|
لماذا لا يأتي المهدي وجودو أبدا ؟؟
حميد طولست
الحوار المتمدن-العدد: 4184 - 2013 / 8 / 14 - 01:11
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
من الأكيد أنه بحكم تخلفها الشديد اجتماعيا وثقافيا وفكريا وروحيا ، تشكل أغلبية المجتمعات العربية والإسلامية ، بيئة خصبة جدا لإنتاج ونمو الأفكار والأساطير الشيطانية الخبيثة ، التي روج لها السياسيون المهوسون بالسلطة ، ورددها علماء الذين والمؤرخون المسلمون الموالون لهم ، وأقاموا في شأنها الدراسات ، وكتبوا عنها المقالات ، وألفوا فيها الكتب الكثيرة التي تمحورت كل موضوعاتها حول فكرة الإنتظارية اللانهائية للإنسان المسلم ، التي تلخصها أسطورة "المهدى" الذي سوف يظهر لتخليص العالم من أدران وظلم الأشرار والطغاة ، ويملأ الأرض قسطا وعدلا . وقد تناقلت تناقلت الأجيال الإسلامية جيلا بعد جيل ، طيلة 14 قرنا ، الأسطورة التي ليست بعيدة عن مسرحية "جودو" الشهيرة التي كتبها لروائى الإيرلندى "صموئيل بيكيت" ، عن قصة شخصين "فلاديمير و إستراكون" ، التقيا دون سابق معرفة على الطريق ، واكتشفا بعد محاورة بينهما أنهما ينتظران مجيء الشخص نفسه ليحقق لهما مرادهما ، ويدعى "كودو" الذي لم يكون أى منهما قد التقى به من قبل ، وأثناء انتظارهما ، جرى بينهما حديث فلسفي طويل يمكن تأويله لأكثر من معنى لدى القارئ ، انتهى دون أن يأتى الشخص المنتظر ، والذي عبر عنه عبد الوهاب البياتى بعبارة "الذى يأتى ولا يأتى ، والذي لم يمل المسلمون-سنة و شيعة- من انتظاره طيلة قرون ، دون أن يفقدوا شيئا من صبرهم ، عدا السيد حسن نصر الله رئيس حزب الله اللبنانى الذى نفذ صبره فبدأ يصرخ عاليا ، معاتبا ، الإمام مهدى ، على طول غيبته ، ولامبالاته بآلام المسلمين .. ــ وكما هو معروف عبر تاريخ البشرية بكل مراحلها ، أنه لم يأتي لأي شخص من الأشخاص المنتظرين ، أو تتحقق أية عودة ، سواء الأموات منهم أو مجهولي المصير ، أو أشباه الآلهة أو آلهة على شكل بشر ، تماما "كجودو" الذي لم ولن يأتي أبدا ، بدأً من نيرون قيصر روما الأعور ، الذي تحدث البعض عن عودته ، والذي دلت الكثير من الدراسات المتخصصة في التراث الديني اليهودي أنه هو الأعور الدجال نفسه المنتظرة عودته ، والذي كانت فكرة القضاء عليه (نيرون ) وراء ظهور معتقد عودة "المسيح المخلص " في التراث الديني المسيحي ، ونفس فكرة "العود" هته ، انتقلت الى معتقدات المسلمين بروايات مختلفة ، من تراث اليهودية والمسيحية وغيرهما من معتقدات الأمم القديمة الأخرى ، كالإغريق ، والهنود ، والمصريين ، والصينيين ، والتي اتفقت كلها على فكرة ظهور شخصيات معروفة ، مختفية في ظروف غامضة ، وعلى رأسها جميعها شخصية المهدي المنتظر المشهورة في التراث الشيعي -وفي غيره من المذاهب الإسلامية الأخرى - الذي آمن أتباعه بأنه لا بد من ظهوره في آخر الزمان ليملأ الأرض عدلا بعد أن ملئت جورا ، ويعز الإسلام بالسيف ويتولى الإمامة العظمى ، وذلك لارتباط تلك العودة والظهور في المعتقد الشعبي الإسلامي بالخلاص من القهر ، والأمل في