أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - حميد طولست - حراس العمارات















المزيد.....

حراس العمارات


حميد طولست

الحوار المتمدن-العدد: 4033 - 2013 / 3 / 16 - 22:57
المحور: المجتمع المدني
    


ــــــــ حراس العمارات ـــــــــ
الكونسيارج ، أو بواب العمارة.
ترى ما الذي دفع بصورة هذا الرجل إلى بؤرة تفكيري بهذا الشكل؟.. وما الذي جعل قصته تتداعى أمام ناظري كأحد أفلام الخيال العلمي، الذي ينجح بطله الأسطوري الذي لا يعرف الراحة في عمله المضني الممتد على مدى ساعات اليوم بدون انقطاع، والتي يتعرض خلالها إلى جملة من الحوادث الطريفة في بعضها، والتي كثيرا ما تكون مأساوية تراجيدية، في بعضها الآخر، تؤذي نهاياتها إلى أفظع النتائج، دون وقاية أو حماية أو تعويض عن مخاطر؟.
هذا الرجل/البطل، الذي رغم محدودية معارفه، وضيق أفقه، فهو في غالبية أحواله، ملم بكل جزئيات وعموميات ما يروج من حوله، إن لم يكن في العالم، ويعرف كل شاذة وفادة عن المحيط والجماعة التي يعايشها، ويتفانى في خدمتها وحراستها من تآمر الأشرار، ويدفع أذى الفاسدين عنها.
فرغم وزر المشاق والمسؤوليات الضخمة الملقاة على عاتقه، فإن وظيفته لا تدخل ضمن ما يصطلح على تسميتهم بالطبقة العاملة التي تشكل هيكل العملية الانتاجية الرئيسية في أي بلد، والتي عرفها ماركس "بالبروليتاريا"، ولا يستفيد مثل المنتسبين غيها من التغطية الصحية والضمان الاجتماعي، ولا يتمتع بالتأمين عن المخاطر وحوادث الشغل، فهو بكل اختصار كالآلة "الروبو" الذي يعمل على هامش كل الاطارات المقننة والمنظمة، إذ أنه وأمثاله النازحين من البوادي، التي كانوا يعملون فيها بالزراعة، وضاقت بهم الحياة بها، -لما تعرفه من انعدام مقومات الحياة الإنسانية- والذين هربوا الي المدن ليمتهنوا بها كل المهن الطفيلية الموسمية وغير الرسمية التي لا تدر أجرا محترما، والمتغيرة تبعاً للظروف والمناسبات، كالسخرة وحراسة السيارات وسياسة المرائب، والمناداة على الركاب في موقف الحافلات، وصبيان المقاهي والمحلات التجارية، او موزعي البضائع، او خداما في المنازل، وغيرها من الأعمال التي لا تتطلب مؤهلات دراسية ولا اتقان صنعة، والتي تنظمها مافيات التشغيل، وسماسرة الانتخابات المتجرين في الاصوات، وكل الذين يستغلون فاقة المواطنين وحاجة من يطلق عليهم "حثالة البروليتاريا".
لقد كثرت الاقاويل التي تدور حول مهنة "البواب" حتى أضحت وظيفة ليست كغيرها من المهن، لها اسرارها وأصول ، التي يكشف الغوص في عوالمها، حجم الامتيازات وأنواعها، التي يحصل عليه العاملون بها، من دخل مرتفع قد لا يتوافر في غيرها من الوظائف الأخرى، حتى أن بعض حراس العمارات اثروا منها ثراءا خياليا، دفع ببعض الصناع السينما إلى انتاج أفلام عن خوارقها، بل وأننا لن نبالغ اذا قلنا، ان الكثير منهم اصبح يمتلك عقارات وأراضي في بلدانهم.. إلى درجة أصبحت مهنة تورث وتقام عليها المساومات والمفاوضات للحصول عليها، ما جعل الكثير من الجامعيين وغيرهم من العاطلين عن العمل، يقبلون عليها في السنين الخيرة، بشرط أن تكون خارج بلادهم، حفاظاً على "البرستيج"...
فكان يسعد الحظ منهم، هو من يحصل على وظيفة "بوابا لعمارة" أي "كونسيارج Concierge"، بالمفهوم العامي المغربي الدال على مهنة حراسة العمارة، التي لا تتطلب شهادة ولا خبرة، وكل شروطها، هي إتقان لغة التعامل مع الآخرين، وتوفر القدرة وخبرة إخراج المال منهم بطريقة أو بأخرى، حيث ان الجيد منهم تقوم علاقته مع السكان على الاحترام المتبادل وتقديم كل خدمات النظافة، والتخلص من القمامة، وغسل السيارات، وإصلاح أعطال الكهرباء ومشكلات الصرف الصحي، إلى جانب مسؤولية المفاتيح الاحتياطية وغيرها من الأمور التي تهم جميع السكان العمارات، بينما السيئ منهم، الذي يضع رأسه برأس السكان، ويتعامل معهم بالندية التي تجر عليه نظرتهم الدونية واحتقارهم.
وإذا عدنا إلى مدلول مصطلح "الكونسييرج" الذي نطلقه بالدارج المغربية، فلا نجده هو نفسه المقصود في اللغة الفرنسة، حيث تعني كلمة"Concierge" الفرنسية، ذاك المفهوم المهني الاحترافي للكلمة التي تعني مهنة ذلك العامل بالفنادق ويقوم بمهمة الترحيب والاحتفاء بضيوف ونزلاء الفنادق الفخمة، والرد على استفساراتهم, وتقديم النصح والمساعدة لهم, وحجز طاولات المطاعم، وتوصيل الحقائب للغرف وتخزينها عند الحاجة, وتنسيق الرحلات السياحية، كما ان المصطلح لا يقصد به كذلك، حراس الاقامات السكنية الفاخرة التابعة للشركات الخاصة للحراسة والأمن، الذين يدخلون ضمن عمل الشركات المنظمة.
