أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عباس علي العلي - أهمية التجرد والموضوعية في كتابة التأريخ















المزيد.....

أهمية التجرد والموضوعية في كتابة التأريخ


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 4268 - 2013 / 11 / 7 - 14:15
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    



شكل التأريخ الإسلامي العام ومن قبله تأريخ العرب المسلمون منذ أوائل البعثة النبوية المحمدية الشريفة وما قبلها بقليل مادة خصبة نمت فيها ومنها النزاعات الفكرية والثقافية وحتى الحضارية بالمفهوم السائد لمعنى الخلاف الحضاري المطروح على الساحة المعرفية اليوم,ومنشأ هذه الخلافات وتطورها وحتى سيرورتها ليس من اختلاف في القراءات وحدها ولكن تمتد إلى أبعد من ذلك بكثير وبصورة أكثر حدة وخطورة تتصل بجوانب منها للصراع الفكري السياسي بين القوى الفاعلة والمؤثرة على الساحة التاريخية بحدوثياتها وأحداثياتها,كما لم يسلم تأريخنا من العبث الخارجي في أسس تأطيره أو رسم الأحداث وفق رؤى ومعطيات لها مصلحة في أحداث الشرخ بين الواقع والحقيقة.
وهذا ليس بعيدا عن الغفلة والاستغفال الذي مارسه كاتبوا التأريخ وتمسك القراء بما سطر تقديسا للمواقف والرجال قياسا للتقديس الديني الذي وضعوه أطارا لتفسير الأحداث وكتابة سطور التأريخ ليخرج لنا بهذه الصورة من الركاكة وعدم ترابط الأحداث مع المؤديات وعدم انضباطها بمنهج تأريخي ملتزم بقوانين موحدة وسالمة من التدخلات الشخصية والهوى السياسي الداخلي والخارجي.
من المؤاخذات على تأريخنا العربي والإسلامي تجاهله وضع قواعد انضباطية ترسم للكاتب والقارئ حدودا موحدة وواحدة يتم من خلالها التعاطي مع الحدث التاريخي قراءة وكتابة ونقد ومن ثم إصدار أحكام تاريخية يمكن الركون إليها لتكون مبنية على قواعد علمية معرفية سليمة تؤطر هذه الجهود التاريخية دون قهر التأريخ وجر الأحداث وتفسيرها بما يتوافق مع مقدمات تخدم توجها بعينه دون أن تلتزم الحيادية المهنية الواجبة في مجالها الحيوي.
ومن النقاط السلبية التي صبغت المهنة التاريخية كعلم هو الميل الشديد والقاسي للكتابة وتسطير الأحداث دون وجود منهج نقدي قادر على ممارسة سلطته التقويمية في ملاحظة الميل والانحراف المهني,إن خلو تأريخنا من وجود نظرية نقدية منهجية عامة تراعي القواعد العملية وتلتزم التزاما صارما بقواعد لا تحابي ولا تجامل ميل أو هوى غايتها الحقيقة دون أن تربط نفسها بتوجهات سلطوية أو عنصرية أو مذهبية,لتعطي المتعامل مع الشأن التاريخي قيمة له أولا وقيمة للمنتج الفكري التاريخي تسمح له أن يكون حكما وشاهدا على العصر الزمني الحدوثي.
كما لم يسلم تأريخنا من التدخلات والتدخل في تصوير الأحداث والوقائع نتيجة غياب المنعة الذاتية التي تحميه من العبث وإخراجه عن الحصانة المستوجبة له كما في كافة التجارب التي أرخت للأمم الأخرى, فأننا لا نجد اليوم مثلا اجتهادات أو تدخلات في بعض النواحي التفصيلية بأقلها من قبلنا نحن العرب في كتابة التأريخ للأقوام الأخرى بل نعتمد بكل وسائلنا المعرفية على ما يصلنا منهم ونعتبر ذلك من الثوابت التي لا يمكن مناقشتها, في حين إن الآخرون لهم الحق في فعل كل ما يرونه من تدخلات تحت عنوان حرية البحث العلمي وقداسة للعلم التاريخي بحيادية كما يزعمون به.
