أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - حميد طولست - مذكراتي مع المستشفيات العامة والخاصة. الحلقة الثانية: سياسة المدينة وصحة المواطن.















المزيد.....

مذكراتي مع المستشفيات العامة والخاصة. الحلقة الثانية: سياسة المدينة وصحة المواطن.


حميد طولست

الحوار المتمدن-العدد: 3777 - 2012 / 7 / 3 - 19:56
المحور: المجتمع المدني
    


مذكراتي مع المستشفيات العامة والخاصة.
الحلقة الثانية: سياسة المدينة وصحة المواطن.
صادف استعدادي لكتابة الحلقة الثانية من "مذكراتي مع المستشفيات العامة والخاصة" انعقاد الملتقى الوطني للحوار حول سياسة المدينة بالرباط لمناقشة احول المدينة المغربية وما تعرفه من اختلالات ناتجة عن أوضاع ومظاهر الفقر والهشاشة الحضرية وتجلياتها على مستوى التجمعات السكنية عامة، والغير اللائقة على وجه الخصوص، وما تعيشه المدن من تدني جودة التحضر الذي لا يتعين بالمكان والأبنية الإسمنتية فحسب، بل بالوظيفة والروح والمجال والحد الكافي من الخدمات الذي يحس معه المرء بالانجذاب، الذي إذا غاب أو غُيب أوتراخي المسئولون المحليون عن الاهتمام بها ، ابتعدت تلك المدن عن الترقي وتخلت عن ودورها الأساسي ووظيفتها المثلى وتحولت إلى أماكن للنوم (دورطوارات) فقط، وانعكس ذلك سلبا على بيئتها الطبيعية وصحة ساكنتها وأصابها التخريب المستمر، وذلك بسبب كثرة المتدخلين وتعدد السياسات وغياب الإستراتيجيات الموحدة المنسجمة، كما أكد على ذلك السيد عزيز رباح في مداخلته أثناء الجلسة الزوالية للقاء، حيث قال أنه ليس للمدينة سياسة واحدة بل: "هناك سياسات في المدينة، وليس سياسة المدينة، فكل وزارة لها سياستها الخاصة بها، والجماعات المحلية هي جزء من هذه السياسات التي لا يجمعها جامع، وبالتالي فأول تحديث بعد دمقرطة النخب المحلية هو ان تكون لدينا سياسة المدينة وليس سياسات للمدينة".
هذه التعدد في السياسات وهذا التنوع في الجهات المتدخلة في شأن المدن المغربية ، هو السبب الحقيقي فيما اعيشه المدن المغربية فكما الكثير هو حال الكثير من العواصم والمدن العربية الكبيرى، ولو بدرجات متفاوتة- من فقدات لأصالتها وطابعها والعميق والتميز، والتنصل عن لهجتها وعوائدها وتقاليدها وحتى المواسم، والصناعات التقليدية، واللباس المحلي المميز، والعمارة والعمران والبنيان، والعمق التاريخي المبثوث في آثارها وحصونها ومبانيها وأسوارها، تتحول كلها إلى مسخ مشوه ومستنسخ، يخسر معه المواطن والوطن الكثير من العمق التاريخي والعلمي، ويدفع بالمدن إلى الانحدار والانبطاح الخطير، فلا تتمكن من القيام بوظائفها وواجباتها كاملة تجاه قاطنيها في الكثير من المجالات، وعلى رأسها جميعها وأخطرها، مجال الصحة البشرية، أو ما يسمى بـ"الصحة المتوقعة"(health expectancy) والتي من أجلها، يتفانى المسؤولون عن المدن - الذين تشكل "المدينة المثلى الرامية لرفاهية ورغد عيش سكانها حالا ومستقبلا " صلب اهدفهم الأسمى من العمران وغاياته القصوى- في توفير عوامل الصحة العامة والمتمثل في البيئة الصحية، ونظام الحياة والمعيشة السليمة، والمناطق الحضرية المتمدنة، باعتمادهم في ذلك على مجموعة من التخطيطات والتصميمات المتغيرة والمتزايدة لضبط عملية تنظيم المراكز الحضرية الكبيرة في إطار حكامة حضرية وانسجام تام بين النمو الاقتصادي، والعدالة الاجتماعية، واحترام البيئة، بعية الوصول إلى ما يطلق عليه المختصون بـ"المدينة المستدامة"، التي تخاطب