عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني
(Abbas Ali Al Ali)
الحوار المتمدن-العدد: 4274 - 2013 / 11 / 13 - 21:55
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
في الحياة العملية والبسيطة وفي عالم اليوم هناك ضوابط صارمة وهناك مخططات وطرق ومناهج تنفيذ دوما ترتبط بمحصلتها النهائية بسلامة المشروع المنجز بها وضرورة ان يكون التوافق والانسجام حاضرا ودوما وبقوة في جميع المراحل التي تبتدئ من التصور المجرد وانتهاء ليس بالغاية البعيدة فقط بل وحتى علاقة هذا الترابط بين البدايات والنهايات مع النسق العام الذي تعيش وتتصور وتتواجد بها الفكرة, وقد يمتد هذا المدى من العلائق لما بعد وما قبل وحتى إلى مديات قد لا تكون منظورة للتفكر المبسط بالأشياء, لأنها بالأول وبالأخر تجمعها مع الكون علاقة زمن تأريخي يؤسس لأشياء وتتأسس له وعليه أشياء أخرى, هنا لابد للعاقل أن ينظر من خلال أفق أكثر جدية وأشمل بزواياه خارج الموضوع بل خارج المنطق المفترض أحيانا.
هذا يحدث في الأشياء الاعتيادية التي هي نتاج جهد عقلي نظري وعملي مرتبط بالإنسان الذي مهما بلغ من كمالية في التصور والتأمل ودقة التقنية لا بد أنه يصطدم بما لا يمكن تحسبه وعده من العوارض الأصلية للأشياء ومنها استحالة الكمال وبلوغ مرتبة التمام فيها.
من هذا المنطلق ندلف إلى موضوع قد يشكل الدخول إليه والخوض فيه من المحرمات الفكرية ومن المحذورات العقلية عند البعض ليس لأنه كذلك على ما أجزم به ولكن لكثرة ما بالغنا في تقديسه وإحاطته بالكثير من التصورات المغلقة التي غلفت معالمه, تعديا على أصل الموضوع أحيانا كثيرة, وفي أحيان أخرى لقلة الاهتمام الجاد به من جانب الكثيرين الذين يرون فيه مجازفة غير محمودة العواقب والنتائج وأنها مهما شكلت من صدقية وإخلاص قد تعرض صاحبها للكثير من النقد القاسي والغير منضبط ممن أسس لها وروج وحافظ على هذه الطروحات التي تعرقل وتحبط مشروع الله _ الإنسان ,وهذا المشروع هو تحطيم القواعد الأولى والخروج عن الالتزام بالأمر الإلجائي الذي أفترضه المشرع الأول وأراد أن يتم بالصرورة التي سطرها هو لا المشروع البديل.
النصوص التي وصلتنا محفوظة والتي تتعلق بالإقامة كلها تشير على مبدأ واحد هو إتباع إبراهيم عليه السلام الذي سبق وأن تبين لنا أنه أقام الدين كرسالة وفق رؤية الله وليس وفقا لما يشاء هو ,أي انه كان متبعا لأمر وجوبي ,والإقامة هنا وإن كانت تعني مفاهيم متعددة ولكنها في الجميع تشير إلى معنى البناء والشروع بتنفيذ المأرب الربانية وأولها التأسيس{وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ }يونس105, لأن في خلاف ذلك وصف يتعدى حدود الإقامة السليمة وهو الإشراك والتشارك فيما ليس فيه حق للمقيم.
مناسبة هذا الكلام هو إيراد الدكتور سروش مفهومي الأكثري والأقلي فيما شرع الدين به و فتراضا أنه شرع الله, فهو يرى أن كل ما وصلنا من الدين مبسوط على قاعدة الأقلي لا حقيقة أبعد من حدود الكفاية الضرورية لإقامة الدين لأن ما بعد هذه الضرورات تمتد حرية الإنسان التي يجب أن لا تتقيد لاحقا بأكثر من حدود الأقلي, نافيا هنا مسألة الإكمال الديني بمعنى الجميع متيقنا من الإكمال تعلق فقط بالضروريات الموجبة.
الكلام بمجمله العام مناسب وحقيقي فيما يخص جزء من جوهرية الدين المتعلقة بالتكاليف والأحكام أما ما يخص النظرة الشمولية من قبل الدين للحياة هناك وقفة تعارض نسجلها على فكر سروش دون ان نخرق قاعدة أن الله جعل الدين منهج للعقل قبل أن يكون منهج عمل أي أن الله مكن للعقل بما بسط في أحكامة ن يكون هو المستنبط والمستقرئ في أن واحد لاستخراج المرادات الكلية والجمعية من أسس أما جوهرية مبينة بالتمام والكمال وأما أن تكون رمزية لتكون مصدر للتفصيلات مهما تشعبت وتنوعت ,فهو يحيل للعقل ذلك ويعتمد عليه في بلورتها لكن من خلال إكمال موارد العمل العقلي الأولي.
أما أن ندعي أن الله أو دين النبي قد أجمل الأقلي تاركا للعقل الإنساني أن يبني الأكثري من خلال نظرته لداخل الدين وخارجه مستعينا ببشريته وموثقا ذلك بالتجربة التأريخية إنما هي مثل شخص يخلط الزيت بالماء باعتبار أن كليهما سائل ممكن أن يتمازج مع الأخر دون الالتفات للخصائص الذاتية لكل منهما معتمد على مبدأ السيولة بينهما فقط(إذا كنّا ننظر إلى الدين بعين الطمع ونتوقع منه أن يكون جامعاً وشمولياً ونريد أن نستخرج منه كل ما يحتاجه إليه الإنسان في حركة الحياة والواقع، وكنّا نرغب أن يمثّل الدين الحد الأكثر من توقعات الإنسان، فسوف نصطدم بهذه الحقيقة سريعاً، وهو أنّ الدين بهذا المعنى ناقص ولا يحقق جميع توقعات وطموحات الإنسان في حياته الفردية والاجتماعية ),لا تعارض مع مورد الكلام جملة ولكن في لتفصيلات هنا يحضر الشيطان, الله الذي خلق وعلم ما خلق وادرك ما بعد الخلق ونظم الحياة بالشمولية المحكومة بقاعدة النفع والمصلحة لا يمكن أن يكون غافلا عن تصور كلي وجامع لهذا الخلق ولا يمكن أيضا أن ننسب لله عدم العلم بها أو على الأقل عدم طرح هذا العلم بصورة تصورات في الكتاب الرسالي أما صراحة وما تلميح أو رمز.
مجرد الإقرار بهذا النص يلغي فكرة الأقلي عن الله بل وينفي أيضا محدودية العلم بالمراد الكلي للدين, نعم ممكن أن تكون حدود التكاليف بالأقلي والالتزامات التعبدية أيضا لأن ما في البشري من الدين أي ما يخص جانب البشر منه إمكانية تطبيق الأقلي أما في الجانب الإلهي لا يمكن أن نقر به مع الإحاطة الشمولية والكمالية والجمعية للرؤية الإلهية{وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيماً قَدِيراً}فاطر44، في هذا الحال يقر سروش به ويعلن تناقضه مع نفسه حينما يصرح(إذن الدين {لا المعرفة الدينية} كامل لا جامع، وهذا الكمال يمثّل الحد الأدنى في عالم الثبوت لا الحد الأكثر في عالم الإثبات، أي أنّ الكمال الأقلي يتناسب مع شأن ذات وجوهر الدين، وليس بالنسبة للمعرفة الدينية التي تتحرك فيها عناصر التغيير والاختلاف .).
#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)
Abbas_Ali_Al_Ali#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