إن ضعف القراءة التاريخية عند المؤرخ العربي والمسلم وركاكة الأسلوبية في تفسير ونقد التأريخ كوقائع ومعطيات, ولاعتماد على التسجيل الحدوثي وفق أفق ورؤى محكومة بمقدمات تخضع للخطوط الحمراء والخضراء,واعتماد المؤرخ العربي على الدعم السلطوي له إلا ما ندر جعل من تأريخنا العربي والإسلامي ليس تأريخ حضارة ونشاط كلي للمجتمع وفعله وقوته الحدوثية وحولته إلى تأريخ سلطة وحكام ورجالات فقط,ولم يكن في مضان التأريخ العربي قيمة للفعل الحضاري الجمعي للمجتمع العربي والإسلامي.
إننا نرى غياب شبه تام للنشاط الحضاري بمعنى كونه فعل مجتمع بكل مقوماته وقواه وانفراد الحاكم الفرد أو الصورة السلطان وطغيان هذه التصورية على سير الحركة التاريخية وإهمال الجانب التفاعلي لقوى المجتمع, فنرى الرجل السلطان البطل المقدس هو محور تأريخنا وهو بطل الأحداث وكأن الزمن والمكان كان أصلا محلا لحاليته وحده دون أثر للبيئة الحيوية التي يعيش فيها ويتعاطى بطولته فيها, وكل محاولة لفهم الأحداث وفق فهم متكامل ومنطي يفسر ويعطي أنصافه للعناصر التاريخية الفاعلة تواجه دائما بالتشكيك والريبة لتصل في مديات أخرى إلى التكفير ومعاداة الدين والعروبة وإلصاق التهم للقارئ المنصف والناقد العلمي.
إن تأريخنا بهذه النتيجة تجده مجرد حقل ألغام تتوزع في ثناياه الكثير من المخاطر والإشكالات التي تهدد ذاتية التأريخ نفسه فضلا عما تسببه من ألام نفسية للأجيال لتلك السوداوية والأسطورية التي صاغها من تولوا الكتابة والإفتاء التاريخي في غفلة من العلم والأنصاف والمنهجية الكتابية والمنهجية النقدية السليمة التي تصون الفعل وتعطيه حقه الحقيقي من الدراسة والتمحيص والحكم.
لذلك نرى مثلا أحد المهتمين بكتابة التأريخ من المعاصرين ينتقد تلك المدرسة التي أسميها المدرسة (مدرسة الهوى) يبين بعض من معايبها الآسية,فيقول العلامة السيد مرتضى العسكري في كتابه خمسون ومائة صحابي مختلق ما يشير لهذه المدرسة وقواعدها الفكرية((وهي أنّه حين يتصدى للبحث يتصدى وهو كامل العدة لا ينقصه شي‌ء لكي يمشي في بحثه غير متأثر بمبدأ أو عاطفة أو غرض غير غرض العلم، وان نسيان العاطفة هذه وتركها في الصندوق أو على الرف إلى حين الفراغ من البحث في بطون التاريخ ليست بمقدور كلّ أحد،لان الكثير من الباحثين والمدققين يريدون أن يكتبوا التاريخ كما يحبون هم أن يكتب،وكما يميلون أن تكون قد وقعت حوادثه،لذلك قل عدد الذين نشّأوا أنفسهم تنشئة علمية وروَّضوا أقلامهم على تسجيل الوقائع دون ميل إلى صف أو أخذ شي‌ء بنظر الاعتبار غير الحقائق الملموسة والمستندة إلى الواقع العلمي والمنطق الذي يقاس به المعقول من الأمور. )) .
إن الباحث في قوله هذا يشير إلى ما يسمى اليوم بالتصورات المسبقة التي تجعل من نفسها مقدمات تسوق كتاب التأريخ لما يدوون من أحداث خارج المهنية والضرورات العلمية اللازمة للمؤرخ ومنها الحيادية في تأطير الأحداث وفهمها ومن ثم محاكمة الوقائع على أساسية الحدث ذاته وتأثيراته ونتائجه برؤية منهجية مدروسة وحاكمة للوقائع وللقراءة والكتابة, فنخرج من ذلك بوصف ما نريد وفق ما نحن عليه وليس على فعلية الحدث وحقيقته كيف كانت وأين تتجه, فنظلم التأريخ ونظلم أنفسنا ولا نعطي قيمة أصلا لتاريخية الحدث كأسباب وعلات ونتائج ومتعلقات تكوينية أو صيرورية ولا نهتم بالوقائع كونها نتائج عن قيم وممارسات مرتبطة بالإنسان كفاعل ومحرك للتأريخ والحضارة, إنسان فاعل فرد أو جماعة, ولا نفسر إلية الحدوث ولا نلحظ في ما يكتبون لدور الاستجابة للتحديات والفاعلات الكونية ولا نتبع السنن التاريخية المنفعل بها التعاطي البشري مع الوقائع والأحداث.
