أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - نور الدين بدران - حصار التفاهة















المزيد.....

حصار التفاهة


نور الدين بدران

الحوار المتمدن-العدد: 1212 - 2005 / 5 / 29 - 11:37
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


سأل البقال جاره أستاذ الفلسفة : يا أستاذ ما هي الفلسفة؟
كشر الأستاذ مرتبكاً : أنت الآن تقف على هذه الطاولة ، وهذه الطاولة على الأرض ، فأنت تقف على الأرض ، وهكذا...
راح البقال يشرح للناس الفلسفة بأمثلة خاصة : الدجاجة تأكل البراز ، وأنت تأكل الدجاجة ، فأنت تأكل البراااا.....إلخ
والسياسة لدى السوريين لا تقل شأناً وامتهاناً .
أنت مع الديمقراطية فأنت مع جورج بوش واليمين الأمريكي المتصهين وعميل وعدو للوطن.
أنت ضد الموقف الأمريكي من كذا وكذا , فأنت ضد الديمقراطية ومع المخابرات والاستبداد والديكتاتورية...إلخ
أنت مع الشعيبي أم مع حكم البابا؟ مع السلطة أم مع المعارضة؟
وهل أسوأ من الأب الذي لا يجد عريساً لابنته إلا ابن عمها ! ومن الأم التي لا تجد عريساً للبنت نفسها إلا ابن خالتها؟وهل هناك أسوأ حظاً من هذه البنت التي حالها كحال سوريا بين سلطة أبيها ومعارضة أمها؟
التفاهة تحاصرنا بين ثنائيات تافهة ، بين الأخوان المسلمين والسلطة أيام زمان ، بين الاحتلال والاستبداد اليوم.
التفاهة هي كالمعلبات الجاهزة والفاسدة ، من أسئلة وأجوبة ، من تصنيفات أبدية ، وضعها أنصار: لا تفكر ، حدد موقفك ، نعم أم لا، هنا أم هناك؟ أو كما قال رئيس الحملة الانتخابية ليزيد بن معاوية ، أو غيره : من لا يريد هذا (يعني يزيداً) فله هذا ( مشيراً إلى سيفه).
لا جديد تحت الشمس ، باطل الأباطيل ، الكل باطل ، هكذا تقول التفاهة.
التفاهة أن يكون فريد الغادري ونبيل فياض ومن لف لفهما ممثلين للحرية والديمقراطية أو مستقبل الوطن.
التفاهة أن تبقى الديكتاتورية والاستبداد على صدر الوطن.
التفاهة أن نحاصر بين تفاهتين أو تفاهات تتناسل كالفئران هنا وهناك.
التفاهة أن تعقد الآمال على الجاني ، وأن يكون الجناة هم الفرع الجنائي المخول بمكافحة الجريمة ، لأنهم لن يفعلوا سوى تجريم الكفاح، كما يوم تشدقوا بمكافحة الفساد ، فترحم الناس على الفساد القديم.
التفاهة جثة تتناهشها أنياب السلطة والمعارضة ، وتدعو جموع الجياع للفضلات.
***
لكل بلد تجربته ، والتفاهة لا ترى سوى التعميم .
ليس العراق سوريا ، وليس الرئيس بشار الأسد( ولا حتى الرئيس الراحل والده) القاتل الجماعي صدام حسين.
إذا لم تحل سوريا مشاكلها من الداخل ، بالسوريين أنفسهم ، لن يحلها لها أحد.
إن تخلفنا كمجتمع سلطة ومعارضة ، هو سبب عجزنا عن دخول العصر ، وليس العصر هو من يغلق أبوابه في وجهنا، نحن الذين نعلق عليه كالمشجب جميع أمراضنا ، هكذا تتباهى التفاهة بمنجزات غيرها ، وتبرر عجزها بالتآمر عليها وبالامبريالية والصهيونية وإلى ما هنالك من عبارات مستهلكة ونافقة.
الأمريكي أو الأوروبي أو ابن الديمقراطيات العريقة والحقيقية الذين ينتقدون أو حتى يهاجموا رؤساءهم في هذا الموقف أو ذاك ، لا يهاجمون النظام الديمقراطي لبلدانهم لأنهم يدركون بثقافتهم وتجربتهم التي شادوها عبر أجيال ، أن هذا النظام هو رافعة تقدمهم كأمة وحضارة ، وأنه (النظام الديمقراطي) غير مكتمل ويتطور ويعاني ويمرض كأي كائن حي ، وأن رئيس الدولة أو الوزارة إنسان في هذا النظام ، له حقوق ومسؤوليات ، وليس خالداً في منصبه ، والمواطن في تلك الديمقراطيات ، لا يهاجم رئيسه لا شخصياً ولا حتى سياسياً في كل مواقفه ، وإنما في موقف أو مواقف محددة ، والرئيس المهاجم لا ينتقم من مواطنه ويثأر كالبدو ، لأنه يتصرف كسياسي وكإنسان متحضر ، حتى لو تصرف مواطنه بشكل غير لائق وغير سياسي ، فهناك قانون وقضاء ، ورغم أن القانون والقضاء حتى في أكثر الديمقراطيات تحضراً ، لهما مشاكلهما ، إنما يبق الأساس موجود كناظم للعقد الاجتماعي بين المواطن والدولة ، وهكذا لا يفهم البدو كيف يتظاهر الأميركيون والبريطانيون ضد بوش وبلير ، ويعيدون انتخابهما ، وطبعاً ليس كما يعيد البدو انتخاب زعماء عشائرهم.
التفاهة لا تفهم شيئاً من هذه الثقافة ، لا تدرك شيئاً من هذه الآلية المعقدة للديمقراطية ، لا ترى فرقاً بين الرئيس والنظام ، بل ترى أن الأول هو الثاني ، لأن التفاهة لا تعرف النظر إلا في مرآتها.
التفاهة لا تعرف أن سوريا بحاجة إلى نظام عصري متكامل على الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، نظام ديمقراطي علماني
يتناسب مع حاجاتها كدولة ومجتمع وأفراد ، نظام يتكلم ويسمع لغة العصر ، وليس اللغة العثمانية وقواعدها وأنظمتها القراقوشية ، تماماً كما لم تعد الأرض تحرث بالسكة والثيران ، لم تعد الشعوب تحكم بالطغيان والقوانين النافقة والأحزاب المتخلفة.
التفاهة لا تعرف أن من يريدون الديمقراطية لسوريا فعلاً ، لا يريدونها كغاية كهدف كوثن للعبادة ولا كموضة أو موديل ، بل لأنهم يريدون وطنهم حديثاً قوياً كريماً عزيزاً ، ولا حداثة ولا قوة ولا كرامة ولا عزة مع احتلال أو استبداد.
التفاهة لا تميز بين الديمقراطية والفوضى ، لأنها ترى صورتها في الديمقراطية ، أي مزاجها وفساد بطانتها وحاشيتها وتحويلها المال العام إلى جيوبها ، وتحويل البشر المواطنين إلى رعية ، يزربون في السجون أنصاف أعمارهم ولا من يسأل ولا من يحتج ، إلا سيكون مصيره كالحيوان المزروب.
التفاهة لا تعرف أن الذين يعون الديمقراطية كنظام متكامل ، ويريدون الحرية كثقافة وطريقة حياة ، للآخر قبل الذات ، وللذات كالآخر، هم المقاومون البواسل لكل اعتداء على الوطن ، من داخله أو من خارجه ، ومن يقدم زهرة شبابه ضد الاستبداد الداخلي ، لا شيء يمنعه من تقديم بقية حياته ضد الاستبداد الخارجي .
التفاهة لا تعرف أن العميل لا يمكن أن يكون ديمقراطياً ، تماماً كما أن المستبد لا يمكن أن يكون وطنياً ، وأن الوطني الحقيقي هو الديمقراطي الحقيقي ، فالديمقراطية لا تبنى خارج الوطن ، ولا تقوم لغير الوطن ، ولا ترى النور إلا بأبناء الوطن.
التفاهة هي اليوم تاج الأمس السحيق، تنقسم بين متحولات عديدة ، تتمظهر بمظاهر متنوعة ، داخل السلطة وما يدعى بالمعارضة، ولا أدري من الأشد خطراً على الديمقراطية ، ومن الأكثر سوءاً.
إذا كان من أمل فلا هنا ولا هناك ، إنه في الأجيال الطالعة أجيال تحرق وراءها ، وتنسى ماضي الأكاذيب البليدة، أجيال الغد الشباب اللواتي والذين ستكون مهمتهم بالغة الصعوبة ، لا سيما في البداية ، لأن هذه البداية كنسنا وتنظيف البيت منا ، إنها بداية صعبة لأنها مع التفاهة.



