أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الله عنتار - منزلنا الريفي (31)















المزيد.....

منزلنا الريفي (31)


عبد الله عنتار
كاتب وباحث مغربي، من مواليد سنة 1991 . باحث دكتوراه في علم الاجتماع .


الحوار المتمدن-العدد: 4343 - 2014 / 1 / 23 - 20:29
المحور: الادب والفن
    


مهمشون ماتوا ويموتون في صمت (1)...

ليس الموت هو أن تموت طبيعيا، بل إن الموت الحقيقي هو الموت الاجتماعي والثقافي، فحينما تنحشر وحيدا، فاقدا للمعنى والدلالة، متجرعا الوحدة والبؤس، دون اهتمام أو مبالاة ؛ تعاني الفاقة والمرض، والعجز الجسدي، مفتقدا لمساعدة المجتمع والدولة، ذلك هو الموت الحقيقي .
ليس هناك موت واحد، فكلما انحدرنا نحو القرار العميق للمجتمع المغربي، نجد هناك أشكالا خطيرة للموت، ولاسيما في مجتمع قروي مهمش، وينهمش في داخله أفراده تهميشا في تهميش ؛ إن التهميش في المجتمع المغربي عبارة عن طبقات، وكلما انحدرنا نحو الأسفل نجده متغولا ومتوحشا، يفتقد للرحمة والعاطفة والإحساس، فإذا كان المجتمع القروي مهمشا من طرف الدولة، فإن هذا المجتمع بالذات يهمش أفراده، ويمارس عليهم الإقصاء، والتصفية الرمزية، بمعنى تشكيلهم و تصنيفهم تبعا للمكانة الاجتماعية لكل واحد، ولا يتوقف الأمر عند حدود التصفية الرمزية، بل إن الأمر يصل إلى التصفية الجسدية، ويتمثل ذلك في تخلي العائلة والمجتمع عن الفرد، وعدم الاقتراب منه، ومساعدته في وضعيته المرضية ؛ إن الموت ليس هو ذاك الموت الذي نعرف، الأخطر أن تموت وأنت حي ؛ حي لكنك تحيط بك كثافة من الضباب مفتقدا للمعنى، تحس أنك محارب من طرف الجميع، والأنكى من ذلك حينما يمرض الفرد، يقولون :
" هذا عقاب من الله "
ويحددون مصيرك :
" مصيره جهنم، لأنه كان يفعل كذا وكذا ...."
(بوعزة )...
كان يقطن وحيدا في بيت إسمنتي رث، كان هذا البيت قزديريا ؛ بناه وحيدا، لقد تزوج بوعزة، وأنجب ثلاث بنات، لكنه طلق فيما بعد، وظل منعزلا يعيش حياته، لم يكن منطويا على ذاته، بل إنه من حين لآخر كان يعمل في الضيعات الزراعية شأنه في ذلك شأن جميع الشباب القروي الكرزازي، وكان يحب التنكيت ؛ الشيء الذي جعل مجموعة من الشباب يستخفون به، ويلقبونه " بالزرغميل "، وهي حشرة تسمى بأم أربعة وأربعين، وتستوطن تحت الأحجار، وغالبا ما تكون وحيدة، ولهذا تربط وحدة بوعزة بوحدة " الزرغميل "، فإذا كان هذا الأخير يفاجئ خصومه بلدغة سامة، فإن بوعزة لا ينبغي الثقة فيه، فالوحدة تصنع الخوف في عقول الناس، فعوض الثناء على بوعزة كونه يعيش وحيدا مواجها صروف الحياة، يتم الاستخفاف به، ونعته " بالكفات "، أو " بفطار رمضان "، في ماذا يعنيهم كونه " كفاتا " ؟ من لم يمارس العادة السرية في حياته ؟ من لم " يفطر رمضان " في حياته ؟ لماذا ندعي الطهرانية ؟
إن المجتمع القروي يعاني عقدة النقص، وهذه العقدة جعلت منه غولا يحوي طاقة حقدية يوزعها على المهمشين، فيتجرعون حياة أشبه بالموت ؛ ليس هناك حياة خاصة، الحياة أصبحت في ملك هذا المجتمع، بل حتى مصير الفرد بعد الحياة .
ذات يوم من أيام الخريف ؛ سقط رذاذ على أرض كرزاز، لم يذهب بوعزة لحرث أرضه، لقد انزوى في بيته، ولم يخبر أحدا بما طرأ على صحته، حتى علم الجميع فيما بعد أنه أصيب بوعكة صحية، لم يزره رفاقه، ولا حتى عائلته التي من بينها فقيه يؤم الناس يوم الجمعة، كان بوعزة بين الفينة والأخرى يخرج جوار بيته ليتشمس قليلا، لكن جسمه بدأ يطاله الهزال، فالجوع ينخره، والعطش يمحقه، تلك هي تجربة الحياة المرة، الحياة الحقيقية وأنت تواجه الموت، وهي تختلف تماما عن الحياة بين جدران المساجد حيث يطوقك الفقيه بتعويذات العذاب الأليم، الحياة الحقيقية هي في مواجهة المرض والوحدة والعزلة، وعلى ذكر الفقيه، لماذا لا يخشى هو عذاب القبر وجهنم، ويساعد إنسانيا هذا الرجل المهمش الذي يواجه صروف المرض ؟ أعتقد أنه يجد لذة في ترديد كلمات طنانة في التكفير والتطفل على حياة الناس ومصيرهم .
