوطنية الفلسطينية، خاصة مسألة الموقف من الأحزاب الوطنية الفلسطينية، وأيضا اتجاه الثورات والانتفاضات الفلسطينية ضد الاحتلال الانجليزي والهجرة اليهودية التي لم تنقطع أبدا، فقد كان بإمكان العناصر العربية في الحزب أن يكون لها دور وطني يخدم المشروع التحرري الفلسطيني، من خلال توضيح القضية الفلسطينية للأممية الشيوعية، لكن بقاءها تحت رحمة القيادة المتصهينة جعلها الحاضر الغائب بالنسبة لفلسطين، والغائب الحاضر والمفيد بالنسبة للمشروع الصهيوني.

طرق وأساليب إبعاد العناصر العربية عن قيادة الحزب

الرفض غير والصريح والعمل ضد التعريب اخذ أشكالا عدة و أنواعا كثيرة كما سنبين لاحقا، كما إن طرح البلشفية والتعريب كان يعني جدل عقيم يماثل الجدل حول أيهما اسبق البيضة أم الدجاجة؟، ومع هذا استمرت عملية المماطلة والالتفاف حول التعريب إلى أن مورس ضغط من قبل الأممية الشيوعية ، وطالب من الحزب بالإسراع في عملية التعريب، وهنا تلجأ القيادة اليهودية الصهيونية لممارسة أساليب وطرق جديد للحيلولة دون وصول عناصر قيادية عربية إلى قيادة الحزب.
لكن هناك ضغط خارجي كبير جدا دفع القيادة إلى الإسراع على العملية التعريب، وهو كما يقول ماهر الشريف في كتابه" الشيوعية والمسألة القومية في فلسطين 1919 -1948"فقيادة الأممية الشيوعية انتقدت، في أعقاب انتفاضة آب (أغسطس) 1929، السلبية التي ظهرت في مواقف الحزب الشيوعي الفلسطيني لحظة اندلاع الأحداث الثورية، وأكدت أن نواقص الحزب وأخطاءه، من خلال الانتفاضة الفلسطينية، قد نجمت عن عجزه عن سلوك نهج واضح وصريح باتجاه تعريب الحزب من القاعدة إلى القمة، كما نجمت عن توظيف قوى الحزب وإمكانياته على نحو خاطئ، فعدت تلك القيادة الشيوعيين الفلسطينيين إلى تجاوز النواقص والثغرات التي ظهرت خلال نشاطهم، وذلك من خلال السعي الجدي لإنجاز تعريب صفوف الحزب وتوجيه نشاطه الرئيسي باتجاه العمال والفلاحين العرب، وإعادة اهتمام اكبر للمسألة القومية العربية، وتوثيق الصلات والروابط مع الأحزاب الشيوعية في البلدان العربية" ص57
رغم الطلب الواضح والصريح من الأممية الشيوعية لتعريب الحزب استمرت القيادة في عملية التسويف والمماطلة، حيث كانت في الأساس تجد تعارض وتناقض بين عملية التعريب ـ إذا تمت بشكل واقعي وحقيقي ـ وبين المصالح والأهداف التي وضعتها الحركية الصهيونية، فالتناقض كان محسوما سلفا بين برنامج وأهداف الحزب ـ إقامة دولة العمال والفلاحين لليهود في فلسطين ـ وبين المشروع التحرري الفلسطيني، والذي يسعى إلى وقف الهجرة اليهودية إلى فلسطين، ومن ثم يتم القضاء على المشروع الصهيوني برمته "بقيت تعارض عمليا سياسية التعريب، وتتذرع بمختلف الحجج والمبررات لعرقلة تنفيذها، وكان من أهم أسباب معارضتها لهذه السياسة عجزها الموضوعي والذاتي عن فهم طبيعة المسألة القومية في فلسطين" ص57 ، رغم الوهم الذي يعيشه ماهر الشريف، يقول بكل وضوح "بقيت تعارض" وهنا لا بد من استخدام الدهاء والحيل الماكرة للالتفاف على عملية التعريب. فأن كان لا بد من التعريب فليكن، ولكن على أساس الشكل وليس المضمون، وعلى أساس الكم العددي وليس النوعي.
أجبرت قيادة الحزب مكرهة من الأممية الشيوعية على عملية التعريب، ونذكر بالكم العددي الذي اخذ العرب يشكلوه من جسم الحزب العام، يقول عمر حلمي الغول حول ذلك في كتابه "عصبة التحرر الوطني الفلسطيني" "في ظل هذه الأجواء الايجابية بالمقاييس النسبية، انعقد المؤتمر السابع للحزب الشيوعي الفلسطيني بمدينة القدس، في أواسط شهر كانون الأول 1930 بمساهمة 40 مندوبا، وباشتراك ممثل عن القيادة الأممية الشيوعية هو الهنغاري هانز وللمرة الأولى في تاريخ الحزب، كان عدد المندوبين العرب إلى المؤتمر الحزب يساوي عدد رفاقهم اليهود. وفي ختام أعمال المؤتمر، انتخب الحزب، لجنة مركزية جديدة ضمت ولأول مرة في تاريخ الحزب أغلبية من الشيوعيين العرب" ص53 ويقول بولس فرح حول هذا المؤتمر أيضا "قد يكون الرفاق في الأممية الشيوعية (الكومنترن) قد لاحظوا أن شيئا من سوء التنظيم، أو سوء التقدير للأحداث قد وقع على أيدي القيادة الحزبية في فلسطين على اثر انتفاضة عام 1929، أو غيرها من الأحداث، عقد مؤتمر الحزب الشيوعي السابع ستة 1930 وهي السنة التي قرر فيها الحزب في مؤتمره المذكور الأخذ بسياسة التعريب، على اثر إلحاح الكومنترن بإفساح المجال أمام الرفاق العرب للقيام بدور أكثر أهمية من دورهم قبل التعريب" ص71 من خلال هذا التقرير يتبين لنا بان انعقاد المؤتمر، جاء تحت الضغط من الأممية الشيوعية، وعلى اثر انتفاضة البراق عام 29، حيث اخذ البعد الديني عند المسلمين الفلسطينيين شكل الثورة، وهذا الأمر غير معروف ومألوف ـ في حينه ماركسيا أو عند القيادة ـ فكانت الثورة الدينية ـ هي الدافع وراء هذا الاهتمام من الكومنترن بالوضع في فلسطين، كما جاء الموقف المتخلف لقيادة الحزب اليهودية من هذه الثورة دافعا إضافيا لذلك الاهتمام، ومن هنا جاء العدد الكبير للعناصر العربية في المؤتمر، كإشارة للاهتمام الذي توليه قيادة الحزب للعناصر العربية في فلسطين، وكانت تقصد من وراء ذلك العدد المساوي لعدد اليهود إرسال رسالة إلى الأممية الشيوعية بأنها ملتزمة بقرار التعريب وتعمل به بكل جدية وموضوعية.
ولكنها فقدت زمام الأمور عندما تم انتخاب اللجنة المركزية للحزب، فحصل العرب على الغالبة الأعضاء فيها، وهنا يطرح سؤال إذا كانت قيادة الحزب تعمل بكل جهد للحيلولة دون وصول العناصر العربية إلى القيادة فكيف حدث هذا الانقلاب؟، ونجيب عليه بان العناصر العربية مع أنها اقل ثقافة بالماركسية من العناصر اليهودية، إلا إنها أكثر إخلاصا وإيمانا، فكانت تتعامل مع الجماهير اليهودية بنفس الطريقة التي تتعامل بها مع العناصر العربية، ولم تفرق بين عربي ويهودي كما هو الحال عند اليهود، من هنا استطاعت أن تكسب أصوات اليهود غير المتصهينين لصالحها، وإذا تتبعنا مؤتمرات الحزب فقد كانت تعقد بشكل شبه منتظم فكان انعقاد المؤتمر الخامس عام 1923، وكان هذا المؤتمر حالة استثنائية من خلال المشاركة الأممية فيه، إذن هناك تغيرات وأوضاع جديدة حدثت في بنية الحزب التنظيمية، ولا بد من التعامل معها بطرق وأساليب جديدة، وستحاول القيادة المتصهينة العمل للحيلولة دون سيطرة العرب المطلقة على الحزب أولا، ثم منعها على تغير برنامج ونهج الحزب ثانيا، وقد استخدمت القيادة المتصهينة عدة طرق لإضعاف العناصر العربية والحد من فاعليتها في الساحة الفلسطينية من خلال مشروع ـ تثقيف ـ يبدوا للوهلة الأولى لصالح العناصر العربية، فكانت.


