أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الله عنتار - منزلنا الريفي (28)















المزيد.....

منزلنا الريفي (28)


عبد الله عنتار
كاتب وباحث مغربي، من مواليد سنة 1991 . باحث دكتوراه في علم الاجتماع .


الحوار المتمدن-العدد: 4318 - 2013 / 12 / 27 - 22:53
المحور: الادب والفن
    


العودة عودتان، عودة في الطفولة، وعودة في الشباب، ينغمر الإنسان في بركة المجتمع، ويفقد وجوده، ولكن حين يستفيق يدمر النظام، ويخلخل القوانين ويفكك الأوصال، ويقوض المسار .
*****************
عدت في ذلك اليوم وأنت طفل، فوجدت قريتك كالأرنب، ومن حولها صقور تغرز فيها مخالبها، أما على الأرض، فتسيل دماء متجمدة، إنها دماء الفقر والأمية والتخلف، لم تكن دماء طاهرة، بل دماء متعكرة بالسياسات التنموية الفاشلة، فعوض أن تقدم مساعدة للفقراء القرويين ؛ راحت تساعد الأغنياء لشراء الأراضي من القرويين، والقذف بهم نحو بؤس المدينة .
*****************
في أرضنا باع القرويون أراضيهم بأثمنة بخسة لقاء سد الجوع، أما الآن هذه الأرض تقدر بأثمنة يعجز العقل عن تصورها ؛ لماذا ؟ لأنها خرجت من منطقة الفقر، لتدخل منطقة الغنى، فالفقر سمة الفقراء، والغنى سمة الأغنياء، إن أبناء الأغنياء يتربون على الغنى، أما أبناء الفقراء، فينقذرون بالفقر، فهل من سبيل للثورة على الفقر انطلاقا من أفقر نقطة في هذا المجتمع ؛ ألا وهي العالم القروي ؛ هناك ينقذر الفرد بالتهميش، والدونية، والبؤس، والتخلف...وهلم جر ؟ فلا يكفي أن يشخص المرء الأوضاع فقط، بل لابد من النقد، والمساهمة في التغيير .
******************
عدت ذات صيف في عز الشباب، كنت راجعا من الجامعة، هضمت أفكارها، استوعبت مبادئها، تلقنت دروسها، تعددت أسماءها، لكن اسما واحدا لم يفارق ذاكرتك، إنه النقد، الجامعة مدرسة في النقد والتقويم، وخلصت أيضا أنه بدون جامعة يموت الإنسان، ويتلاشى المجتمع، ويحل الظلام، وتسكن الأشباح، ويسود الخوف، لكن ما كانت الجامعة ملاذا للخوف، الجامعة تعلمك أن ترفع صوتك عاليا ضدا على الخوف، وتحثك على تكسير جدار الصمت، وإخراج الموتى من قبورهم، وبث الحياة في أجسادهم ؛ هذا ما علمتك الجامعة إياه ؛ لقد علمتك أن المدرسة هي النور، وأن رقيها رهين بخدمتها للشعب في الشعب من الشعب، لا أن تفرض عليها الوصاية من فوق، بل لابد من تعليم شعبي، لا أن يفرق بين هذا وذاك على أساس الطبقة الاجتماعية، فليس مقبولا أن يكون هناك تمايز بين مدرسة النخبة، ومدرسة المهمشين، بين مدرسة فرنكفونية مدرسة أربفونية، بين مدرسة ترسل أبناءها لتقلد المناصب، وبين مدرسة ترسل أبناءها للشارع، يا له من تمايز يفيد أن المدرسة هي آلية لإعادة الإنتاج الاجتماعي، فالمهمش يرث التهميش، والمحظوظ اجتماعيا يرث الحظ .
*******************
قرب المدرسة تنحرف سيارة، ناصعة البياض، قوية العجلات، مفرطة السرعة، وخلفها يتطاير الغبار، تتجاوز المدرسة، سرعان ما تصعد في العقبة المتاخمة لها، لا تبالي بالأحجار، ولا بهشاشة الطريق المتربة، تقتحم منطقة " فدان ضبعة "، وبين الحين والآخر تتعرج بين نبات السدر، ونبات الدوم . داخل السيارة يتواجد شاب يرتدي نظارتين، ولباس فاخر، إنه يسوق سيارته بلذة ونشوة كبيرتين . يقال أنه درس في ثانوية ليوطي بالدار البيضاء، وأتمم دراسته في معهد يسمى بالقناطر، وها هو الآن يتقلد منصبا في وزارة المالية ؛ إن اليوم يوم الأحد، وها هو يعود للريف ليشم هواءه، لكن لم يفكر يوما في تصريف جزء من الميزانية خدمة للريف، فهذا الأخير لا يعدو كونه فلكلورا، غير أنه يتناسى أن طاقات الريف من شباب ورجال ونساء هم من ناضلوا من أجل الاستقلال ؛ من قاد حركة الفداء ؟ من تصدى لجحافل المستعمرين ؟ لكن هذا لا يعرف كل هذا، لأنه درس في فرنسا، والمستعمر لا يعلم أبناء المستعمرات كيفية الثورة عليه، بل يعلمهم كيف يخدمونه، ويدافعون عن مبادئه، وبالتالي فهذا الولد الوسيم لا يعرف أن هذه الأرض دكت بالقنابل، وأهرقت بالدماء، ونصبت شواهد الموتى لكي يتحرر هذا الوطن، وأن يكون في خدمة جميع أبنائه، إنه يعرف كيف يأخذ الصور، وأن يبث الغبار على منازل القرويين، وأن يخيف مواشيهم، ناهيك عن شراء أراضيهم، والدفع بهم نحو سجن المدينة، في هوامشها وكوالحها، أما هو فيسكن في أفخم فيلاتها، ويعمل في أحسن مكاتبها، ثم يوهمهم بترك فسحة القرية وأوكسجينها مقابل بضعة قروش .
*****************
أيها القرويون، فلتستيقظوا ! أخرجوا من غبنكم ؛ من بلادتكم ؛ من سذاجتكم ! من تكلسكم الفكري، ومن جمودكم العقلي، القرية قريتكم، فلا تبيعوا الأرض، لقد أفلست المدينة، ومستقبلكم موجود في القرية، فلتتصدوا للفيروس الذي يلاحقكم، فلتنتفضوا من أجل التنمية .
*****************
من أنا ؟
أنا اسمي الطاهر ؛ رجل أمي ؛ غادرت المدرسة في سنواتي الدراسية الأولى، لم تكن تعجبني، كانت مقرراتها بعيدة عن واقعي القروي، فأنا راعي للأغنام، ولست راعيا كرعاة البقر ( الكوباي )، بل كل ما في الأمر أنني أرعى بضع نعجات، بعض منها يستمر سنة أخرى، وبعض آخر يموت عند حلول الخريف، فتنهال عليه أنياب الكلاب . هذا هو أنا . لم أجد ذاتي فيما كنت أدرسه، فمازلت أذكر قانون الأضواء الثلاثة، مع العلم أن قريتنا تفتقد للطريق المعبدة، ناهيك عن ذلك الفلاح الذي يملك الأراضي والجرارات والحصادات، من في قريتنا يملك كل هذا ؟ نحن لسنا إلا رعاة في صراع مسهب مع الحياة، فإذا جاءت شمس قضت علينا وعلى ماشيتنا، أما الأمطار فلا حديث وحرج، زد على ذلك قلة المراعي نظرا لتوسع البورجوازية المدينية .
لكن الذي لا يفهم أبدا هو تلك الفتاة التي كانت تسرد قصة حياتها في كتاب المطالعة، فعندما أقارن بيني وبينها كمن يقارن بين التبن والذهب، صحيح هذا، فمنذ أن بدأت ذاكرتي تشتغل، والتبن ملاصق لملابسي حتى أن الأستاذ كان يقول لي : " ت مالك كنتي كتمرمد "، أما هي التي كانت تستحوذ على المطالعة، فوجهها كان ناصعا كالذهب، وملابسها أنيقة، وجسدها رشيق، وشعرها أشقر طافح بالحياة . كان الأستاذ يشرح، بينما أنا كنت سابحا في عوالمها، وغارقا في جسدها، مغرقا في أردافها، لا تهمني حياتها، فحياتها هي حياة البورجوازيين، أما حياتي أنا، فهي حياة الكادحين، ولكن بحلمي كنت أكسر الأصفاد وأحطم الجدران ...
*****************
يسأل الطاهر :
" ماذا أعمل الآن ؟
ماتت النعجات، أكلتها الكلاب، فأصبحت كلبا، مهمتي هي حراسة سيدي، ذلك الشخص الذي يقود السيارة الفارهة، إنه يطيب لي أن أستنشق غبارها، وهو يتناثر على منازل القرويين، فإذا كان ضارا لهم، فهو مفيد لي، لأنني كدت أموت جوعا في خريف كان ينهال علي كالسوط، أما الآن، فإنني أحس بلذة لا مثيل لها، فلا إرادة لدي سوى إرادة سيدي، فحينما يريد هو، أريد أنا، وحينما يعود إلى فيلاته، كأنني أنا الذي عدت، ولما ينثر الغبار على القرويين، فإنني أنتقم منهم، لأنهم أورثوني مرضا عضالا اسمه : الفقر، وعلموني حرفة اسمها : رعي الأغنام ؛ تبا لكل هذا، فأنا مرتاح قرب الفيلا، صحيح أنني لا أدخل إليها، ولكن أستطيع أن أتخيل عوالمها، وأشم رائحتها، أما وأنا لست كلبا ؟ كلا إنني كلب، ومهمتي هي الشم، والشم نوعان : شم ما يجري في الفيلا، وشم أخبار القرويين، والضحك على بكائهم ".
يصرخ الطاهر، وهو مربوط من عنقه قرب باب الفيلا : " أنا لست راعيا ؛ أنا لست قرويا، أنا هو سيد الفيلا ..أنا أنا أنا ..."
يأتي سيده، يشم الغبار، فيقول : " هو هو أنا هو أنا هو هو..."
يتبع....
عبد الله عنتار – الإنسان/ واد زم – المغرب /27 دجنبر2013