التأريخ بين الأسطورة والتزييف

إن المادة التاريخية عندنا احتوت الكثير من الأسطورة والزيف والتحريف واعتمدت على قيمة الرواة ولم تعتمد النقد النصي لرواية الحدث ولم تهتم بتكوين رؤية ناضجة لمحاكمة النصوص والرواة لما قدمت مدرسة الهوى من قدسية لهم وما تبعها من قدسية للنص وهكذا خرج السجل التاريخي مشوه للحقيقة ومشوه هو أيضا((فكم من حوادث مهمة لم تدون أو دونت مختزلة بحجة الاختصار أو لاستلزامها الطعن ببعض الحكام من صحابة وتابعين،فأدت إلى تزييف الحقائق التأريخية وتشويهها بما لا يتناسب وعظمة تأريخنا الإسلامي الوضاء,ومن هنا كان على الباحث الموضوعي والمؤرخ المحقق أن يقوم قبل كل شي بنقد موضوعي لكل ما جاء في كتب التأريخ والحديث والتراجم والرجال والتفسير بعد عرضه على العقل السليم ونصوص القرآن الكريم ومحكمات السنة النبوية الشريفة)) ,الحجج التي يردها مؤرخو المدرسة تلك لا تمت للتأريخ ومهنة الكتابة التاريخية بصلة ولا ترتبط بها لا على أسبابها ولا للعلات.
إن الأمانة التاريخية الملقاة على عاتق المؤرخ تحتم عليه أولا التجرد من كل ما لا يتناسب مع قيمة المهمة وخطورتها ولأنها تسوق المؤرخ نحو الخيانة وظلم الناس وظلم للحقيقة وهي مهمة تتنافى مع كون التأريخ دراسة علمية للفعل الحدوثي السلوكي للإنسان في الأرض وارتباط هذه الحدوثية مع نظام متكامل مؤثر ومتأثر به في جملة من التكوينات المرتبطة به كموجود حضوري غير منعزل عن النظام الكوني الشمولي غيبا وحضورا ,ماضي وحاضر ومستقبل.
إن الأمثلة التي نوردها في هذا الصدد ما نراه في كتابات مدرسة الهوى من قيل للتقديس وعزل الأحداث عن مقدماتها وإفراغها من محتواها الواقعي بتقديم صورة للمعتقد كحكم لما للفعل السلوكي البشري وجعله المعيار الذي تبني عليه قراءتها للتأريخ دون تفكيك الحدث وربطه بما أدت أصوله ومقدماته بالنتائج التي يشير إليها الفعل الحدوثي ذاته لتخرج برؤية عامة مطلقة لا تستثني ولا تمحص الجزئيات وتعزل ما هو حقيقي عن ما هو خارج أطار الحقيقة فمثلا تورد هذه المدرسة بين مفهوم عدالة (الصحابة) أتباع الرسول محمد صل الله عليه وأله وسلم وبين الوقائع برباط مقدس يجعلها تسلم بصحة ما يصدر منهم كحقيقة تاريخية لا تقبل النقاش أو النقد التاريخي لأفعالهم ,وبذلك تفوت على أنفسها وعلى الأمة كلها الاتعاظ وأخذ العبر والدروس التاريخية التي تنفعها ولا تضرها في سعيها نحو أفق إيماني يحصنها من بأسها وبأس أعداها,فجعلها في مورد النقد والتشهير من قبل الآخرين الذين لا يؤمنون بأصل الحضارة العربية والإسلامية.
