أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - فاطمة ناعوت - نحتاجُ رئيسًا بحجم تحضّرنا















المزيد.....

نحتاجُ رئيسًا بحجم تحضّرنا


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 3274 - 2011 / 2 / 11 - 12:12
المحور: حقوق الانسان
    


في قلب الأزمة تحدث الرئيس مبارك لمراسلة شبكة "ايه بي سي" الأمريكية، قائلا: "إن الملل أصابه من كونه رئيسًا ويرغب في مغادرة مكتبه الآن، ولكنه لا يستطيع خوفًا من أن تغرق البلاد في الفوضى". وأضاف: "قلتُ للرئيس أوباما أنت لا تعلم ثقافة الشعب المصري، ولا تدرك ما الذي قد يحدث إذا تنحيتُ الآن". يرى الرئيس مبارك أن بقاءه هو الضمانة الوحيدة لكي لا تعمُّ الفوضى، بما أننا فوضويون بالفطرة. ذكرني هذا بمقولة جمال عبد الناصر عام 1954 "أنا الذي علمتكم الكرامة!"، وأنور السادات الذي أصدر "قانون العيب"، معتبرًا نفسه أب الشعب الذي تعد معارضته خروجًا عن قيم القرية المصرية.
بعد ثلاثين عامًا على رأس الدولة، لم يفهم الرئيسُ بعد، طبيعة المواطن المصري. أولئك الثوار في ميدان التحرير ليسوا إلا مجموعة من صفوة الإنتلجنسيا المصرية من أساتذة الجامعة والأطباء والمهندسين وطلاب الجامعة يطمحون أن تنتمي بلدهم، التي يعرفون مدى عراقتها، إلى مصاف الدول الديمقراطية الأولى، فقرروا الخروج في مظاهرة بيضاء تحرر مصرَ من حكم شمولي طال أمدُه. ولأن طبيعة هذا الشعب مثقفة وواعية، في العمق، في مجمل طبقات الشعب ومستوياته، فقد التفت جموعُ الناس، من جميع أطياف الشعب المتباينة، حول تلك النخبة، فكان هذا الطوفان البشري الهادر الذي لا خيط يجمعهم، ثقافيًّا وسياسيًّا واقتصاديًّا وطبقيًّا، سوى الإيمان بحتمية التغيير، والحلم بغدٍ أجمل يشرق على مصر وقد عادت ليبرالية تعددية ديمقراطية.
إحدى المتظاهرات أجرت معها قناة الجزيرة مداخلة تليفونية قالت فيها ما يشي بحجم الوعي الرفيع الذي يمتلكه أولئك الثوار. أستاذة جامعية اسمها د. منى بشير، سألتها المذيعة كيف لجماعة من العُزّل يقطنون ميدان التحرير لأسبوعين، أن يختصموا آلة جبارة عاتية تمتلك العتاد والأسلحة والسلطان والأموال والمقدرة على قمع الناس وتحريكهم؟ فأجابتها بأن أولئك العُزّل، يمتلكون ما هو أخطر من كل ما سبق. يمتلكون الإيمان بحتمية إنقاذ الوطن. وهذا متظاهرٌ آخر، د. شريف زحط، الطبيب البشري، وأستاذ الجامعة. أخبرته المذيعة أن الناس في البيوت يرجونهم العودة لكي تعود لمصر الحياة الطبيعية. فقال لها إنه ترك بالبيت زوجته وأطفاله، واعتصم بميدان التحرير لأنه يريد أن يعود أطفاله للمدرسة فيجدون تعليمًا حقيقيًّا، ويريد أن يعود إلى عمله بالمستشفى فيجد الدواء الذي يعالج به مرضاه، ويجد الراتب الذي يليق بطبيب، فلا يضطر لفتح عيادة يمتص فيها دماء الفقراء. المتظاهرون جميعهم مثلنا يتمنون أن ينتهي شللُ مصر الراهن، وأن تعود إليها الحياة. ولكن أية حياة؟ ليس الهدف هو عودة الحياة لمصر، الأهم نوعية تلك الحياة. سألته المذيعةُ لماذا لا يوافق المتظاهرون على منح الحكومة الجديدة فرصة، سيما وقد أعلنوا أن الإصلاح سيحصل خلال ستة شهور فقط؟ فرد عليها بوعي مستنير قائلا: إن الحاكم الذي بوسعه أن يحقق إصلاحًا في ستة أشهر، وتقاعس عن فعل ذلك خلال ثلاثين عامًا، لا يصلح أن يكون حاكمًا، بل لابد أن يُقدم للمحاكمة."
