عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني
(Abbas Ali Al Ali)
الحوار المتمدن-العدد: 4257 - 2013 / 10 / 26 - 12:51
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
ان عمل العقل مرتبط اساساً بتوفر الدعم المادي الضروري له وبالأخص عنصري الاوكسجين والسكر المتحولين بنظام الأيض البيولوجي الى طاقة توفر للعقل وتنشط فيه عوامل الفعل التشغيلي , لذا نجد ان المصابين بداء السكر قليلي في انتاج الأحلام وتحويلها الى الجانب العكسي المتمثل باستجابة الانعكاسية السلبية التي يصوغها العقل على شكل مفردات تبين حاجة الجسم للطاقة فتتمثل عقلا برموز مثل النار والفعل العصبي الشدي وما شاكله من رموز عقلية .
أما الذين يعيشون في مناطق يقل فيها الاوكسجين فيقل نشاطهم الرمزي كأحلام وتصورات وخيالات وتأمل لنقص المكون الاساسي للنشاط العقلي السليمة لذا فأن هؤلاء الاشخاص محكومين دائما بانشغالات البدن بتعويض الاوكسجين الضروري للجسم واستبدال النشاط العقلي بما يوازيه لتأمين التعويض او موائمة للواقع بالتالي تحويل النشاط العقلي من الذاكرة العميقة الى حدود الذاكرة الحديثة .
ان نقص الدعائم المادية للعقل ( الاوكسجين والسكر ) تفرض ملازمات مصاحبة لكونية الاحلام وكليتها تنبع من عدم قدرة العقل على التعامل مع الذاكرة العميقة واستجرار المؤشرات القياسية التي يتعامل معها لإنشاء الحلم وتكوينه كذلك يكون غير قادر على اضافة او ترسيخ الرموز والإشارة الحادثة والمستحدثة منه .
ان الاثار التي يخلفها الحلم وينتجها لابد ان تترسخ في منطقتين من مناطق الانا الذاتية :-
1. في الانا الناطقة الفاعلة وهو ما يشكل حافز لدافع حسي اخر منتج ويصوغ سلوكية محددة قد تقف عند هذا الحد او تتوالى تأثيراته وتتفاعل مع الخزين الذاكري او تنشأ صور واحساسات اخرى .
2. في الانا العميقة ( الدونية ) فتمثل وتتمثل هروباً غير مجدي عن مواجهة حاجة ومتطلبات الشخصية الانسانية .
ان كلا الحالتين لا يمكن التفريق بين نتائجهما بمعزل عن مجمل الفعل التعقلي والحسي وذلك من طبيعة النشاط الانساني الذي يختلط فيه الروحي والمادي الذي يشكل فيه نوع فريد من التوافق بين المتناقضات داخل الشخصية الانسانية التي صيغت كما نؤمن من عاملي الفجور والتقوى وذلك بالتكوين والتكيف الجعلي والخلقي للإنسان .
كما ان من الاخطاء الشائعة والتصورات غير الواقعية هو الايمان المسلم به على ان الروح اثناء النوم تخرج عن الجسد لتسيح في عالم متحرر من قيد البدن معتمدين على نص شرعي له قراءة اخرى هو{اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ }الزمر42 , ان الخطأ التأويلي يتجسد في الخلط بين الروح والنفس وكذلك يتجسد بالخلط بين الوفاة والموت , القراءة التأويلية الحقيقية تجعل من الروح تلك الطاقة المكنونة المفعلة لكل الطاقات والقوى في الانسان بما فيها القوى المادية (قوة البدن) وكذلك القوى المحركة والمنتجة لما يعرف ( قوى النفس وقوى العقل )اما النفس فهي اوجه الفعل الاربعة لقدرة الحس البدنية المنبعثة من حيويتها وهي كالاتي :-
1. النفس الضرورية ( النباتية ) وهي كل خاصية تلحق الكائن الحي لكي يكون مصداقا لكلمة كائن حي وهي تشمل النبات والحيوان و الانسان .
2. النفس المتحركة ( الحيوانية ) والتي تتميز عن بقية الكائنات الحية بقدرتها على فعل الحركة بحس ذاتي دون ان يكون للحركة فيها اثر خارجي وتشمل الحيوان والانسان فقط .
3. النفس المعبرة عن ذاتها بذاتها ( الناطقة ) والتي من اهم خصائصها انها تعبر عن مكنونات النفس بالنطق وتكوين المعرفة وتتوصل بها وهي فرع من النفس الثانية والاولى لكنها ارتقت عنها بخاصية التعبير وفق لغة مرموزه ومضبوطة وقادرة على التواصل بين الجنس الانساني فقط .
