أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - حميد طولست - تدهور الارصفة















المزيد.....

تدهور الارصفة


حميد طولست

الحوار المتمدن-العدد: 3886 - 2012 / 10 / 20 - 23:49
المحور: المجتمع المدني
    


ظاهرة تدهور أرصفة مدننا من صنع من؟
الظاهرة ، و Phenomenon بالإنجليزية وPhenomene بالفرنسية، هي الحدث غير العادي والمشاع بين الناس والذي يعتبره الكثير منهم صحيحا لكثرة استعماله وتداوله وتقبله كواقع حال يصعب على الخاصة نبذه أو نقده، والظواهر الحياتية في المغرب كثيرة جدا تستعصي على العد والتغيير لاتخاذها حيزا كبيرا في كل مفاصل حياة الناس، وتجسدها في سلوكياتهم، وتجذرها في أدبياتهم ثقافاتهم، بعلم منهم أو بدون علم، إلى درجة الدافع عليها بشراسة واستماتة لا توصف. ومن تلك الظواهر العديدة الراسخة، عقدة المخزن الموروثة من العهود البائدة، والتي نتجت عنها علاقات خاطئة ومتأزمة مبنية على النهب والاستنزاف المتبادل بين المواطن والمخزن، مضمونها "أن المخزن والشعب على طرفي نقيض".المعادلة التي تستغلها الكثير من الجهات النافدة والعديد من الأطراف المستفيدة من حالات اليأس والقهر الاجتماعي الذي تعاني منه شرائح عريضة من الشعب المغربي وشبابه على وجه الخصوص، للدفع بالمقهورين منهم نحو التصعيد وتسخين الشارع وتوسيع رقعة الخلاف، لخلق حالة احتكاك مباشر بين أبناء الوطن الواحد تحت مبدأ "فرق تسد" بتقسيمهم إلى فئتين متناحرتين: ناشطين همهم الوحيد هو التكيف مع المعطيات المتاحة لتحقيق ادنى متطلبات العيش الكريم، ومخزن من المفروض فيه أنه ما وجد إلا لخدمة المواطن وليس العكس، لأهداف لم تعد خافية على أحد على الإطلاق، أهمها استهداف استقرار البلاد ولحمة الشعب، وما أحداث مدينة تازة المؤلمة إلا صورة ودليل قاطع ومثال حي وبينُُ على التوظيف السافر لتلك العلاقة المتأزمة بين المواطن والمخزن، لإذكاء الغربة وتوسيع هوة النفور بينهما، و كأن أحدهما مستوردة من جزر الواقواق، والآخر آت من كوكب المريخ، الأمر الذي يفرض الوقوف بجدية لتغيير الصورة النمطية المُخَزنة عنوة لدى عامة الناس وخاصتهم، وإعادة بناء علاقة سليمة بينهما تعتمد التكامل والتعاون والتآزر بدل العناد والتجاذب الانتقامي المستهجن من كلا الطرفين، والتي تتجلى خطورة تلك العلاقة المقلوبة بكل وضوحها في عناد المخزن غير المنطقي والمجاني، وفي سكوته المتعمد إزاء كل التجاوزات التي تتسبب في تعاسة المواطن، وتثير لديه الحنق والتأفف والعصبية والعدوانية، وكأنه يسعد بحنق المواطنين، ويطرب لغضبهم من السلوكيات التي يشجعها ضدا على استهجانه لها وتصرفاته التي يستقباحها، والتي تبقى مسبباتها مبهمة ومجهولة وغير جلية ولا معللة قانونيا ولا منطقيا، ويعسر احتواء مفهومها على المواطن الذي لا يعرف لماذا يُعامل بهذه الطريقة على أيدي مَنْ مِنَ المفروض فيهم حمايته من أي مضايقة، ولا لماذا تحبك وتصطنع ذسائس ما يقلق راحته وسلامته.
ربما يقول قائل، أنها ظاهرة معروفة وقديمة جدا ولا دخل للمخزن في انتشارها الذي تأقلم معه السواد الأعظم من المواطنين، لكن الحقيقة أنها على قدمها وضخامة حجمها، فهي لا تساوي شيئا امام شكلها الحالي الذي أصبح فرعونيا مقارنة مع ما كانت عليه في الماضي ضدا على تزايد عدد المخزن وتواجدهم المكثف في كل جهات البلاد ومناطقها، بعدتهم وتعدادهم، ولتأكد من ذلك، اسألوا شوارع المدن ودروبها وأزقتها، ومداخل المساجد وبوابات المستشفيات ومنافذ المصالح العمومية والخاصة، وما تعانيه مع فوضا وعشوائية بسطات "تفريشات" الباعة المتجولين، من مضايقات بسبب احتلال شوارع المدن والقرى ما تغرقها به من مخلفات السلع وفضلات معروضا الخضر والفواكه وكأن شوارعنا "ماكافيها اللي فيها " وتبحث عمن يرفع منسوب نفاياتها وزبالتها المتراكمة اصلا إلى درجة الغرق تحت وطأتها.
استنطقوا أرباب المحلات التجارية التي بحت أصواتهم من كثرة الشكوى دون فائدة، فاضطروا هم أيضا، رغم ما يملكون من محلات القارة وسجلات تجارية قانونية، إلى استغلال الرصيف لعرض بضاعتهم عليه والتي يمكن أن تشمل أكثر من نصف محتويات دكاكنهم، حتى يراها الزبائن، ولا يهمهم إن تعرضت للتلف أو تأثرت بالعوامل المناخية كالشمس أو الغبار ما دام ذلك " الطروطوار" يروج لها كيفما كان حالها..
