عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني
(Abbas Ali Al Ali)
الحوار المتمدن-العدد: 4297 - 2013 / 12 / 6 - 07:26
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
في معنى الجريمة والإجرام بين الدلالة الأصلية والمصطلح
كثيرا ما وردت كلمة المجرمون من ضمن اصطلاحات ومفردات كتاب الله المجيد مثلا الآية التالية {يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ }الرحمن41, فمن هم المجرمون؟,. وهل تشمل كل منن لا يؤمن بكتاب الله ورسله يكون مجرما , وهل ينطبق لفظ المجرم على البعض من أمن بالله ؟, أم أن مفهوم الاجرام لا يتعلق إلا بالسلوك البشري المعتاد؟..
أسئلة كثيرة يمكن أن تثيرها كلمة مجرمون في القرآن الكريم ومن الواضح أن من سياقات القراءة الدلالية للنص لا تعني كلمة مجرمون الكفر والالحاد والشرك وإن كان فعل كل واحد منهن جريمة خاصة بالنسبة للإنسان لو تبينا ان مفهوم الخروج عن الصراط المستقيم هو جناية بحق النفس {وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُؤُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ }السجدة12,لكن في النص هنا دلالة اخرى تبعدنا عن هذا التحصيل في القراءة.
لو رجعنا إلى معاجم اللغة نجد أن دلالة الكلمة ومعناها لا تستوجب بالضرورة الفعل الموصوف دوما بمخالفة القانون او النظام او الضابط المحدد للسلوك ,فمثلا ورد (لسان العرب) الجَرْمُ القَطْعُ جَرَمَه يَجْرِمُه جَرْماً قطعه وشجرة جَرِيمَةٌ مقطوعة وجَرَمَ النَّخْلَ والتَّمْرَ يَجْرِمه جَرْماً وجِراماً وجَراماً واجْتَرَمه صَرَمَه عن اللحياني فهو جارمٌ وقوم جُرَّمٌ وجُرَّام وتمر جَرِيم مَجْرُوم وأَجْرَمَ حان جِرامُه, بمعنى القطع من الأصل , وهو نفس المعنى الذي ورد في الصحاح في اللغة وفيه زيادة بمعن الحمل أو التحمل , والجرومُ من البلادِ: خلاف الصُرود. والجَرْمُ: القطعُ. وقد جَرَمَ النخلَ واجْتَرَمَهُ، أي صَرَمَهُ فهو جارِمٌ. وقومٌ جُرَّمٌ وجُرَّامٌ. وهذا زمن الجِرامِ والجَرامِ. وجَرَمْتُ صوفَ الشاة، أي جَزَزْتُهُ. وقد جَرَمْتُ منه، إذا أخذتَ منه، مثل جَلَمْتُ. والجِرْمُ بالكسر: الجسدُ. والجِرْمُ: اللون. والجِرْمُ: الصوتُ. والجِرْمَةُ: القومُ الذين يَجْتَرِمونَ النخل، أي يَصرِمون. وجَرَمَ يَجْرِمُ، أي كَتَب. وفلانٌ جَريمَةُ أَهْلِهِ، أي كاسِبُهُمْ. وقوله تعالى: "ولا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنآنُ قَوْمٍ" أي لا يَحْملنّكم، ويقال: لا يكسبنّكم. والجُرامَةُ بالضم: ما سَقَطَ من التمر إذا جُرِمَ. والجَريمُ: التمرُ المصروم.
كما ورد في نفس المصادر أن دلالة وهنى كلمة مجرم وجريمة إنما هي من الدخيل على اللغة وهي من الفارسية المعربة كما جاء في المصدر السابق( الجُرْمُ: الذَنْبُ، والجريمةُ مثله. تقول منه: جَرَمَ وأَجْرَمَ واجْتَرَمَ بمعنىً. والجَرْمُ: الحَرُّ، فارسيٌّ معرّبٌ.).
أما كمصطلح متداول اليوم فهو يعني كما جاء في المعجم الوسيط( الجُرْمُ: الذَنْبُ، والجريمةُ مثله. تقول منه: جَرَمَ وأَجْرَمَ واجْتَرَمَ بمعنىً. والجَرْمُ: الحَرُّ، فارسيٌّ معرّبٌ.), وقد ثبت المعنى الاخير في نطاق الاستعمال والدلالة والحضور فيما اختفت المعاني الاصلية العربية , وحيث أن القرآن الكريم عندما يتبنى لفظ أو معنى فيتبناه باللسان العربي , عليه فيكون للدلالة مما هي أقرب للسان العربي من الدخيل ,فهل يمكن لنا أن نطبق المعنى القديم على ما جاء من ألفاظ تتعلق بالمجرمون في القرآن دون أن يكون هناك تقاطع أو إقحام.
لو رجعنا إلى الآيات التي تصف نهاية الذين يقطعون ما أمر الله به أن يوصل وهي {وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ }الرعد25, {الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُولَـئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ }البقرة27, {أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنكَرَ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ }العنكبوت29, {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ }محمد22,هذه الآيات بدلالة نتائج عمل الناس الذين يقطعون ما أمر الله أي يجرمون أمر الله بالتمام أي لا يبقون للمقطوع صلة بأصل الموضوع فإنهم أجرموا وخرجوا من مراد الطاعة وليس كل الطاعة المطلوبة , فقط تلك الطاعة الواجبة الإيصال بين أفراد المجتمع والتي تؤدي بثباتها إلى النجاة كقول الله تعالى {وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُؤُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ }السجدة12.
إذن المعيار هو الانقطاع عن العمل الصالح المبني على التعقل لأنه فيه إبصار وسمع , فليس كل مخالفة جريمة , وليس كل تصرف سلبي من الإنسان تجاه واجبات الرب كالصلاة مثلا لا تعتبر من الجرائم بالمعنى المخصوص لأنها من واقع العصيان وليس من واقع قطع ما أمر الله به أن يوصل كما في معنى قطع التمر من النخل وجز الصوف من الغنم أي قطع بلا امكانية لإعادة الحال إلى ما كان عليه قبل القطع , ولا يمكن معه تصور قبول التوبة {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ } يونس17:..
عليه يمكننا ان نجزم ان الجريمة والإجرام والمجرم في الدلالات القصدية التي أرادها الله لها شروط لا تعني بالضرورة نفس الدلالات في المصطلح المتداول بين الناس اليوم وهذه الشروط هي:.
• لا علاقة بين الإجرام والإيمان فقد يكون شخص غير مؤمن ولكنه ليس بالضرورة ان يكون مجرما بالوصف القرآني.
• أن يكون في دائرة الفعل المحدد بالوصل بين مطلبين والجريمة تقع عند قطع الوصل هذا كما في جريمة قطع الرحم أو قطع الطريق على الناس وتفويت منافعهم أو ما به منافعهم.
• أن يكون بعلم وبصر وسمع لا عن جهالة أو نسيان متعمد.
• أن يكون الفعل الذي لا يمكن معه تحصي العفو والمغفرة.
في غير هذه الشروط يبقى الفعل الحادث والمكتسب من بني الإنسان يدور في دوائر الخسران والعذاب والندم وغيرها من النتائج التي وردت بمعاني متعددة تبعا لنوع الفعل البشري
#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)
Abbas_Ali_Al_Ali#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