أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - حميد طولست - موقف غريب جدااا بمطار القاهرة















المزيد.....

موقف غريب جدااا بمطار القاهرة


حميد طولست

الحوار المتمدن-العدد: 3956 - 2012 / 12 / 29 - 16:20
المحور: المجتمع المدني
    


ـــــــ موقف غريب جدااا بمطار القاهرة ـــــــ
ارتج المقعد رجّات خفيفة من تحتي معلنا هبوط الطائرة هبوطا هادئا على أرضية مدرج مطار القاهرة الدولي.. تأكدت ساعتها بأني قد وصلت مبتغاي..وحلق بي التفكير بعيدا، يجترّ تفاصيل اللوحة التي رسمتها للقاهرة أثناء التحليق وقبل الهبوط، ما أنساني طول الطابور ومشقة انتظار النزول، حيث رأيتني أعانق أبو الهول، وأصلي عند قاعدة الهرم، وآكل الكُشري والفول والطعمية، وأشرب من مياه النيل..
لم استفق من حلمي الجميل إلا على صوت موظف الجوازات، وهو يسألني، بنغمة صفراء لم أفهمها، "من أين؟" ثم أردف متمتما وكأنه يحدث نفسه "من المغرب" ؟؟.. ودون أن يختم على جوازات سفرنا أشار إلى صالة المسفرين: طب، تفضلوا بالانتظار هناك، ريتما تنتهي مثالخ أمن الدولة من بحث هوياتكم..
انتابني لحظتها شعور غريب، انتشلني مما كنت فيه من نشوة الحلم، وعكر صفو فرحتي، التي حولها إلى حزن وخوف، فشلت في طرد علاماته التي خالطت مشاعري، وتجذرت في جوانحي ولم استطع استلالها من بين الأحاسيس والتغييرات التي عصفت بي في ذلك اليوم المتخم بالأحداث، وخاصة بعدما تأخرت جوازات السفر في مصلحة الجوازات، مدة تجاوزت الساعة، بدأ خلالها عقلي يسرّب قلقا لم يبق في وجهي مكاناً لإخفاء أو مداراة خوفي الذي فضحه شقاء النظرة، وارتجاف النبرة.. وذبول الابتسامة، ذاك الخوف العميق الذي لم يأتِني من فراغ، بل كان نتاج تراكمات تجارب مختزنة في ذهني ووجداني، وأحداث قصص واقعية تغلغلت أنات أصحابها في أعمق أعماقي، وجثت نغمات صيحات آلامهم في أركان خفية من قلبي، وستبقى تثقله إلى أن يشاء الله..
صحيح أني كنت جد خائف، وجد منزعج مما حصل معنا في مطار القاهرة الدولي، لكنه لم يكن خوفا أو انزعاجا، من رجال الشرطة المصرية نفسها، أو من حزم وتشدد موظفي جمركي المطار في حد ذاته، لأني كنت أعرف، قبل أن تطأ قدماي أرض هذه البلاد، بأنّ مصر تعيش ظروفا غير عادية بعد ثورة المباركة، وأنها كبقية البلدان تعمل على الحفاظ على أمنها الداخلي وسلامة شعبها، وأنها بلاد ضخمة مترامية الأطراف، فمن الطبيعي أن تسلك نهجاً خاصا في تنظيم دخول المسافرين إليها، ومن البديهي أن تتشدد في التأكد من هوية الوافدين عليها..
لكن خوفي كان نابعا من أسباب أخرى غير ذلك منها عجزي عن فهم أسباب ما يحدث معنا نحن المغاربة دون غيرنا، وعن عدم الوصول إلى رد شاف ومهدء للروع من طرف كل من سألتهم من رجال سلطات المطار، إلى جانب السبب الرئيسي والذي نسميه بالعامية المغربية "المدرقات" أو "الباطل" أي الصدف المجنونة، أو "المستخبيات المْهَبِبَة" كما يقول إجواننا المصرين، تلك "المدرقات" التي أصبح معها المرء، أيا كان معرضاً لأن تلبسه قضية، ويوجه إليه اتهام ما لسبب ما قد يكون، إذا لن يكون وفي كثير من الأحيان مختلقاً لأغراض منها أن يلف هذا المواطن حول نفسه "ويديها فى حياته ومخه وفكره"، وتتلوث سمعته، أو تكون بمحظ الصدفة المنحوسة، و"الزهر لمفلس" الذي يبقى معه، كمن يحارب طواحين الهواء حتى يسقط مغشياً عليه فاقداً الوعى وهو المطلوب في كل وقت وحين، كما حدث قبل سنين عديدة لأحد زملائي بإحدى ثانويات فاس، حيث كان في سفر لقضاء عطلت الصيف بالديار الإسبانية كعادته صحبة زوجته وأولاده، فإذا بأمن المطار يلقي عليه القبض بتهم وقضايا لم تخطر على باله يوما، بل وربما يجهل معناها