جامعة كادحي الشرق

هذه الجامعة خصصت لعناصر الأحزاب الشيوعية في العالم لكي يتعلموا الأساس الفكرية للماركسية، والأفكار البينينية في التنظيم الشيوعي، كما تضمنت الدراسة بعض المسائل الاقتصادية والتاريخية، إذن هدف الجامعة نبيل وتعمل على تطوير العناصر والأفراد، وبطبيعة الحال سينعكس ذلك على التنظيمات والأحزاب الشيوعية، لكن الوضع بالنسبة للعربي الفلسطيني كان في أكثر الأحيان بعكس ذلك، فقد عملت القيادة اليهودية من خلال عناصرها المنتشرة في كافة الدول على وضع العقبات والعراقيل أمام الشيوعيين العرب الفلسطينيين، وتمثلت هذه الممارسات، في اختيار العناصر المرشحة للدراسة أولا، ومادة التعليم ثانيا، ووضع الظروف المعيشية الصعبة أمامهم رابعا، ثم العمل على إبعادهم قدر المستطاع عن الأرض الفلسطينية، وان أمكن عدم عودهم بتاتا، كما حدث مع البعض منهم خامسا، ثم استخدام الاحتلال الانجليزي لاعتقال من يستطيع العودة إلى فلسطين مباشرة سادسا.
ونجزم بان هذه الجامعة كانت مرتع خصب للعناصر المتصهينة في الحركة الشيوعية العالمية، من خلال العديد من الأحداث والوقائع التي وقعت للعناصر العربية الفلسطينية فيها.
أولا : ـ العمل على إرسال أفراد غير أكفاء لهذه الجامعة، يقول عمر حلمي الغول في كتابه على لسان توفيق العبسي ما يلي "لماذا يأتي حسن جديدون، الملقب بحسن الفران، مع زوجته عائشة، وهما فوق الخمسين ـ ضمن عملية خلق الكوادر العربية من اجل بلشفية الحزب ـ مع إنهما لا يجيدان القراءة والكتابة، في الوقت نفسه، الذي تأتي فيه عناصر يهودية للدراسات العليا" ص56و57 يتبين لنا بان القيادة المتنفذة في الحزب تعمل بكل جهد لإبقاء الحزب خاضع للمصالح اليهودية الصهيونية، وهي لا تريد عمليا تطوير العناصر العربية، بل إبقاءها في حالة من الضعف النظري والمعرفي، بحيث تستمر أسيرة للتحليل الاشتراكي لقيادة الحزب المتصهينة، وهنا يتأكد لنا بان رفع شعار البلشفية من قبلها، كان في حقيقة الأمر ـ كلمة حق أريد بها باطل ـ ولم تكن تريد من طرحها سوى كسب الوقت قدر المستطاع للهيمنة على الحزب أولا ثم برنامجه ثانيا، وما كان شعار البلشفية سوى مبرر وحجة للحيلولة دون وصول العربي الفلسطيني لموقع القرار في الحزب، فما معنى إرسال رجل غير متعلم مع زوجته إلى هذه الجامعة؟ عامل السن يحول دون اختيار حسن الفران لهذه المهمة، كما أن عدم أهليته العلمية والتعليمية يحولان دون اختياره لهذا الدراسة، لكن من المصلحة الصهيونية تقتضي إرساله مع زوجته، لكي لا يستفاد منه ولا من دراسته أولا، وإقناع الأممية الشيوعية بصواب مقولة القيادة في الحزب ـ بعدم وجود العناصر العربية المؤهلة للقيادة ـ ثانيا، كما إن العمل على إرسال العناصر اليهودية الأكثر حظا من التعليم والمعرفة، يأتي كدليل على صواب طرحها ـ العرب غير مؤهلين لاستلام القيادة واليهود الأكثر وعيا ومعرفتا وعلما ـ ومن ثم البقاء على الوضع الذي يحقق الهدف الصهيوني في الحزب، ويؤكد رضوان الحلو على هذه المسالة ويقول "أما بالنسبة لنوعية الكوادر العربية التي أرسلت من فلسطين لتقلي دورات حزبية، فيمكن القول أن الحزب كان يبعث بعمال وبمتعلمين، ولم يكن هناك خيار بمعنى تفضيل نوعية على أخرى، وكان من الطبيعي أن يكون أكثرية المبعوثين من العمال ومن غير المتعلمين" ص30 هذه شهادة أخرى تبين إن هناك مخطط واضح عند قيادة الحزب لكي لا يكون العرب الفلسطينيين قادرين على الفهم والتحليل العلمي أولا، ثم عدم أهليتهم للعمل السليم والصحيح، وعدم المقدرة والضعف في تحديد الأولويات والمهام ثانيا، كما يعني ذلك إبقاء العناصر اليهودية أكثر فهما وتعليما ومعرفتا، وثم استمرارها في التحكم بزمام الأمور في الحزب، حتى تحقيق أهدافها في فلسطين ـ إقامة الدولة اليهودية ـ
وهنا نطرح بعض الأسئلة حول الأشخاص الذين تم إيفادهم لجامعة كادحي الشرق في موسكو، ألم يكن هناك عناصر عربية اقل ما يقال عنها أنها قد حصلت إلى مستوى تعليمي مقبول تستطيع أن تستفيد من هذه الجامعة؟ ولماذا يرسل العربي الأمي مقابل اليهودي المتعلم للدراسات العليا؟ أسئلة قد أجاب عليها تاريخ الحزب الشيوعي الفلسطيني لاحقا، ويؤكد رضوان الحلو إرسال حسن الفران وزوجته إلى الجامعة كادحي الشرق فيقول "كنت ضمن المجموعة الثالثة التي تغادر فلسطين إلى موسكو، وقد كان من ضمنها، طاهر المغربي، وسمحا لاتزاباري وسلونيم، وحسن الفران وزوجته" ص31
وسنورد هنا الاستبيان الذي كان يوزع على الطلاب في جامعة كادحي الشرق ليتأكد لنا الدور المشبوه الذي أرادته قيادة الحزب من وراء إرسال الكوادر العربية لهذه الجامعة
1. الاسم الحزبي
2. الاسم في المؤتمر
3. القومية
4. سنة الولادة
5. المنشأ الاجتماعي
6. مستوى التعليم

