أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - فاطمة ناعوت - السوبر غاندي-آينشتين














المزيد.....

السوبر غاندي-آينشتين


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 3215 - 2010 / 12 / 14 - 01:21
المحور: حقوق الانسان
    


المصري اليوم. لو تصوّرنا أننا نجحنا في صناعة الإنسان السوبر. نفترض جدلاً أن تجربةً علمية ركّبت مخَّ آينشتين على وجدان غاندي. أكثر عقول البشر حِدَّةً وذكاءً، مع أكثر الأرواح رقّةً وسلامًا. ثم جئنا بهذا الإنسان الخياليّ وحبسناه في قبو مظلم وكئيب تحت الأرض. جوّعناه، وضربناه بالسياط كلَّ ليل، وبالنهار نُريقُ آدميته بكلّ الوسائل، التي يجيدها جهاز الشرطة في بلادنا لاستجواب مجرم. تُرى ماذا يحدث لذلك الكائن الفائق عقلاً وروحًا؟ ربما يصمد على رُقيه أسبوعًا، شهرًا، عامًا. لكن "الهمجيَّ" داخل هذا الإنسان المتحضّر سيشرع في الخروج بالتدريج. يومًا بعد يوم. سيبدأ بتلويث المعتقل؛ لأنه لا يشعر بالانتماء إليه. ثم تلويث نفسه. الجسد، ومن بعده الروح. فيغدو مع الوقت كائنًا كئيبًا رثًّا، يميل نحو الشرِّ والتخريب (وقد كان غاندي)، ثم يعرّج على العقل، فينحو نحو التردّي الذهني والتخلّف (وقد كان آينشتين)! ومع خفوت "السوبريْن" القديمين، الروحيّ والعقليّ، يبدأ التلوّث السلوكي في الظهور حتى يصير وحشًا. فلو حدث وأدخلنا عليه في معتقله وردةً يحملها طفلٌ، سيُفرغ فيه طاقات القهر التي ينالها كلّ يوم، فيضربه ويذلّه، وربما يلتهمه في لحظة جوع وعماء.
لا أدري لماذا يخطر ببالي هذا الخيال العبثيّ كلما فكّرتُ في حال المصريين الراهن. لا مجال للشكّ في أن من صنعوا حضارتنا القديمة كانوا سوبر بشر. في العلم والفلك والتشكيل والطب والعمارة والتدوين والسياسة، وقبل كل شيء في العقيدة والدين. نعم في الدين. ولا تصدقوا الترهات التي تقول إن المصريين القدامى شيّدوا ما شيّدوا من معابد وأهرامات بالسخرة والقهر. بل كان إيمانُهم عميقًا بأن كل حجر يضعوه في هرم، وكل كتلة يحفرونها من جبل، لتشييد معبد، هو صلاةٌ وعبادة، بما أن الفرعون الذي يشيّدون هيكله كان رمزًا للربّ، بالنسبة لهم. مستحيلٌ لعقل سَوِيّ أن يتصوّر أن حَمْل ودحرجة صخور وزنها بالأطنان، تتم دون وازع ديني عميق، وأن نقوشًا في غاية الإتقان والعلوّ الفنيّ ينتجها ضرب السياط! مستحيل. المصريُّ القديم كان أول من وحّد الله في التاريخ، ولذلك يظلُّ المصريُّ النموذجَ الأرقى للتديّن، حتى قبل ظهور الأديان التي أدخلت التشريعَ والطقس في التعبّد.
وإذن ماذا جرى لهذا الإنسان السوبر فائق ليغدو، بعد سبعة آلاف عام، هو ذاته المواطن الذي يهمل في عمله، ويكذب ويرتشي ويهين المرأة ويتواطأ على الخطأ، ويبصق في الطريق، وينافق القويَّ ويقسو على الضعيف و، و..؟ كيف قَبل بناةُ الأهرام أن يسكنوا عشش الصفيح؟! في كتاب "العبور إلى النهار"، الشهير بكتاب الموتى، كان شرط الانتقال إلى أبدية العالم الآخر، أو النهار، بعد ظلمة ليل الحياة، هو إقرار المتوفى باعترافاته السلبية بأنه: لم يكذب، لم يسرق، لم يقتل، لم يلوث النهر المقدس. ويشهد على صدق اعترافه ميزانٌ يوضع في إحدى كفتيه قلبُ الميت، الذي يمثّل ضميرَه، في مقابل الكفّة الأخرى التي توضع بها ريشةٌ تمثل الحقَّ والعدلَ والجمال.
إجابة السؤال هي أن ذلك المواطنَ النبيلَ، قديمًا، الفوضويَّ المهملَ، الآن، تعاقبت عليه حكوماتٌ فاشية ظالمة أفسدت تركيبته البشرية الفائقة وأربكت برمجةَ جيناته العريقة، وأفقدته الشعور بالشراكة في الوطن، فانتقل من مرتبة السوبر إلى مرتبة التردّي التي نراها الآن من حولنا. المواطنُ المصري القديم هو الكائن السوبر "غاندي-آينشتين" الذي أصبح الآن بطل المحبس اللاآدمي الذي ورد في التجربة الخيالية التي افتتحتُ بها مقالي.
أما التجربةُ النقيضُ، فهي أن نتخيل أننا أتينا بإنسان بدائيّ همجي، علّمناه وهذّبناه وأكرمناه واحترمنا آدميته، وجعلته حكومُته شريكًا لها في ثروات وطنه. غالب الظن سيضحى ذلك البدائيُّ، بعد برهة، إنسانًا متحضرًا. شأنَ بعض الشعوب والأمم، من حولنا، تلك التي لا تخفى على القارئ الحصيف.