4. النفس الكمالية ( الكلية ) والتي ترتقي بأسس النفوس السابقة وتستخدم العقل دليلاً ومرشد وحكم لا يمكن تجاوزه تحت اي تأثير لأنها تتطلب الوصول الى الكلية ومحاولة تجسيد المطلق في النفس الحية , فهي لا تنصاع لمتطلبات آنية او عرضية ولكنها تسير وفق منهجية كمالية هدفها الارتقاء التام و الوصول للكمال .
هنا نجد الفرق بين الروح والنفس والاشارة النصية التي وردت في الآية الكريمة أنما تشير الى النفس الثالثة والرابعة باعتبارهما يخصان الانسان اولاً وثانياً فأن من طبيعة النفس الانسانية الخروج بإحساساتها الى مدار الماحولية لكي تتفاعل معه وتنفعل به ارادياً او من خلال قوة الخارج والتي يمثلها هنا أمر الله بالتوفي .
ومعروف لغة وفهماً لخصوصية الشكلية الصياغية للنص القرآني هو تفرده بالقصدية المعبرة عن دلائل محددة من خلال بناء محدد , وحيث ان النص افرد مفهومين مخصوصين هما الموت والوفاة فلابد ان يكون لكل لفظ معنى محدد , الموت يعني احد شكلي الهلاك الانساني مع القتل وهذا تحديد وارد ومؤكد عليه بالقرآن الكريم أما الوفاة فتعني بالنصوص القرآنية الوصول الى حد اللقاء كما في النص التالي {الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ }النحل32 , هنا التوفي حالة يقصد منها الوصول الى اللقاء مع الملائكة وليس بمعنى الموت .
ان نسبة الاحلام الى نشاط الروح وهي خارج البدن فهم غير حقيقي لوظيفة الروح وكذلك بشكلها وتكوينها الاولي ودورها في صياغة السلوك النفسي الحسي العقلي حيث انها لا تتعدى ان تكون قوة طاقوية تمد الجسم الانساني باللازمة الضرورية للديمومة وليس لها اي علاقة باي نشاط خارج هذه الوظيفة , والحقيقة ان العقل احياناً تحت تأثيرات حركة الحس النفسية يستقبل ويترجم الكثير من تفاعلات النفس الانسانية الثانية والثالثة والرابعة وتحت عناوين محددة رموز واشارات وحوافز قد ينجح في ترجمتها وعياً وادراكاً او قد لا ينجح فيهرب من هذا الفشل الى عالم خارج الزمن وخارج المكان ايضاً فيجسد بانتقالته هذه مشاهد واحداث قد تكونت وحضرت في عالم شهودي قد يكون مضى علينا تاريخياً او لم ندركه بزمننا مع لحاظ ان فكرة تكون الزمن وسيرورته وصيرورته قد بدأت وتمت ولكن الانسان المقيد بعالم البدن لازال يشهد السيرورة بمراحل قد لاتصل الى نهاية الصيرورة , وبالتالي فأن ما يشاهده في عالم الاحلام وخاصة فيما يتعلق منها بالخروج الغير اعتيادي عن عاملي الزمن والمكان هو انتقاله حقيقية في عالم سيرورة الزمن وهنا تتعلق شكليه الحلم بقوة النفس الرابعة والنظام العقلي الذي يحكمها ودرجة نضجه .
حتى في مسائل ما يعتقد مفهوم تناسخ الارواح لا يعدو ان يكون اساس هذه الاعتقادات منشأها ما ذكرناه وان كثر الحالات تجسدت من خلال هذه الانتقاله من خلال ما قبل وما بعد اللحظة الحلمية فقد يعيش الانسان في هذه السيرورة في زمن سابق او لاحق للحظته ليقارن بين وجوده الاني ربطاً مع ما شاهده بالانتقالة , واكثر ما يحدث في ثقافة المجتمعات التي تتبنى فكرة ان الروح هي الفاعلة وهي التي تشخصن الانسان وليس النفس والعقل وتؤمن كذلك بقدرة الحلم على تجسيد الحلول للمشكل الانساني بخلاصه ان المجتمعات الغارقة بالروحانية وذات الصفة الحالمة التي تبتعد قليلا عن الواقع والتي تحاصرها او تستشعر خطر وجودي تمارس هذا النوع من الحلم والانتقالة .
#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)
Abbas_Ali_Al_Ali#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