7. البلد
8. هل درست في مدرسة حزبية. أين ومتى ؟
9. المهنة , ومنذ متى تعمل بها
10 مصدر المعيشة حاليا
11 في أي فرع من فروع الكومنترن تنشط ومنذ متى؟
12 هل كنت عضوا في حزب آخر؟

13ما هي المهمة التي تقوم بها منذ المؤتمر السادس للكومنترن ؟
14هل لوحقت من الشرطة ؟ وكم سنة أمضيت في السجون ؟
15هل اشتركت في مؤتمرات عالمية سابقا؟
16هل قدمت من بلدك أم من المهجر؟
17هل أنت عضو في البرلمان أم مجلس بلدي؟
18ما هي اللغات التي تعرفها ؟
1. ـ فلسطين
2. ـ موسى
3. ـ يوسف إبراهيم
4. ـ عربي
5. ـ مواليد عام 1909
6. ـ من عائلة عاملة
7. ـ تعليم متدني
8. ـ جامعة كادحي الشرق في موسكو
9. ـ عملت خلال 11 عاما
10. ـ متفرغ حزبي
11. ـ في فلسطين منذ عام 1927
12. ـ لم أكن عضوا في أي حزب آخر
13. ـ سكرتير لجنة مركزية، عضو لجنة مركزية، تنظيم خلايا حزبية، تنظيم نقابات عمالية والمشاركة في المظاهرات
14. ـ اعتقلت أربع مرات، وبقيت في السجن في عام 1928 لمدة شهر ونصف لمشاركتي في إحدى المظاهرات، كما اعتقلت في أعوام 1929،و 1930و 1934، وأمضيت في السجن 6 أشهر ومجمل الفترة التي أمضيتها في السجون بلغت 9 أشهر .
15 ـ اشتركت في المؤتمر الخامس للأممية النقابية الحمراء (البروفينترن) في عام 1933.
16 ـ قدمت من فلسطين .
17 ـ لست عضوا في برلمان أو في مجلس بلدي.
18ـ العربية والروسية.
التوقيع: يوسف إبراهيم التاريخ 16/7/1935
1ـ فلسطين
2ـمحمود
3ـ حجار
4ـ عربي
5ـ مواليد عام1914
6ـ ابن عامل فيسكك الحديد
7ـ أنهيت صفين في المدرسة
8ـ جامعة كادحي الشرق في موسكو
9ـ عملت لمدة 3 سنوات
10ـ دخلي من عملي
11ـ في فلسطين منذ عام 1930
12ـ لم أكن عضوا في أي حزب أخر
13ـ عضو لجنة مركزية، عضو لجنة حزبية، منظم خلايا حزبية بين العرب وبين عمال سكك الحديد .
14ـ لم اعتقل إلى الآن.
15ـ لم اشترك في أي مؤتمر
16ـ قدمت من البلاد.
17ـ لست عضوا في برلمان أو مجلس بلدي.
18ـالعربية والانجليزية
التوقيع: حجار التاريخ 31/7/1935
1ـ فلسطين
2ـ خليل دولة
3ـجمال
4ـ عربي
5ـ عمري 30 سنة
6ـ منشأ عمالي
7ـ ـ تعليم متدني
8ـ جامعة كادحي الشرق موسكو
9ـ اعمل منذ 10 سنوات
10ـ اجري كعامل
11ـ في الحزب الشيوعي الفلسطيني منذ عام 1932
12ـ لم أكن عضوا في أي حزب أخر
13ـ في عام 1932 كنت سكرتيرا لخلية عمال ميناء، قمت بتنظيم خليتين، عضو اللجنة الحزبية في مدينة يافا ومن ثم سكرتيرها، عضو لجنة مركزية للحزب الشيوعي الفلسطيني .
14ـ استدعتني الشرطة مرة واحدة في عام 1934
15ـ لم أشارك في أي مؤتمر
16ـ قدمت من البلاد
17ـ لست عضوا في برلمان أو في مجلس بلدي
18ـ العربية.
التوقيع التاريخ 12/7/1935
هذه الشخصية تحدث عنها فرح والحلو والعبسي، وهي من العناصر المتزنة والفاعلة في الحزب والساحة الفلسطينية، لكن محمود المغربي لم يرجع إلى فلسطين، واختفى من الوجود بقدرة قادر، ولكن هناك دلائل تشير وتأكد وجود دور للأيدي الخفية التي عملت على اختفائه وتغيبه عن الوطن، وسنبدأ بشهادة بولس فرح الذي يحدثنا عن محمود المغربي فيقول عنه "أما محمود المغربي فهو شخصية تفرض نفسها، كان لا يزال شابا، هادئا بسيط المظهر بطيء الحركة تشعر بحرارة رفاقية، وتود أن تصافحه وتشد على يديه، يشعرك انه ابن العمال " شغيل قديم" ومكافح قديم، كلماته متزنة وبسيطة، صوته خافت، كثير التجربة، يعرف ما سمعه وليس ما قرأه، زارنا عدة مرات، وأنسنا بلقياه، لم يرجع إلى فلسطين هو وشقيقه طاهر وثلاثة رفاق آخرين أذكر أسمائهم الحركية وهي جلول، وعبيد، وعثمان" ص97، تعمدنا أن نعطي هذه الشخصية الاهتمام الذي تستحق لأننا على يقين تام بان هناك عملية تصفية ـ وأن لم تكن جسدية، حيث تم إرسال محمود المغربي إلى الجزائر، لكي يناضل مع شعبه الجزائري ضد الفرنسيين ـ تمت لهذا الرفيق العربي الفلسطيني، وقد استخدمت القيادة المتصهينة اسمه لكي تجلب آخرين للهلاك في جامعة كادحي الشرق، فيقول رضوان الحلو عن محمود المغربي ما يلي "ولقد كانت رسائل الرفيق محمود المغربي التي كان يبعثها من هناك ترسم صورة زاهية عن الأوضاع القائمة" ص28، هنا تكمن الجريمة محمود المغربي الذي وصفه فرح بصورة مهذبة ومتزنة يتم استخدام شخصيته المحترمة والأمينة عند الرفاق العرب، بطريقة سيئة من قبل العناصر المتصهينة في الحزب، فيرسلون رسائل باسمه إلى الكوادر العربية الفلسطينية لدفعها للخروج من