#عبد_الله_عنتار (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- منزلنا الريفي (27)
- منزلنا الريفي (26)
- منزلنا الريفي ( 25 )
- منزلنا الريفي (24)
- منزلنا الريفي (23)
- منزلنا الريفي (22)
- منزلنا الريفي ( 21 )
- منزلنا الريفي ( 20 )
- قناني الحياة
- شرارة وعي من داخل التيه من أجل التيه - قراءة تفكيكية في أعما ...
- منزلنا الريفي ( 19 )
- شحوب وغروب
- منزلنا الريفي ( 18 )
- منزلنا الريفي ( 17 )
- منزلنا الريفي ( 16 )
- دموع حبيبتي
- منزلنا الريفي ( 15 )
- الغروب
- منزلنا الريفي ( 14 )
- منزلنا الريفي ( 13 )


المزيد.....




- بعد زيارة ويتكوف.. هل تدير واشنطن أزمة الجوع أم الرواية في غ ...
- صدور العدد (26) من مجلة شرمولا الأدبية
- الفيلم السعودي -الزرفة-.. الكوميديا التي غادرت جوهرها
- لحظة الانفجار ومقتل شخص خلال حفل محمد رمضان والفنان المصري ي ...
- بعد اتهامات نائب برلماني للفنان التونسي بالتطبيع.. فتحي بن ع ...
- صحف عالمية: إنزال المساعدات جوا مسرحية هزلية وماذا تبقّى من ...
- محللون إسرائيليون: فشلنا بمعركة الرواية وتسونامي قد يجرفنا
- فيديو يوثق اعتداء على فنان سوري.. قصوا شعره وكتبوا على وجهه ...
- فيديو.. تفاصيل -انفجار- حفلة الفنان محمد رمضان
- جواسيس ولغة.. كيف تعيد إسرائيل بناء -الثقافة المخابراتية-؟


المزيد.....

- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الله عنتار - منزلنا الريفي (28)