لم يذهب أحد ببوعزة إلى الطبيب، بل حتى الفقيه الذي اكتفى بالقول : " مصيره العذاب الأليم، لأنه لم يصلي مرة في حياته "، كيف يهتم مجتمع مهمش بفرد مهمش ؟؟! لا يمكن أن نجد اهتماما، فالهيمنة مراتب وطبقات، والذي يهيمن على الآخر يفرغه إنسانيا، فإذا كان المخزن يهمش القرية إلى حد بتر وجودها، فإن القرية تنزع عن أفرادها سماتها الوجودية من تضامن ومساعدة ...القرويون تجدهم يتملقون ويرحبنون بمن هم أكثر سموا منهم، ولاسيما الأجانب الذين يستوطنون الدوار، فتجدهم يبيعون كرامتهم كالكلاب، ويفقدون وجودهم كالدواب، إنها جماعات تلقنت العبودية، والذوبان في الأسياد .
ولد بوعزة ميتا، وعاش ميتا، ومات ميتا ؛ الصعوبة ليست في الموت، الصعوبة في الوعي بالموت، والنذالة والحقارة، وفي تدني الكرامة الإنسانية، لا أحد عرف بوعزة الإنسان، فكيف يمكن أن نعرف الإنسان ونحن نمسك بقشوره ؟ معرفة بوعزة في النفاذ إلى أعماقه، وهذا النفاذ لا يتحقق إذا لم ننفلت من حكم القيمة الذي يسجننا، فحينما نتعامل مع بوعزة ننظر إلى ملابسه وشعره ومسكنه، لكن ليس ذلك هو بوعزة، هذا الأخير شيء آخر، إنسان كامل منفتح على الممكن له وعي وكرامة وحرية ... وبالتالي علينا أن نتجاوز فكرة كونه يصوم أو لا يصوم، " يكفت "، أو لا " يكفت "، هذه مسألة شخصية مرتبطة به هو، وبقناعاته، وبالتالي نحن لسنا قضاة نبث في قضية لا تعنينا، كما هو الشأن للفقيه الذي يتطنن بكلمات، وكأنه الله يبث في قضايا الناس يوم الحساب، ليس من حق أحد تكفير أحد، وقد آن الأوان أن نقول : كفوا عن التدخل في المسائل الشخصية للناس، فعوض أن تواجهوا أيها القرويون حقدكم التهميشي لبعضكم البعض، حان الوقت لتعرفوا أن هؤلاء الذين تكيلون لهم الشتائم هم أكثر تهميشا منكم، ومن ثمة عليكم أن توجهوا نقدكم للمسؤول المباشر عن التهميش، وذلك لن يتحقق إلا عندما تضفون قيمة على بعضكم البعض، ويقترن ذلك بتأسيس جمعيات تناضل من أجل التنمية المنشودة .
منذ ذلك اليوم الذي خرج فيه بوعزة ليتشمس، لم يستطع بعد أن يخرج، لقد أصيب بشلل في الجزء العلوي من جسده، فبرح مكانه إلى أن مات، لقد قضى ما يزيد عن سنتين من الموت البطيء، فإذا كان المغاربة يموتون في وطن سدت جميع أبوابه، فما بالك بإنسان وحيد مريض بمرض عضال في قرية تفتقد لكل شيء، تفتقد للطرق والمستشفيات والعائلة والماء والخبز، وزد على ذلك هذا المجتمع المقموع اقتصاديا ومجاليا وثقافيا ومجاليا ...الذي راح ينطق من فمه العثن :
" اللي طرا لبوعزة سخط من الله حيت كان كيفطر رمضان "
كيف عرفت ذلك ؟ من أنت لتحكم عليه ؟ وإذا كنت تعرف جيدا في أمور السماء، لماذا لم يعاقب الله هؤلاء الذين فرضوا على القرية هذا العقاب اللاتنموي ؟ لماذا لم يعاقبهم على كذبهم ونفاقهم ومكرهم ؟ آه عرفت الآن، لأنك لا تستطيع أن تخوض في هذه المسائل، لأن عقلك مدجن وطفولي، وبالتالي لا تستطيع أن تخوض في القضايا الكبرى، بل إنه عقل " حكار " يحاكم، ويتهم من هم أدنى منه، ذلك هو الفصــــــــــــــام القروي .
يتبع
عبد الله عنتار / 22 يناير 2013 / واد زم – المغرب



#عبد_الله_عنتار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نحو رؤية هادئة للتملق
- منزلنا الريفي ( 30 )
- عائد إلى القرية
- حمى الاستسلام
- دروب التيه
- نشيج الكلمات
- منزلنا الريفي (29)
- منزلنا الريفي (28)
- منزلنا الريفي (27)
- منزلنا الريفي (26)
- منزلنا الريفي ( 25 )
- منزلنا الريفي (24)
- منزلنا الريفي (23)
- منزلنا الريفي (22)
- منزلنا الريفي ( 21 )
- منزلنا الريفي ( 20 )
- قناني الحياة
- شرارة وعي من داخل التيه من أجل التيه - قراءة تفكيكية في أعما ...
- منزلنا الريفي ( 19 )
- شحوب وغروب


المزيد.....




- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الله عنتار - منزلنا الريفي (31)