وإنما يقصد في دارجتنا ، ومع الأسف، بمصطلح "الكونسيرج" ، ذلك الحارس البسيط الذي يبقى رغم جسامة مسؤوليته، وخطورة دوره، وكبير حاجة الناس لخدماته، تحت رحمة وجبروت ملاك العمارات وساكنيها، ويعاني من أوضاع اجتماعية واقتصادية خانقة، تتجسد في تدني الأجر والراتب، - رغم ما خولته له مدونة الشغل الجديدة، كحد الأدنى للأجر، وتعويضات عائلية وعطل، والخضوع لنظام حوادث الشغل والأمراض المهنية.- وتعدد ساعات العمل التي تخضع لمزاج السكان واحتياجاتهم التي يضطر لتلبيها حتى في الساعات المتأخرة من الليل، بدعوى أنه يقطن في نفس العمارة التي يعمل بها، إلى جانب افتقاد أغلبيتهم للوثائق القانونية التي تثبت انتسابهم للمهنة وتضمن حقوقهم، والتي لم يتطرق المشرع المغربي لها بالتفصيل من خلال إقراره لمدونة الشغل، بمقتضى الظهير الشريف 03 194/1، واعتبرها ضمن وضعية فئة الأجراء الخاصة التي تنظمها قوانين معينة -حيث تبقى علاقة الشغل بين السانديك، باعتباره رئيسا لاتحاد الملاك، وبواب العمارة ولا تشترط بالضرورة عقدا مكتوبا بين الطرفين، إذ يمكنها أن تكون شفوية، وفي هذه الحالة يتعين إثباتها ولو بشاهد واحد، حيث استقر الاجتهاد القضائي أن شهادة شاهد واحد كافية لإثبات العلاقة الشُغلية، عند وقوع أي نزاع-، وبالرجوع للمادة 3 من مدونة الشغل المذكورة، فإن فئة الأجراء التي نص عليها المشرع تظل خاضعة من خلال أحكام الأنظمة الأساسية المطبقة، والتي أكد المشرع على أنها لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تقل عما تنص عليه مدونة الشغل من امتيازات أو ضمانات.
ولاشك أن هذا العمل أو هذه المهنة ، هي مهنة كباقي المهن تحتاج، بل هي في أمس الحاجة ، إلى التنظيم والهيكلة أكثر من غيرها من المهن الأخرى، لما توفره من آلاف فرص الشغل، وذلك من خلال تكوين نقابات للبوابين، تجمع معظمهم، لضمان استمرارية فرص التشغيل تلك، لكن في ظروف إنسانية، وتفاديا لظلم وجبروت بعض المشغلين من ملاك العمارات، ولضبط حسن سير العلاقات الاجتماعية التي تربط بين حراس العمارات والسكان والملّاك، التي قوامها المصلحة المتبادلة المتمثلة في حاجة الحارس إلى فلوس السكان، وحاجتهم إلى كل عمل يقوم به لقضاء حوائجهم، العلاقة التي غالبا ما يكتنفها الكثير من الحساسية والغموض، وبعض النفور، ولا نبالغ إذا قلنا إنها في الكثير من الأحيان لا تخلو من كراهية الحارس الذي من المستحيل أن يُجمع سكان عمارة ما على حبه واحترام.. حيث يراه بعضهم مستغلاً ومخادعاً، يرتكب أفعالا مشينة قائمة على الحيل والخداع لأجل سلب الساكنة أموالهم على شكل أتاوات ورشاوى لأجل تنفيذ طلباتهم وتلبية احتياجاتهم، وبالتأكيد أن حراس العمارات ليسوا كلهم الملائكة، بل هم فئة من المجتمع افنساني، فيهم الصالح والطالح، الجيد والسيئ، كباقي البشر، يصيبون ويخطئون، لكن الكثير من سكان العمارات ويتعاملون معهم بعليائية وكأنهم خدم لديهم، بينما يراهم الحراس، متكبرين وبخلاء، وطلباتهم كثيرة ومزعجة ولا تنتهي، مما يعكر صفو العلاقة بينهم، ويجعلها جافية خالية من الود والاحترام، الذي من المفروض ان تبنى عليها العلاقة المتبادلة بينهم.
لكن، ولله الحمد، أن هذا الأمر ليس قاعدة عامة، وانهم ليسوا جميعهم سيئين، وأن الكثير منهم ذوو اخلاق عالية، جاؤوا لطلب الرزق والعيش الحلال، لكن ومن سوء حظ بعضهم أن "حوتة وحد كتخنز الشواري" كما يقول المثل الشعبي المغربي وان " الحسنة تخص والسيئة تعم" كما يقول المثل العربي.
وهنا يتجلى دور نقابات البوابين-إن وجدت- والتي قد تساهم في تحسين هذه العلاقة وتغيير المثل والمقولة السابقين، حتى تشيع الحسنة من التصرفات، وتتخصص السيئة منها، حتى يعم الاطمئنان والاحترام بين طرفي المصلحة، والذي سيجعلهم –إن توفر- يحسون بإنسانيتهم، فيقدرون مسؤولية الأمانة الملقاة على عاتقهم، ومدى أهمية عملهم داخل المجتمع، ويبلون البلاء الحسن في الحفاظ على أمن وراحة وسكينة قاطني العمارات، والتنسيق مع السلطات العمومية وتبليغها عن كل ماهو غير أخلاقي أو مشتبه فيه داخل العمارة، حفاظا على سلامة وامن الساكنة والبلاد.
ولا أنسى في النهاية القول بان الحذر واجب، وأنه يفرض مراقبة هذه الفئة من المواطنين، وبطريقة غير مباشرة، حتى لا يشعروا بالتقليل والتنقيص من شأنهم.
وفي المقالة القادمة بحول الله وقوته، سأتحدث عن "البيات" او حراس الحومة الليليين الذين عرفتهم جل احياء المدن الغربية.
حميد طولست [email protected]