فلسطين بحجة تلقى العلم والمعرفة، واصفه لهم الأوضاع بصورة زاهية وجميلة، فإذا اجتمعت المصلحة الوطنية والمصلحة الشخصية معا ـ تطوير الذات علميا ومعرفيا ـ ثم خدمة الوطن من خلال تطوير عناصر الحزب، فهذا أمر محمود ومطلوب، خاصة إذا أضفنا عليه وجود شخصية محترمة وأمينة تزكي الأمر وتنصح به، فتصبح كل الدوافع والحجج مقبولة ومعقولة، من هنا نحن نشكك بهذه الرسائل التي نسبت لمحمود المغربي، أولا لأنها لا تتناسب مع الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في الاتحاد السوفيتي، حيث كانت الظروف المعيشية متردية وأسوء ما يكون في الاتحاد السوفيتي، ويقول عنها رضوان الحلو "عندما سافرت إلى الاتحاد السوفيتي في عام 1930 اكتشفت أن الأمور تختلف كثيرا عما كنت أتصور وكانت ظروف الحياة صعبة جدا والفقر كان منتشرا في كل ناحية وكانت المواد الغذائية توزع حسب سياسية التقنين." ص28، بالإضافة إلى الظروف السياسية التي تمثلت بقمع واضطهاد المعارضين أينما كانوا، وثانيا لا يمكن لمحمود المغربي المعروف بالصادق والأمانة أن يكذب على رفاقه، وثالثا عدم عودة محمود إلى فلسطين وشقيقه طاهر يثيران الشكوك والتساؤلات.
وإذا تمعنا في الأعداد التي تشكل منها الدفعات المغادرة إلى جامعة كادحي الشرق نجدها ما بين الثلاثة إلى خمسة أفراد، فيقول رضوان الحلو عن الأعداد " كنت أنا ضمن المجموعة الثالثة التي تغادر فلسطين إلى موسكو، وقد كان من ضمنها، طاهر المغربي، سمحا تزاباري، مئير سلونيم، وحسن الفران وزوجته، لا اذكر أن كان هناك آخرين وفي فترة لاحقة انطلقت إلى موسكو مجموعة أخرى تضم بولس فرح، نجيب سبريدون، محمود الأشقر، خليل شنير، ويحيى أبو عيشة" ص31 ويقول بولس فرح عن أعداد العرب المغادرين إلى الجامعة "وقد أعطى لي الحزب حرية اختيار شخصين آخرين من العاملين في الحزب للسفر معي إلى موسكو، وقد وقع اختياري على الرفيقين والصديقين صادق جراح من عكا ونجيب سبيريدون من حيفا" ص83، أردنا من خلال هذه الأعداد أن تذكر بان هناك مجموعات كامل لم تعد إلى الوطن بالإضافة إلى الأفراد، فعندما يقول فرح "لم يرجع هو وشقيقه وثلاثة رفاق آخرين اذكر أسمائهم الحركية وهي جلول، وعبد، وعثمان" ص97 نجد المجموع خمسة أفراد أي مجموعة كاملة من الحزب، وليس من العرب فقط، وهذا يعني أن العناصر العربية المغادرة إلى موسكو كنت في المجمل لا تعود إلى الوطن وان عادت تكون قد انقلبت على الحزب ـ إلا من رحم ربي ـ من هنا يمكننا أن نقول بان الجامعة كانت مقبرة العرب أكثر منها للتخريج قيادات وكوادر قيادية، وإلا لماذا هذه الأعداد الكبيرة ـ بالنسبة لعدد المغادرين ـ الذين لا يعودوا إلى فلسطين؟.
وإذا دققنا في طبيعة وقدرات العناصر المغادرة سنجد منها الفاعل والمآثر في الساحة الفلسطينية، فبولس فرح عندما تم اختياره للدراسة وطلب منه أن يرشح آخرين وقع اختياره على "صادق جراح من عكا ونجيب سبيريدون من حيفا، والأول كان معروفا لهيئات الحزب، والثاني اخترته لتطعيم الحركة بعناصر المثقفين" ص83، هذه الشهادة تؤكد أن المختارين للدراسة في فترة لاحقة تجاوزت إرسال العناصر غير المؤهلة للتعليم وغير القادرة على التعامل مع العلم والتعلم، كما هو الحال مع حسن الفران وزوجته تحديداً، وهذا يشير على تغير في أسلوب العمل عند القيادة المتصهينة في الحزب، فبدل إرسال عناصر غير مؤثرة في الساحة الفلسطينية، التي لو استمرت في العمل لمدة طويلة لن يكون لها خطورة على أرض الواقع وذلك لمحدودية معرفتها وطاقتها، يتم إرسال العناصر الأكثر خطرا والأشد تأثيرا في الساحة الفلسطينية، وذلك لضمان توقف نشاطهم أثناء فترة السفر ـ والتي غالبا ما تكون طويلة، حسب ما أوردناه آنفا ـ وكما إن العمل على عدم عودهم ـ جسديا أو فكريا ـ إلى فلسطين، يكفلان النجاح للمخطط الصهيوني اتجاه العناصر العربية، وإلا لماذا لم يرد بولس فرح أن يذكر أسمائهم الحقيقة واثر أن يذكرهم بأسمائهم الحركية؟، أيمكن أن يكون منهم أصدقائه المقربين الذين اختارهم للسفر معه؟، نعتقد أن الأمور قد انجلت ورفع عنها الغباش ووضح الهدف من وراء هذه الجامعة، التي كانت تمثل "كلمة حق أريد بها باطل"، فرغم عودة بعض العناصر التي استطاعت أن تتجاوز ما وضع أمامها من عوائق وصعوبات، إلا أن في مجملها لم تعد إلى الوطن وان عادة كانت العودة إلى المعسكر المعادي أو عادت بجسد بلا روح.