العين والعقل والروح والقلب والإحساس، نؤثر فيها وتنعكس كينونتها على وجداننا، وتعكس روح وشخصية الساكنة الثقافية والاجتماعية والاقتصادية. بما تملك من وروح وكيان ووجه وقلب ورئة وشرايين وعيون، وكأنها كائن حي يحمل شخصية وهوية. هذا النوع من المدن التي لا يقوم تعريفها على المنهج الكمي وتعداد السكان، ولا يعتمد على مقياس الحجم والاتساع الجغرافي، بل يقوم تعريفها الحقيقي على معيار النوع، ومستوى الخدمات الصحية والقيم الجمالية والنظام والرونق المؤثر في مستوى التمدن والتحضر، وواقع راحة وعافية المواطن داخلها في إطار سياسة المدينة المستدامة القائمة على مرجعية محددة الأهداف ووسائل تمويل وتنفيذ متوافق حولها بين الفرقاء، وبالاستناد إلى التقائية سلسة بين مخالف المتدخلين الممثلين لكل القطاعات الحكومية والمؤسسات العمومية والجماعات المحلية، وتوزيع الأدوار بشكل واضح بينهم في انسجام تام لنظراتهم وسياساتهم المتعددة لشان المدينة، كما أشار إلى ذلك في ذات اللقاء، السيد عبد السلام أبودرار، رئيس الهيئة المركزية لمحاربة الرشوة قائلا :" الحكامة هي أساس مبادئ وقيم ونمط وتفكير، فهي تعني أولا توزيع الأدوار بشكل واضح ما بين الفرقاء، وأن تتسم العلاقة بين الفرقاء بالوضوح والتكامل فيما بينهم". الشيء الذي لا ولم يحدث في التعامل مع مدننا التي تعيش مع الأسف وضعا غير طبيعي ولا عادي، بسبب كثرة المتدخلين المنتافرين، وتنوع السياسات غير المنسجمة، وتضارب الاستراتيجيات المتباينة في تناولها لمجال المدينة، ما يتسبب للأوساط الحضرية في الكثير من الأزمات الخطيرة القاسية التي هي في غنى عنها وتنعكس مباشرة على الصحة السكانية.
هذا الوضع غير العادي للمدينة المغربية، دفع بي للانحراف عن الحديث المباشر عما يلقاه الإنسان المغربي من معاناة داخل المستشفيات العمومية والمصحات الخاصة، كمؤسسات صحية تقدم العلاج للمرضى في مجال محدود ومكان معين، إلى التطرق لما تعانيه الصحة البشرية في مجال أوسع هو "المدينة" بشكلها وطابعها الحالي، والذي نصت كل قوانين التعمير في البلدان المتحضرة على وجوب مسايرته للتطور والترقي بمجال الاهتمام بصحة المدنيين، وفرضت على المسؤولين على المدن وإعمال عقولهم ومواهبهم، التي من الله عليهم بها، من أجل الحفاظ على صحة المواطن وراحته واطمئنانه، كما هو دأب المخطط الغربي الذي لا يدخر جهدا في خلق التوازن الاستراتيجي للحفاظ على الصحة النفسية لقاطني المدن بزيادة مساحاتها وأحزمتها الخضراء وتطوير وتحفيز نمط الحياة الصحية المعتمدة على الجمال والخضرة والهواء النقي والسلامة من التلوث بكل أنواعه. بينما يعكف بعظ القائمين على التخطيط لمدننا، على الاحتيال على قوانين التعمير والعمران، ولا يألون جهدا في لي أعناق نصوصها وتأويل بنودها، لإفقادها القوة والفاعلية، حتى يسهل عليهم الإجهاز على حدائقها ومساحاتها وأحزمتها الخضراء، ويتمكنوا بالتالي من إباحة ما تبقى من مقومات التناغم ما بين ما هو مبني وما هو طبيعي، تحت ذريعة تشجيع الاستثمارات، كما قال السيد بنعبد الله وزير السكنى والتعمير وسياسة المدينة، في كلمته الاختتامية لأشغال الملتقى الوطني حول سياسة المدينة أن "طريقة تدبيرنا جعلت المشرع عندما يجد أمامه وضعية معينة، فإنه يحاول أن يؤقلم القانون مع واقع يوجد فيه فساد أو انحراف أو تحايل، فنجد معه انفسنا أمام صعوبات كبرى" ومصائب طالت التطور السلبي الذي تشهده المدن المغربية منذ عقود، والتي ما كان ليحصل لولا