من ذلك وكمثال ما أورده المعاصرون الذي يتمسكون بالسلفية العقدية والتاريخية لرؤيتهم ويقدموها على العلم التاريخي الذي يجب عليه أن يميز بين الفعل والفاعل, وأن يربط الفعل بالحولية والحالية التي هو عليها وفيها ((هناك فرق بين من يناقش هذه القضية وهو مسيء للظن بأولئك الصحب الكرام؛ بسبب رواسب عقدية معروفة، وبين من ينظر إليهم نظرة محبة وإجلال؛بسبب مواقفهم المشرَّفة في نصرة هذا الدين، والدفاع عنه، وصبرهم على الأذى فيه، وبذلهم المهج والأرواح والأموال في سبيله،أو لست ترى عجب عروة بن مسعود الثقفي –حين كان مشركاً - من الصحابة في الحديبية،وذلك حين رجع إلى قومه، فقال: "أي قوم! والله! لقد وفدت على الملوك، ووفدت على قيصر وكسرى والنجاشي، والله! إن رأيت ملكاً قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمدٍ محمداً - صلى الله عليه وسلم -! والله إن تنخّم نخامة إلا وقعت في كفّ رجل منهم فَدَلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه،وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده وما يحدّون إليه النظر تعظيماً له. إلخ . فهو يبني على القداسة ولا يبني على الأدوات التاريخية المعتبرة بالرغم من كل المعرفة التاريخية العلمية المتوافرة اليوم بين أيدينا.
إن مدرسة الهوى تتبنى الفهم العقدي المذهبي في أول أمرها وأسست كيانها على الأسطورة والتقديس لتنشي للأجيال اللاحقة ما يسمى بالسلفية التاريخية العقيمة التي لا تقدم رؤية كاملة وجامعة للتأريخ ومفسرة للحوادث متجنبة النقد الأصولي والمعرفي للوقائع وبذلك تخلت عن مهمة التأريخ كحكم محايد لا يرتبط ولا يلتزم بالوصف الشخصي إلا من خلال أثره فقط على الفعل ككسب وتحصيل وليس كمقدس معظم يخلي صاحبه من المسائلة التاريخية كما ورد في النص القرآني التالي{وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ }المنافقون4.
فهؤلاء الموصفون هم أولا من جملة المسلمين الذين قد علم بعضهم الناس والرسول صل الله عليه وأله وسلم والبعض لم يعلمهم, وثانيا أن الكثير منهم قد شارك في صنع التأريخ ليس كفاعلين فحسب بل وواضعين له مستفيدين من حالة الجهالة التي هم عليها من قبل الأمة {وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ } التوبة101.
إن هذا الوصف القرآني لحال المنافقين يبين لنا أن الكثير من الممارسات والوقائع قد حدثت بالفعل من جملة ما ذكرهم الله أثرت وفعلت دورا مهما في كتابة تأريخنا غير ما فعله هؤلاء من فعل حدوثي توهم البعض من تتصدى للتأريخ كقاص أو راوي أنه فعل واجب الانتباه له والبناء عليه وتحويله مادة تاريخية تنتقل عبر الأجيال لتكون من ضمن الوقائع المقدسة فمثلا((وإذا علمنا أن العصبية القبلية كانت في أشد عنفها في القرون ما قبل الاسلام وفي القرن الأول الهجري وما بعده؛أدركنا لِمَ كان سيف التميمي يخلق قسماً كبيراً من الصحابة فيجعلهم تميميين ويجعل أول ناصر لرسول اللّه تميمياً قبل أقرب الناس إلى النبيّ ويجعل أول شهيد في الاسلام تميمياً،ثمّ يختلق ربيباً من بني تميم لرسول اللّه بل لا يكتفي بربيب واحد حتّى يثنيه بآخر كما يذكر ذلك المؤلف،مما خفي أمر هذه الاخبار على كثير من الرواة الذين لم يتعمقوا في دراسة الاخبار وتمحيصها وتتبع أصولها، ... المختلفة، ولما كان سيف بن عمر التميمي ذا موهبة جدّ عالية ومقدرة فائقة فقد استطاع أن يخرج أفكاره على هيئة أحاديث وروايات يسند بعضها إلى رواة من مبتدعات خيالية،ويسند البعض الأخر إلى رواة معروفين فينسب إليهم ما يراه وهم أموات ليس فيهم من يكذب له هذه النسبة وينفي عن نفسه الرواية)) .
لقد كان للمنافقين والمشككين في الإسلام ورسالة السماء التي جاء بها دورا هاما في تخريب التأريخ العربي والإسلامي ككيان واضح المعالم متميز بالشواهد التي تفسر وترسم أفقا ذا قيمة وفاعلية في مكنونات ومكونات الحضارة, ليس هذا فحسب بل أن المتابعة والبناء على منتجات تلك الأقلام المزيفة للوضع التاريخي كانت عاملا هداما وبنفس المستوى من الأذى الذي ألحقته فئة المنافقين بالقيمة الحضارية والفعلية لتأريخنا وما نتج عنه من تشكيل معطيات للحضارة وفهم لحركة الوجود وبناء النظرية الكيفية الإسلامية للتعامل مع الأحداث وخاصة في شقيها السياسي والفكري.
