أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الله عنتار - منزلنا الريفي ( 30 )















المزيد.....

منزلنا الريفي ( 30 )


عبد الله عنتار
كاتب وباحث مغربي، من مواليد سنة 1991 . باحث دكتوراه في علم الاجتماع .


الحوار المتمدن-العدد: 4338 - 2014 / 1 / 18 - 23:37
المحور: الادب والفن
    


" حديدان " في الأسطورة الكرزازية

ما المقصود " بحديدان " ؟
يعتبر " حديدان " رمزا، بمعنى ليس له وجود فعلي وعياني، أي أنه ليس شخصا بعينه، بل يتعلق بالمجتمع ككل، ومن ثمة فالرمز إنتاج اجتماعي يخلقه المجتمع للتعبير عن مجموعة من العلاقات والقيم، ولهذا يمكن أن نقول : أن الرمز هو تعبير متعال عن المجتمع، لكن يحايث مجموع علاقات أفراده دون أن يتعلق بواحد من أفراده .
ما علاقة الرمز بالأسطورة ؟
الأسطورة تعبير شفوي مليء بالعبر والدلالات، لكنها لا تشتغل إلا بالرمز، فعن طريق الرموز تشتغل الأسطورة، فالرمز هو الذي يعبر عن هذه القيمة أو تلك، فهذه القيمة تعبر عن الخير، وتلك ترمز إلى الخنوع، وأخرى إلى الثورة ...و ما إلى ذلك، كما أن الرمز يجعل من التفكير الأسطوري متعاليا، وساريا على الأفراد، كما يجعله طافحا بالدلالات والعبر .
هل الكرزازيون يفكرون تفكيرا أسطوريا ؟
لا يخلو أي مجتمع من التفكير الأسطوري ؛ المجتمع الكرزازي شأنه في ذلك شأن جميع المجموعات التي تشكل المجتمع المغربي، هو مجتمع مركب ؛ تتعايش فيه كافة الأنماط الاجتماعية على مستوى التفكير والممارسة، إضافة إلى كونه مجتمعا أبويا، فهو مجتمع قبلي ويتمثل ذلك في وجود بعض الأراضي المشاعية التي تتعايش مع الملكية الخاصة، لكن ذلك يختفي بخضوعه للوصاية المخزنية - الأبوية – الدينية، وانطلاقا من الملاحظة الظاهرية يبدو هذا المجتمع فاقدا للتفكير الأسطوري، بل الذي يستحوذ عليه هو التفكير الديني الموجه من طرف المخزن كالتردد على المساجد، وأداء الفروض الدينية، ناهيك عن متابعتها في الشاشة والهاتف ؛ على الرغم من كل هذا ؛ يبقى هناك تفكير عميق يتسم بطابع الرفض، وهو التفكير الأسطوري، فالمجتمع شفوي، يؤمن بالعين والحسد والقدر، كلها تجليات للتفكير الديني، الشيء الذي يفيد أن التفكير الديني بطابعه الخنوعي يغطي على البنية العميقة لهذا المجتمع، بيد أن الملفت أن هناك ما يسمى بالخبير "، فنادرا ما يظهر، وهو متكلس وعميق في البنية اللاشعورية، إلا أنه يتجلى في ممارسات الناس حتى لو لم يكن هناك وعي بذلك، وفي هذا الإطار سنقوم بدراسته قصد فهم حقيقة هذا المجتمع، ويتعلق الأمر " بخبيرة دال حديدان " التي كنا قد التقطناها من امرأة كرزازية، فهذه " الخبيرة " هي نداء أسطوري ثاوي في اللاشعور الكرزازي، بمعنى أنه يخبرنا عما يجول في المكبوت والمنسي في هذا المجتمع، فما القصدية التي يحملها رمز " حديدان " في المجتمع الكرزازي ؟ أي دور منوط به ؟ ما هي علاقته بالرموز التي يتفاعل معها داخل الحبكة الخبرية ؟ وما هو المآل الذي ينتظره ؟ هل هو المجتمع الكرزازي هنا يسكت ليعبر عن نفسه بغير نفسه ؟
تحكي الرواية الشفهية الكرزازية :
" أنه كانت هناك " غولة " ذات أسنان حادة، وكانت تملك هذه " الغولة " أتانا ( حمارة )، غير أنها لما كانت تتوجه صوب أشجار الكرم كانت تجد " حديدان " متسلقا فوقها، فكان يستولي على الثمار الناضجة، وبينما هي كانت تحثه على مدها بالثمار نظرا لكونها لا تستطيع التسلق، كان يرشقها من فوق بالثمار البوار إلى حد أنها فقدت عينها .
كان " حديدان " يوهمها بالثمار الناضجة، بينما هي لا تحصل إلا على البوار، وحينما تنزل من أتانها لا تعرف أين تذهب، كان هو يمتطي الأتان، ويتركها تفترس الثمار البوار " الخامجة " .
أغاضت هذه التصرفات " الغولة "، وراحت تبحث عن وسيلة تخول لها التخلص من هذا الماكر " القوالبي " الذي حرمها من الثمار " الكرموص "، ثم فقدان عينها، ناهيك عن امتطاء أتانها، وها هي تتوجه نحو فتيات راعيات، وتأمرهن بالبحث عن العلك للإيقاع "بحديدان "، كما هددتهن بأكلهن إذا لم يعثرن عليه، المهم هو إيجاده بأية طريقة كانت، وإلا هن والأغنام سيصبحن في خبر كان .
