عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني
(Abbas Ali Al Ali)
الحوار المتمدن-العدد: 4263 - 2013 / 11 / 2 - 20:37
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
القوة والقدرة
يصف علماء الكلام والمنطق والفلاسفة القوة بأنها القابلية الذاتية المحضة التي تحرك الموجود الشيئي بين نقطتين معلومتين معلولة لحساب النتيجة دون أن تكون هذه القابلية متوقفة أو موقفة لسبب ذاتي,فالقابلية الذاتية هي حقيقة القدرة المنتجة بحركتها عبر النقطتين لأحداث الأثر المطلوب,ومن دون هذا الأثر أو النتيجة لا قيمة للقوة ولا اعتبار للقابلية.
فالقوة في جوهرها ووجودها تلك القابلية على الانتقال من كونها قوة فاعلة للفعل,والقابلية هي أثر فعلي وضروري للقوة, ومن دونها لا يمكن أن نؤمن بماهية القوة لأنها تكون قوة وهمية غير صالحة لأن تحدث نتيجة وبالتالي فلا يمكن تطبيق قانون القوة هنا.كما أن من المهم أن تكون القوة أسبق من الفعل في تكوينها فلا فعل منتج بدون قوة محركة له بالذات ولا يمكن تصورها إلا بالقابلية لأن تكون بعد كينونتها فاعلة ومنتجة.
فوجود القوة في مجالها التكويني كاشف لإمكانية أن تكون محدثة في الوقت التي تكون فيها حرة في أن تفعل إلا أن يكون هذا الفعل الحدوثي مرتبط بسبب خارج ذات القوة ولو كان ذاتيا لكانت القوة غير حقيقية, فليس من قوانين القوة أن تكون فاعلة وموقوفة ذاتيا لأن التناقض هنا لا يمكن تصوره منطقيا ولا يمكن تبرير ذلك.
فالقوة بهذا المقدار الكيفي تتحرك ضمن النقطتين المفترضتين على أساس من كونها مجعولة بهذا الكيف ومتى ما تحررت من العامل الخارجي المعطل أو الموقف لابد أن تكون حركتها طبيعية ومولدة للقدرة الذاتية للفعل,فما كانت القوة مقتدرة وليست قادرة تحولت إلى أثر أنتج فعل,فالأصالة هنا للقوة بقابليتها الذاتية والاعتبار للقدرة في أنتاج الأثر.
فما كان مقتدرا كان ذا قوة وليس كل قوة مقتدرة,ولكن يبقى الأصل للقوة ومن دونها لا فعل أساسا لذلك مثلا نجد النصوص الوصفية لله تعالى في القرآن الكريم تؤكد هذا الفهم وتشير إليه صراحة:.
• {وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِراً }الكهف45.
• {أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِم مُّقْتَدِرُونَ }الزخرف42.
• {كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كُلِّهَا فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُّقْتَدِرٍ }القمر42.
• {فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ }القمر55.
فالقوة الإلهية المتحررة من كل قيد ذاتي أو خارجي هي قوة حقيقية لأنها مقتدرة على تحويل جوهرها إلى فعل بوجود الاقتدار المطلق لله على الفعل وإحداث النتيجة دون قيد يقيد أو شرط لابد من الإستجابة له:.
• {كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَفَرُواْ بِآيَاتِ اللّهِ فَأَخَذَهُمُ اللّهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ }الأنفال52.
• {فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحاً وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ }هود66.
• {وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ }البقرة165.
• {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ }الذاريات58
وحتى على مستوى ما يوصف به المخلوق من قوة لابد أن يكون للقوة فاعلية الإقتدار الغير مشروط بعلة ذاتية أو سبب تكويني,وإمكانية أن يكون فعل القوة حاضرا أو متوقعا أو ممكن شرطا للقدرة,كما أن القدرة هي شرطا لوصف القوة واكتشاف حقيقتها الماهية, كما في النصوص التالية:.
• {قَالَ عِفْريتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ }النمل39.
• {قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ }القصص26.
• {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }البقرة63.
• {فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ }الأعراف145.
• {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ}الأنفال60.
• {قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً }الكهف95.
في مجموعة النصوص الأولى أو الثانية عامل مشترك وهو حضورية الفعل وإمكان حدوثه غير معلق ولا موقوف لعلة ذاتية تكشف عن ما إذا كانت القوة مقتدرة أو قادرة والفرق بينهما أن الأولى إمضاء حر والثانية مشروط بسبب خارجي كما في النصوص القدسية التالية:.
• {وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّ اللّهَ قَادِرٌ عَلَى أَن يُنَزِّلٍ آيَةً وَلَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ }الأنعام37.
• {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ }الأنعام65.
• {إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ }يونس24.
• {أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ اللّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ قَادِرٌ عَلَى أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً لاَّ رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إَلاَّ كُفُوراً } الإسراء99.
• {وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ }المؤمنون18.
• {وَإِنَّا عَلَى أَن نُّرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لَقَادِرُونَ }المؤمنون95.
• {أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ }يس81.
• {وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ }القلم25.
• {فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ }المعارج40.
• {بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُ }القيامة4.
• {أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَى }القيامة40.
• {إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ }الطارق8.
فجميع هذه النصوص التي تشير إلى القدرة ليس بوصفها منفعلة ولكنها مجردة من الفعل أو موقوفة أو معلقة على علة,وإن كانت بطبيعتها التكوينية هي ممكنة وأحيانا واجبة الحدوث ولكن للعلات الخارجية عن نفس القوة وليس عن ذات القوي هي التي لم تجعل منها قوة مقتدرة ولكنها قادرة لأنها مرتبطة بظرف خارجي جعلها تكون فاعلة بتمامية الشرط وتحقق مشروطيته على الوجه الذي يطلق القوة من القدرة المجردة للاقتدار الفاعل.
والقوة لها صفات التغير بالزيادة والنقصان كما لها قابلية التفاضل فهي متعددة ومختلفة حسب المكين الذي أودعت فيه القوة أو جعلت فيه أو هي كقوة مجردة ولكنها في تعدد وتبدل والتفاضل بين القوى جعل منها موجود متصف بالكثرة لا وحدة فيه لا على مستوى الوجود الكينوني ولا مقامية التكييف الوظيفي والدليل النصوص القدسية التالية:.
• {كَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ كَانُواْ أَشَدَّ مِنكُمْ قُوَّةً }التوبة69,
• {وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ }هود52,
• {قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ }هود80,
• {وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثاً }النحل92,
• {قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ القُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً وَلَا يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ }القصص78,
• {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ }الروم54,
فهذه الحالية لا يمكن أن نجدها في القدرة فهي فعل استعدادي طبيعي ذاتي للقوة والتغير في القدرة ليس تغير أصلي في نوع القدرة ولكن في نوع القوة,فالقدرة كونها قابلية القوة للفعل واستعدادها الذاتي واحده في جميع الخالات تابعة للقوة وليست تابعة لتكوينها الذاتي ولا لتكيفها الوظيفي وكلاهما واحد,وتبقى القدرة قيمة ثابتة وإن تغيرت النتائج فالغير مردود للقوة وتبدلاتها وتحولاتها وليس للقدرة.
#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)
Abbas_Ali_Al_Ali#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