ومن هنا تأتي أهمية هذه الدراسة من كونها محاولة أولية ولكن بجدية لإعادة نقد التأريخ ومحاكمة الوقائع فيه وفق منهجية حيادية متجردة من الدوافع الشخصية والآراء المسبقة لتنهض بقراءة متطورة تفهم التأريخ على أنه ليس سردا وقصا للوقائع وتسطيرا للأحداث,ولكن كفعل جمعي له مقدماته وله أسبابه التحكمية يجري وفق قانون منضبط له ترابط مع السنن الكونية شخوصه أشخاص حقيقيون وأفعالهم نتاج فردي لكل جمعي يعطي ما يمكن أن نستعين به وبنتائجه لقياس وتنبوء بما يراد له أن يقاس برؤية تاريخية من معطيات حضارية فكرية أو سياسية أو قيمية مجردة.
إن تجريد المؤرخ من مقدماته الفكرية وأحكامه المسبقة عملية فيه من الصعوبة والتكلف المبني على إن الإنسان إنما يتحرك ويتفاعل في الغالب الأعم من الأحوال بناء على ما بنيت أسسه الفكرية والعلمية والسلوكية,وإنه كفاعل ما هو بالحقيقة إلا نتاج الفعل الاجتماعي العام للمجتمع وقواه وحركة هذه القوى بالاتجاهات السائدة وطبيعتها وكينونتها المحركة لها,من دون أن ننسى أنه أي المؤرخ كإنسان ما هو إلا أبن الماضي الذي يعيش اللحظة الحاضرة ويدور في دائرتها ليتجاوزها محاولا الوصول للحظة المستقبل التي تبدو له كلما تقدم أنها جزء من الحاضر الذي يتحول بدوره إلى المتراكم من الماضي وأحداثه,فالمستقبل بالنسبة للمؤرخ الحقيقي هي اللحظة التي يمكن أن يكتشفها بحقيقتها ليقدمها كمشروع لفعل حضاري يقدم ولا يؤخر,يعزز قيمة الإنسان ولا يحط منها.



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حوار أم دوار
- يا سيدي يا حسين أمض بنا
- عالم أبيض وعالم أسود
- الدين السياسي وصورة الرب
- الدستوريه ومفهوم الدولة
- ربط المعرفة بالعمل صناعة العقل الفاعل
- محل العقل ووظيفة التعقل
- التعصب الحضاري ومشكلة أنا وأنت
- الشعوب وخيار الحياة
- ملامح العالم الكوني بعد عالم الحداثة
- الرب السياسي
- إختراق الجدار
- حوار الجدران
- قوة العقل
- أوهام الصراع الغربي مع الإسلام
- النظام العالمي الجديد ومقاربة الصراع والسلام
- الفرق بين مفهوم القوة والقدرة
- أثبات ونفي الموت
- الانضباط والإنضباطية في الفكر الإسلامي الأصيل
- الأحلام مصدر قلق إنساني


المزيد.....




- مبنى قديم تجمّد بالزمن خلال ترميمه يكشف عن تقنية البناء الرو ...
- خبير يشرح كيف حدثت كارثة جسر بالتيمور بجهاز محاكاة من داخل س ...
- بيان من الخارجية السعودية ردا على تدابير محكمة العدل الدولية ...
- شاهد: الاحتفال بخميس العهد بموكب -الفيلق الإسباني- في ملقة ...
- فيديو: مقتل شخص على الأقل في أول قصف روسي لخاركيف منذ 2022
- شريحة بلاكويل الإلكترونية -ثورة- في الذكاء الاصطناعي
- بايدن يرد على سخرية ترامب بفيديو
- بعد أكثر من 10 سنوات من الغياب.. -سباق المقاهي- يعود إلى بار ...
- بافل دوروف يعلن حظر -تلغرام- آلاف الحسابات الداعية للإرهاب و ...
- مصر.. أنباء عن تعيين نائب أو أكثر للسيسي بعد أداء اليمين الد ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عباس علي العلي - أهمية التجرد والموضوعية في كتابة التأريخ