الصعوبات والعوائق في جامعة كادحي الشرق

سنحاول تحديد الصعوبات التي وضعت أمام العرب في جامعة كادحي الشرق، فمنها ما يتعلق بالعناصر العربية ذاتها، ومنها ما يتعلق بمادة ولغة التعليم، وما ما يتعلق بالظروف الحياتية في الجامعة، سنورد الاستبيان الذي يوزع على الطلاب لكي نتعرف على أهم المشاكل والصعوبات التي واجهتها العناصر العربية في الجامعة.
أولا: ـ ما يتعلق بالعناصر العربية، يقول بولس فرح ويقول عن الاستبيان "ما اسمك . بوليس فرح ما صنعتك، براد في سكك حديد فلسطينية، اسم أبيك، فرح، صنعته بناء، اسم والدتك. مريم سيريدون، صنعتها سيدة بيت، ما هي مهنة أشقائك، عمال، المهنة الغالبة على أولاد العم والخال، عمال ! موظفون صغار، درجة التعليم، الصف الخامس ابتدائي، ما هو أول عمل امتهنته، الطباعة، هل قرأت كتبا ماركسية، نعم، ورحت أعدد مختلف الكتب والكراريس التي قرأتها، هل تملكون أراضي أو عقارا، لا نملك إلا غرفتين في الناصرة، ما هي نشاطاتك الثقافية، سكرتير نقابة عمال السكك الحديد، وعضو هيئة إدارة جمعية العمال العربية الفلسطينية بحيفا، كيف تعلمت اللغة الانجليزية , تعلمتها خارج المدرسة" ص87 إذا تتبعنا الاستبيانات الأربعة التي أوردناها آنفا يتبين لنا بان العناصر تجمع على مسألة قلة التعليم لديها، اثنين كانا تعليمهما متدني هما موس وحجار، والآخران انهيا صفين دراسيين أي الصف الثاني الابتدائي هو يوسف إبراهيم وخليل دوله، وأكثرهم تعليما بولس فرح حيث أنهى الصف الخامس الابتدائي، كما إن اثنين منهم حجار ويوسف لم يشتركا بأي مؤتمر حزبي، إشارة إلى ضعفهم التنظيمي والمعرفي، ومع أن هؤلاء هم خيرة من ذهب للدراسة في الجامعة حيث استطاع (موسى) ـ رضوان الحلوـ إن يرتقي إلى أعلى المراكز الحزبية، وبولس فرح الذي وصل إلى عضو لجنة مركزية، وهما يعدان من الحالات التي تجاوزت المخطط الرجعي للقيادة المتصهينة، وستطاع أن تثبت بأن العناصر العربية قادرة على تجاوز العقبات وتتحمل اشد الظروف قساوة، وان تثبت مقدرتها على التحصيل العلمي وتتبوأ المراكز القيادية، فالأوضاع السياسية التي كانت تعيشها فلسطين فرضت على الفلسطينيين تحمل اشد الظروف صعوبة، ومن هنا نجد أن هناك من تجاوز الواقع واستطاع أن يثبت وجوده في جامعة كادحي الشرق، وان ينهل من المعرفة ـ رغم الصعوبات ـ لكي يخدم وطنه وشعبه الذي يعاني الويلات من الاحتلال الانجليزي والهجرة اليهودية.
ثانيا : ـ مادة التعليم، بعد الاطلاع على المواد التي يتم تعليمها للطلاب العرب الفلسطينيين يتبين لنا بان أيدي خفية في الجامعة تضع جدارا جديدا وحواجز أمام العناصر العربية الفلسطينية تحديدا، تتمثل في اللغة التي يتم التعليم بها، فقلة المترجمين من اللغة الروسية إلى اللغة العربية، وضعف هؤلاء المترجمين وعدم أهليتهم للقيام بهذه المهمة، تعد من أحد الأسباب التي تحول دون تقديم المعلومة بطريقة سليمة للعربي، كما أن المواد التي تعطى للطلاب العرب في مجملها لا تمس واقعهم أو قضيتهم، وإنما تخدم الحركة الشيوعية العالمية، وسنحاول أن نفصل ونوضح الصعوبات في مادة ولغة التعليم التي واجهها الطلاب العرب الفلسطيني في جامعة كادحي الشرق
1 ـ طبيعة المواد المدرسة، ولنقرأ ما يقوله رضوان الحلو "خلال السنة الأولى كانت الدراسة بالعربية، وكان الرفاق العرب الذين سبقونا إلى موسكو وتعلموا اللغة الروسية يقومون بالترجمة، لقد درسنا مواضيع مختلفة منها، تاريخ الحزب الشيوعي في الاتحاد السوفيتي، تاريخ الحركة الثورية في العالم، التنظيم الحزبي، استعمال الحبر السري، تاريخ الحركة الوطنية في مصر، ثورة عرابي، الاقتصاد المصري والسيطرة الاستعمارية على مصر، التعريف بالمبادئ الماركسية، التطورات السياسية الجارية في الاتحاد السوفيتي والانجازات التي تمت، وقد كان هناك تشديد على حركة الكولاك، وعلى الحركة التروتسكية، وقد أدينتا بشدة، أما بالنسبة لسوريا وفلسطين فقد كانت المحاضرات المخصصة بهما قليلة" ص31 لماذا تدرس كل هذه المواد ولا يدرس إلا القليل عن فلسطين وسوريا؟ وهل تم وضع المواد المدرسة من قبل أشخاص يهتمون بمن يدرسون؟ ولماذا الاهتمام بالوضع في مصر بهذا الحجم ويتم تجاهل الوضع في فلسطين رغم انه كان في حينه أكثر ثورية مما هو في مصر؟ وإذا دققنا في المواد نجد منها من يتحدث عن الثورة المضادة الكولاك ـ كبار الملاكين الروس ـ وتروتسكي ـ الذي أعطي مفاهيم للماركسية تختلف عما قاله لينين وتتناقض مع تطبيق ستالين للاشتراكية ـ ولكن لماذا لا يتم الحديث عن الثورة المضادة في فلسطين، وعن الانقلاب الذي تمارسه الحركة الاشتراكية اليهودية في فلسطين، رغم أن الأممية الشيوعية أقدمت على دفع عملية التعريب للحزب الشيوعي الفلسطيني بعد أن تبين لها بان قيادته ـ المتصهينة ـ عاجزة عن التقدم بالمشروع ألأممي الاشتراكي قيد أنملة في فلسطين، لما لها من ترابط مع الحركة الامبريالية العالمية، ومن ثم انعزالها عن المجتمع العربي وعن حركته التحررية، رغم وجود الخميرة الثورية فيه.
من خلال ما تقدم نستطيع القول أن اليد الخفية للحركة الصهيونية كانت على علاقة بما يدرس من مواد في جامعة كادحي الشرق؟
2 : ـ المدرسين ولغة التدريس، يقول رضوان الحلو "كانت هناك أقلية صغيرة جدا تعمل كمترجمين" ص30، ويقول بولس فرح "وكنا نجد أو بالأحرى أغلبية الأساتذة والتلاميذ، صعوبة كبيرة بالتفاهم مع الأساتذة والعكس بالعكس، لان الأغلبية دخيلة على اللغة الانجليزية، ولا يعرفونها إلا قراءة، أما التلاميذ فلا يجيدونها، وقد اوجد هذا الضعف ارتباكا بين المحاضر والتلاميذ، الأمر الذي لم نجد له حلا إلا بالصبر وحسن الاستماع والرغبة في العلم، ولياقة المحاضرين وتعاطفهم معنا.
كانت المحاضرات مدخلا إلى مواضيع العلم المختلفة، وتبسيطا إلى حد الإسفاف بالموضوع، كما رأينا في كتاب الاقتصاد السياسي لكاتبه الروسي ليونتيف الذي ألم الماما خفيفا في الموضوع، وتوسع في الدعاية للحزب البلشفي، ولم نكن بالواقع بحاجة إلى دعاية بل إلى فهم موضوع الاقتصاد السياسي الماركسي، وهو لب موضوع الماركسية العلمية" ص89 ، هاتان الشهادتان عن طبيعة المواد التي تدرس في جامعة كادحي الشرق، وعن طبيعة المدرسين فيها، فنجد الصعوبات اللغوية التي واجهها الدارسين العرب الفلسطينيين، وهذا الأمر يعد من أكثر المسائل تعقيدا للدارس والمدرس معا ـ كما بين بولس فرح ذلك ـ فعدم وجود لغة مشتركة يستطيع المعلم والطالب دفعهم إلى الاستعانة بلغة أكثر تعقيدا لهما، اللغة الانجليزية، التي لم يتقنها المدرس ولم يكن يفهما الطالب، وهذا تجاوز وتعارض لأبسط قواعد التعليم، فإذا لم يكن عنصر لغة مشتركة وسليمة ومفهومة، فكيف ستكون عملية التعليم؟.
