أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الله عنتار - منزلنا الريفي ( 21 )














المزيد.....

منزلنا الريفي ( 21 )


عبد الله عنتار
كاتب وباحث مغربي، من مواليد سنة 1991 . باحث دكتوراه في علم الاجتماع .


الحوار المتمدن-العدد: 4292 - 2013 / 12 / 1 - 15:59
المحور: الادب والفن
    


كان آباؤهم يشتغلون في هذه المزرعة ذات يوم، لكنهم هرموا الآن، كانوا يعملون في ظروف شاقة من مشرق الشمس إلى مغربها، لقد حفروا الأرض، وشقوا الطرقات، وكسروا الصخور، فغرسوا الزيتون والأشجار في أسافل وأعالي تلك المرتفعات، فتحولت إلى خضرة تعم الربوع، أما صاحب المزرعة فإنه يأتي إليها كل نهاية أسبوع للتنزه مع عائلته الفخمة . لقد شيد منزلا جميلا، وامتلك سيارة باهرة، ويقول القائلون : " لقد قام بذلك لغسل الأموال "، لكن لا أحد يدري ما إن كان ذلك يجانب الصحة أو الخطأ، فالمهم أنه اشترى أرضا من هؤلاء العمال، فأصبحوا يعملون لمصلحته مقابل بضعة قروش ؛ كانوا يشتغلون طيلة سنة أو ما يزيد، و لا يمنحهم أجرهم إلا بعد مضي أعوام وأعوام، فالبعض كان يحصل على أجره، والبعض الآخر يتم تجاهله، لقد كان يستغلهم أشد الاستغلال، فليس هناك أي عقد بينهم وبينه، و كان يفرض ذلك كشرط أولي قبل بداية أي عمل، ونظرا لظروف الفقر والفاقة والعوز والجهل والحاجة، فإن القرويين كانوا يلهثون من أجل الحصول على تلك القروش، فلم يفكروا يوما في الوحدة من أجل مصالحهم، فالعكس هو الذي كان يحصل، فكانوا يتنابزون ويتصارعون داخل العمل من أجل التقرب من رؤسائهم .
انتهى العمل، وتشظى كل شيء، ورمى صاحب المزرعة هؤلاء القرويين – الأقنان، فالبعض غامر من أجل الهجرة إلى الديار الإيطالية، والبعض الآخر فشل، لكن الملفت للانتباه أن العديد منهم ممن شاخ مبكرا، وتقوس ظهره، وفقد عافيته إلى الأبد...وخيم الحزن على سماء كرزاز .
تمر عقود وأعوام، ويتبدد الحلم الإيطالي، ويعود هؤلاء المهاجرون خائبين، فيرجعون إلى سيدهم ليشتغلوا موسميا في مزرعته، أما هؤلاء الذين شاخوا، فإنهم يرسلون أولادهم الذين غادروا المدرسة لإعادة إنتاج الاستغلال .
فشلت المدرسة نهائيا، كيف يمكن أن تنجح والتلميذ القروي يقتات على الفشل ؟ إن التلميذ يذهب إلى المدرسة، وفي دواخله الفشل، إنه فشل الأسرة وفشل المجتمع، وفشل الحلم، وعندما تفشل كل هذه الأشياء ؛ تتحول المدرسة إلى جدران تتآكل تدريجيا، لم يعد هناك فرق بينها وبين القبور التي تجاورها، إنها تنتج الأموات، فمن أربعين تلميذا دخلوا إلى المدرسة في شتنبر 1997، لم يحصل على البكالوريا سوى تلميذ واحد في يونيو 2009، أما التسعة والثلاثون الآخرون، فتساقطوا مثل من شربوا السم بجرعات متفاوتة . إن هناك علاقة وطيدة بين ذلك السيد الذي يتنزه قرب مزرعته، وبين هؤلاء الذين يتحكمون في المدرسة، ويصنعون ممارساتها، فهذا السيد الذي يستغل أبناء الفقراء – الأقنان، والذين فرض عليهم التجهيل بسبب مغادرتهم للمدرسة، أرسل أبناءه إلى مدارس البعثة الفرنسية لينجحوا ويهيمنوا على مقدرات البلد، نفس الشيء بالنسبة لهؤلاء الذين يتحكمون في المدرسة، فلو كان فشلها يعنيهم، ويعني مستقبل أبنائهم، لوجدوا لها الحلول الممكنة لتخرج من موتها وتعانق الحياة .
إن الفشل سياسة تمارس السياسة على هؤلاء الذين فرض عليهم وفق آليات التجهيل بالاعتكاف عن السياسة، ومن ثمة إن الفشل فشل وجودي وتاريخي يعاد إنتاجه على الدوام من طرف النظم التنشئوية، فهؤلاء الآباء الذين اشتغلوا لمصلحة أسيادهم ورثوا العبودية من آبائهم وأجدادهم الذين باعوا الأرض لأسيادهم، فلو أرادوا الحرية لما باعوها، فالذي يبيع أرضه يبيع حريته، والذي يفقد حريته يفقد كافة حقوقه ويستباح جسده، ويتعرض لأبشع الاستغلال .
ذات صباح شيع جثمان طفل، لأن زميلا له في العمل هوى عليه بفأس ؛ يا ترى من المسؤول إذن ؟ تبكي النساء، تنشج العجائز، وفي الجموع رأيت عجوزا يحدق في مكان قرب القبر . المقبرة أصبحت حياة المعذبين في الأرض، أما الحياة فجحيم لا يطاق ...
عبد الله عنتار – الإنسان - / 30 نونبر 2013 / بني كرزاز – بنسليمان – المغرب



#عبد_الله_عنتار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- منزلنا الريفي ( 20 )
- قناني الحياة
- شرارة وعي من داخل التيه من أجل التيه - قراءة تفكيكية في أعما ...
- منزلنا الريفي ( 19 )
- شحوب وغروب
- منزلنا الريفي ( 18 )
- منزلنا الريفي ( 17 )
- منزلنا الريفي ( 16 )
- دموع حبيبتي
- منزلنا الريفي ( 15 )
- الغروب
- منزلنا الريفي ( 14 )
- منزلنا الريفي ( 13 )
- المواطن - شعيبة - ( 3 )
- زوابع وخريف
- من واد زم إلى زحيليكة : رحلة في ثنايا الريف
- ذكريات...أمواج متلاطمة ...يونس...المهدي
- كابل
- المواطن - شعيبة - ( 2 )
- المواطن شعيبة


المزيد.....




- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الله عنتار - منزلنا الريفي ( 21 )