بعد جهد جهيد، استغرق أياما وشهورا عثرت الفتيات على العلك، لكنهن لم يستفدن من شيء، اللهم فقدان عدد من الأغنام والدخول في مماحكات مع " حديدان " .
وضعت " الغولة " العلك على الأتان، وفي الوقت الذي هبط فيه من الكرمة، صعد فوق الأتان، فالتصق على ظهرها، ولم يستطع النزول، فما كان من " الغولة " سوى أن قبضت عليه .
هل التهمته ؟
لم تلتهمه لأن " حديدان " أقنعها بالقول :
- كما ترين، جسدي نحيف، أرى أنه من الضروري أن تأتيني بالعلف حتى أسمن، بعدها يحق لك أن تأكليني " .
ردت عليه :
- كيف أعرف أنك سمنت ؟
عقب عليها :
- حينما أخرج لك الإبرة، فأنا مازلت نحيفا، ولكن لما أخرج لك المخيط، يومئذ سأكون قد سمنت، ومن ثمة يجوز لك أن تأكليني .
عاش " حديدان " في كنف منزل " الغولة " شهورا، ففي بعض الأحيان كانت تراقبه هي، وفي أحيان أخرى ابنتها، وذات يوم أخبر " حديدان " " الغولة " أنه سمن، ففرحت كثيرا، وذهبت عند أهلها تخبرهم بالمجيء قصد الاحتفال، فتركت " حديدان " في عهدة ابنتها، لكن " حديدان " أخذ السكين، فذبحها، وعمل على طهيها، بينما هو ارتدى ملابسها، وتقنع بشخصيتها . وفي الوقت الذي أتى فيه الضيوف، خرج " حديدان مقنعا، وراح يسلم عليهم، لكن ما إن يسلم على واحد حتى يعضه، فيرد أحدهم :
- ت مالك أختي الغولة بنتك ما كتعرف تسلم .
فترد الغولة :
- مديوش عليها مسكينة ر مكتعرفش تسلم .
دخل الضيوف، فتناولوا وجبة الاحتفال في جو بهيج ملؤه السرور والفرح، لكن لما غادر الضيوف، أخذ " حديدان " المفاتيح، وغير ملابسه في وقت خرجت فيه، فأغلق الباب وصعد إلى أعلى المنزل قائلا :
" وااا هي الغولة ؛ واهي العمية ؛ راك كلتي غير بنتك "
لم تتمالك " الغولة " نفسها، وراحت تنطح رأسها مع الجدار، فأغمي عليها حتى ماتت، فتشكلت في مكان موتها عين تنضح بالحياة ".
إلى ماذا يرمز " حديدان " ؟
يرمز إلى الرفض والجموح، والتحلي بالبسالة في مواجهة النوائب التي تحيق به، وهنا يشير إلى المهمة التي يضطلع بها كل رافض للسلطة التي تمارسها الدولة ( المخزن )، فهو يدل على المثقف الملتزم الذي ينتقد غياب العدالة في مجتمعه كما يرفض التمييز الطبقي والمجالي، ولا يخفى في هذا الصدد أن القرية كحيز تهميشي أنتج رمزا غاية في التجريد ليكون نبراسا للثائرين والملتزمين حيال أوضاع مجتمعهم البئيسة والحالكة، ويبقى " حديدان " رمزا حيا للثورة على سلطة العادة التي تسعى إلى تأبيد علاقات اجتماعية، وشرعنتها . إن " حديدان " قد يشير أيضا إلى المقاومين والمبدعين الذين ينتجون آليات وحيل تقيهم عادات بائدة، لكنها تسجنهم داخل قفص وفق طقوس معينة .
إن القصدية التي ينضح بها رمز " حديدان " هي قصدية تنحو نحو الواقع، فليس للرمز معنى إذا لم يتوجه نحو الواقع، إذن ما القصدية التي يتضمنها داخل الواقع الكرزازي ؟
المجتمع الكرزازي مجتمع فلاحي، بمعنى أنه يعتمد على الرعي، وكذلك الزراعة البورية، كما أن الأرض التي يستوطن فيها هي سهلية، ناهيك عن كون التربة خصبة، إذن يمكن القول أن المحاصيل في غالب الأحيان تكون وفيرة، ولا يخفى في هذا الإطار أن أعين المخزن تراقب كل كبيرة وصغيرة، ومن ثمة تتحرك لجبي المكوس والضرائب، ثم إن عملية الجبي يكون فيها الشطط إلى حد تجريد القرويين مما يمتلكونه، وتركهم يتجرعون الجوع والفاقة، لكن ما علاقة " حديدان " بما ذكرناه ؟
إن هذه " الخبيرة " إنتاج اجتماعي فوقي يوازي الإنتاج التحتي الزراعي ؛ أنتجه الكرزازيون، ولقنوه لأبنائهم عبر التاريخ ليكون مصدا لمواجهة الجوائح والشطط الذي يمارسه المخزن ؛ إن آلية " حديدان " تتضمن المكر " القوالب "، والشجاعة والبسالة في مواجهة الأخطار، سواء على المستوى المادي أو الرمزي .