وإستخبروا المنتخبين وكل المتنفذين الذين يرغبون في ترشيح انفسهم لعضوية المجالس البلدية والقروية عن "تمياكهم" على هذه الظاهرة وغض الطرف عن تجاوزات ممتهنيها الذين لا يعتبرونهم إلا أعدادا إضافية في اللوائح الانتخابية فيقدمون لهم الدعم والمساندة مقابل أصواتهم.
إسألوا المراقبين المعنيين بالتفتيش على تلك البسطات الذين لا يجرؤون على تجريم الظاهرة وإلزام اصحابها بإزالتها ، رغم ما أصبحنا نري اللحوم والأجبان والحلوى التي تتسبب في المس بصحة المواطنين بسبب عرضها في الهواء "غير الطلق" وتعرضها للغبار والأتربة والحشرات، في كل الاسواق.
واسألوا كل هؤلاء عن الأسباب الخفية لهذا العناد والتمادي في خلق المتاعب المجانية والتي لم تعد تتعلق بالأرصفة وحق المشاة وتلك الاعتداءات والانتهاكات المرورية والواضحة على حقوق الناس وسلامة المواطن في مرور آمن، على طول وعرض شوارع البلاد، إلى هذا العبث الخطير الذي تعرفه أرصفتنا، وذاك الجنون الذي يحدث فوق ركحها، وتانك التطرف، والهراء الذي يجري على مساحاتها، والذي لا يمكن أن يكون يحال من الأحوال، أمراً طبيعياً ولا منطقيا ولا قانونيا البتة، وربما يدخل في نطاق التجريد الخالص، والخيال الواسع، والسوريالية المرّة، وبرامج الكاميرا الخفية، ويشكل، بدون شك، لفرط عدم واقعيته واستثنائيته، وجهة نظر سلوكية بحتة، وتخصصا وإنفرادا لم يحدث في تاريخ المدن إلا عندناً..
وإني على يقين تام أن معضلة أرصفة مدننا، لن تحل إلا إذا حلت مشكلة الديموقراطية في بلادنا، وتغيير العقليات، إلى جانب إيجاد مقاربة شمولية مندمج للتعامل بشكل جدي مع قوانين استغلال الملك العمومي المحينة بالشكل الذي يتلاءم مع الدينامية التي شهدها المغرب؛ الأمر الذي يعني أننا سننتظر طويلا، وأن أحفادنا وحدهم، هم من سيتمكنون من تمتيع أعينهم بجمالية وفتنة أرصفة المدن المتحضرة فعلا، والتي أصبحت ذكية ومعلوماتية في بعض البلدان المتقدمة، كما هو حال الأرصفة عند جارتنا إسبانبا التي دشنت فيها مؤخرا نوعا من الأرصفة الذكية المدعومة بنظام الويفي wifi التي بدأ في تفعليها واختبارها حالياً في العاصمة "مدريد"، وقريباً في جميع المدن الإسبانيا، وبعدها إلى عدد من الدول الغربية والعربية وعلى رأسها دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث سيتم تفعيل هذا المشروع داخل مدينة دبي.
ما يدفع الكثير من الناس إلى طرح السؤال البسيط الذي يشغل بال المواطنين جميعهم البسطاء منهم والنخبة، والمتعلق بلماذا هذا التعامل المتواطئ مع أشد الظواهر شذوذا وأكثرها اعتداء على أبسط حقوق الإنسان في هذا البلد الجميل، وما سبب موسمية تنفيذ حملات ضبط مخالفات الباعة المتجولين الجسيمة المقترفة في هذا الشهر الكريم بالضبط، الشهر الذي يعد أعظم مناسبة للتعبد والتهجد، قبل أن يحوله سكوت المخزن المريب وغض طرفه الغامض، إلى مناسبة للهم والغم والضيق والتأفف، بسبب "تفريشاتهم" الباعة المبثوثة فوق كل ارصفة الشوارع والأزقة والدروب، وعرقلتها للمرور الناس المريح وتجوالهم المستريح.
إنها معادلة تحتاج بحق إلى تفسير: إذا كيف يكون بمقدور هذا المخزن تنظف شوارع المدن من كل ما يسيئ لجماليتها –باعة ومجرمين ونفايات وازبال- كلما قرر ملك البلاد القيام بزيارة ميمونة لبقعة محظوظة من المملكة، ويضن علينا بذلك بدعوى قلة الحيلة والامكانات؟ ولماذا يحدث ذلك كله في مثل تلك المناسبات التي نحن مدينون خلالها بالشكر لملكنا ليس فقط على ما ينشره مشكورا من تنمية ورخاء ونماء أينما حل وارتحل، ولكن أيضا لأنه يتيح للمغاربة أن يتمتعوا بجمال مدنهم ونظافة أرصفة شوارعهم، كلما زار جهة من الجهات التي يتفانى القائمون على أمورها في مسح علامات الشيخوخة والكآبة والحزن عن وجهها لتملأ أعين ساكنتها ببهجتها وتغمر جوانحهم بالاعتزاز بها؟
ومن دون شك أنه لدى المخزن إجابات عديدة تراوح بين الأولويات والإمكانات، لكنها تظل كلها ذرائع لا تصمد أمام إستخساره فينا لحظات البهجة والسرور، وكأنه يخشى علينا من أن نتعلق بالنظافة والجمال أو أن نركن إليهما.



