|
ثقافة السير بين الواقع والمأمول !
حميد طولست
الحوار المتمدن-العدد: 4187 - 2013 / 8 / 17 - 22:30
المحور:
المجتمع المدني
ثقافة السير بين الواقع والمأمول ! تتطور الأمم بتطور شعوبها ، وتتطور الشعوب بتطور إنسانها الذي يتطور بدوره بتطور مؤسساته الثقافية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية , التي تحمل شعلة التطوير والتجديد والمساهمة في ترسيخ قناعة ومبدأ ، "أن النجاح حليف العمل الجماعي الجاد ، والدقة والتكامل والانسجام في الأداء ، والمراجعة والتصحيح وإدامة المسير لتحقيق كل ما يقدم الحلول لمشاكل المواطنين ، ويخفف عنهم وزر الأعباء التي يئنون تحتها , على اختلاف مجالاتها الاجتماعية والثقافية والسياسية ، والتي من بينها على سبيل المثال لا الحصر ، معضلة السلامة الطرقية ، التي يدرك الجميع ان كثرة الوصلات الإشهارية ، والفقرات الإعلانية المدفوعة الأجر مسبقا ، ليست في مستوى حل مشاكلها المعقدة ، أو تحديث منظومتها الشبه المعطلة ومؤسساتها الفرجوية المناسباتية , سواء كانت تلك الحلقات الإشهارية وطنية متقدمة من حيث واقعيتها وتاريخيتها ، او تجارية متراجعة متخاذلة في مسؤولياتها الإنسانية .
دعونا الآن ويلات ما نعيشه مع بعض تلك الفواصل الإشهارية التي يقال عن بعضها أنها توعوية رغم أنها تقض مضاجعنا ، ويُقابلُ بعضها بعواصف من التعليقات الساخرة ، ويُوصف بعضها الآخر بالمهزلة ، والتي ليس زخمها الفاضح ، تأكيد وجزم على سلامة السير على طرقاتنا ، ونجاح خطط وزارة التجهيز والنقل فيه ، والذي تكذبه جملة وتفصيلا -كما يكذب حصاد البيدر الآمال المعقودة على الحقول - تلك المشاهد المقرفة للحوادث المرورية الكثيرة التي يتعرض لها المواطن المغربي ، والتي تتراقص أمام أعيننا على شاشات المواقع الالكترونية الفاضحة لكل حقيقة مقبمورة ، والكاشفة لكل معلومة مستورة ، حول أبسباب حالة الفوضى والفشل الدريع الذي تدار به أمور السلامة الطرقية ، والتي لا شك ان هاجسها الخطير , يشغل مساحة كبيرة من حيز تفكير مواطني ومسؤولي على حد سواء ، ويقلق كل من يريد أن يكون السير في هذا البلد سليما ، آمنا كما هو الحال في البلدان المتحضرة , الشيء الذي يدعو إلى التحرك السريع والفعال لمختلف الأطياف الاجتماعية والسياسية ، وكل النخب المثقفة ورجال التربية والمنظرين والفعاليات الاقتصادية ، لتهيئة أجواء مصالحة المغاربة مع قوانين السير على طرقاتهم ، والتي اجزم ان عموم المغاربة لديهم الاستعداد الكبير ، ليس لقبول كل المبادرات الجادة والناجعة لتخليص المواطن من كابوس مخاطر السير فقط ، بل كلهم تطوعية للمساهمة والمشاركة والتحرّك بكل تلقائية لوأد كل أسباب المس بقوانين السير أو خرقها ، لما في ذلك من سلامة لهم ، ومصلحة ومستقبل لهذا الوطن .. ومما لا شك فيه أن المغربي ، يستشعر ، كغيره من مواطني البلدان المتحضرة ، ثقل وخطورة مسؤولية عدم التقيد بالأنظمة المرورية ، لما لها من تداعيات اجتماعية واقتصادية خطيرة على مستقبله ، حيث أنه يتمكن ، من التعايش مع أنظمة السير وقوانين الجولان ، بكل يسر واحترام ، كلما حل ببلاد الغرب ، لكنه يفشل في تحقيق ذلك التعايش والاحترام المتبادل مع نفس القوانين في بلاده أو أي من البلدان العربية الأخرى ! . فلماذا يخفق في ذلك يا ترى؟؟ . طبعا لا نحتاج إلى تخمين أو طرح احتمالات متعددة ، لأن الجواب بين وواضح وضوح الشمس ، وتريده مجرد تحصيل حاصل ، لأن السبب وبدون واحد وفريد ، ويمكن تلخيصه في غياب الثقافة المرورية بكافة معانيها وأشكالها الحقيقية والصادقة ، الشيء الذي يفرض لنشرها بين المواطني ، تضافر الجهود الاجتماعية والسياسية والثقافية والاقتصادية ، حتى تصبح الثقافة المرورية ، سمة من السمات الأساسية ، التي يتحلى بها المواطن بأريحية ، وقيمة من القيم الضرورية التي يتشبع بها الجميع مند نعومة الأظافر ، حتى يشعر المواطن بانخراطه التطوعي في المساهمة الجادة في تحقيق السلامة المرورية ، والمحفاظة على أرواح المواطنين ، وصون ممتلكات الوطن . ــ كما هو الحال بالنسبة للشعوب المتحضرة ، التي ترتبط الثقافة المرورية عند إنسانها ارتباطا وثيقا بحياة وسلامة الجميع ، والذي يعتبر الوعي والثقافة المرورية دليلا واضحا على رقي وتقدم وطن ، والذي بات احترام الأنظمة والقواعد المرورية ، والابتعاد عن ارتكاب السلوكيات المرورية الخاطئة عنده ، طبيعة متجذرة في أعماقه وجدانه ووجدان جميع المواطنين الذين آمنوا بمختلف فئاتهم العمرية والجنسية والثقافية والاخلاقية والنفسية ، بأن الثقافة المرورية حاجة ماسة وملحة ، والإلمام بها لا يختلف عن باقي الثقافات الإنسانية الأخرى ، وان التشبع بها يخلق شعوراً بالأمن والطمأنينة لدى المتشبع بها ، كما يترك إحساساً جميلا وصاعداً بمكانة الفرد ووجوده في مجتمعه كأحد أفراده المساهمين في تحقيق أقصى درجات أمنه وسلامته المرورية ، والعامليت على التقليل من حوادث السير التي باتت تقلق الجميع بكل ما ينتج عنها من خسائر على كافة الأصعدة المادية منها والمعنوية .. والتي لا يتنبه مسؤولونا إليها ، إلا حين وقوع الكارثة , وبعد أن تكون الفأس قد وقعت في الرأس وحصدت أرواح المواطنين الأبرياء ، كما حصل قبل شهور في فاجعة الحوز المؤلمة ، التي تعرضت خلالها حافلة نقل على طريق ما يسمى بطريق الموت او الطريق المشؤوم "تيزي نتشكا" ، وغيرها كثير من الحوادث الخطيرة ، كتلك التي وقعت صباح يوم السبت 10 غشت على الطريق الوطنية بين تطوان والحسيمة ، والتي أودت بحياة 17 عنصرا من الحرس الملكي ، وجرح 42 آخرين . والتي تتكرر -مع الأسف الشديد – بعدها الحوادث نفسها , وتصدر تقارير التحقيقات ذاتها بعد كل كارثة ، وكأنها نسخ منسوخة من ملفات تم الاحتفاظ بها منذ كوارث تعود إلى عقود ، فلا يستقيل وزير , ولا يحاسب مسؤول ، حتى عندما يفشل مثل وهم/مشروع ضبط حركة السير والجولان عبر كاميرات للمراقبة ، الذي جاء وفق ثمرة شراكة بين وزارة الداخلية والمديرية العامة للأمن الوطني ومجلس مدينة فاس ، المدينة التي ما يزال وضع المرور بها مرتبكا ، بل ويدعو للقلق ، رغم تثبيت العديد من تلك الكاميرات بمختلف المدارات والشوارع والساحات العمومية ، والتي لن تجدي وحدها في ضمان حركة المرورية السلمية والسلسة ، مع انعدام التشوير وغياب شرطة المرور في بعض الأماكن الحساسة من المدينة التي تعرف نموا ديموغرافيا مهما ومقلقا ، وتوسعا غير معقلن يجعل عدد رجال المرور - رغم الجهود الكبيرة التي يبذلها رجال الأمن العام ورجال المرور - في سباق غير متكافئ مع الزيادة السكانية التي تشهدها المدن عامة أطرافها والأحياء الشعبية بها على وجه الخصوص ، والتي تعرف اكتظاظات مهولا ، وتشهد تسجيل حوادث مرورية عديدة وخطيرة .. لاشك أن الكثير ممن زاروا دول الغرب وخصوصاً فرنسا وألمانيا وغيرهما من البلدان المتقدمة ، يلاحظون قمة الانضباط المروري وتميزه ، حتى في أحلك الاختناقات المرورية وأخطرها ، والتي تتكدس فيها آلاف السيارات والشاحنات ، وتدوم الساعات الطوال ، والتي يتساءل البعض عن سبب سعة صبر السائقين وتقبلهم الوضع بأريحية ودون عصبية او تشنج ، وهل هو ناجم عن درجة التعليم او ارتفاع مستوى الوعي او هو نابع من سمو الأخلاق ، او ناتج من احترام الناس لبعضهم البعض ، أم انه انضباط لا يعدو خوفاً من الصرامته والجدية في تطبيق القانون ؟ والحقيقة أن العامل الرئيسي في ذلك هو من كل ذلك مجتمع ، لكن تبقى أخلاق الناس السامية والثقافة المرورية المتميزة ، التي تشربها مواطنو تلك البلدان مند الصغر ، هي الأساس الذي جعلهم ينضبطون للقانون ويحترمونه ، بل وصبح عندهم احترامه من البديهيات والمسلمات ، التي يصعب على المرء التفكير في انتهاكها ، لو بخرق أقل إشارة للمرور وحتى لو كانت بعيدة عن أنظار شرطة المرور ، إلا إذا كان المتجاوز أحمقا أو معتوها . فما أحوجنا إلى مشاريع وطنية جادة لنشر مثل تلك الثقافة المرورية السليمة بيننا ، لكن أنت تكون معززة بالصرامة والشدة في تطبيق نظام المرور ، والتعزير وعدم مجاملة المذنب في حق قوانين السير وإشاراته ، ما دامت أخلاق ديننا الحنيف السامية ، لم تشكل عاملا مؤثرا في انضباطنا للقوانين عامة ، وانصياعنا للقواعد المنظمة للمرور ، والتي لا تروم في مجملها إلا المصلحة العامة ، تطبيقا لما جاء في الحديث الشريف "إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن".. حميد طولست [email protected]
#حميد_طولست (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لماذا لا يأتي المهدي وجودو أبدا ؟؟
-
الإسلاميون والعفو الملكي عن مغتصب البراءة !؟
-
الإعاقة في المغرب وحقيقة الولوجيات!
-
كلام غير مقبول من وزير سابق !
-
الجدارن فضاء مثالي لتصريف المكبوتات.الجدارن فضاء مثالي لتصري
...
-
من فتنة عثمان إلى فتنة مرسي
-
الديمقراطية والإسلام السياسي
-
هل الدين هو السبب فيما يحدث من صراع بين الناس ؟؟
-
قمة الخداع والنفاق !
-
توحيد الصيام بين الشعوب العربية والإسلامية
-
مذاقُ لحمِ الخيل خير أم لحم الحمير؟؟؟
-
الخرافات الإخوانية !!
-
الصحة ليست ترفا ينعم به الأغنياء ، ويستجديه الفقراء !!
-
أفول نجم إخوان مصر يزلزل باقي الأنظمة الاستبدادية الاستعبادي
...
-
سقط وهم الخلافة، و لم يسقط الإسلام ؟
-
تجربة الإقتراب من الموت !؟
-
لا حزن يعدل حزن الفقد بالموت ، ولو كان موت كلبة !!
-
اقتباس ، أم سرقة فاضحة ؟
-
القاهرة، عروس النيل وجوهرة أم الدنيا..
-
يوم عامل أزلي!!!
المزيد.....
-
قوات الأمن الروسية تقتحم مركز اعتقال وتقتل سجناء احتجزوا ضاب
...
-
إسرائيل تعلن -هدنة تكتيكية- في جنوب القطاع والأمم المتحدة تر
...
-
مولدوفا.. مسيرات لدعم المثلية وأخرى داعمة للقيم الأسرية (فيد
...
-
-طالبان- تعلن مشاركتها في محادثات الدوحة برعاية الأمم المتحد
...
-
شاهد: الآلاف يتظاهرون في تل أبيب مطالبين بعقد صفقة تبادل فور
...
-
غزة تبدأ أول أيام عيد الأضحى تحت القصف وشبح المجاعة وإسرائيل
...
-
بسبب -قائمة العار-.. إسرائيل تبحث -إجراءات عقابية- ضد وكالات
...
-
بمناسبة عيد الأضحى.. حماس تدعو لتكثيف الإغاثة بمواجهة حرب ال
...
-
مظاهرات حاشدة بتل أبيب تطالب بصفقة وتتهم نتنياهو بالتخلي عن
...
-
في ظل إغلاق المعابر.. شبح المجاعة يتهدد شمال غزة
المزيد.....
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
-
فراعنة فى الدنمارك
/ محيى الدين غريب
المزيد.....
|