يتجلى المستوى المادي في المروس، ويقصد بها المخازن، فما يتم تحصيله في نهاية الموسم؛ يتم في المخازن، وأبرز مثال على ذلك : المروس التي تقع جنوب الدوار ؛ إن الهدف من وضعها هو تعمية جشع المخزن، وإذا رجعنا إلى " الخبيرة "، فنجد أن " حديدان " هو الأول من تسلق الشجرة، فإذا كانت هذه الأخيرة هي منبع الحياة، فإن الأرض هي التي تعطي الحياة أيضا، وهنا " حديدان " ( الكرزازيون ) سبق الغولة ( المخزن )، بل أكثر من ذلك يتعالى عليها، ويرشقها بالثمار البوار، بمعنى أنه يكذب عليها، ثم يسدد إليها ضربة قاضية تجعلها لا ترى شيئا، ومن ثمة لا تعرف الطريق نحو المروس .
لا تتوقف شجاعة " حديدان " عند هذا الحد، بل تتعداه إلى المس بشرعية ما تمتلكه " الغولة "، وها هو يستولي على " الحمارة "، وإن من يملك " حمارة كرمز للغنى في عالم قروي يسكنه الجوع والحاجة يعتبر غنيا، ناهيك عن هذا إن المخزن وهو المعنى الذي تتضمنه " الغولة كان يجرد القرويين حتى من ملابسهم، وهنا ينتفض " حديدان " كرمز للثورة، ويعيد ما أخذه المخزن، وهو فعل يعتبر من الأفعال الناذرة التي عرفها التاريخ، فالمخزن كان ومازال هو الظالم والمتعسف والجبار، كان كالعاصفة الهوجاء تمزق الخاضعين والثائرين، لأنه نظام تأسس على الريع، أي جني أرباح وفوائد من جهد الآخرين .
يسجل التاريخ الرسمي أن قبائل الشاوية كانت مهادنة للمخزن، لكن هذه مغالطة تاريخية، فالذي يهادن المخزن هو أسطوانة مبحوحة، أما الإنسان فهو يريد أن يعيش حرا – أبيا غير خاضع لوصاية الآخرين ؛ يريد أن يعيش من عرقه وجهده، فالمخزن حتى وإن كان يدعي أنه دولة، فهو ليس دولة بالمعنى الحديث للدولة، فهذه الأخيرة عبارة عن مؤسسات، وتضطلع هذه المؤسسات بصنع المواطن، وتربيته على حقوقه وواجباته، فإذا أخذنا الضرائب على سبيل المثال، فأعلى هرم في جهاز المخزن عليه أن يدفع الضرائب شأنه في ذلك شأن أي مواطن آخر، وإذا عدنا " للحمارة " التي تمتلكها " الغولة " كرمز للريع والثروة التي يملكها المخزن، فهي غير مشروعة، وأخذها غير مشروع من ممتلكات القرويين، والمخزن هو المعني الأول بدفع الضرائب إن كان يعتبر نفسه دولة بمعناها الحديث .
إن الدور الذي تلعبه هذه الخبيرة " دورا محوريا في تكسير تعويذات التاريخ الرسمي الذي يلقن بالمدارس، ومن ثمة فهذه دعوة لتلقين القرويين ما أنتجوه ليفهموا تاريخهم، لا تاريخ من يهيمنون على خيرات البلاد، إن هذه المحاولة التي قمنا بها هي بادرة لتكسير الأوثان، وتحطيم الاستلاب الذي ينضوي تحته أبناء الشعب، فما يدرسه الشعب ليس شعبيا، إنه إنتاج مخزني الهدف منه هو التعمية والتضليل لتأبيد الأوضاع الطبقية، والحيلولة دون تبلور الوعي، والأمر هنا ينطبق على كافة المجالات من فن وغناء وسنيما وتعليم وصحة وعلم ...و يمكن أن نسمي ذلك بالتفقير المادي والرمزي .
ما هي الآليات التي يتم توظيفها لممارسة التفقير ؟
إن الآليات التي يتم توظيفها لممارسة التفقير تبرز في هذه " الخبيرة " ؛ " غولة ذات أسنان حادة " ؛ المخزن هنا يوظف القوة للإخضاع والسحق والتدمير، فهو يحصل على ما يريده بالقوة، لكن هل السيطرة بالقوة وحدها ؟ لم يستعمل المخزن القوة وحدها، بل استعمل كذلك الإرهاب الرمزي القائم على التهديد والوعد . لقد كان يتغلغل في القرويين، فيقسم إياهم إلى جماعات وشيع بين تابع ورافض، حتى يضيق الخناق على الثائرين، وفي هذه " الخبيرة " نجد الخوف الذي استحوذ على الراعيات، فذهبن للبحث عن العلك لوضعه على ظهر " الحمارة "، والإيقاع " بحديدان " ؛ إن العلك لا يشير إلى العلك الذي نعرف، فلابد من فهم الأمور رمزيا، إنه قد يشير إلى " التبركيك " والعمالة و " التحنزيز " و " توصال الهدرة "، وهو العمل الذي يقوم به المقدم باعتباره أكبر خائن لبني جلدته، وتبقى هؤلاء الراعيات رمزا للجبن والخنوع والعمالة، لكن عملهن الدنيء لم يفيدهن في شيء حسب " الخبيرة "، اللهم أنهن فقدن أغنامهن، وفيما بعد لم تتكلم عنهن " الخبيرة "، لأنها تعرف أنهن " عايشين عيشة الذبانة في البطانة "، شأنهن شأن شعب مستعبد تنخره التكاليف والضرائب المخزنية .