بالمرة، كقضية الكسب غير المشروع، وقضية ازدراء وإهانة جهات رسمية، والتعريض بشخصيات سياسية واتهام بالعمالة، وإذكاء الفتنة الطائفية،.. وهلم جرا من التهم والقضايا التي تشبه منايا الشاعر زهير، في خَبْطها العَشْوَائي الذي يُمِـتْ كل مَنْ يُصِبْ، وينعَم بسراح ؤقت، كل مَنْ تُخْطِىء إلى أن يَهْـرَم والتي أصابت عائلات وشخصيات فى المقتل، وأحزنت أبناء وبنات، وأودعت فى قلوبهم الهم والحزن إلى أبد الآبدين، ولم يخرج منها صديقي إلا الطاف الله الخفية، وهمة بعض رجال الأمن المخلصين الجادين الذين إكتشفوا أن في القضية تشابه أسماء وملابسات، وقلة حظ.
لقد اختلط علي الواقع بالخيال، وتشوش فكري، وبدأ الوسواس يهول كل توقع مغلوط وتساؤل خاطئ، ويتضخم بوجداني القلق الذي سرق الطمأنينة من قلبي، وسرب الخوف إلى وجداني، حتى تخيلت نفسي مخفورا يحاصرني رجال أمن الدولة والشرطة المصرية في قلب المطار أمام المسافرين، وكأني مجرم ينوي تنفيذ عملية إرهابية، أو أني عائد من عملية سطو على أحد البنوك، خاصة بعدما علمت أنه إجراء خاص بالمسافرين المغاربة دون غيرهم من الأجانب، الذين لم يتم احتجزاهم مثلنا في قاعة النتظار–كما هو معاين- ولم تسلم جوازات سفرهم إلى أمن الدولة، كما فُعل معنا نحن وبعض المغاربيين الليبين على وجه الخصوص..
وبعد مرور زهاء الساعة أو يزيد قليلا، خرج علينا أحد رجال الأمن يرزح تحت كومة من جوازات السفر، معلنا بابتسامته الباهتة التي أجبره الموقف على بذلها لمداراة شيئ ما، -الابتسامة التي لا يعلم إلاّ القلائل ما تعنيه ابتسامة يجبر المرء على القائها -إنتهاء سلطات المطار من إجراءات الفحص والتأكد من الهويات، وأنه سمح لنا بالدخول إلى مصر آمنين.
ورغم ما فرضته الإجراءات التعسفية من علامات الاستغراب والاستفهام على والجوه، فقد هدأ مجيؤها رغم تأخره، من روع القلوب وأعاد لها شيئا من التوازن والطمأنينة، التي سرقت منها طيلة مدة الانتظار، الذي اعتصرها خلاله الوساوس العارمة، والغضب الصاخب، والقلق الهستيري..
توجهت وقتها الى الأمام، فاسحا مسلكاً وسط غابة الأجساد، علّ الوصول إلى باب صالة الانتظار، حيث يرزح رجل الأمن تحت ثقل الجوازات، ينقذني من تذكر الحوالة التي كنتها، قبل برهة، مجمّد المشاعر ميت الأحاسيس، لا تقوى ملامحي على أن تعطي أي إجابة عن حالتي، لأني لم أكن أعرف إن كنت تعيساً أم سعيداً، في مستنقع علامات الإستغراب والاستفهام التي أغرقتني فيه الظروف، التي أنتظرت انتهاءها، نهاية سريعة تخلصني من جو طوابير الاجهزة المخابراتية والإستخارتية والشرطوية والأمنية بشقيها الواقعي والافتراضي..
لم نستقر على مقاعد سيارة شركة نقل السياح، التي نقلتنا من المطار إلى 6 أكتوبر، حيث سنقضي مدة اقامتنا، وقبل أن يجفف من دواخلنا عناء ما كابدناه، ويزول آثار ما أحسسناه من إحباط غمرنا طوال ساعة الإنتظار... حتى وجدنا أنفسنا فجأة بين براثن سائق بدرجة أستاذ علوم سياسية، ينهال علينا بدروس استهلها بـ"شفت يا بيه، الثورة عملت في البلد ايه"، ثم انتقل مباشرة من الهجوم على "بتوع الفيس بوك" إلى من يريدون افساد المعالم التاريخية للحضارة المصرية، وهدم ابو الهول والأهرامات، على أساس أنها أصنام محرمة وهو يردد "حد يصدق الكلام الفارغ ده يا باشا"،
ورغم ثرثرتة السائق الذي أقلنا من المطار ليأخذنا إلى 6 أكتوبر حيث سنقضي مدة اقامتنا، فقد كان لطيفا ظريفا، ونعم السفير لبلاده، حيث اتخذ طريقا دائريا ليرينا أكبر قدر من معالم المدينة وكان -عند كل توقف أمام إشارة مرور، التي قل من يتوقف عندها- يتعمد دغدغة أحلامنا، وإيقاظ وحش المقارنة فينا بين مصر وباقي بلدان الدنيا ..والذي كانت بحق أمها بالفعل..

