أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - حميد طولست - الإعاقة في المغرب وحقيقة الولوجيات! الجزء الثاني .















المزيد.....

الإعاقة في المغرب وحقيقة الولوجيات! الجزء الثاني .


حميد طولست

الحوار المتمدن-العدد: 4194 - 2013 / 8 / 24 - 00:18
المحور: المجتمع المدني
    


الإعاقة في المغرب وحقيقة الولوجيات!
الجزء الثاني .
إن التفاعل الإيجابي للإنسان مع حياته ، يأتى من الإيمان بأن كفاحه وعمله الجاد من أجل إثبات وجوده ، قد أعطى أكله ، وساهم في البناء النافع لشخصه والمجدي لمجتمعه وللإنسانية جمعاء ، دون موانع أو مطبطات ، من مرض أو عجز ، تعطله عن أداء ما عليه أداؤه ؛ لأن الإنسان حينما يعجزه أي عائق ، مادي كان أو معنوي ، عن وضع بصمة له ، بعمل طيب ، أو إنجاز نافع ، في أي مجال من المجالات ، يجد نفسه وكأنه إنسان بلا هوية أو بلا وجود .. ولا يقع ، في الغالب الأعم ، ضحية هذا الشعور والإحساس بالعدمية واللاجدوى وانعدام الفائدة ، إلا الفئات الاجتماعية الضعيفة المهمشة ، والتي يتربع على عرش قوائمها ، المعاقون الذين يعانون مع الواقع الاجتماعي السيئ ، الذي ساهمت في إنتاجه وديمومته ، الكثيرة من العوامل النابعة من تراكمات المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والبيئية والثقافية ، التي تعد الأخطر أثرا من باقي العوامل الأخرى ، كثقافة النبذ وضعف التماسك ، والعزلة ، وانعدام التواصل الاجتماعي ، وممارسة السلطوية غير المسؤولة ، والمحطة من مكانة المعاق الاجتماعية ، ليس من حيث كونه معاقا ، بل كإنسان ايضا ، والتي تنتج عنها لا مبالاة المعاق التامة تجاه نفسه ومجتمعه ، تصل ،في أحيان كثيرة ، إلى حد كراهيته لنفسه وإهمال أموره الحياتية والتخلي عن طموحاته ، كردة فعل انتقامية من السلوكيات المجتمعية المتجذرة في الثقافة الشعبية ذات الاصول البدوية والفكر القبلي السائد والراسخ لدى الكثير من المجتمعات المتخلفة ، بنظرتها - التي لا تنتمي الى واقع العصر ولا تستطيع ان تكون جزءا منه - الخاصة عن الحياة وما تتطلبه في أفرادها من قوة ومجاهدة مفرطة لجلب المغانم ، أساس البقاء والفخر للأقوياء ، أما الضعفاء والعاجزون منهم ، لسبب أو لآخري ، فهم مدعاة للازدراء والاحتقار ، والاستخفاف بدورهم ، والإقصاء والعزلة ، المسلطة على المعاق ، في كنف حكومات صادقت على الاتفاقيات والمواثيق الدولية الضامنة لحقوقه ، والتي أظهرت التجارب التاريخية والوقائع العملية ، ان تلك الاتفاقيات والقوانين والتشريعات ، التي وإن كانت ركنا أساسيا وحيويا ، في مسلسل ضمان حق المعاق ، فإنها ليست كافية وحدها كحل ناجع وفاصل لمعضلة الاعاقة ، لأن الانتصار الحقيقي لكرامة وإنسانية المعاقين ، وضمان حقهم في الاندماج الكلي والفعال في الحياة ، لا يمكن أن يتحقق بالصدقات أو بالوصفات الأخلاقوية ، والنوايا الحسنة ، والشعارات الإنسانوية ، والمهرجانات المناسباتية التي تنافق فيها البرجوازية المعاقين ، وتتباكى على أحوالهم ، ولكنه لا يتحقق إلا باجتراح الحلول الواقعية الإنسانية النهائية ، والمتجلية في ثورة ثقافية اجتماعية أكثر عدلا ومساواة وكرامة ، تبلور