فشل جهود الحكومات في ضبط عملية تخطيط وتنظيم المراكز الحضرية المغربية الكبيرة، وتساهلها مع الجماعات الحضرية في خرقها لقوانين التعمير والبناء، وعدم جزر أجهزة البلديات المرتبطة بصحة المواطنين وتنظيم المدينة، ومتابعة ومراقبة توفر الشروط التقنية والصحية في مشاريع التعمير المنجزة ومدى احترامها للقوانين وتصاميم التهيئة، والتساهل مع المنتخبين الذين يقدمون المقاييس المالية والاستثمارات كأساس لتقييم التجارب الجماعية على حساب مهام الحفاظ صحة المواطن المرتكزة أساسا على الحفاظ على المساحات الخضراء والساحات العمومية والمنتزهات والمنصوص عليها في تصاميم التهيئات، وعض الطرف على تفويت الجماعات للمجالات الخضراء أو بنائها عليها، واهتمامها كثيرا باقتصاد النفقات التي تبدو لها زائدة، رغم لأنها حيوية للصحة والجمالية، إلا أنها لا تحقق الاستفادة المباشرة والآنية للناخبين والمنتخبين، ما يجعلهم يتهافتون على تقديم التسهيلات المجانية للمستثمرين، دون وضع شروط تضمن الحفاظ على البيئة والمحيط البيئي ما كان له وقع كبير وتأثير واضح في تراجع المساحات الخضراء داخل المدن لصالح الاسمنت المسلح الذي غزا مدننا بشكل يثير الاندهاش، وأفضح مثال على ذلك ما حدث بفاس، مدينة "جنان السبيل" التي كانت، وإلى الأمس القريب ومضربا للأمثال بعراساتها وجناناتها ومزارعها، وعنوانا بارزا لدى الأهالي والزوار المغاربة والأجانب، قبل أن يجتاحها التوسع العمراني العشوائي الذى التهم أراضيها الزراعية الواقعة على امتداد سهل سايس الذي شكل على مدى عقود سلتها الغذائية، وقسمًا من صادراتها، والتي توارت اليوم وتلاشت نهائيا، بسبب أطماع المسؤولين، وجشع المستثمرين، وبفعل المضاربة العقارية وارتفاع أثمان العقار الذي أدى إلى ندرة حقيقية ومفتعلة للأراضي الحضرية والمساحات الخضراء بشكل لا قبل للمدينة به في السابق، ولا من مدرك لهذا الخطر الذي تكاد تفقد معه الساكنة الفاسية الصحة والعافية والنسمات الطبيعية، ولا يخفى على أحد أهمية المجالات الخضراء ليس فقط في التخفيف من حدة التلوث وإنما أيضا في الترويح عن نفسية المدنين، وفي خلق إطار وفضاء أجمل للعيش لا يقطع سبب تواصل الإنسان مع الطبيعة، ويساهم في إشعاع المدن وتحسين صورتها ووظائفها لتلعب دور" الرئة الخضراء" بامتصاصها لبعض أنواع مكونات التلوث المسببة للأمراض المزمنة "الربو والسل والاكتئاب بما تنتجه من أوكسجين.
فكيف لنا على سبيل المثال والتساؤل والاستغراب النظر إلى مدينة كفاس بعمقها التاريخي والعلمي وقد اعتراها كل هذا الانحدار والانبطاح الخطير والقصور في مجال البنية التحتية ومقومات الحياة المستدامة، والتي أصبحت تشهد تراجعا خطيرا؟ وكيف يمكننا فهم ما يقع فيها، كواحدة من أكبر التجمعات السكنية في المغرب، وقد تحولت إلى كيلومترات من الشوارع القفر، والتجمعات السكنية الحجرية في غياب فضاءات ترفيهية ومجالات خضراء ومتنفسات تستقطب التدفق البشري الكبير وتلبي حاجيات الساكنة التي تزايدت ديمغرافيا وتوسعت مجاليا، وتوفر لها البيئة النظيفة والصحية, الخالية من التلوث الهوائي والمواد الكيماوية السامة لمخلفات الصناعة ومنتجاتها, الموفرة لحرية الحركة, والمحفزة للحواس, والمقلصة للضغوطات النفسية التي تجعل المدن المغربية معرضة بشكل كبير لاختلال في التوازنات سواء منها البيئة الطبيعية أو الصحية أو الاجتماعية أو الثقافية، والتي تعتبر الأجهزة الإدارية والتقنية البلدية والصحية مسؤولة عن تدهورها.