#نور_الدين_بدران (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عذر أقبح من ذنب!!!
- أعداء الفجر غير مرحب بكم
- حذارِ أيها السوريون!!!!
- بانوراما الأكاذيب الاستبدادية
- التدنيس الشكلي والتدنيس الفعلي للقرآن
- أيها السوريون الجهلة ......أقيموا تمثالاً لحكمت الشهابي !!!
- سيدتي الأنيقة
- الحب
- أفنان بهجتي
- قوة سوريا بحرية أبنائها
- حرباء الروح
- المعارضة السورية واللا شائعات
- شرف التقليد وعار الإبداع /تحية إلى الكاتب إحسان طالب
- الدولة الدينية والدولة الحديثة
- الإصلاح في المملكة العربية السعودية
- أصغوا إلى الأغنية البحرينية
- نبيل فياض يهجر
- قاصمة الظهر
- شادي سلامتك ... ويا سيادة الرئيس
- كون آخر


المزيد.....




- أعاصير قوية تجتاح مناطق بالولايات المتحدة وتسفر عن مقتل خمسة ...
- الحرس الثوري يكشف عن مسيرة جديدة
- انفجارات في مقاطعة كييف ومدينة سومي في أوكرانيا
- عشرات القتلى والجرحى جراء قصف الطيران الإسرائيلي لمدينة رفح ...
- القوات الأوكرانية تقصف جمهورية دونيتسك بـ 43 مقذوفا خلال 24 ...
- مشاهد تفطر القلوب.. فلسطيني يؤدي الصلاة بما تبقى له من قدرة ...
- عمدة كييف: الحكومة الأوكرانية لا تحارب الفساد بما فيه الكفاي ...
- عشرات الشهداء والجرحى في غارات إسرائيلية متواصلة على رفح
- الجامعات الأميركية تنحاز لفلسطين.. بين الاحتجاج والتمرد والن ...
- بايدن يؤكد لنتنياهو -موقفه الواضح- بشأن اجتياح رفح المحتمل


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - نور الدين بدران - حصار التفاهة