أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - نور الدين بدران - تحية إلى حكم البابا ويعرب العيسى و أساتذتهما......















المزيد.....

تحية إلى حكم البابا ويعرب العيسى و أساتذتهما......


نور الدين بدران

الحوار المتمدن-العدد: 1235 - 2005 / 6 / 21 - 11:32
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


"الجديّة درع الأغبياء"/مونتسكيو

نعم السيد حكم البابا حاقد على الفساد واحتقار الناس وإذلالهم،فمن يرى الفساد وما يستتبعه وطناً، فلا شك يمكنه أن يعتبر البابا حاقداً على الوطن، وهذه مأثرة أولى للبابا الحاقد الذي يشاركه فيها غالبية الوطن الآخر.
والسيد يعرب العيسى يعبر عن الحقد نفسه بسخرية أخرى خاصة به، ولاشيء في الأدب يضاهي السخرية،وهذه مأثرة ثانية للاثنين معاً.
وأي ابن حرام أو ابن حلال، لا فرق، في هذه الدنيا، من حقه كمواطن، كاتباً كان أو خبازاً أو مرتزقاً، أعني كإنسان، أن يقول ويكتب، ويعبر بأدواته عما يراه ويشعر به، ولاشك بأنه يراه يخدم وطنه ويحقق ذاته، فلا أحد لا يحب وطنه، ولا يتمنى أن يكون بيته أرقى البيوت العالمية، فالنملة تعتز بثقب الأرض، والأفاعي تدافع عن جحورها، والنازيون والشيوعيون والإسلاميون يدافعون حتى الموت عن أرضهم ووطنهم، واختلاف الطريقة بالدفاع عن الوطن، لا يعني إسقاط الوطنية عن المختلف، إلا عند من يرسمون بالمسطرة أوطاناً ويستحلبون في خيالاتهم السقيمة بالضرورة عشقاً محدداً (ستاندر) لهذه الأوطان الخاصة والمتخيلة، وهكذا وبالطبع وبالمنظور الديمقراطي من حق الصعلوك والأمير و كلب الأمير مثلاً، أن ينبح على هذا وذاك أوطاناً وبشراً وأفكاراً، ويضمن صوته ما يشاء.
لكن عندما يتجاوز الصوت جداره ويتحول إلى أيد مسلحة بالحديد والنار وتولد الخراب المادي والنفسي، كأن يبدأ الكلب بالعض ، والأمير بالسجن والتعذيب، ويغدو صاحب الرأي المختلف مجرماً ومارقاً، ويمهد لذلك الكهنة فيفتوا ويحللوا ويحرموا هذا الرأي أو ذاك على أنه زندقة أو مروق أو كفر أو مثير للنعرات ومسيء للوطن ووحدته وإلى ما هنالك من التهم الجاهزة في محفوظات السلفية الإرهابية التكفيرية ومحفوظات محكمة أمن الدولة وغيرها من المحاكم الاستثنائية، عند ذلك لا يبقى وطن ولا إنسان.

قبل السيدين حكم البابا ويعرب العيسى، كان أساتذة كبار كسوفوكليس وأسخيلوس وأبو نواس وابن الرومي والجاحظ وفولتير وموليير وسرفانتس وغوغول وتشيخوف وبرنارد شو و محمد الماغوط وزكريا تامر وعزيز نيسين وقافلة لا تحصى ممن منحوا الإنسانية تراثاً يبقى.
وقبل هؤلاء وأولئك كانت الشعوب وستبقى هي الساخرة الأولى، والرحم لكل سخرية، وبات معروفاً أن الشعوب الأكثر مأساوية هي الشعوب الأكثر نكتة، وقالت العرب شر البلية ما يضحك، وشخصياً (للأسف) لم أسمع في حياتي نكتة اسكندينافية وبالتحديد سويدية حديثة.