هذا هو وعي المواطن المصري الراهن. أولئك هم المواطنون الذين تكاتفوا مع رجال القوات المسلحة ليصنعوا من أجسادهم درعًا بشريًّا عاتيًّا يحمون به المتحفَ المصري حين تسلّل إليه اللصوص والبلطجية، الذين تبيّن أنهم من عناصر الأمن، ليسرقوا مقتنياته. أولئك هم المسيحيون الذين أحاطوا بالمسلمين أمس الجمعة 4 فبراير، ليحموا صلاتهم الجماعية ظهر الجمعة. أولئك هم المسلمون الذين خرجوا يوم 7 يناير ليصنعوا من أجسادهم درعًا بشريًّا يحمون إخوانهم المسيحيين في صلاة عيد الميلاد المجيد، بعد حادث تفجير كنيسة الإسكندرية الذي روّع مصر وأبكى الأمهات والآباء، وجّمع المصريين جميعهم على غضب قلب واحد.
أولئك هم المصريون الذين كانوا يصرّون، ولا يزالون، أن تظلّ ثورتهم بيضاء ناصعة، فيجهضون، فورًا، أي شعار بذيء يرتفع هنا أو هناك. ويمنعون، فورًا، أي متظاهر تأخذه الحماسةُ فيخرج عن طور الهدوء. أحدهم راح يخبط على سيارة بعصبية، فتحلّق حوله خمسة من زملائه، وأمسكوا به قائلين: "عاوزينها سلميةً." وآخرُ شاهد كرة نار قذف بها أحد القنّاصة على المتظاهرين، فأخطأت طريقها وسقطت على بناية، فاندفع المتظاهرون متسلقين البناية وأسقطوا الكرة الملتهبة على الأرض، لأنهم يعلمون أن تلك ممتلكاتهم وممتلكات مصر التي يخافون عليها من الحزن. أولئك هم المصريون الذين كانوا يكنسون الأرض وينظفون الشوارع لأنهم يؤمنون أن مصر لابد أن تكون جميلةً، حتى وإن أخفقت حكوماتُ مصر السابقة، في أن تعيد إليها نظافتها وجمالها اللذين كانا حتى الستينيات الماضية. أولئك هم المصريون. أما المخربون والبطلجية فليسوا مصريين بقدر ما هم صنيعة نظم وحكومات شمولية أنانية فاشلة. حكومات أخفقت في حب مصر لأنها أغرقت في حب نفسها وذويها وعملائها فنسيت أن تحب الوطن والمواطنين، الذين من المفترض أنها في الأساس شُكِّلت لخدمتهم.
لعقود طوال ظللنا نظن أن شعب مصر خانعٌ لا يثور. يرضى بالقدر المقدور، ويقنع من حكوماته بأقل القليل من كل شيء. من الحرية ومن العدالة ومن الشعور بالآدمية. علّمنا القمعُ أن نمنح أمين الشرطة لقب "باشا" خوفًا من بطشه. فبطش السلطان دون سند أصبح قانونًا وشرعًا، ورفضُه أصبح تطاولا وخروجًا عن القانون! في فيلم "حين ميسرة" راح الضابط يكيل السبابَ لأحد المتهمين، كما هو معتاد في أقسام البوليس، وحين سبّه بالأم، انتفض الولد وقال له قولا كتبتُ فيه مقالا كاملا وقتها. قال: "بص يا باشا، ليك عليا احترامك، إن كنت قاعد أقف لك، وإن كان في ايدي سيجارة أرميها، لكن أمي مالكش دعوة بيها." تلك هي الروح التي كتبتُ عنها كثيرا في مقالاتي. الكفُّ عن ثقافة التواطؤ على النفس مع الظالم. الظالم وظيفته أن يظلم، لكن هل وظيفة المظلوم أن يقبل الظلم!؟
كدنا نصدق أننا نفتقد الروحَ التي بوسعها تحريك الجموع. لكننا أفقنا على طبيعتنا الصلبة الأبية يوم 25 يناير. ردد المصريون قولة سيزر تشافيز "نعم، نحن قادرون". فاكتشفنا أننا شعبٌ مثقفًٌ راقٍ وقوي. بوسعه أن يخرج في وقت واحد إلى الشوارع والميادين، يصوغ شعارات واعية تعبر عن رغبة التغيير، والعبور بمصر إلى مصاف الدول المتقدمة التي سبقتنا في طريق الحرية والديمقراطية، بينما كنّا قد سبقناها بآلاف السنين في الحضارة والمدنية، قبل أن تسقط مصرُ في كبوتها الكبرى. فرحنا وافتخرنا بمصريتنا. وكان على الرئيس ونظامه أن يشاركونا هذا الفخر، وأن يكونوا على مستوى هذا الشعب وصحوته، فيرحلوا في سلام تاركين الفرصة لغيرهم ليقودوا المرحلة الجديدة بأدوات جديدة، تليق بوعي هذا الشعب المتحضّر الجميل.



