أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - حبّة تمر، وصليب أزرق














المزيد.....

حبّة تمر، وصليب أزرق


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 4173 - 2013 / 8 / 3 - 14:34
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


حبّة التمر التي كسرتُ بها صيامي يوم 26 يوليو 2013، قدمتها لي صبيةٌ جميلة، لمحتُ في رُسغها صليبًا أزرق، بلون النيل، ولون عين حورس الفرعونية، فعرفتُ أن مصرَ تصحو من غفوتها، و أن شعبَها الطيب، في رباط إلى يوم الدين.
رُفع آذانُ المغرب، ودقَّت أجراسُ الكنائس في لحظة أسطورية واحدة. فتناولتُ إفطاري مع شباب من حركة تمرد الواعدين، وأنا أرمي ببصري من فوق المنصة الرئيسية أمام قصر الاتحادية لأتأمل ملايين المصريين يحملون الأعلام المصرية، ويتناولون إفطارهم معًا، فلا تميز المسلم من المسيحيّ. لحظة نادرة سوف يقرأها أولادُنا وأحفادُنا في كتاب التاريخ، ليتعلّموا أن مصرَ العريقة قد علّمت أبناءها، على مرّ الزمان، أن يقفوا يدًا واحدةً ضدّ الهادمين أعداء الحياة والجمال والمحبة. صنع أجدادنا لحظة أسطورية مشابهة. ففي ثورة 1919، صعد شيخ الأزهر وخطب على منبر أحد الكنائس، وصعد راهبٌ مسيحيّ وخطب من فوق منبر الأزهر، فأعطوا الشعبَ كله درسًا بليغًا حول معنى، وشرف، أن تكون مصريًّا. هو الدرس الذي جعل المهاتما غاندي يقول للزعيم سعد زغلول: "أتمنى أن يتعلم شعبُ الهند معنى الوحدة الوطنية الحقّة من الشعب المصري، نحن نغبطكم!" وتعلّمت الهندُ الدرسَ فانتخبت رئيسًا مسلمًا على أغلبية هندوسية. والمعادل الموضوعي "الخيالي" لهذا في مصر، هو أن ننتخب رئيسًا مسيحيًّا على أغلبية مسلمة، وهو ما لم يحدث. لأن الهند، التي كانت تحسدنا، سبقتنا على سلّم المواطنة وحقوق الإنسان ونبذ الطائفية. بل تمادت الهند في شوط التحضّر وانتخبت امرأة كرئيس لدولة الهند. لأن المعيار "الأوحد" لديهم، هو "الكفاءة"، وفقط، دون النظر إلى النوع أو العقيدة.
صومُ أقباط مصر المسيحيين معنا يومًا رمضانيًّا، من الفجر للمغرب، هو درسٌ آخر يؤكد لنا كم هم متحضرون لا يآخذوننا بما فعل السفهاءُ منّا. يومًا بعد يوم، نلمس وطنيتهم في مواقف صعبة مرّت بهم وبنا. حُرقت كنائسُ، وقُتل مُصلّون، لكنهم لم يستنجدوا بالغرب. بل قال البابا شنودة: "لو أن أمريكا ستحمي كنائسَنا، فلتحترق كنائسُنا، وليمُتْ المسيحييون؛ وتبقى مصر". ورفض الاستفادة بالتطبيع مع إسرائيل، وفق كامب ديفيد، فلم يسمح لأبنائه بالحج إلى القدس إلا حينما تتحرر، ليسافر المسيحي يدًا بيد مع شقيقه المسلم. وقبل رحيله عن هذا العالم، حاصر الكاتدرائية جيشٌ من المتطرفين وقاموا برفع السلاح والهتافات البذيئة. وكادت تندلع حربٌ أهلية. فخطب البابا في شعبه قائلا: "اِغفروا"، فتحول غضبهم إلى سلام ومحبة. تم إقصاء الأقباط من المراكز السيادية، وكثيرًا ما رُفض تعيين أبنائهم المتفوقين من أوائل الدفعة بالجامعة، لكنهم لم يحنقوا على المجتمع. جُزَّت جدائلُ بناتهم عنوةً في الطرقات، وأُجبرت فتياتٌ مسيحيات على الحجاب في شمال سيناء، لكنهم لم يفقدوا حبهم لنا كمسلمين. خرج موتورٌ أحمق واستهزأ برموزهم المقدسة على الهواء (ورموزنا أيضًا، لأنهم أنبياء بررة) ثم أحرق إنجيلهم علنًا أمام الكاميرات، فقالوا له: "الله يسامحك!" وخرج "شيخٌ" يسبُّهم علنًا ويدعوهم بـ"الصليبيين" الكفار، ويدعونا كمسلمين إلى كراهيتهم وعدم مشاركتهم لحظات العيد ولحظات العزاء. فما بغضوه ولا بغضونا، بل ظلوا يشاركوننا أعيادنا وأحزاننا. وحين مرض ذلك "الشيخ" وبُتِرَت ساقُه، سافر للغرب (بلاد الكفرة الصليبيين) طلبًا للعلاج، فما كان من أقباط مصر إلا أن رفعوا الصلوات المتواصلات لكي يشفيه الله.
شكرًا للمحن التي تجعلنا أكثر وحدة ومحبة وتماسكًا. شكرًا للإخوان والمتأسلمين الذين شاءوا أن يمزقوا نسيجنا، فوضعنا اليد في اليد لنرفعها يدًا واحدة في وجه الشرير عدو الخير.
وشكرًا للصبيّة الجميلة التي أطعمتني حبّة التمر، بيدها التي يجري في شرايينها دمي المصري.