رأيا عاما وثقافة ، لا يُحتقر معها ولا يُهان المعاق ، ولا يُستخف بحقه في الحياة ، ولا يُقلل من حجم دوره في المجتمع ، ثقافة ورأي عام ، تقر بإنسانية المعاق ، كيفما كانت اعاقته ، وتشجع الأفراد والجماعات للمساهمة التطوعي للرفع من معنوياته وتنمية مهاراته وهواياته وقدراته ، لضمان مستقبله ، والحيلولة دون احتمالات وقوعه فريسة لسوء تعاملات بعض المجتمعات الساذجة والمتخلفة ، التي تعتقد أن الإعاقة مسخ من الله ، ومس من الجن والعفاريت ، وتنحى باعتقادها الشعبوي ذاك ، منحا إيمانيا روحيا ، يُحرم عرض المعاق على الطب المتخصص في علاجه , ويُبيح مداواتها بالسحر والشعوذة ، واللجوء للأضرحة والمزارات والزوايا ، التي يُربط المرضى الى شبابيكها وأعمدتها وأشجارها ، أو يسجنون في أقبيتها المعتمة ، والتي تولى فيها أمر المرضى ، فقهاء وشيوخ قساة وجهلة ، يدعون علم تخليص الناس من الجن المسبب لكل إعاقات الإنسان .
كما يظهر ذلك جليا في القصة الغريبة والمرعبة ، التي كنت شاهد عيان على أطوارها ، والتي حدثت في نهاية ستينات القرن الماضي بحي فاس الجديد" ، لأحد أترابي وجيراني (ح ت) بدرب "الزاوية" حيث قضيت أحلى سنوات الطفولة بين صبية الدرب والذين كان من بينهم بطل القصة المؤلمة هته، والذي كان من أشقاهم بالحومة ، وربما بالحي كله ، بما كان يحدثه من صخب مزعج ، وضجيج مقلق للساكنة ، خاصة أثاء لعبه كرة القدم ، أو قيادة عربته " كروسة الرورمات " - التي كان من أبرع صبية الدرب في صناعتها وسياقتها - في منعرجات دروب وأزقة الحي الضيقة .
لكن ، وبين عشية وضحاها ، تحولت شقاواته البريئة احيانا ، والشيطانية احيانا أخرى كثيرة ، إلى كثلة مرتعش الأطرافه بشكل هستيري ، بعد أن اصيب بشلل كلي - في حادث ما ظل يعرف باسم قضية "الزيت المسمومة" التي شغلت البلاد خلال عقدي الستينات والسبعينات من القرن الماضي وبالضبط في عام 1959 الذي خلط فيه مجموعة من المجرمين زيوت محركات تخلصت منها القواعد الأميركية في المغرب قبل إغلاقها ، بزيوت طعام بيعت على أساس أنها زيوت عادية صالحة للاستهلاك ، أدى تناولها إلى حدوث حالات تسمم كثيرة ، تسببت في اعاقة اكثر من 20 الف ضحية ، توفي منها مئات من الأشخاص في جميع أنحاء البلاد ، ما أثار وقتها ، ولازال يثير ، جدلا واسعا حول ملفها الشائك الغامض ، والذي استعصى فك لغزه لحد الان .
ورغم قسوة ما كابده ضحايا الزيوت المسمومة من معانات مع ما سببت لهم فيه من إعاقات دائمو وقاتلة ، فإن (ح ت) رغم صغر سنه ، كان يجاهد نفسه ، ويغالب إعاقته ، في تحدِِ ملفت لمعاناة وإعاقته ، وحتى لا ينقطع عن حضور أنشطة أترابه الترفيهية والرياضية ، فقد كان يدفع بجسده المكلوم المرتعش ، فوق عربته الخشبية " كروسة الرورمات" -التي سبق أن صنعها بنفسه- نحو اماكن لهو رفاقه من صبية الدرب ، التي كان يجد فيها بعض العزاء من مصابه ، الذي لم ييأس قط من التعافي من علته ، حيث ما كان يخفي تفاؤله ، بأن تحسن حاله وسلواه ، هو خاتمة المطاف ، ويضيف في يقين غريب : أن غمته ستنقشع بفضل الله و"رضات الوالدين " وبفضل مجهودات فقيه الجامع السي (م غ ) -المشهور بداخل حيينا وخارجه ، بقدرته على قهر أعتى جبابرة الجن "شمهاروي وميمون الابيض وغيرهما كثير جدا ..