رغم وجود تجمعات بشرية كبيرة وكثيرة تتحدث العربية إلا انه لم يكن هناك مدرسين قادرين على إعطاء المواد باللغة العربية، فكانت مصر تعد من اكبر البلاد العربية وكانت العراق وبلاد الشام أيضا من ضمن البلاد التي أوفدت طلاب إلى موسكو للتعلم في جامعة كادحي الشرق، ومع هذا لم يكن يوجد المعلم المناسب لهؤلاء الطلاب، وللعلم تعد اللغة العربية من اللغات الحية عالميا فلماذا هذا النقص والضعف في الكادر الجامعي؟
3 ـ ضرب عملية التدريس من الداخل، كانت اليد الخفية تعمل على تخريب العملية التدريسية بكل ما أوتيت من وسائل وطرق، الهدف كان واضح لديها ـ خلق الصعاب والعوائق التعليمية أمام الدارس العربي الفلسطيني ـ يقول بولس فرح حول هذا الموضوع "وقد أبديت دهشتي من فقدان كتب التاريخ باللغة العربية، وان الموجود منها مشوش الأسلوب، حرفي الترجمة، ركيك، ملحون، فقير المعاني ولا ضابط لغوي له،... وحاولنا أن نترجم من الانجليزية إلى العربية بلغة مفهومة وان لا نتقيد بحرفية النص، أي التعامل مع النص بأسلوب عربي، ولكن هيهات، فجاء أشباه المستشرقين وطعنوا في صحة الترجمة لأنها لا تتقيد بحرفية ما قاله ستالين وما قاله لينين معرضين اللغة والأسلوب إلى المسخ والتشويه، وقالوا لا تعريب بالماركسية، وفي هذا افتئات منهم لأننا لم نعرب، ولم نتصرف بأية كلمة، ولكننا حاولنا أن نترجم بأسلوب عربي، وقد لاحظت أن الترجمات ما زالت مشوشة ناقصة لغاية يومنا هذا" ص96، يتبين لنا هناك من يريد أن يخرب عملية التعليم، من خلال التدخل في أمور شكلية ـ لا تعريب بالماركسية ـ كل مطلع على مفهوم الترجمة يتيقن لدية أن الابتعاد عن الترجمة الحرفية يكون اسلم وأجود للنص الأصلي، وان عملية الترجمة الحرفية تقتل النص وتبعده عن فحواه ومقصده، وإذا عدنا إلى النظرية الماركسية نجد الكثير من المقولات التي تطالب بعدم الالتزام بحرفية النظرية الماركسية، ونذكر هنا بالثورة التي قام بها لينين عام1917، والأحوال التي كانت تمر بها روسيا، وعدم نضوج الظروف لقيام دولة العمال الاشتراكية في ظل نظام مازال يعيش في حالة الإقطاع، أجاب لينين بأنه سيقوم ـ برأسمالية الدولة ـ أي أن يقوم الحزب ببناء الدولة الاشتراكية متجاوزا المرحلة الرأسمالية، ومقولة الماركسية ليست عقيدة جامدة بل هي مرشد للعمل، وغيرها الكثير من المقولات النظرية التي تخدم الفكر والعمل الاشتراكي، فلماذا تم هنا التمسك بجمود الفكر؟ مع انه يضر بالعمل ويشوهه؟ هذه حالة من مجموعة حالات تنم عن سوء الإدارة في الجامعة وأنها تعتمد استخدام الأسلوب التعليمي البدائي، والذي لا يخدم عملية التعليم وإنما يضر بها.
4: ـ إطالة مدة الدراسة، عملت الأيدي الخفية على استخدام أسلوب تطويل فترة الدراسة، ليس حرصا على تعلم العرب الفلسطينيين ولا حبا بهم، وإنما لتأخيرهم عن خدمة وطنهم فلسطين، فكانت تستخدم إطالة فترة الدراسة، أو الإجبار ـ بالترغيب ـ الدارس العربي الفلسطينيين أن يعطي محاضرات في مواضيع معنية بحجة عدم وجود كادر لهذه المواضيع، يقول عمر حلمي الغول على لسان توفيق العبسي"أبو العبد" وفيما يتعلق بفترة الدراسة ، فيقول أبو العبد: لو كانت الدراسة تسير بدورات قصيرة يعود الدارسون بعدها إلى أوطانهم، وساعتها من المفيد والضروري استقدام مئات الكوادر العربية، أما تضييع الوقت، وإطالته من تسعة أشهر إلى تسع سنين، فهي مسألة لا تدخل حسن النية، لأنها أسهمت بالنسبة لعديد من الرفاق وكرد فعل على المماطلة في دفعهم إلى مغادرة الحزب عندما يصلون الوطن، ويضيف : لقد افتضح الذين تأمروا وكذبوا علينا وعلى الحزب والكومنترن، كانوا يضطهدوننا بدوافع صهيونية، نحن نعرف ذلك، وهم يعرفونه، و أمام الكومنترن كانوا يتهموننا بالشوفينية والتعصب القومي، ويعطلون إمكانية أن يستفيد الحزب من نشاطنا في فلسطين، ويفسرون ذلك للكومنترن بأنه محاولة تطوير وتأهيل الكوادر العربية" صفحة 57 هذه شهادة واضحة وضوح الشمس عن الكيفية التي تستخدمها الحركة الاشتراكية المتصهينة في تعاملها المعادي للعرب الفلسطينيين.
الهدف عندها إبعاد العناصر المثقفة والقادرة على الفعل والتأثير في المجتمع، بكل ما أوتيت من دهاء ومكر، فلم تكن إطالة المدة الزمنية للدراسة سوى إحدى الوسائل لإبعاد العربي الفلسطيني عن وطنه، ومن ثم إفراغ الميدان ـ فلسطين ـ للعناصر الصهيونية، لكي لا يكون أمامهم من عائق.
ويقول بولس فرح حول هذا الموضوع "بعد انتهائي من الدراسة رشحتني مديرية الجامعة، لتدريس تاريخ أوروبا الحديث لمجموعة من الرفاق الفلسطينيين وغرهم من البلدان العربية الذين لا يعرفون لغة أجنبية، لعدم توفر المحاضرين الروس الذين يعرفون العربية، وقد بلغني هذا الترشيح أستاذي العالم المؤرخ "زخاروف" تمردت على هذه الترشيح" ص95 هذا الرجل الذي استطاع أن يتجاوز العقبات والمعيقات التي وضعت من قبل اليهود المتصهينيين في جامعة كادحي الشرق، يضعونه في مركز يتمناه أي إنسان، ولكن يعرف حقيقة الأمر فيقرر التمرد على هذا الأمر ويرفض هذا المركز الكبير في سبيل وطنه فلسطين، وقد اقر ذلك بكل وضوح عندما تحدث عن الترشيح الأول له من أدارة جامعة كادحي الشرق لدراسة الصحافة في انجلترا، "وفي موسكو وبعد نهاية دراستي، رشحتني الأممية الشيوعية لتعلم مهنة الصحافة. ... وقد أوعزت إلى الرفاق المعنيين، وأوصيتهم بإرسالك مبعوثا إلى تعلم الصحافة في انجلترا... بان حزبي في فلسطين بحاجة إلى كل التلاميذ الموجودين في موسكو ويترقب عودنهم السريعة" ص94 و95 ، نجزم إن الكوادر العربية التي ذهبت للدراسة إلى موسكو كانت تعي الدور الذي يقع على كاهلها، من هنا جاء فهم بولس فرح لفحوى الدعوة المشبوهة في المرة الأولى والتي كان يرغب فيها والثانية عندما تيقن أنها دعوة مشبوه ويقف من ورائها أعداء فلسطين، فقد اثروا العودة إلى الوطن رغم أنهم يعرفون ما سيواجهونه من قمع واعتقال ويمكن أن يكون الموت في انتظارهم، كانوا يعرفون فلسطين ويعملون لها، فهي التي أعطتهم هذه المقدرة الخارقة لتجاوز الصعاب والمؤامرات وهي التي منحتهم الإلهام لرفض الترغيب الذي وضع أمامهم، فلا يمكننا لا أن نتوقف عند هذه الأحداث باحترام وإجلال للفلسطينيين الذي رفضوا أن يكون مغيبين عن الوطن وأصروا على العودة، ويقول رضوان الحلو "وخلال وجودي في موسكو تقرر أن ادخل دورة حزبية في جامعة كادحي الشرق لمدة سنة واحدة، وبعد انتهاء الدورة، حدثت صعوبات فنية لم استطع العودة إلى فلسطين، وأمضيت سنتين أجرتين في الاتحاد السوفيتي" ص26، هكذا هي الطرق الخبيثة التي استخدمتها الحركية الصهيونية، فكل شيء مباح لديها، استخدام جامعة كادحي الشرق لتنفيذ مخططهم ضد العرب الفلسطينيين، فلا حرمة للمبادئ الأممية ولا احترام للإخوة الإنسانية عندهم، كل المبادئ يتعاملون معها كوسيلة لتحقيق هدفهم، إقامة الدولة اليهودية في فلسطين.