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقال الذي مُنع من النشر في عهد مرسي
- عصام العريان، وحكايا عالم سمسم
- الفريق السيسي، صانع الفرح
- عزيزي مقهى إيليت
- يعقوب، وطفل يحمل الكفن
- مفتاح الحياة، يا مصرييييييين!
- إيد واحدة
- الشاهدُ على لحظة الفرح: المقدم حسين شريف
- حلمُ العودة إلى 1954
- مادةٌ -فوق- دستورية!
- -نريدْ/ إسقاط/ ْأبواقِ النظام -
- يومٌ آخر من ميدان التحرير، قلب مصر النابض
- لليوم الخامس عشر على التوالي، يحدث في مصر
- نحتاجُ رئيسًا بحجم تحضّرنا
- رسالة إلى كل أسرة مصرية، أرجوكم، لا تكونوا طابورًا خامسًا
- أكتب إليكم من ميدان التحرير
- احذرْ كتابَ التاريخ
- جمعةُ الغضب الساطع
- أشرف ثورة في تاريخ مصر
- شيءٌ من الخيال لن يفسدَ العالم


المزيد.....




- المرشد الأعلى الإيراني يعين مسئولين سابقين في مجلس الدفاع ال ...
- على خلفية رفض تجنيدهم في الجيش الإسرائيلي.. الزعيم الروحي لل ...
- قوات الاحتلال تعتقل 12 مواطنا من محافظة سلفيت
- أسوأ يوم في تاريخ المسجد الأقصى!
- أسوأ يوم في تاريخ المسجد الأقصى!
- عالم دين سني يطالب الأمة بالإستشهاد بطريقة الامام الحسين (ع) ...
- خبيرة دولية: الحوار بين الأديان أصبح أداة لتلميع صورة الأنظم ...
- رئيس المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بإثيوبيا: الجزيرة صوت ال ...
- الاحتلال يبعد مفتي القدس عن المسجد الأقصى لمدة 6 أشهر
- دمشق.. انطلاق مجالس سماع -موطأ الإمام مالك- بالجامع الأموي


المزيد.....

- علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب / حسين العراقي
- المثقف العربي بين النظام و بنية النظام / أحمد التاوتي
- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - حبّة تمر، وصليب أزرق