فالسادة الساخرون الحاقدون ( والأفضل أن نقول الساخطون /الغاضبون / المتذمرون/ المشمئزون....إلخ) هم أناس مرهفون جداً وغالباً موهوبون أو مميزون، في هذا البلد وفي هذا العالم، في هذا الزمان وعبر العصور، هم حالة متحدة بشعور غالباً ما يدفعه ويغذيه حب كبير للكمال أو غيره من المستحيلات، وله قرون استشعار أكثر حساسية من أحدث الرادارات، ترصد مواقع الخواء ومواطن الفساد في الإنسان وأفكاره وأخلاقه وتصرفاته، أما الجديون فهم أيضاً يشكلون جبهة أو متحداً بشرياً واحداً، عبر فضاءات الزمان والمكان، إنهم العقائديون (وطنياً –دينياً – حزبياً ..إلخ) وعلى اختلاف ألوان عصاباتهم هم متحد واحد، ولا يهم وعوا ذلك أو جهلوه، وغالباً هم لا يدرون ، وهذا أحد الفوارق الجوهرية بين معسكري الساخرين والجديين.
في هذا الفارق تندمج فوارق كثيرة، فحيث يظهر الساخر لا مبالياً ومستهتراً وغير مسؤول، وغير ملتزم بشيء و"لا يربطني بهذه الأرض سوى الحذاء" (الماغوط)، يكون في الحقيقة هو الأكثر التصاقاً ومسؤولية وارتباطاً بأشد التفاصيل ومقتحماً ومتشبعاً بجوهرها إحساساً وفكراً، ولدى هذه المفارقة المذهلة تولد النكتة أو السخرية، فتضحك في حين عليك أن تبكي وتبكي حيث يجب أن تضحك، ولا يستطيع أدب أن يدخل جوهر الأشياء ويوحد الأعماق الإنسانية، كما يفعل الأدب الساخر.
مقابل هذا العمق وهذه الشفافية، والبساطة والتلقائية، مقابل هذه الرهافة والحمامة والصدق،وخفة الظل والدم والطرافة، مقابل تجسيم أعظم الحقائق الفلسفية والنظرية والاقتصادية، بكلمات أو نوادر واضحة وواقعية، مقابل هذا التواضع العبقري، يقتحم الجادون حياتنا، بملامح صارمة ولا تحليلات السيد فوزي الشعيبي، ومعلقات خاوية ولا مداخلات السيدة بثينة شعبان، المستلهمة من روايات ومسرحيات السيد علي عقلة عرسان، وبألغاز وأحجيات تتصادم فيها أنصاف الأفكار، كما السيارات في فيلم أمريكي، ولا بيانات السيد علي بن البيانوني شقيق حسن عبد العظيم بن محمد ميشيل كيلو خالة أكرم علي البني.
بينما يرى الساخر أن لا شيء محصناً ضد النقد، ويبدأ من ذاته ونفسه وبيته، يعتبر الجديون أنفسهم ووطنهم ودينهم وآلهتهم وزعماءهم مقدسات، ولو لامستها يد يجب أن تقطع ولو كانت يد الحقيقة، وفي قراءة الأعماق،لكلا الطرفين، يظهر بجلاء للعين البصيرة، أن الساخرين يعربون بوعي ثاقب عن قسوة وبرودة و متانة وتماسك هذا العالم وعبثيته، ولهذا يحتاج إلى نقد جذري، ويعلنون ذلك بطريقتهم الشفافة وبخفة دمهم المرهفة، بينما بوعي بليد يعرب الجديون أن مقدساتهم تلك ما هي إلا مجسمات كرتونية ، أو نماذج فخارية هشة، تنهار من أول نفخة أو زفرة أو مقالة، فيضفوا عليها كل ما لديهم من أقنعة مناقضة لجوهرها الحقيقي، ويسلحوها بفرق الاغتيال والمخابرات وصغار الكتبة والمرتزقة، وهكذا يظنون(وحسب ظنونهم يتصرفون) أن كل من يزفر ويتنهد ويتألم، هو بلا شك عدو لدود، ويجب التخلص منه.
إن معظم ما أنتجه الأدب الجاد والفن الجاد والثقافة الجادة وإلى آخر هذه الجادة الهزيلة والمهزلة، لا يحمل قيماً إنسانية، بالقدر الذي تزخر فيه مقالة قصيرة من مقالات الأدب الساخر، أو نكتة أو طرفة أبدعتها عبقرية شعب من الشعوب.
هكذا تنقلب المفاهيم لدى المتشددين أو المتعصبين، فيغدو الجاد الحقيقي أي الساخر غير جاد، والجاد في المظهر التافه غالباً(ليس دائماً) في المخبر، غير جاد في شيء، بل متصلب الملامح ثقيل الدم، والحضور واللغة، حتى أنه يكرّهك ويكفرك ويولد أو يحرض فيك الازدراء لكل ما هو عظيم وكبير ومقدس كالله والوطن والحب .......إلخ.
هؤلاء المتشددون الخائفون على وطنهم من نقد ساخر، أو على دينهم وإلههم من نكتة أو على حزبهم وعقيدتهم من طرفة، هم جبهة واحدة لا يدري أعضاؤها أنهم بناء واحد، يجمع أحجاره العنيدة قومية أو دينية أو شيوعية، اسمنت التكفير والاستبداد والقمع.
من صوفيا إلى باريس إلى دمشق، في أرجاء العالم والوطن، بألوان ارتزاق سلطوي أو تحت مظلة نفي إسلاموي (الأخوان واشتقاقاتهم) كلهم واحد في التحية والاستنكار، لأن تحيتهم واستنكارهم يصدران عن استبداد متمثل بعلاقتهم المادية والأيديولوجية بثلة من البشر أي بتعصب لقبلية معينة أو على أخرى، أي ضد أو مع هذه البطانة أو تلك التي يغطونها بحضور لفظي وعبارات كبيرة كالله والوطن وغيرهما.
يظهر ذلك تجريبياً في أن هذا الطرف يؤيد السخرية من خصمه، ويرفض السخرية نفسها من فريقه.