5: ـ العمل على إعاقة العودة للدارسين العرب الفلسطينيين، وان أمكن عدم عودتهم بتاتا، بعد الحواجز والعقبات التي مورست في الجامعة مع الطلاب العرب الفلسطينيين، وبعد أن استطاعت مجموعة منهم تخطي العقبات وتجاوز المحن والشدائد، تلجأ الحركة الصهيونية إلى استخدام طريق جديد يحول دون وصول هؤلاء العرب الفلسطينيين إلى وطنهم، عن طريق إخفاء جوازات السفر الخاصة بهم، أو عن طريق استبدالها بجوازات سفر أخرى مزيفة، المهم تأخيرهم قدر المستطاع، ونبدأ من شهادة رضوان الحلو "وكنت قد غادرت موسكو برفقة الرفيق مئير سولنين، وكان بحوزتنا جوازات سفر مزورة بطريقة سيئة جدا، وعندما وصلنا إلى بيروت اعتقلت وأبعدت إلى فرنسا حيث اعتقلت هنالك مدة أربعة أشهر، ثم استطعت أن اشق طريقي إلى فلسطين. أما الرفيق سولنين فنجح في ترك الباخرة في بيروت والوصول إلى فلسطين" ص32، صورة مغامرات قصصية جميلة لأحداث العودة للوطن، ولكي تضح لنا الأحداث بشكل منطقي وواقعي يتفق مع المنطق نقول، هل سافر الحلو ومئير إلى الاتحاد السوفيتي بجوازات مزورة أم جرى إخفاء الجوازات الحقيقية من جهة مجهولة، وأعطي لهم بدلا منها الجوازات المزورة؟ ولماذا يتم وصولهم إلى بيروت أولا وليس إلى حيفا أو يافا أو عكا أو أي ميناء فلسطيني، وللعلم الموانئ الفلسطينية أكثر مقدرة على الاستقبال الركاب والبضائع من الموانئ الأخرى؟، ولماذا يتم اعتقال الحلو ويقدر مئير على مغادرة السفينة؟ أسئلة يجاب عنها ضمن الأعمال السابقة التي أقدمت على فعلها الحركة الصهيونية بحق "رفاقهم" العرب الفلسطينيين، وإذا تمعنا في قول الحلو نجد بان التزوير كان مكشوف تماما، ومن هنا جاء قوله "بطريقة سيئة جدا" يمكن لمن قام بتزوير الجوازات أن يتقن عمله لكي يسهل المهمة للمسافرين، لكن هو أراد غير ذلك، أرد تعطيل وتأخير المسافر، ولنقرأ ما يقوله الحلو عند وصوله إلى موسكو "عند وصولي إلى الاتحاد السوفيتي سلمت جواز سفري إلى المسؤولين في الكومنترن، وكانت العادة المتبعة آنذاك استعمال جوازات سفر الطلاب المقيمين هناك للتنقلات السرية للرفاق في بلدان العالم، وعندما أسعدت جواز سفري كان مليئا بالأختام المختلفة ولم يكن بالإمكان استعماله للرجوع إلى فلسطين" ص26، إذا كان القدوم إلى الاتحاد السوفيتي بجواز سفر معترف به وصادر بطريقة قانونية، وتم استعماله من الرفاق الآخرين حتى لم يعد صالح للاستعمال، هل هذا الاستخدام لجواز السفر من "الرفاق" استخدام منطقي ويخدم مصالح العناصر العربية ويحافظ على مصلحة الرفيق صاحب الجواز؟ أم استخدام أريد منه إلحاق الضرر بالرفيق العربي صاحب الجواز؟
وتتكرر العملة مع حسن أبو عيشة الذي يخبرنا عنه بولس فرح "وكنت وحسن أبو عيشة على يقين بان السلطات ستعتقلنا لأننا كنا قادمين من اوديسا وجوازات سفرنا مختومة بأختام جمرك المدينة وسلطات الأمن الاوديسية، ولكن حدث غير متوقع، فعندما قدمت جواز سفري إلى رجال الأمن، وبعد فحصه سمحوا بدخولي البلاد، ولم يسألوني عن شيء، أما أبو عيشة فقد ظهر بعد الفحص أن جواز سفره مزيف، وكنت شاهدا على ذلك، ولم اعلم أن جوازه مزيف لأنه لم يعلمني بذلك، وعندما أزاح الشرطي الانجليزي صورته الفوتوغرافية الملصقة على الجواز رأيت التزيف الذي صنعته يد غير ماهرة وبلا خبرة، قبض البوليس على حسن أبو عيشة وأودعه السجن لمدة كما اذكر ثلاثة أشهر." ص99، هذه شهادة ثانية تبين لنا حقيقة وجود أيدي خفية تعمل على إعاقة وتأخير عودة الفلسطينيين العرب إلى فلسطين، ومن خلال هذه الحادثة نطرح بعض الأسئلة، لماذا قام الشرطي بالكشف عن عملية التزوير أمام بولس فرح؟ الم يكن وراء ذلك إقناع فرح بان أبو عيشة يستحق الاعتقال، بسب التزوير الذي عملته ـ يد غير ماهرة ـ ولماذا يحمل أبو عيشة جواز مزور؟ الم يسافر بجواز حقيقي في الأصل؟ وتم فقدان ذلك الجواز أو سرقته من الآخرين أو استعماله من " الرفاق" السيئين؟، ويخبرنا فرح بأنه كان متوقع اعتقالهما معا، لكن تم السماح له بدخول البلاد بدون اعتقال، ليكون شاهد على براءة اليد الخفية وإنها ليس لها علاقة بما يحدث، لكن فرح يخبرنا أن ـ اليد غير الماهرة ـ ومن يقف وراءها هم السبب الحقيقي وراء اعتقال حسن أبو عيشة.
هناك العديد من العرب الفلسطينيين ذهبوا إلى الدراسة في جامعة كادحي الشرق لكنهم لم يعدوا، ومنهم عمل بعد عودته ضد الحزب والعمل الوطني بمجمله، بعد الذي شاهده من (الرفاق) في هذه الجامعة، وبعد الذي عرفه عن دولة العمال والفلاحين الاشتراكية في الاتحاد السوفيتي، وسنبدأ من الجريمة الأولى لقيادة الحزب، جريمة قتل على الجيتاوي، فبعد أن رشح للدراسة في الجامعة ، ورغم انه لا يجيد القراءة ولا الكتابة كما هو الحال مع حسن الفران وزوجته، ترسله قيادة الحزب إلى الموت فيقول عمر حلمي الغول عنه على لسان العبسي "وحتى هذا المسكين علي، تخلصوا منه في عام 1937، بان أرسلوه ليقاتل في اسبانيا، وفعلا ذهب واستشهد هناك، بينما الثورة في بلده تغطي معظم فلسطين" ص57، هذه إحدى الضحايا للقيادة الحزب، ولم يتوقف الأمر عليها فقط بل هناك المزيد من الغائبين الذين ضيعتهم الحركة الصهيونية في الغربة، هنا تكمن المهزلة نذهب للنضال إلى اسبانيا ونترك فلسطين، أي سخافة هذه؟ لم يكن هناك عقل عند هؤلاء يفكروا بما وضعه لهم (الرفاق اليهود) من مكر ودهاء؟ ولماذا يتم تفضيل النضال الاممي على الوطني؟ أم أن هناك هيمنة فكرية عند قيادة الحزب عملت على إحداث هذا الخلل وتشويه وخلط الأمور على العناصر العربية الفلسطينية الأقل حظا من العلم والمعرف؟، وإذا قارنا وضعهم المعرفي والتعليمي مع الآخرين نجدهم أدنى مستوى من رفاقهم، ومن هنا جاء التحكم بهم وإخراجهم من ساحة النضال الفلسطينية إلى اسبانيا أو المعسكر المعادي للعمل الوطني.



