توحيد الصيام بين الشعوب العربية والإسلامية

حميد طولست

الحوار المتمدن-العدد: 4162 - 2013 / 7 / 23 - 10:55
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    

للمناسبات الدينية التي تعم جميع بلدان العالم العربي والإسلامي، عظيم الأثر وجليل الوقع في نفوس المسلمين ، خاصة حين تتحد في الكثير من مظاهرها وأنماطها ومواقيتها بين العديد من الشعوب الإسلامية ، كما هو حال رمضان هذا العام الذي توحد فيه صيام الكثير من دول العالم العربي والإسلامي سواء في أوروبا أو في أسيا ، وربما حتى في الأمريكا أيضا ، وذلك بعد أن تجاوز المسلمون ما كان سائدا بينهم من اختلاف فاضح ، وتباين كاشف ، في تحديد مطالع أهلة هذا الشهر المبارك ، الذي كان له مطالع عديدة وبدايات كثيرة متعددة ، بدل مطلع واحد وبداية موحدة بينها جميعها ، ما أوقع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها ، في حيرة من أمرهم وهم يرون كل بلد إسلامي ينفرد بمطلع هلاله المختلف في توقيته عن مطلع هلال البلد الآخر القريب منه جغرافيا -الجزائر والمغرب وتونس على سبيل المثال لا الحصر- ووجدوا أنفسهم أمام ثلاثة أو أربعة مطالع أو ثلاثة أو أربعة تواريخ لشهر صوم واحد ، فانقسموا إلى ثلاث أو أربع مجموعات أعلنت كل واحدة منها مطلعا خاصا لرمضانها.
فتلك ليبيا مثلا فيصوم بلد عربية مثلا يوم الخميس فيما يصوم بلد آخر قريب منه جغرافيا يوم الجمعة ، بينما لا يصل رمضان إلى بلاد ثالثة إلا يوم السبت، مع العلم أن العالم الإسلامي كله يشترك مع مكة المكرمة في جزء من الليل..
ليس بجديد ولا بغريب ، أن يختلف المسلمون حول مواقيت بداية الشهر الفضيل ، لكن الغريب حقا والذي يثير الدهشة هو أن يبلغ أحيانا، الفارق الزمني بين بعض البلدان المتقاربة إلى يومين ، حيث لم تسلم الكثير البلاد العربية والإسلامية من حالة انقسامها المعتاد حول رؤية الهلال ، فبدلاً أن يبدأ الشهر الفضيل، كبقية الشهور في موعد واحد ، تتعدد البدايات ليتحول معها عيد الفطر إلى أعياد في أمة ربها واحد وكتابها واحد ونبيها واحد وقبلتها واحدة وشريعتها واحدة، ومن المفروض أن تكون أمة واحدة لولا استخدام الطرق المتباينة لضبط أوائل الشهور بدل واعتماد الحساب الفلكي، و البعض الآخر على رؤية الهلال الذي ينسحب عليه اختلاف في تحديد مطلع الشهور الهجرية وتحديد مواعيد المناسبات الدينية واهمها بداية شهر رمضان ونهايته عيد الفطر بالاضافة الى عيد الاضحى كنتيجة حتمية لتلك الاختلافات أو الخلافات في توحيد الأعياد والمناسبات الدينية والتي أصبحت ظاهرة سنوية -رغم التطلع لوحدة الأمة- أثارت نداءات العديد من علماء المسلمين حول ضرورة الاعتماد على وسائل علمية فى تحديد مطالع أهلة الشهور الهجرية لوضع حد لهذه الاختلافات فى المناسبات الدينية التى يفترض أن تكون مواقيتها موحدة، خاصة موعد الأول من رمضان الذي يرفض جمهور العلماء الاختلاف فيه، ويطالبون جميع الدول الإسلامية بالالتزام بالتوقيت الذي تعلنه المملكة العربية السعودية، لارتباطه بتحديد يوم وقفة عرفات التي تجري على أراضيها، والتي تعد الركن الأعظم في أداء فريضة الحج الذي يذكر أمة التوحيد، بأنها أمة واحدة يجمعها رب واحد وكتاب واحد وقبلة واحدة، والمفترض أن تكون كتلة واحدة موحدة، ومن الطبيعي أن تكون أعيادها واحدة.