ينطبق رمز " حديدان " على الكرزازيين الذين ثاروا ضد الإقطاع الجديد عقب الاستقلال السياسي سنة 1956، فتجندوا كاليد الواحدة، واستردوا أرضهم المستلبة من يد إقطاعي يدعى " اشتوكي "، وينضاف هذا العمل الثوري إلى معركة " الفخاخة " التي أطاحت بجحافل المستعمرين، لكن رمز الراعيات يحيل إلى الجبن والعبودية التي تسكن هذا الدوار، فبيع الأراضي لإقطاعي يسمى بالجامعي سنة 1987 يعتبر ردة عبودية، وأكل ثمنها حوتا في السوق يعتبر تصرفا حيوانيا، والعمل في ضيعاته دون ضمانات اجتماعية وصحية يعتبر أشبه بعمل الأقنان، زيادة على استلام الدقيق باعتباره فعلا تسوليا ينخر الكرامة القروية .
وما ينبغي الإشارة إليه هنا، " فخبيرة " " حديدان " حية في الواقع الكرزازي، وفهمها هو فهم للعلاقات التي تحكم هذه المجتمع، صحيح أن الثورة غابت، لكن الجبن حاضر، لكن حضوره لا يعني غياب الثورة، لكن يسيطر عليها فقط، فالإنسان حتى وإن استكان، فهو لا يموت، ومن جهتنا كمثقفين ملتزمين علينا أن نغني على أوتاره تحقيقا لإنسانيته الكاملة تاركين الجبن تلتهمه النار .
بعد العمل الذي قامت به الراعيات، تمكنت الغولة من إسقاط " حديدان " في الفخ، هل كان مصيره الموت ؟ هل من يسقط في فخ المخزن يموت بالضرورة ؟ أشرنا سابقا أن المخزن لا يستعمل القوة وحدها، بمعنى يمهل ولا يهمل، ولهذا يعتبر نفسه ظل الله في أرضه، ومن ثمة يستعمل التمثيل بالضحايا، كما يستعمل العفو ؛ إن هاتين الطريقتين أكثر عنفا من العنف الذي تمارسه القوة المادية، إنه العنف الرمزي، " فالغولة " كرمز للمخزن، استمعت إلى مكر " حديدان " كرمز للشعب الثائر، لكن لن تسمح له دون مقابل، فهي ستوظف العنف الرمزي لتحقيق مكاسب ما كان تحقيقها ممكنا بالقوة المادية، إنها ستفرض الموت التدريجي على " حديدان "، ولهذا نجد عبارة : " لم تلتهمه "، لقد مارس عليها المكر، وهي لا تريد أن تقضي عليه من اليوم الأول، لأنها إذا فعلت كمن قتل ذبابة، بل هي تريد أن تتركه عبرة لمن يعتبر، وهناك ستتركه سجينا يتعاطى للعلف كالحيوانات المهيأة للذبح، ومن ستخور نعرته الثورية، وجموحه الرافض، فعوض أن يظل ابن الطبيعة البار، سيصبح داجنا كالكلاب، وهو السلوك نفسه الذي كان يسلكه المخزن ضد خصومه كما هو الشأن لبوحمارة الذي شنع به أبشع تشنيع، وترك في الأخير عرضة للأسود .
غير أن " حديدان " سيوظف المكر، لا ليتدجن، ويموت تدريجيا، بل إنه سيصبح مهلة للانقضاض على " الغولة "، وها هو يخبرها أنه سمن، بمعنى أنه أصبح خاضعا لها، أي ذائبا في إرادتها، فاقدا لشخصيته، حاثا إياها على أكله، وموته . إن التدجين هو أكبر أداة يوظفها المخزن للإيقاع بخصومه، وهو أكبر موت، وأخطر من الموت الطبيعي، فالمخزن يوظف الريع لشراء خصومه، وهو نصر وعبرة، ناهيك عن العنف الرمزي في بعض الأحيان الذي يتحول تدريجيا إلى الموت الطبيعي، فيشكل عبرة لمن يعتبر، لكن " حديدان " كرمز للشعب الثائر حسب هذه " الخبيرة ، سينفلت من التدجين، وما عملية " ذبح ابنة الغولة " سوى تعبير عن قتل شجرة المخزن، فالأسطورة لا تتضمن الخنوع، فهي ثورية، " فحديدان " سينفلت من رقابة " الغولة "، ويعتبر استدعاء الضيوف إشارة إلى توسيع قاعدة المخزن، لكن الذبح يقتل كل شيء، ويزيد من هذا تقمص شخصية ابنة " الغولة " الذي يعني أن التغيير موجود في كنف المخزن، فهذا الأخير كنظام ريعي مصيره الزوال، وأن عهد الإنسانية انبثق على اعتبار أن المخزن يأكل نفسه بنفسه، فهو يستهلك أكثر ما ينتج، وتمدده على حساب الفقراء سيؤدي بهم نحو الثورة عليه، وما رمز " حديدان " سوى دليل على نشدان التغيير من طرف جموع القرويين المفقرين وعيا وثقافة، لكن في لا شعورهم تثوي أسطورة تتضمن الأفق الذي ينشدونه، إنه أفق المواطنة والإنسانية