الردة والعمل ضد الحزب

بعد الذي تعرض له العرب الفلسطينيين في جامعة كادحي الشرق لا بد أن ينعكس ذلك على البعض بصورة سلبية، فمنهم من انقلب على الحزب واضعا نفسه في صف أعداء الحزب والحركة الشيوعية بمجملها، وذلك ناتج عن الهوة الكبيرة بين الوصف النظري الزاهي للاتحاد السوفيتي والواقع الفعلي الذي شاهدوه وعايشوه هناك، ويقول بولس فرح عن الوضع في الاتحاد السوفيتي "وقد فهمنا فيما بعد أن الدولة لم تتمكن، وبعد ثماني عشر سنة، من توفير الخبز للأهالي إلا بالتقنين، ناهيك عن المواد الغذائية أو غيرها من أسباب المعيشة العادية، ... ومن أقوال ستالين في هذا الصدد قوله "إن الحياة أصبحت أحسن يا رفاق، لقد توفرت مادة الطحين لنا، وهكذا قررنا رفع التقنين عن الخبز" ص91 و92 ، كما إن رضوان الحلو أكد الظروف المعيشية الصعبة جدا في الاتحاد السوفيتي عندما وصف الأحوال "وكانت الظروف صعبة جدا والفقر منتشرا في كل ناحية وكانت المواد الغذائية توزع حسب سياسية التقنين" ص28، وإذا أضفنا إلى هذا الأمر الأحوال في الجامعة وما تعرض له العرب الفلسطينيين من اضطهاد وقهر ومن العناصر الصهيونية المتنفذة في الجامعة، بالإضافة إلى صعوبة اللغة وقلة المترجمين، وكذلك طبيعة المواد التي تتحدث عن الاتحاد السوفيتي والحزب الشيوعي، متجاهلة التطرق إلى تاريخ العرب والحياة السياسية في فلسطين، كل ذلك دفع البعض للسير في اتجاه معاكس، خاصة إذا عرفنا بان الأوضاع الاقتصادية في فلسطين تعتبر من أفضل الأوضاع في العالم ـ في ذلك الوقت ـ كما إن العربي الفلسطيني خاصة يرتبط بفكرة الوطن ـ بصورة صوفية ـ



#رائد_الحواري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -أميرة الوجد- للشاعر فراس حج علي
- مدخل النص القرأني (الكامل)
- ملحمة جلجامش النص الكامل
- محلمة جلجامش -الطوفان-
- هواجس
- ملحمة جلجامش - الحلم
- محلمة جلجامش -الثور السماوي-
- ملحمة جلجامش -غابة الأرز-
- ملحمة جلجامش -انكيدو في اوراك-
- ما هو المطلوب في سوريا
- محلمة جلجامش -البغي والوحش انكيدو-
- ملحمة جلجامش والجنس
- ملحمة جلجامش والآلهة
- الملعون لبدر عبد الحق
- حاجتنا إلى الإمام علي
- نزف القلوب لجهاد دويكات
- ملحمة جلجامش والمقدس
- ملحمة جلجامش
- عودة الوعي لتوفيق الحكيم
- غالي شكري واسرار الارشيف الثقافي السري


المزيد.....




- الناطق باسم نتنياهو يرد على تصريحات نائب قطري: لا تصدر عن وس ...
- تقرير: مصر تتعهد بالكف عن الاقتراض المباشر
- القضاء الفرنسي يصدر حكمه على رئيس حكومة سابق لتورطه في فضيحة ...
- بتكليف من بوتين.. مسؤولة روسية في الدوحة بعد حديث عن مفاوضات ...
- هروب خيول عسكرية في جميع أنحاء لندن
- العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز يدخل المستشفى التخص ...
- شاهد: نائب وزير الدفاع الروسي يمثل أمام المحكمة بتهمة الرشوة ...
- مقتل عائلة أوكرانية ونجاة طفل في السادسة من عمره بأعجوبة في ...
- الرئيس الألماني يختتم زيارته لتركيا بلقاء أردوغان
- شويغو: هذا العام لدينا ثلاث عمليات إطلاق جديدة لصاروخ -أنغار ...


المزيد.....

- عندما تنقلب السلحفاة على ظهرها / عبدالرزاق دحنون
- إعادة بناء المادية التاريخية - جورج لارين ( الكتاب كاملا ) / ترجمة سعيد العليمى
- معركة من أجل الدولة ومحاولة الانقلاب على جورج حاوي / محمد علي مقلد
- الحزب الشيوعي العراقي... وأزمة الهوية الايديولوجية..! مقاربة ... / فارس كمال نظمي
- التوتاليتاريا مرض الأحزاب العربية / محمد علي مقلد
- الطريق الروسى الى الاشتراكية / يوجين فارغا
- الشيوعيون في مصر المعاصرة / طارق المهدوي
- الطبقة الجديدة – ميلوفان ديلاس , مهداة إلى -روح- -الرفيق- في ... / مازن كم الماز
- نحو أساس فلسفي للنظام الاقتصادي الإسلامي / د.عمار مجيد كاظم
- في نقد الحاجة الى ماركس / دكتور سالم حميش


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - في نقد الشيوعية واليسار واحزابها - رائد الحواري - من تاريخ الحزب الشيوعي الفلسطيني