أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - طيب تيزيني - سوريا وحكمة «سنوحي»














المزيد.....

سوريا وحكمة «سنوحي»


طيب تيزيني

الحوار المتمدن-العدد: 4190 - 2013 / 8 / 20 - 08:12
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تقدم لنا كتب التاريخ المصري القديم الفرعوني نماذج من الكتاب الذين نقلوا لنا أخبار حروب دمرت الحجر والبقر وحضت على معالم إنسانية بدرجة تصل حد الفظاعة. ولما كانت الحروب في مصر وفي غيرها كفيلة في حالات غير قليلة بزرع الموت حيثما وجد بشر ونزاعات وحروب، بأدوات بدائية تطيل فترة الموت على نحو مأساوي. وكان ذلك متوافقاً مع مستوى التطور الحضاري المادي. وقد اقترن هذا المستوى من التطور بالقدرة على تحويل الأرض إلى مقابر جماعية لا يعرف أولها من آخرها. وكان هو ذلك يزيد، ويكتسب على أيدي الناس طابعاً مقدساً بعد أن أخذ يقترن باعتقادات دينية وباستخدام مواد يعتقد أنها تخلد البشر، وتجعل المتنفذين منهم فاعلين كذلك في قبورهم كما كانوا في حياتهم، مما زاد من الاهتمام بالموتى، بحيث أنتج ذلك منظومة من الطقوس والأقوال والأفعال يجب احترامها والامتثال لها وتعديل وتطوير تقنياتها.

لقد عاشت بلدان كثيرة في العالم القديم مثل هذا النحو المذكور. وكان التأكيد على مصر منطلقاً من الدراسات التاريخية الكثيرة، التي اشتغل عليها باحثون ومؤرخون ومستشرقون، نظراً لأهمية مصر التاريخية. والطريف أن نصاً كتابياً مصرياً قديماً تمّ التوصل إليه لكاتب مصري قديم اسمه سنوحي. وقد ترجم هذا النص إلى العربية في مصر ضمن سلسلة (كتاب الشهر). وفي هذا الكتاب يطلق الكاتب الحكيم سنوحي صرخة توجع واحتجاج، معلناً أن الأرض امتلأت بالموتى، الذين يموتون يميناً وشمالاً؛ مما سيجعلون أهل الموتى القادمين عاجزين عن إيجاد «حفرة»، يُحافظون فيها على كرامة الميت والموت. هكذا وعلى هذا النحو تنطلق الصرخة الثانية من أفواه الموتى وذويهم أن التهمينا أيتها الأرض، حيث شئت وحتى لو كنت ملونة بالدماء، التي استباحتها حراب القتلة ممن «فقدوا كرامتهم».

هذه الصورة المرعبة التي كانت تجتاح المسالمين وغيرهم في شعوب قديمة كثيرة، مثلت نموذجاً للفعل الخبيث الذي يستبيح الأرواح، ويمثل بالأجساد، وعبرت بكيفية كونية فظيعة مرعبة عن الأفعال الشائنة التي تدفع ثمنها أطراف عظمى من الشعب السوري، التواق إلى الحرية والكرامة والعدالة، وما أعلمنا إياه الكاتب الحكيم الدرامي عن أن الذي يقتل، لا يجد مأوى لجسده الذي دخل مرحلة السبات والهدوء الأبدي، فكم قتل أطفال ونساء وشباب وظلت أجداثهم تبحث عن مأوى، بعيداً عن أيادي وأرواح الشريرين القتلة، مما يعني لهؤلاء الضحايا أنهم رغم ذلك لن يسلموا من أذى الشريرين المجرمين ثانية وثالثة.

لقد أطلق «سنوحي» صرخته الغاضبة في وجه من يعمل على امتلاك ذوات البشر أحياء وأمواتاً، وقد زاد الأشرار القتلة في سوريا على ذلك أن أضافوا صيغاً وأنماطاً جديدة من الموت على حياة أولئك الأطفال والنساء والشيوخ. من ذلك اللجوء إلى الأسلحة الكيميائية، وإلى تقطيع أجساد الأطفال بالسكاكين، وقتل الشباب بأحجار ضخمة توضع على رؤوسهم، وحرق الأجساد وهي حية، وغيره. ويأتي ذلك في عصر تتصاعد فيه وتائر التقدم والنهوض العلمي والتكنولوجي العولمي، وتتفكك فيه ما حققته بعض الشعوب من تصورات سارة لفترة في طريق حداثة أحادية الجانب، أي عبر عداء وحشي وغير مسبوق لمنظومات القيم الحضارية، التي أسست خصوصاً لمنظومة حقوق الإنسان.

مبادئ الثورة السورية وقواعدها وقيمها لن تنتصر إلا بعد التأسيس لمحاكم عادلة حقاً تحاكم من أسسّ للقتل، بعد الشهر السادس من اندلاعها، وإذا كان ضرورياً التأكيد على رفض الثأرية الجاهلة الفاضحة، فإن العدل أساس الوطن والدولة المدنية القانونية الحافظة للكرامة.



#طيب_تيزيني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سوريا: الطريق من أوِله!
- سوريا: السياسي والاعتقادي
- جيوش العالم الثالث
- سُلّم الأخطار
- الثورة السورية والمشهد المصري
- الطائفية والثأرية... موقف واحد
- من مؤامرة كونية إلى ثورة
- اقتراحان لإخماد حرب القرن
- الثورة السورية... وذريعة «المؤامرة الكونية»
- طرق لابتلاع الثورة السورية
- العرب بين السياسة والدين
- الرئيس المستقيل من حزبه
- الإصلاح «المغلق»
- سوريا... إلى أين؟
- الثورة السورية... إلى أين؟
- الانتفاضة السورية والسياسة
- عامان وبداية عصر جديد
- الحوار السياسي
- نكسة «نصرالله»
- قانون الاستبداد الرباعي!


المزيد.....




- طبيب فلسطيني: وفاة -الطفلة المعجزة- بعد 4 أيام من ولادتها وأ ...
- تعرض لحادث سير.. نقل الوزير الإسرائيلي إيتمار بن غفير إلى ال ...
- رئيسي: علاقاتنا مع إفريقيا هدفها التنمية
- زيلينسكي يقيل قائد قوات الدعم الأوكرانية
- جو بايدن.. غضب في بابوا غينيا الجديدة بعد تصريحات الرئيس الأ ...
- غضب في لبنان بعد تعرض محامية للضرب والسحل أمام المحكمة الجعف ...
- طفل شبرا الخيمة.. جريمة قتل وانتزاع أحشاء طفل تهز مصر، هل كا ...
- وفد مصري في إسرائيل لمناقشة -طرح جديد- للهدنة في غزة
- هل ينجح الوفد المصري بالتوصل إلى هدنة لوقف النار في غزة؟
- في مؤشر على اجتياح رفح.. إسرائيل تحشد دباباتها ومدرعاتها على ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - طيب تيزيني - سوريا وحكمة «سنوحي»