وشريرات الجنيات "عيشة قنديشا" و"لالة ميرا" وغيرهم كثير أيضا - الذي وعد والده بتخليصه من الجني الذي لبسه بعدما تبول على أحد أبنائه بـ "جنان السبيل" ، حسب روايات (ح ت) المرعبة ، أثناء تجمعاتنا في "راس الدرب" ، والتي كنا نختلف حولها ، بين مصدق ومكذب ، وللتأكد من صحة ذلك ثم الاتفاق بين صبية الحي و(ح ت) على الاختفاء بـ"الطارمة" (1)الموجودة داخل الغرف المغربية ، لتتبع أطوار جلسة العلاج الأسبوعية ..
كم طال انتظارنا لذاك الخميس الموعد ، وشعرنا وكان الأسبوع زيد في أيامه ، او الغي منه كل يوم خميس ، وما أن وصل ذلك الخميس المنتظر ، شعرنا بثقل الوقت وبعد موعد صلاة العصر الذي تبتدئ بعده طقوس إخراج الجن من جسد صديقنا (ح ت) والتي نتشوق لمشاهدتها بالمباشر من خلال فتحات باب "الطارمة" الخشبي الذي نتدافع نحن الأربعة عليها لرؤية ما يحدث بوسط الغرفة الضعيفة الإنارة.
حضر الفقيه ، فتصلبت أعصابنا ، وتجمدة الدماء في عروقنا ، واضطرب التنفس في صدورنا ، خاصة لما جر الفقيه (ح ت) من قدمه كما يجر الجزار خروف العيد لبذبح ، وقام بتكبيله بسبحة غليظة بعد أن عصب عينيه ومدده على حصير بوسط الغرفة ، ثم رمى بحفنة لم نتبين محتواها ، نار موقد "نافخ" ملتهبة ناره ، أطلقت دخانا كثيفا وروائح قوية زاكمة ، صحبتها صيحات مخيفة كان الفقيه يقلد بها أصوات العفاريت والشياطين ، اتبعها بتلاوة بعض السور والآيات القرآنية ، وكان خلال ذلك كله يلسع جسد المريض ، بسوط جلدي يلهبه، ألما مبرحا ، ويجعله يستغيث بكل الأولياء والصالحين الذين سمع عنهم أو زار أضرحتهم المنتشرة في الحي ، كلالة غريبة ، وسيدي بولقنادل ، ولالة حمامة ، وسيدي مجبر ، وغيرهم كثير جدا ، ثم توقف الفقيه عن هرجه ومرجه ، وساد الغرفة سكون عميق دام مدة التهامه للدجاجة المكتنزة السوداء اللون ، التي تهيئ كل خميس على البخار بدون ملح ، كما اوهم الفقيه أسرة (ح ت) أنها رغبات الجني الذي يسكن ابنهم.
وانتهت حلقة العلاج الأسبوعي ، مع صلاة عشاء ، وقبل ان يغادر السي الفقيه البيت ،دس والد (ح ت) الفتوح (قدر من المال) في يد الفقيه بعد أن نعم بدجاجة "مفورة" وهو يتمتم بأدعية يرد عليها الحضور بـ "آآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآمين ، ممددا يده للتقبيل ضاربا موعدا لجلسة أخرى يوم الخميس القادم .
تاركا الصبي المريض مع معاناته في شبه إغماء ، وقد كادت روحه وأرواحنا أن تُزهق ، لولا ألطاف الله بنا وبه وبأمثاله الذين رفض أهليهم وذويهم الاعتراف بقدرات الطب الحديث على علاج حالات التسمم الناتجة عن تناول تلك المواد الكيماوية السامة التي اختلطت بالزيت ، فأثرت على كل من تناولها ، والذين بلغ عددهم الالاف.
بعد هذه المغامرة التي عوقبنا عليها طبعا من طرف دوينا ، تم نقل (ح ت) إلى مستشفى الزيوت المسمومة ، التي أنشأت خصيصا لعلاج مثل حالة صديقنا ح ت وترويضهم على الاندماج في الحياة ، لم يشفى ح ت بالمرة ، لكن اعاقته قلت بنسبة 80 % واندمج كلية في الحياة ، وهو اليوم رب اسرة سعيدة رغم اضطراره لاستعمال العكاكيز للمشي ...
حميد طولست [email protected]