حميد طولست [email protected]



#حميد_طولست (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ذكرياتي المرة مع مستشفياتنا الخاصة والعامة.
- إلى متى هذا العجز عن القضاء على الفساد بالكاملة؟
- خواطر عمالية على هامش مؤتمر نقابي!
- من الأحق بالشكوى من الزيادة المواطن أم الحكومة !؟؟
- فن المعارضة أن تنام موالياً وتستيقظ معارضا
- ماذا بعد اللقاء الأول لمحاسبة رئيس الحكومة!؟
- ظواهر تثير الشوق وتوقظ الرغبة في تكرار الزيارات لباريس.
- مقياس نجاح العمل النقابي بالمغرب !؟
- بائعات الجسد مواطنات لا يجب احتقاراهن.
- هموم مهندس من وزارة التجهيز والنقل
- حلم الخلافة وأوهامها!؟
- وزارة التجهيز والنقل وزحمة الخروقات والتجاوزات !؟
- الذكورية المتطرفة تفقد المرأة روح التحدى والصمود والثقة في ا ...
- إذا كنت وزارة الداخلية -أم الوزارات- فإن وزارة التجهيز والنق ...
- هل نحن العرب في حاجة ليوم واحد للكذب؟ !
- غزو اللحى ينشر سحبا من الغموض !
- غلاب واليازغي يزاحمان الرباح على دور بطولة محاربة الفساد !
- الدعوة للخلق الحسن !!
- صعود التيار الإسلامي وتهميش المرأة !!
- الحكومة الإسلامية وقضية -لاكريمات- المأدونيات !؟


المزيد.....




- هيومن رايتس ووتش تتهم تركيا بالترحيل غير القانوني إلى شمال س ...
- بسبب المجاعة.. وفاة طفل بمستشفى كمال عدوان يرفع حصيلة ضحايا ...
- الأمم المتحدة تحذر: الوقت ينفد ولا بديل عن إغاثة غزة برا
- ارتفاع الحصيلة إلى 30.. وفاة طفل بمستشفى كمال عدوان بسبب الم ...
- الخارجية الأمريكية تتهم مقرّرة الأمم المتحدة المعنية بفلسطين ...
- تقرير أممي: نحو 60% من وفيات المهاجرين كانت غرقا
- قبيل لقائهم نتنياهو.. أهالي الجنود الأسرى: تعرضنا للتخويف من ...
- واشنطن ناشدت كندا خلف الكواليس لمواصلة دعم الأونروا
- الهلال الأحمر: إسرائيل تفرج عن 7 معتقلين من طواقمنا
- حركة فتح: قضية الإفراج عن جميع الأسرى الفلسطينيين تحتل أولوي ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - حميد طولست - مذكراتي مع المستشفيات العامة والخاصة. الحلقة الثانية: سياسة المدينة وصحة المواطن.