أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سامي البدري - عناصر وإستيفاءات














المزيد.....

عناصر وإستيفاءات


سامي البدري
روائي وكاتب

(Sami Al-badri)


الحوار المتمدن-العدد: 4345 - 2014 / 1 / 25 - 12:58
المحور: الادب والفن
    



في الرواية كما في الحياة، ثمة عناصر وإستيفاءات لا يمكن التغاضي عنها؛ وإذا كانت تلك العناصر في الحياة مادية أحيانا، والإستيفاءات أخلاقية في أغلب الأحيان، فإنها في الرواية فنية وإشارية دائما.
فالرواية، ومنذ مطلع القرن الماضي، تأهلت – بجهدها الإشتغالي – لأن تكون خاضة للقارئ بالدرجة الأولى، بدل أن تكون مسلية فقط؛ وبأن تكون شقية وأن تستقرئ المنظور الحياتي والمستقبلي بصورة مشؤومة!، بدل أن تنهي متعة القراءة بصورة حلمية، تعيد الأمور إلى نصابها، وهي في الواقع – أمور الانسان - معلقة كشياه مهددة بالذبح..، بمعنى أن لا تجاري أحلام اليقظة وحلولها السحرية، وأن تثير المتلقي بزخم مجهولاتها التي تثير عجبه وتجبره على الخضوع ولو لبعض ظلالها.
كل شيء في حياتنا المعاصرة يخضع للتشويه؛ وقلوب معظم الناس مليئة بمرارات مصنعة بأفران مرتجلة ولا تخضع لمعايير التقييس والسيطرة النوعية: الأفران ومنتجاتها من المرارت على حد سواء!... وهذا يعني أن ثلاثة قرون من عمر الثورة الصناعية والحضارة الحديثة قد أثبتت (زيف الكلام عن الموضوعية)، بحسب فرانز روت، وأن أمثلة غابريل غارسيا ماركيز، في واقعيته السحرية، هي الأقرب في الواقع للحياة التي ينشدها الانسان اليوم، وعليه يجب أن تكون كذلك في حياتنا اليومية المعاشة، وأكثر حصافة وملائمة من واقعية مكسيم غوركي الإشتراكية (بوجهها المادي الكالح)، وهدوء كافكا وكسله الروحي، وكذلك من شيئية (تقديسه لحقائق الأشياء في عناصر قوتها المادية) إرنست همنجواي.
لا ننكر مضاضة هذه الجدلية وعسفها مع الحس العام ومتوازية التقبل، (لدى من لا يتقبلون فكرة أن للفلسفة يد في إداء حتى إبرة الخياطة!)، إلا أنها لا يجب أن تثنينا عن رؤية حجم التشتت الفلسفي الذي خلفته أحادية المزاج العام وشيئيته التي سببها إهمال إنضاج المشروع الفلسفي، بصورة عامة، وللرواية الحديثة، بصفتها المتحدث الجديد الأكثر تقبلا بإسم الفلسفة، الوجودية على الأقل.
الوجه الثاني لهذه القراءة المتطرفة (هل هي فعلا متطرفة في غير فلسفيتها؟) للعناصر الروائية وإستيفاءتها هو هروب الإنسان (الانسان الملموس، بتعبير أحد الروائيين)، ومنذ القدم، إلى الأمام؛ بمعنى نبذه لفحص الحقائق التجريدية وتفضيله عليها ما يعبّر عن أحاسيسه ومساحة ما تحدثه من تأثير في الآخرين، وأثر (فلسفي) في قناعاتهم ورؤاهم.. وعندما نعالج هذه الصيغة فلسفيا فسنقول إنها عملية العودة الحميدة إلى بداهات الداخل وفضاءات الأنا، التي إزيحت بلا رحمة، وحولت إلى عدو لعدم إنسجامها مع تجريدية وشيئية الموضوعية المادية (سياسية واقتصادية).