فهل حان الوقت لتحقيق تلك الوحدة ولو في أبسط صورها المتمثلة في "رؤية الهلال" حتى نتجنب تشويه صورتنا في أعين غير المسلمين من اليهود والنصارى والبوذيين والهندوس، الذين لا يختلفون في موعدٍ من مواعيد أعيادهم رغم اختلاف جنسياتهم وأجناسهم وتنوع لغاتهم وتركيباتهم؟
وهل بمقدور العرب والمسلمين الاتفاق على الحد من خلافهم واختلافهم وانقسامهم المزمن حول صيام رمضان وعيد الفطر وكل الأعياد الدينية الأخرى ؟.
نعم وبكل تأكيد ، لقد استطاع العرب والمسلمين توحيد مطلع رمضانهم لهذه السنة وعلى اثرها ستتحد أعيادهم بكاملها ، مادام الخلاف فيها لا يمس إلا المواقف الطائفية والمذهبية والسياسية التي يتقدم فيها –كالعادة- السلبي على الإيجابي، وتتصدرها الصغائر قبل الكبائر، ولا يمس خلافهم الأصول والضوابط الشرعية ، ولا يتعلق بسبب علمي له صلة بالجغرافيا أو الفلك ، كما أن أكثرية المرجعيات الإسلامية قد أجازت اعتماد الحسابات الفلكية كمرجعية في تحديد الدورة القمرية وطالبت بوضع روزنامة إسلامية موحدة تأخذ في الاعتبار رؤية الهلال في أي بقعة من الأرض مرجعا كافيا لتحديد مطالع الشهور الهجرية..
لكن يبدو أن الكثير من الدول الإسلامية تأبى إلا أن تجعل من العيد مناسبة لممارسة السيادة والتأكيد على استقلالية قرارها، لأن أزمة العرب والمسلمين البارحة واليوم ليست أزمة أهلة وإنما هي أزمة أنانية مستحكمة. فقد مضت عشرات السنين على دعوة مؤتمر جدة الإسلامي لعام 1998 إلى توحيد رؤية الهلال بين جميع الدول الإسلامية وبحثت نفس المنظمة أمر توحيد التقويم الهجري بطرق علمية صحيحة تمكن بلدان العالم الاسلامي من توحد بدايات الاشهر القمرية الذي يقود الى توحيد مواعيد الاحتفال بالاعياد الدينية الاسلامية بمجرد رؤية الهلال في اي بقعة من الارض.
لقد أصبح الآن وقبل أي وقت مضى، من أوجب واجبات علماء الأمة الإسلامية التوقف عند ما يطال مناسبات بلدان العالم الإسلامي الدينية من التباين في تحديد موعد عيد الفطر وشهر رمضان وعيد الأضحى المبارك من كل عام، والاتفاق على تأسيس هيئة من العلماء معنية برؤية الهلال وتوحيد بدايات الشهور الهجرية في الأقطار الإسلامية، يكون مقرها مكة المكرمة باعتبارها قبلة المسلمين كافة، وتعميم ما تقره تلك الهيئة على كافة الأقطار الإسلامية وعلى كل المسلمين في أرجاء المعمور. خاصة أن وسائل رؤية الهلال قد تطورت تطورًا كبيرًا وفى عصرنا الحديث هذا؛ وتدخلت فيها المراصد والأقمار الصناعية، التي يسعى العلماء وفي كل عام ، لإضافة وسائل جديدة لرصد الهلال تسهل من الرؤية السليمة له لحظة ميلاده، وتذلل من الصعوبات الرئيسة التي تواجه عملية الاستطلاع،
وأختم مقالتي المتواضعة هته -وقد استطاعت الأمة الإسلامية اليوم ، بفضل الله وعونه ، أن تأخذ الخطوة الجادة نحو وحدة مطالع شهر رمضان ، وتوحيد الصيام -التي لا أريد بها إلا التنبيه لهذا التشتت العربي الدائم غير الطبيعي بقوله تعالى: ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البيان وأولئك لهم عذاب عظيم) صدق الله العظيم),
حميد طولست [email protected]

#حميد_طولست (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات