جعفر المظفر
الحوار المتمدن-العدد: 4176 - 2013 / 8 / 6 - 17:34
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
عوامل ساعدت الأخوان على الفوز في إنتخابات الرئاسة المصرية
جعفر المظفر
الفكرة الأساسية هنا هي أن نفهم لماذا التحول السريع عن تأييد الأخوان وحتى الإصطفاف ضدهم من قبل ناخبين كانوا أيدوهم قبل سنة واحدة فقط.
ولكي نفهم كيف خسر الأخوان علينا أن نفهم أولا كيف ربحوا.
إن قسما أساسيا من الناخبين الذين صوتوا للرئيس المخلوع محمد مرسي كانوا في الحقيقة قد عبروا عن كراهيتهم لنظام مبارك أكثر مما كانوا يعبرون عن ولاءات متأسسة على معرفة حقيقية بإمكانات قيادة الأخوان للدولة والمجتمع.
إن التصويت في تلك المرحلة الإفتراقية الحادة كان في كثير من وجوهه رفضا صارما للنظام القديم أكثر منه إختيارا لبديل مقتدر.
في المقابل فإن المرشحين الآخرين لم يأتلفوا ضمن تنظيم يمكنهم على المنافسة الندية, ولو أن ذلك قد حصل لتراجعت شعبية الأخوان في الإنتخابات.. وحتى مع وجود هذا التباعد والتمزق فإن العودة إلى الأصوات التي حصل عليها المرشح أحمد شفيق المحسوب على نظام مبارك كانت اشارت إلى وجود معارضة حقيقية لمرشح الأخوان, وقد فضلت هذه المعارضة, رغم كرهها لنظام مبارك, أن تصطف مع أحد رموز النظام السابق على أن تمنح ولاءها لمرشح الأخوان.
استطيع القول ان الأخوان المسلمين فازوا في معركة إنتخابية لا تمت كثيرا إلى (اللحظة الديمقراطية) بصلة قوية. وما أنتجه هذا الفوز من شرعية لا يعبر في حقيقته عن تقدير يقول انهم صالحين لقيادة الدولة بقدر ما يعبر عن تقدير لدورهم في المعارضة في ظل غياب أو تبعثر القوى الأخرى.
وفي ظل ظرف كهذا فإن فرصة الديمقراطية للتعبير عن نفسها بشكل سليم تضيق جدا ولا تعود هناك فرصا حقيقة ومساحات لائقة للتعبير عن الطموح الذي غالبا ما ينصرف إلى ضرورات التغيير أكثر مما ينصرف لدراسة كفاءة البديل, وتصبح العملية هنا قريبة من الحالة التي تقول: ليس حبا بعلي وإنما كرها بمعاوية.
إن عددا لا باس به من الأصوات ذهبت إلى مرسي نتيجة لمعادلة الإضطرارهذه ولم تؤسس لها اللحظة الديمقراطية العادلة التي تتيح التنافس المشروع بين مرشحين يمتلكون في ذات اللحظة فرص ومساحة التنافس المتكافئ والعادل والتي من شأنها أن توفر درجة كافية من وعي البرامج المطروحة لقيادة الدولة الجديدة.
وبالنتيجة فإن كثيرا من الجماهير التي صوتت لصالح الأخوان كانت في الحقيقة مهتمة بالتصويت ضد نظام مبارك أكثر مما كانت مهتمة في لحظة الإختيار تلك بالتصويت الواعي للإخوان, والدليل على ذلك سرعة إنسحابهم من الدائرة الجماهيرية الملتفة حولهم, إذ سرعان ما تحول عدد كبير من هؤلاء إلى موقف يطالب بسحب الثقة من مرسي, ولو أن إختيارهم للمرشح الأخواني كان إختيارا واعيا وملتزما لما إنفضوا عنه بعد سنة واحدة لا غير, ولما ذهبوا إلى أبعد من ذلك, وهو مطالبته بالإستقالة.
إن سنة واحدة لا تكفي بطبيعة الحال للإنتقال من موقع إلى نقيضه لو لم يكن خيار هؤلاء قد تم وفق معادلة (ليس حبا بعلي وإنما كرها بمعاوية). ويوم لم تعد كراهية معاوية هي التي تلعب دورا في التحشيد فإن إبتعاد هذه النسبة الهامة من الناخبين عن الرئيس الأخواني كان طبيعيا.
إن ذلك كان واحدا من أهم الأسباب التي هيأت للحظة الفوز الإخواني, أما السبب الثاني فهو نجاحهم بالعمل في (الساحات الميتة), وأقصد بها المرحلة التي بلغ فيها الفقر والبطالة والمرض واليأس حدا مهينا بحيث أن كل حركة إيجابية يقدمها فصيل في المعارضة كانت تكسبه كثيرا.
ولقد نال الإخوان كثيرا من شعبيتهم من خلال عملهم في المناطق الميتة لا في المناطق الحية, ولقد إخترت هذا التعبير لكي اقول أن الأنظمة الفاسدة, ومن ضمنها نظام مبارك غالبا ما تعمل لإنهاء كل شكل من اشكال المعارضة الحية التي تجسدها أحزاب تمارس دورها عبروجودها بين صفوف الناس وتكون بالتالي قادرة على أن تمتلك فرصا متكافئة للتعريف بنفسها. هكذا تبرز إلى الواجهة قوى لا تستحق شرعية المعارضة إلا لغياب قوى المعارضة الأخرى, وهكذا تغيب العدالة عن لحظة التكوين هذه فتختار الناس من يمثلها خيارا تغيب عنه عوامل وظروف المنافسة الحقيقية.
وما لجوء الكثير من معارضي نظام مبارك لإنتخاب المرشح المنافس أحمد شفيق إلا دليلا على أن خيارات الناس لم تكن خيارات صحية, وإن كثيرا من الأصوات إنضمت لشفيق لنفس حالة الإضطرار التي دفعت آخرين للإنضمام لمحمد مرسي.
إنها اللحظة الديمقراطية غير العادلة وغير المتوازنة وغير الصحية والتي من شانها ان تنتج خيارات قلقة قد يعيد أصحابها ترتيب مواقعهم مرة أخرى لكي يتحولوا من مع إلى ضد.
والحديث عن الكسب في المناطق الميتة سوف يعيدنا إلى حقيقة أن نظام مبارك قد عمل على إفقار المصريين كثيرا فهناك حديث عن جوع وفاقة إلى حد مفجع, وقد وصل عدد الذين ينامون في المقابر أو الذين يتوسدون رصيف الكورنيش أرقاما كبيرة. في ظل ظروف كهذه لم يكن صعبا على الأخوان أن يكسبوا كثيرا من التعاطف معهم, لأن العمل في المناطق الميتة لا يحتاج إلى جهد كبير أو كفاءة ووعي لازمين, فقد إستطاع الإخوان أن يكسبوا الكثير من ناس المناطق الميتة تلك من خلال تقديم إنجازات بسيطة, لكنها في تلك المناطق كانت تعتبر ذات تاثير بالغ على عواطف الناس, فإن تفتح فرن صمون في مناطق جائعة أو مستوصف صحي بين ناس لا يستطيعون تحمل تكاليف العلاج, أو مدارس ولو لمحو الأمية في مناطق تراجع فيها التعليم كثيرا هي بالتأكيد مكاسب ذات تاثير إيجابي كبير إذا ما قامت في الساحات الميتة.
العامل الأساسي الثالث هو ذا علاقة بالمزاج السياسي العام في عموم منطقة (الربيع العربي) وهي منطقة إلتف شعاعها ليشمل مناطق مجاورة كتونس ومن ثم ليبيا, أما النجاحات التي حققها إسلاميو تركيا فلقد كانت دون أدنى شك عاملا من العوامل التي هيأت المزاج المصري لمنح الأخوان الفرصة الكبيرة التي كان ممكنا لهم أن يحافظوا عليها لو أنهم إهتدوا بالتجربة التركية التي نجحت إلى حد كبير في علمنة إسلامها وصولا إلى أسلمة العلمانية . وليس من الحق نسيان دور الأموال القطرية التي وضعت تحت تصرف الأخوان والتي كان لها أثرا كبيرا في نجاح خطط الأخوان في المناطق الميتة, إضافة إلى المصاريف اللازمة لتغطية النشاط الإعلامي متمثلا في الفضائيات والصحف والنشريات.
الواقع أن إتساع المناطق المصرية الميتة التي تكفل سهولة الحصول على تأييد الناس, وغياب لحظة الخيار الديمقراطي المتوازن والعادل لصالح خيارات الإضطرار هي التي أعطت للإخوان زخم الفوز.
ولقد كان من الطبيعي أن تعاد مراجعة ذلك الفوز يوم تحرك المشهد السياسي المصري من المناطق الميتة إلى المناطق الحية وبان عجز الأخوان السياسي والمطلبي.. وهذا ما سأتعرض له في مقالة ثانية مخصصة للبحث في اسباب فشل الأخوان.
.
#جعفر_المظفر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