#حميد_طولست (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أزمة صحافة أو أزمة سياسة؟
- الثورات لا يطلقها المنظّرون، والمفكرون، وإنما البسطاء والفلا ...
- قضية حزب الاستقلال، بين منطق العقل ومنطق العاطفة والاندفاعية ...
- أغرب مأدونيات وزارة التجهيز والنقل تصاريح -20D -!
- ذكرياتي المرة مع المستشفيات العامة والخاصة.
- حتى لا تنسينا قضية -الغزيوي/النهاري- قضايانا الحساسة !؟
- خطاب بنكيران بين الشعبوية والدهاء السياسي !؟
- مؤتمر حزب الاستقلال، تمرد أم ثورة؟
- مذكراتي مع المستشفيات العامة والخاصة. الحلقة الثانية: سياسة ...
- ذكرياتي المرة مع مستشفياتنا الخاصة والعامة.
- إلى متى هذا العجز عن القضاء على الفساد بالكاملة؟
- خواطر عمالية على هامش مؤتمر نقابي!
- من الأحق بالشكوى من الزيادة المواطن أم الحكومة !؟؟
- فن المعارضة أن تنام موالياً وتستيقظ معارضا
- ماذا بعد اللقاء الأول لمحاسبة رئيس الحكومة!؟
- ظواهر تثير الشوق وتوقظ الرغبة في تكرار الزيارات لباريس.
- مقياس نجاح العمل النقابي بالمغرب !؟
- بائعات الجسد مواطنات لا يجب احتقاراهن.
- هموم مهندس من وزارة التجهيز والنقل
- حلم الخلافة وأوهامها!؟


المزيد.....




- أستراليا.. اعتقال سبعة مراهقين يعتنقون -أيديولوجية متطرفة-
- الكرملين يدعو لاعتماد المعلومات الرسمية بشأن اعتقال تيمور إي ...
- ألمانيا تعاود العمل مع -الأونروا- في غزة
- المبادرة المصرية تدين اعتقال لبنى درويش وأخريات في استمرار ل ...
- مفوض أوروبي يطالب باستئناف دعم الأونروا وواشنطن تجدد شروطها ...
- أبو الغيط يُرحب بنتائج التحقيق الأممي المستقل حول الأونروا
- الاتحاد الأوروبي يدعو المانحين لاستئناف تمويل الأونروا بعد إ ...
- مفوض حقوق الإنسان يشعر -بالذعر- من تقارير المقابر الجماعية ف ...
- مسؤول أميركي يحذر: خطر المجاعة مرتفع للغاية في غزة
- اعتقال أكثر من 100 متظاهر خارج منزل تشاك شومر في مدينة نيويو ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - حميد طولست - تدهور الارصفة