#حميد_طولست (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إنسانية الطبيب، نصف العلاج ..
- انتحرت فتاة او اغتصبت، وماذا بعد؟؟؟؟؟
- المعتقدات الخرافية ومخلوقات الخفاء !؟
- تفريخ الأحزاب بمغرب اليوم أية آفاق!
- ما الذي يخيف الظلاميين في الحب وفي عيده؟؟
- رد على تعليق
- أحداث ملغومة وكاسدة ومزجاة.
- هل تحرض الفواجعة الحياتية والمآسي الإنسانية على البوح وممارس ...
- مأدونيات غريبة لا يعرفها عنها الكثيرون شيئا، لكنها تدر أموال ...
- لماذا يسرق التراب الأمهات؟؟
- موقف غريب جدااا بمطار القاهرة
- ماذا تريد حواء من بعلها؟؟؟
- قوامة نواب!!!
- قومةنواب الأمة!؟
- الكلاب لا تغتصب بعضها، مثل ما يفعل الإنسان
- الزعامة أو الرئاسة؟
- حكومة تقسيم وتشتيت بامتياز!؟
- القاهرة مدينة مجنونة 2
- حق المدينة وبرج شباط!!!؟
- القاهرة مدينة مجنونة


المزيد.....




- القاهرة الإخبارية: مئات الشاحنات تستعد للدخول إلى غزة لإغاثة ...
- ممثل أبو مازن بالأمم المتحدة: الشعب الفلسطيني ضحية قرارات دو ...
- -لازاريني- يحذر من الرضوخ لطلب الاحتلال حل -الأونروا- + فيدي ...
- بن غفير يطالب بإعدام الأسرى الفلسطينيين لحل -اكتظاظ السجون-! ...
- رايتس ووتش وهارفارد تدقان ناقوس الخطر بشأن أثر المتفجرات على ...
- بن غفير يدعو لـ -إعدام الفلسطينيين- لتخفيف اكتظاظ السجون
- الضرب والتعذيب سياسة يومية.. هيئة الأسرى: استمرار الإجراءات ...
- وزارة الدفاع الوطني بالجزائر: إرهابي يسلم نفسه للجيش واعتقال ...
- أميركا تؤكد عدم تغير موقفها بشأن عضوية فلسطين بالأمم المتحدة ...
- برنامج الأغذية العالمي: لم نتمكن من نقل سوى 9 قوافل مساعدات ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - حميد طولست - حراس العمارات