#حميد_طولست (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ثقافة السير بين الواقع والمأمول !
- لماذا لا يأتي المهدي وجودو أبدا ؟؟
- الإسلاميون والعفو الملكي عن مغتصب البراءة !؟
- الإعاقة في المغرب وحقيقة الولوجيات!
- كلام غير مقبول من وزير سابق !
- الجدارن فضاء مثالي لتصريف المكبوتات.الجدارن فضاء مثالي لتصري ...
- من فتنة عثمان إلى فتنة مرسي
- الديمقراطية والإسلام السياسي
- هل الدين هو السبب فيما يحدث من صراع بين الناس ؟؟
- قمة الخداع والنفاق !
- توحيد الصيام بين الشعوب العربية والإسلامية
- مذاقُ لحمِ الخيل خير أم لحم الحمير؟؟؟
- الخرافات الإخوانية !!
- الصحة ليست ترفا ينعم به الأغنياء ، ويستجديه الفقراء !!
- أفول نجم إخوان مصر يزلزل باقي الأنظمة الاستبدادية الاستعبادي ...
- سقط وهم الخلافة، و لم يسقط الإسلام ؟
- تجربة الإقتراب من الموت !؟
- لا حزن يعدل حزن الفقد بالموت ، ولو كان موت كلبة !!
- اقتباس ، أم سرقة فاضحة ؟
- القاهرة، عروس النيل وجوهرة أم الدنيا..


المزيد.....




- الجزائر تتعهد بإعادة طرح قضية العضوية الفلسطينية بالأمم المت ...
- إسرائيل تشكر الولايات المتحدة لاستخدامها -الفيتو- ضد عضوية ف ...
- بيان رسمي مصري عن توقيت حرج بعد الفيتو الأمريكي ضد عضوية فلس ...
- مندوب فلسطين الدائم لدى الأمم المتحدة: عدم تبني قرار عضوية ف ...
- الأردن يعرب عن أسفه الشديد لفشل مجلس الأمن في تبني قرار قبول ...
- انتقاد فلسطيني لفيتو واشنطن ضد عضوية فلسطين بالأمم المتحدة
- أبو الغيط يأسف لاستخدام ‎الفيتو ضد العضوية الكاملة لفلسطين ب ...
- إسرائيل تشكر الولايات المتحدة لاستخدامها -الفيتو- ضد عضوية ف ...
- -الرئاسة الفلسطينية- تدين استخدام واشنطن -الفيتو- ضد عضوية ف ...
- فيتو أمريكي بمجلس الأمن ضد العضوية الكاملة لفلسطين في الأمم ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - حميد طولست - الإعاقة في المغرب وحقيقة الولوجيات! الجزء الثاني .