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فلنعدْ للخطّ الهمايوني، إلا قليلا
- إنها دارُ عبادة يا ناس!
- بِدّي خبِّركم قصة صغيرة
- غاضباتٌ وغاضبون
- أنيس منصور، حنانيك!
- «أغنية إلى النهار» للشاعر المصري السمّاح عبدالله تحيي المسرح ...
- أحمد عبد الفتاح، الفنانُ المَنسيّ
- القتلُ الرحيم
- الزمن الأخير، اللعبةُ على نحوها الصحيح
- حبيبتان، من مصر!
- الأحدبُ في مصعد العمارة
- لستُ إرهابيًّا، بل مريضٌ بالجمال
- في صالون الرئيس مبارك
- ولاد العمّ- دراما تنتصر لكل ما هو إسرائيلي، ضد كل ما هو مصري ...
- تخليص الشباب، في تلخيص الكتاب
- رغم إن اللصَّ مازال طليقًا! شكرًا وزارة الداخلية
- آسف على الإزعاج- مضطرون أن نعيش الحُلمَ مادام الواقعُ مُرًّا
- سأختارُ دينَ الحرامي
- سوزان مبارك، والبرادعي
- صور آل البرادعي على فيس-بوك


المزيد.....




- هيومن رايتس ووتش تتهم تركيا بالترحيل غير القانوني إلى شمال س ...
- بسبب المجاعة.. وفاة طفل بمستشفى كمال عدوان يرفع حصيلة ضحايا ...
- الأمم المتحدة تحذر: الوقت ينفد ولا بديل عن إغاثة غزة برا
- ارتفاع الحصيلة إلى 30.. وفاة طفل بمستشفى كمال عدوان بسبب الم ...
- الخارجية الأمريكية تتهم مقرّرة الأمم المتحدة المعنية بفلسطين ...
- تقرير أممي: نحو 60% من وفيات المهاجرين كانت غرقا
- قبيل لقائهم نتنياهو.. أهالي الجنود الأسرى: تعرضنا للتخويف من ...
- واشنطن ناشدت كندا خلف الكواليس لمواصلة دعم الأونروا
- الهلال الأحمر: إسرائيل تفرج عن 7 معتقلين من طواقمنا
- حركة فتح: قضية الإفراج عن جميع الأسرى الفلسطينيين تحتل أولوي ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - فاطمة ناعوت - السوبر غاندي-آينشتين