|
صداع
فريد الحبوب
الحوار المتمدن-العدد: 4286 - 2013 / 11 / 26 - 11:51
المحور:
الادب والفن
لقد أقترفت أكبر الذنوب أتجاه الرجل الذي أحببته طوال حياتي، ولكن في الحقيقة لم أكن اقصد تجاهلهُ وعدم تصديقه، بل كان يتكلم وأنا صامته أصغي لوقتٍ طويل في ذلك الليل التعيس، كنا نضحك متصافين، نحتضن الذكريات، ونحاول أثارة التسأولات حول الحب الذي يصهر كل شيء ويحوله إلى غابة أمنيات، كنا نتحدث عن الأحلام وموعد الأخبار والناس التي تكثر من الأعتذار و الأبواب الخشبية القديمة التي مازالت قائمة في مناطق الصدرية وابو سيفين والمربعة، ألا أنه حصل تغير درامتيكي مفاجأ أخذ يشكي بين الحين والأخر من ألم يطوف في رأسه، في مقدمة جبينه ، وفي الخلف، كان يصرخ ويطلق أصوات غريبة وقاسية أسمعها للمرة الآولى، وكأن صواريخ سكود تنفجر في رأسه ومن ثم يعاود الصراخ وتنبسط على ملامح وجهه تجعدات الوجع، وفجأه كل شيء تبدل، الصداع سلخ اللحظة الترفه، فقد كانت ملامح وجهه تنهار، توحي بصخور من الأذى تتدحرج، وحرائق عارمة تأكل حاجبية وشاربة ولحيته ودموع تسيل بصمت وتوترات وحشية تجحظ عينية حتى المنفضة الخالية امتلأت بالسكائر، وغطى الدخان سقفنا البالي غير أني لا أعرف لماذا لم أكن مشدودة لآلامه وأهاته، لم أصدقه، ولم أستجيب لغمغماته، ففي البداية لم يشعرني بثقل ما يعانيه حيث كنت أظن أنه يمزح، زوجي الذي أعرفة يمزح، يفعل كل المقالب، بالتأكيد كان يمزح، كان ينوي إن يفزعني، يجعلني أثور وأبكي لأجله ومن ثم يضحك،يكركر ويزغرد فرحاً بخداعي . ــ هل تظنين إني أكذب، أنت لا تدرين مالذي يحدث لي ..صداع ياساره صداع ضحكت وأن أردد وراءه صداع وأفعل مثلما هو يفعل برأسه ــ صدقيني هذه المرة أشعر بالموت ياساره، أرجوك هاتي لي بشيت البراسيتول.الصداع حقيقي...... قالها وهو يرتجف ويلوذ برأسه شمالاً ويميناً، كما لو أنه محقون بجرعة من السم، في تلك اللحظة رن جرس هاتفه ألا أنه لم يكترث له، رن ثانيتاً، رن كثيراً وهو حائر بنفسه ........فرفعت الهاتف من على الطاولة الخشبية ونظرت إليه ... قلت له ــ أنها أمك كالعادة تسأل عنك.. ـــ وماذا تريد .. قولي لها أني أموت ..... سأموت من الصداع.. ــ لاعليك سأتدبر الأمر .. سأقول أي شيء ... قلت لها أنه نائم.. عاد متعب جداً من عمله ونام .. وقد بدأت أشك أن الصداع حقيقة ....... وحدقت فيه، في الجسد المحنط بطنين الصداع ، وبخيبتي كوني لا أصدقه، ثم أعود من حزني عليه ومن تأنيب ضميري يراودني الشك أنه المزاح المعتاد بيننا، فأبتسم وأغني محاولة الحفاظ على جو المرح فيما انا أحضر له الشاي وأعبث بمزهرية فيها سبع زهرات اصطناعية وأعواد بخور معطبة لم يبقى منها سوى الرماد. ألا إن هناك لون أحبه أخذ يتلاشى في وجهه، . وهو يهدر أنينه في معركة حامية مع الألم حتى صرخ صرخة حادة ثم صمت وانقطع في نفس اللحظة التيار الكهرباءي وأنطفأ جهاز التلفاز. انطفأ كل شيء ، المدينة غرقت في الظلام وغرقت في السكون، ضغط بشفتيه وأطبق راحتيه بقوة ثم هدهما ماسكاً برأسه يعصره بأطراف أصابعه...وعاد يتكلم ... تسأل عن أبنتنا إن كانت أكملت رسومات منظر الفجر قبل إن تنام؟ كما تسأل كيف استطاعوا رجال الاطفاء أنقاذ أرواح الناس في العمارة المجاورة لبيتنا بعد إن نشبت النار فيها بالكامل ؟ ثم زحف صوب النافذة التي تستجذب حلاوة القمر ، يختلس النظر إلى أفق الليل بحسره ، ويطالعني محاولاً ضمي بيديه المرتجفتين ويهمس لي بكلمات ندية ..هل تشعرين بالبرد ياحبيبتي؟ كان يلوك الكلمات مقهوراً ويستجمع أنفاسه بصعوبة بالغة... ثم طلب مني إن أشغل "الالة" كي يراني، ويرى الاشياء ويتأمل بنتنا الراقدة على سريرها في أحدى الزوايا. وما إن أشعلتها حتى دار بعينية الغائرة ووجهه المحمر في ارجاء الغرفة الصغيرة. لم أستطع تلك اللحظة سوى إن أخذ الأمر بجدية فاحتضنته مواسية ووضعت رأسه في حجري ككورة تغلي باللهب ورحت أفرك جبينه وأقبل يديه، كانتا سيوف من حميم، فهتفت ــ يالهي أنت تشتعل ..أنت مريض يجب إن نذهب للمستشفى حالاً. أجابني بصوت خائف يخشى أن يسمعه أحد سواي .... دعيني في حجرك لا أريد الذهاب إلى أي مكان . لاحظت الدمعة تترقرق في عينية. شدني بشوق وحنين ، وأسندت رأسي على كتفه ، أحسست بالخوف من صداعه، من ايحاءات الحزن ... سقط جبل من الهم على روحي .. وراحت تتشكل صور غريبة في ذهني، صور مخيفة، صور مريرة جلست في كل جنب من أجناب البيت ، ثم أخذ يختبئ في حجري أكثر ويدفع برأسه ضاغطاً على يداي وبطني.. كان صوته يجرحني، صوت يودعني يقول لي سأشتاق لك ياجنتي.. ثم رفع رأسه وحدق في عيني مودعاً ـ أحسست أن احداً رمى بي في هاوية ..ضمني في ظل الضوء الشاحب ، ضمني بشراسة بصدره الناحل كان دفئاً سحرياً قد سرى بشرايني مزقني وقتلني ووأوهن الحياة بي وجعلني أعاني ألام مختلفة وصداع صار جرحاً وسط وجداني عانيت منه أكثر من عشرين عاماً بعد وفاته ، ومازلت أعاني بجانبه طعنة غدري التي تنتهي بي في أغلب الليالي دمعاً غزير.
#فريد_الحبوب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عازف العود
-
زهرةٌ لا تألفها الزنابير
-
الوراكَين
-
في عيد القيامة ...آلام المسيح
-
طيور وغربان ، حانة الغول
-
زنابق كهرمانة
-
دوافع الصلاة في محراب المحافظة
-
النيران تأكل جناحي الفراشة
-
تاريخ وتاريخ
-
موعد في مقهى الشاهبندر
-
مرور الخيول
-
من أنتِ
-
لست سوى خيزران
-
المتسولة
-
جُناة العراق
-
المصطبة
-
اثار الأحلام الرطبة
-
رعد وبرق
-
المهدي هادي بوعزيزي
-
عضة خيانة
المزيد.....
-
روسيا.. جمهورية القرم تخطط لتدشين أكبر استوديو سينمائي في جن
...
-
من معالم القدس.. تعرّف على مقام رابعة العدوية
-
القضاء العراقي يوقف عرض مسلسل -عالم الست وهيبة- المثير للجدل
...
-
“اعتمد رسميا”… جدول امتحانات الثانوية الأزهرية 2024/1445 للش
...
-
كونشيرتو الكَمان لمَندِلسون الذي ألهَم الرَحابِنة
-
التهافت على الضلال
-
-أشقر وشعره كيرلي وحلو-..مشهد من مسلسل مصري يثير الغضب بمواق
...
-
الإيطالي جوسيبي كونتي يدعو إلى وقف إطلاق النار في كل مكان في
...
-
جوامع العراق ومساجده التاريخية.. صروح علمية ومراكز إشعاع حضا
...
-
مصر.. الفنان أحمد حلمي يكشف معلومات عن الراحل علاء ولي الدين
...
المزيد.....
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
-
الهجرة إلى الجحيم. رواية
/ محمود شاهين
المزيد.....
|