ومن هنا، وتأسيسا عليه، وفي إزاء الهرمية العمياء التي أسست عليها حياتنا المعاصرة وقوانينها، يبرز عنصر الإستيفاء الأكثر إلحاحا، وهو إقتصاص الإنسان لنفسه من حالة عشوائية الهرمية المادية التي صادرت حريته وشيئته وأحالته إلى لعبة حجرية، وجعلته، وبإلحاح لا فكاك منه، في مواجهة السؤال الكبير: ماذا كسبت مقابل كل هذا وأنا خسرت، ومازلت أخسر حريتي ونفسي؟ ألم يمسي هذا هو غرض الرواية اليوم؟ أليس هذا هو ما طرحه برنادر شو ومن تبعه، من الكتاب البريطانيين وحتى ولادة لامنتمي كولن ولسن، عقب كارثة الحرب العالمية الثانية على أرض الثورة الصناعية؟، وأيضا في الإضافة المتنورة التي قدمها الألماني (الشرقي) غونتر ديبرون، في روايته (حمار بوريدان) على وجه الخصوص، في الحقبة نفسها تقريبا، والتي كانت كشف حساب تفصيلي لإدعاءات المنجز الشيوعي (عندما طرح نفسه كبديل حضاري وفلسفي)، والتي إختصرها بطل تلك الرواية، العضو المرموق في الحزب الشيوعي الألماني بالسؤال: ماذا حصلنا بعد كل ذلك النضال ونحن مراقبون حتى في علاقاتنا الحميمة ونقف بالطابور لساعات من أجل الحصول على زجاجة فودكا من أردأ الصناعات الروسية، يرفع بها رفيقي، في نفس منظمتي الحزبية، تقريرا سريا مفصلا عنها، من لحظة إستلامي لها وحتى لحظة رميي لغلافها الفارغ بعد نزولي من شقة عشيقتي؟
هل ولدنا محكومين بالحرية أو لنكون أحرارا، أم لنكون مجرد خراف في مزرعة تسمين دولة الحضارة الحديثة؟
وحدها الرواية التي وقفت في منتصف طريق اللاعودة لتقول: كلا! على الإنسان أن يتوقف عن خسارة المزيد من نفسه وحريته ولو ربح كل العالم في مقابلها!
هل علينا أن نذكّر دائما، أن جدينا (آدم وحواء) قد ألقي بهما في غابة، وأن أول ما خاطاه لنفسيهما كان من ورق أشجار تلك الغابة، وليس من نسيج مصانع الثورة الصناعية، التي سببت كل أصناف الأمراض الصدرية لعمالها، من أجل أن تبقي فقط، على خيوط النسيج في أحسن أحوالها للعمل؟
إذا، بعض حياة (اللامسؤولية) الحضارية، وتهديم بعض قوانين حضارة الأسلحة التي لا تخطئ أهدافها وأسلحة الدمار الشامل (والتي هي لم تمنحنا أكثر من جداران السجون الحاجبة لنور الشمس عنا والموت المجاني والعبودية لقوانين ألاعيب السياسيين والدولة الحديثة) هي من بين أهم إستيفاءات الرواية الحديثة، التي ستعيد تبييض بعض صفحات تاريخنا الملطخة بمرارات، الانسان الآلة، الذي أحالتنا إليه حضارة ما بعد الثورة الصناعية... وأيضا ستعيد وصل حبلنا السري بأمنا الطبيعة، كثقافة ووسيلة تعبير، عما لم تعبر عنه مصانع النسيج التي خنقتنا عوادمها وحجبت عنا لون السماء التي كانت تظللنا وكنا نشعر بأثرها في حياتنا.



#سامي_البدري (هاشتاغ)       Sami_Al-badri#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نزوة في آخر الزقاق
- محنة الربيع أم العقل العربي؟
- م ي ا م ... قدر أبيض
- إحتباس سياسي أم إحتباس ثقافي؟
- عندما يركب الحاكم العربي رأسه
- من يصنع الرئيس الأمريكي؟
- السقوط من فخ القداسات (الشعر بعريه القاني) قراءة في مجموعة - ...
- سياسة تصدير الأزمة
- وجهي في مرآة الحانة
- دعوة للسقوط الحر
- صديقي اللدود زوربا
- تركيا آردوغان.. قائد اسلاموي التوجه لشعب مغلق ثقافيا!
- S M S لشرفات عينيك
- مفوضية اللاجئين في الجمهوية التركية.. مؤسسة إضطهاد اللاجئين ...
- ليمامتي قامة البحر
- قراءة اللوحة بقلم رصاص
- حنين وشريعة كناياتك
- هل أنا حر؟
- قاب شفتيك... ولا أدنى!
- عبير أبيض ومناسك عبور


المزيد.....




- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سامي البدري - عناصر وإستيفاءات