حميد طولست [email protected]



#حميد_طولست (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ماذا تريد حواء من بعلها؟؟؟
- قوامة نواب!!!
- قومةنواب الأمة!؟
- الكلاب لا تغتصب بعضها، مثل ما يفعل الإنسان
- الزعامة أو الرئاسة؟
- حكومة تقسيم وتشتيت بامتياز!؟
- القاهرة مدينة مجنونة 2
- حق المدينة وبرج شباط!!!؟
- القاهرة مدينة مجنونة
- كل نكتة وانتم بخير!
- العيد في عاصمة -أم الدنيا- القاهرة.
- تدهور الارصفة
- أزمة صحافة أو أزمة سياسة؟
- الثورات لا يطلقها المنظّرون، والمفكرون، وإنما البسطاء والفلا ...
- قضية حزب الاستقلال، بين منطق العقل ومنطق العاطفة والاندفاعية ...
- أغرب مأدونيات وزارة التجهيز والنقل تصاريح -20D -!
- ذكرياتي المرة مع المستشفيات العامة والخاصة.
- حتى لا تنسينا قضية -الغزيوي/النهاري- قضايانا الحساسة !؟
- خطاب بنكيران بين الشعبوية والدهاء السياسي !؟
- مؤتمر حزب الاستقلال، تمرد أم ثورة؟


المزيد.....




- بوريل يرحب بتقرير خبراء الأمم المتحدة حول الاتهامات الإسرائي ...
- صحيفة: سلطات فنلندا تؤجل إعداد مشروع القانون حول ترحيل المها ...
- إعادة اعتقال أحد أكثر المجرمين المطلوبين في الإكوادور
- اعتقال نائب وزير الدفاع الروسي للاشتباه في تقاضيه رشوة
- مفوض الأونروا يتحدث للجزيرة عن تقرير لجنة التحقيق وأسباب است ...
- الأردن يحذر من تراجع الدعم الدولي للاجئين السوريين على أراضي ...
- إعدام مُعلمة وابنها الطبيب.. تفاصيل حكاية كتبت برصاص إسرائيل ...
- الأونروا: ما الذي سيتغير بعد تقرير الأمم المتحدة؟
- اعتقال نائب وزير الدفاع الروسي بشبهة -رشوة-
- قناة -12-: الجنائية ما كانت لتصدر أوامر اعتقال ضد مسؤولين إس ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - حميد طولست - موقف غريب جدااا بمطار القاهرة