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رسالة إلى كل أسرة مصرية، أرجوكم، لا تكونوا طابورًا خامسًا
- أكتب إليكم من ميدان التحرير
- احذرْ كتابَ التاريخ
- جمعةُ الغضب الساطع
- أشرف ثورة في تاريخ مصر
- شيءٌ من الخيال لن يفسدَ العالم
- حوارٌ مع صديقي المتطرّف
- يا نعيش سوا يا نموت سوا
- هديةُ الرئيس لأقباط مصر
- دماءٌ على وجه البحر
- وجوب قتل مليون برادعي في مصر
- كاهنُ إيطاليا ومتأسلمو مصرَ!
- نعم، قدرُنا واحد!
- بطلوا اإفترا بالتي هي أحسن!!
- الشعبُ، يدُ الحكومةِ الباطشةُ
- السوبر غاندي-آينشتين
- فلنعدْ للخطّ الهمايوني، إلا قليلا
- إنها دارُ عبادة يا ناس!
- بِدّي خبِّركم قصة صغيرة
- غاضباتٌ وغاضبون


المزيد.....




- حملة مداهمات واعتقالات في رام الله ونابلس والخليل وبيت لحم
- عباس يرفض طلبا أمريكيا لتأجيل التصويت على عضوية فلسطين في ال ...
- زاخاروفا تدين ممثل الأمين العام للأمم المتحدة بلسانه
- 2.8 مليار دولار لمساعدة غزة والضفة.. وجهود الإغاثة مستمرة
- حملة مداهمات واعتقالات في رام الله ونابلس والخليل وبيت لحم ( ...
- أكسيوس: عباس رفض دعوات لتأجيل التصويت على عضوية فلسطين بالأم ...
- اليونيسف: استشهاد ما يقرب من 14 ألف طفل في غزة منذ بدء الحرب ...
- اعتقال عدد من موظفي غوغل بسبب الاحتجاج ضد كيان الاحتلال
- الأمم المتحدة: مقتل نحو 14 ألف طفل في غزة منذ بدء الحرب
- موقع: عباس يرفض طلبا أمريكيا لتأجيل التصويت على عضوية فلسطين ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - فاطمة ناعوت - نحتاجُ رئيسًا بحجم تحضّرنا