الخروج من الأزمات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والعقائدية أيضا ، ــ وبرصد بسيط لهذه الظاهرة في بعدها السياسي ، وما عرفته من توظيف ممنهج للدين ، من أجل تحقيق أغراض دنيوية ، ورغم اختلاف الفقهاء حول صحة فكرة عودة المسيح الدجال ، والمسيح المخلص ، والمهدي المنتظر ، التي تسربت إلى الحضارة الإسلامية من الحضارات القديمة الأخرى ، ورغم انتفاء اجماع علماء المسلمين على مصداقيتها في التراث الإسلامي ، وانقسامهم في شأنها بين مؤيد ومنكر ، نجد أن سهولة استغلال فكرة "عودة الأشخاص" لتسنم ظهر السلطة ، والوصول لحكم وإمامة الشعوب التي يسحرها الخطاب الديني ، ويغريها أمل دولة الخلافة ، جعلت كل الدعوات الإسلامية ، تروج - عبر التاريخ الإسلامي - لرجوع الكثير ممن مات من الأئمة عن طريق التناسخ ، ودفعت بكل حركات الإسلام السياسي ، لابتكار مهدييها المنتظرين ، فكان للأمويين "السفياني المنتظر" ، وللعباسيين "صاحب الرايات السود المنتظر" ، وللشيعة ومن عانق أفكارهم "المهدي المنتظر" .. والملفت للانتباه ، أن الإسلام السياسي المعاصر لم يسلم هو الآخر من الظاهرة ، حيث تفنن سياسيوه الإسلامويين في ابتكار مهدييهم ، المعلنين منهم ، والذين ينتظرون الوقت المناسب لإعلان الظهور ، كما هو الحال بالنسبة لجماعة الإخوان المسلمين بمصر ، الذين حولوا رئيس مصر السابق د مرسي ، إلى مهدي منتظر ، وجعلوا من فكرة عودته - بعد الإطاحة به في ثورة الشعب في 30 يونيو بمساعدة الجيش - قضية إيمانية ، ومعتقد ديني يؤمن به المريدون ، وجعلوا العمل من أجل عودته أساس العبادة والإيمان ، تحول معها مرسي إلى أيقونة للعبادة ، يتوجب قبولها ، رغم أنه لم يُرفع إلى السماء كالمسيح ، ولم يكن كالنبي يوسف "الصديق" بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل عليهم السلام ، ولم يدخل في جدار ويختفي كما الفقيه الإثنا عشري ، ولم تُفقد آثاره أثناء الصراعات والحروب كما القيصر نيرون الأعور ، بل كان ولازال من الاحياء ، يرزق في سجن طورا ، حيث يتابع في تهم جرائم الخيانات التي اقترفها في حق مصر والمصريين .. وليس الإخوان وحدهم من آمن بحتمية عودة شخصية منهم لغايات الإنقاذ وتلبية الرغبات والأهداف ، التي يتوقف تحقيقها على وجوده هو بالذات . لقد شاع ذلك المعتقد بين الكثير من الأمم والشعوب ، رغم انتفاء تحققه ، مند قدماء الهنود الذين آمنوا بعودة آبائهم وأجدادهم العظام ، إلى الأسبان الذين اعتقدوا هم أيضا بعودة ملكهم روذريق ، والمغول الذين انتظروا عودة جنكيزخان.. ومن بين السعوب التي انتشر لديها هذا المعتقد بصفة كبيرة ، بعض بلدان افريقيا وسوس ، كما أشار إلى ذلك ابن خلدون بقوله: "إن أهل رباط ماسة كانوا يعتقدون في زمانه بأن المهدي سيكون منهم أو أنهم هم الذين يقومون بدعوته إن لم يظهر فيهم" . ولما شاع خبر تمكن هذا الاعتقاد بالكثير من المغاربة ، حج إليهم الكثير من منتحلي المهدوية في محاولة لاستغلالهم وتوظيفهم في إقامة دعوات سياسية ، من أجل الوصول إلى السيادة والريادة والحكم ، كما قال ابن خلدون أيضا : "وأكثر المنتحلين لمثل هذا تجدهم مُوَسْوسين أو مجانين أو ملبِّسين يطلبون بمثل هذه الدعوى رئاسة امتلأت بها جوانحهم وعجزوا عن التوصل إليها بشيء من أسبابها العادية ، فيحسبون أن هذا من الأسباب البالغة بهم إلى ما يؤملونه من ذلك" ــ ومن غرائب الأمور ، ان وسائل الإعلام المغربية ، تناقلت ، قبل شهور، خبر ظهور احد منتحلي المهدوية ، يدعو أتباع للتبرع بممتلكاتهم لفائدة جماعته ، التي أسماها "الجماعة المهدوية" والتي تدين له بالطاعة العمياء حتى في معاشرة اازوجات ، التي يلتمسون إذنه في ممارستها ، ويفرض عليهم تغير أسمائهم بأخرى من اختياره لأن الأصلية مدنسة . لكن يقظة السلطات المغربية كانت له ولجماعته بالمرصاد ، حيث ضبط زقدم للمحاكمة وأودع السجن ، ليكون عبرة لغيره من المهوسين بالسلطة وجاهها الذي يعمي الأبصار عن احتساب العواقب والتبعات ، كما قال عنهم ابن خلدون الذي تعقب أخبارهم في المقدمة والعبر : "ولا يحتسبون ما ينالهم فيه من الهلكة ، فيسرع إليهم القتل بما يحدثونه من الفتنة ، وتسوء عاقبة مكرهم " .. فهل ستكون عودة مرسي هي الأولى في تاريخ العائدين ؟ وهل سيكسر الإخوان المصريين قاعدة "اللاعودة"، بما يدعونه من أن عودة "مرسيهم المنتظر" هي قاب قوسين أو أدنى ، بدعوى نزول الملاك جبرائيل عليه السلام إلى رابعة العدوية للصلاة معهم وتبسيرهم بذلك ، حسب رؤية أحد شيوخهم الأجلاء .. فحري بكل من راهن ويراهن ، في زمن الأنترنيت ، على فكرة الانتظارية -اقتناعاً أو أملاً فى مصلحة- أن يعتبر ويتعلم من دروس التاريخ وتجارب الجغرافية ، التي تظهر لكل ذي شيء من الحصافة ونزر من عقل ، وأن أتباعها من الخاسرين ، لأنه ليس الأمل في ظهور "المهدي" الرجل الخارق أو القلب الشجاع الذي سيغير واقع العباد والبلاد بلمسات سحرية ، ولو كان بكاريزمية شارل ديجول السياسية ، وثقة وثبات ايزنهاور ، وجرأة وشعبية ناصر ، وسرعة ونجاعة تدخل "الرامبو " الامريكي ، ، بل إن الأمل لن يكون إلا في ظهور ثورة صناعية حقيقية تتضافر فيها الجهود بشكل يقلب الأوضاع الاقتصادية للأمة العربية والمسلمة ، ويُخرجها من دائرة الاستعمار الاقتصادي والتبعية للرأسمالية العالمية المتوحشة التي لا تزيد المواطن المسلم في كل البلاد العربية والإسلامية ، إلا عناء وشقاء مع ظروف وواقع اجتماعي ثقافي واقتصادي.. فالأمل إذن معلق بيد الحكام والسياسيين والنخب الذين يجب أن يعملوا جميعهم لمصالح شعوبهم ، بكل إخلاص من غير عداوة ولا وصاية ولا إقصاء ، ويكفوا عن التفكير والعمل بصيغة " إما نحن أو الطوفان " ، إذ ذاك سيبنى مستقبل الأمة ، ويرسخ نظام الحكم الديمقراطي العادل فيها ، ويسود الأمن والاستقرار والرخاء ، ويتحول كل رجالاتها إلى مهدي حقيقي فاعل ، بذل ذلك المنتظر الذي لن يأتي أبدا.. هذا كنا الأمة لا تريد العيش خارج الزمن ، لأنه من المعروف أن من يعيش خارج الزمن مهدد بالزوال والتلاشي والانقراض ؟ وهل يمكن القول بأن إصرار امة العرب والمسلمين على انتظار من لا يأتي ، مسيحا كان أو مهديا أو أوبما ، في زمن العقل وزمن العلم والعمل هذا ، هو بدية انقراض كل من لا يرى في العقل المنقذ والمخلص ،و حكم بالزوال والتلاشي على من يكتفي بانتظار ظهور الهادي المهدي الذي رغم تقديسه ، فإنه لا ولن يصلح لهذا الزمن ، الذي يُقدس فيه العلم والعمل ويُرفض فيه التواكل والانتظارية ، التي يقول عنها صوموئيل بيكيت فى مسرحيته (فى انتظار كودو) على لسان الشخصيتين المتحاورين، بأن الإنسان يعيش و يقضى طوال حياته وهو فى حالة انتظار مستمر لا نهائى لحدث ما كبير يغير حياته ، ومعجزة ما تغير أوضاعه التى يئس منها ، أو شخص ما يحمل معه الحل السماوى المقدس حيث تناط به المهمة المستحيلة تحقيقها على يد الآخرين ، فيحقق العدل و ينتصر للمظلوم و يضع الأمور حيث يجب ان تكون .
#حميد_طولست (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الإسلاميون والعفو الملكي عن مغتصب البراءة !؟
-
الإعاقة في المغرب وحقيقة الولوجيات!
-
كلام غير مقبول من وزير سابق !
-
الجدارن فضاء مثالي لتصريف المكبوتات.الجدارن فضاء مثالي لتصري
...
-
من فتنة عثمان إلى فتنة مرسي
-
الديمقراطية والإسلام السياسي
-
هل الدين هو السبب فيما يحدث من صراع بين الناس ؟؟
-
قمة الخداع والنفاق !
-
توحيد الصيام بين الشعوب العربية والإسلامية
-
مذاقُ لحمِ الخيل خير أم لحم الحمير؟؟؟
-
الخرافات الإخوانية !!
-
الصحة ليست ترفا ينعم به الأغنياء ، ويستجديه الفقراء !!
-
أفول نجم إخوان مصر يزلزل باقي الأنظمة الاستبدادية الاستعبادي
...
-
سقط وهم الخلافة، و لم يسقط الإسلام ؟
-
تجربة الإقتراب من الموت !؟
-
لا حزن يعدل حزن الفقد بالموت ، ولو كان موت كلبة !!
-
اقتباس ، أم سرقة فاضحة ؟
-
القاهرة، عروس النيل وجوهرة أم الدنيا..
-
يوم عامل أزلي!!!
-
شعارات فاتح ماي، و قضايا العمال الكبرى.
المزيد.....
-
“عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي
...
-
شاهد..المستوطنين يقتحمون الأقصى في ثالث أيام عيد -الفصح اليه
...
-
الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام
...
-
طلاب يهود بجامعة كولومبيا: مظاهرات دعم فلسطين ليست معادية لل
...
-
مصادر فلسطينية: أكثر من 900 مستعمر اقتحموا المسجد الأقصى في
...
-
مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى تحت حراسة إسرائيلية مش
...
-
سيبدأ تطبيقه اليوم.. الإفتاء المصرية تحسم الجدل حول التوقيت
...
-
مئات المستوطنين يقتحمون باحات الأقصى في ثالث أيام عيد الفصح
...
-
أوكرانيا: السلطات تتهم رجل دين رفيع المستوى بالتجسس لصالح مو
...
-
“خليهم يتعلموا ويغنوا ” نزل تردد قناة طيور الجنة للأطفال وأم
...
المزيد.....
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
-
جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب
/ جدو جبريل
-
سورة الكهف كلب أم ملاك
/ جدو دبريل
-
تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل
...
/ عبد المجيد حمدان
-
جيوسياسة الانقسامات الدينية
/ مرزوق الحلالي
-
خطة الله
/ ضو ابو السعود
المزيد.....
|