باستثناء قلة نادرة، الجديون على اختلاف جديتهم، معادون في الصميم لمنطق التطور ونظرياته، فلديهم مخططات للحياة والمجتمعات والعصور، مدرجة في عقائدهم وأديانهم وملحقاتها، فالإنسان في نظرهم يمكن أن يمسخ قرداً أو خنزيراً، ولا يقبلون أبداً بما أتت به أعظم نظريات التطور كالداروينية.
قال فرويد بما معناه : هناك ثلاث نظريات حوربت بضراوة : دوران الأرض حول الشمس / الداروينية/ التحليل النفسي، ولكنه نسي أن يقول أن من حاربها هم الذين كانوا يحتلون مواقع الجدية في كل المجالات، وإن الساخرين هم من وجد فيها كنوزاً لا تقدر بثمن، وصاغوا من مناجمها أروع العقود التي ازدانت بها الصدور البشرية.

في الواقع والتجربة أثبت الجديون هم (وليس الله أو الطبيعة) أنهم قادرون على تحويل الإنسان إلى مسخ (ويا ما أحلى القرد والخنزير) يسجن في زنزانة إفرادية عشرين عاماً مثلاً؟ أو تحويل الإنسان إلى لاشيء فعلياً، وذلك بضربة عنق أو حبل أو برصاصة أو أكثر، فقط لأنه قال غير ما قالوا، أو لأنه ولد في مكان مختلف عن أماكن وجودهم، فغيرت الجغرافيا العقيدة، وهكذا كان هؤلاء ضد التاريخ وأولئك ضد الجغرافيا، وكلهم ضد الطبيعة والإنسان.
وأخيراً لا يفهم الجديون أن لا معنى لأي شيء بدون الإنسان (نعم لا معنى للوطن ولا معنى لله ولا للطبيعة- مع احترامي للأنواع الأخرى- دون الإنسان) ولا معنى للإنسان بدون الدمعة والابتسامة المنيعتين على الجدية، بل إن هذه الأخرى تجفف منابعهما، بقدر ما تثري السخرية تلك المنابع.
الوطن الذي يضيق بمقالة ساخرة، مكان موبوء ووكر مشبوه، صفقة قذرة، إنه حظيرة لعصابة مخدرات وقتلة.
والدين الذي سيتقوض برأي أو نكتة لابد أنه علبة كرتون تمتلئ بأكاذيب وأباطيل.
هل من أسف على زوال هذا أو ذاك؟ وهل يمكن للطفيليات المتعيشة على هذا وذاك أن تواجه سوى الانقراض؟



#نور_الدين_بدران (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اقرأ ثم اكتب لنغتني معاً
- تبييض السجون تبييض للوجوه
- النعامة
- حزب البعث والدولة السورية
- أوراق توت من نوع خاص
- كيف تكون محترماً ومحبوباً في مقالة؟
- عاد الجنرال الهرم ورحل المثقف الشاب
- عند عبد الحليم الخبر اليقين
- دخان أسود
- حسين مروة- مهدي عامل – مصطفى جحا- سمير قصير- تكسرت النصال عل ...
- سمير قصير.......سمير قصير!!!!!
- الفجر بعد المجتمع القديم والعاصفة
- المقارنة المهينة للحضارة والكرامة والأنوثة
- حصار التفاهة
- عذر أقبح من ذنب!!!
- أعداء الفجر غير مرحب بكم
- حذارِ أيها السوريون!!!!
- بانوراما الأكاذيب الاستبدادية
- التدنيس الشكلي والتدنيس الفعلي للقرآن
- أيها السوريون الجهلة ......أقيموا تمثالاً لحكمت الشهابي !!!


المزيد.....




- السعودية.. مطار الملك خالد الدولي يصدر بيانا بشأن حادث طائرة ...
- سيجورنيه: تقدم في المباحثات لتخفيف التوتر بين -حزب الله- وإس ...
- أعاصير قوية تجتاح مناطق بالولايات المتحدة وتسفر عن مقتل خمسة ...
- الحرس الثوري يكشف عن مسيرة جديدة
- انفجارات في مقاطعة كييف ومدينة سومي في أوكرانيا
- عشرات القتلى والجرحى جراء قصف الطيران الإسرائيلي لمدينة رفح ...
- القوات الأوكرانية تقصف جمهورية دونيتسك بـ 43 مقذوفا خلال 24 ...
- مشاهد تفطر القلوب.. فلسطيني يؤدي الصلاة بما تبقى له من قدرة ...
- عمدة كييف: الحكومة الأوكرانية لا تحارب الفساد بما فيه الكفاي ...
- عشرات الشهداء والجرحى في غارات إسرائيلية متواصلة على رفح


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - نور الدين بدران - تحية إلى حكم البابا ويعرب العيسى و أساتذتهما......