عبد الله عنتار / واد زم / 17 -01-2014



#عبد_الله_عنتار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عائد إلى القرية
- حمى الاستسلام
- دروب التيه
- نشيج الكلمات
- منزلنا الريفي (29)
- منزلنا الريفي (28)
- منزلنا الريفي (27)
- منزلنا الريفي (26)
- منزلنا الريفي ( 25 )
- منزلنا الريفي (24)
- منزلنا الريفي (23)
- منزلنا الريفي (22)
- منزلنا الريفي ( 21 )
- منزلنا الريفي ( 20 )
- قناني الحياة
- شرارة وعي من داخل التيه من أجل التيه - قراءة تفكيكية في أعما ...
- منزلنا الريفي ( 19 )
- شحوب وغروب
- منزلنا الريفي ( 18 )
- منزلنا الريفي ( 17 )


المزيد.....




- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...
- هاجس البقاء.. المؤسسة العلمية الإسرائيلية تئن من المقاطعة وا ...
- فنانة لبنانية شهيرة تكشف عن خسارة منزلها وجميع أموالها التي ...
- الفنان السعودي حسن عسيري يكشف قصة المشهد -الجريء- الذي تسبب ...
- خداع عثمان.. المؤسس عثمان الحلقة 154 لاروزا كاملة مترجمة بجو ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الله عنتار - منزلنا الريفي ( 30 )