أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - أحمد عبد الفتاح، الفنانُ المَنسيّ














المزيد.....

أحمد عبد الفتاح، الفنانُ المَنسيّ


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 3181 - 2010 / 11 / 10 - 13:20
المحور: الادب والفن
    


تلك الريشةُ التي تسبح فوق سطح الورق أو التوال، لتمرّ برهافة على وجه أم مصرية تجلس جوار النافذة لتنسج بخيوط التريكو كنزةً تدفئ صدر وليدها، أو تحيك لطفلتها فستان العيد. تلك الريشة التي تنغمس في باليته الأزرق الزهري، وأحمر الياقوت، لتنسج ثوبي فلاحتين مصريتين رشيقتين تسرعان الخطو نحو السوق، تحمل إحداهما، فوق طرحة سوداء تغطي شعرها، جوال قمح، وتحمل صاحبتها جوال شعير. تلك الريشة التي تنساب انسياب الماء من "الكوز" في يد امرأة تجلس القرفصاء لتغسل شعر صغيرتها المنكفئة برأسها فوق "طشت" الغسيل. تلك الريشة التي سجّلت تفاصيل حياة البيت المصري، وأرّخت كفاح الفلاح وحبّه للحياة، وقبضت على الفرح في عيون الأطفال، حزينةٌ. تجرّب الحزنَ الآن، الريشةُ التي نهلت من بهجة الأكواريل والجواش والزيت والباستيل. لأن صاحبها طار عن الدنيا، تاركًا وراءه علبَ ألوان مُطرقة، وخمسمائة لوحة، في حِدادها، تهددُ بالفناء.
في أبريل الماضي، كتبتُ بعمودي بالمصري اليوم مقالا عنوانه "قبل أن يطوَيه النسيان"، حول الفنان التشكيلي المصري الراحل أحمد عبد الفتاح. ذاك الذي دفعه كبرياؤه ومحبته العزلةَ، إلى الزهد في الأضواء، فمضى "العملاقُ الصامت"، كما سمّاه الفنان حامد عويس، عن عالمنا دون أن يقيم معارضَ، تقريبًا. أقام أبناؤه معرضًا في متحف "محمود سعيد" حقق نجاحًا مدهشًا، أوصى، على إثره، د. أحمد نوّار، ولجنةٌ متخصصة، بالحفاظ على اللوحات من التلف؛ لأهميتها. لكن اللوحات الخمسمائة تحتضرُ يومًا بعد يوم. فلا أحد تحرّك لإنقاذ ذاك التراث الثمين. لكن ابنه الأستاذ ماجد عبد الفتاح، بالمعاش، لم يكفّ عن محاولة ردّ الاعتبار إلى أبيه الراحل، الذي بعدُ لم ينل حقّه في حركة التشكيل المصري، رغم أنه من الرعيل الأول الذي دشّن جمالياتٍ جديدةً للفنّ المصريّ الحديث. وصلته ثلاثُ دعوات من بينالي فلورنسا بعدما فحصت لجنته العلمية لوحات الأب. آخرها كانت للمشاركة في بينالي ديسمبر 2011. راسل السيد ماجد مكتب الفنان فاروق حسني، فاتصل به فورًا سكرتيره وأخبره أن الوزير مهتم بالأمر، وينتظر سيرة الوالد الذاتية واسطوانة اللوحات. وبدأ الحلم ينتعش في قلب الابن بعد مهاتفة سكرتير الوزير، فأخيرًا "سيأخذ الفنان حقه!" لكن شيئًا لم يحدث! وبعد شهور من تكرار المراسلة وعدم الرد، ملأه اليأس فصرخ قائلا: "لو كنت أصغر سنًّا لحملتُ اللوحات إلى كورنيش الإسكندرية في وقفة احتجاجية!"
أحلامٌ بسيطة ومشروعة يحلمُها، أبناء الفنان الراحل. يحلمون، وأحلمُ معهم، أن ينال فنان مصريٌّ طار عن دنيانا بعضَ حق لم ينله في حياته. يحلمون، وأحلمُ معهم، أن يحتلّ اسمه موقعه الذي يليق به مثل معاصريه الذين حصلوا على مكانتهم في وطنهم. يحلمون، وأحلم معهم، أن يهتم قطاع الفنون التشكيلية بإنقاذ تراث فنان مصري. تلك اللوحات المكدّسة في منزل قديم متصدع آيل للسقوط في حي محرم بك بالإسكندرية، قبل أن تنال منها أنيابُ الزمن الشرسة. يحلمون، وأحلمُ معهم، أن يُدرج د. أحمد زكي بدر في مناهج التعليم الابتدائي والإعدادي والثانوي مادة "الفن التشكيلي". يضم كتابها المدرسي لوحات لفنانين مصريين وعالميين، مع قراءة نقدية مبسطة لكل لوحة، حتى نُنشى جيلا مصريًّا جديدًا غير جاهل بهذا الفن الرفيع، الذي يُهذِّبُ الروح وينظّف الدماغ من غيوم الظلام.
في لحظة يأس من تحقيق ما سبق من أحلام بسيطة وطيبة، فكر الأبناء في بيع لوحات أبيهم، ليس طلبًا للمال، بل ربما، حسب ظني، لكي يتخففوا من وطأة مطاردة اللوحات. فللوحة عيونٌ معاتِبة، وألسنٌ تنطق باللوم، تقول: "مات مَن رسمنا، بريشته ودمِه وأعصابه، فغدونا يتامى! وأنتم، أبناؤه، ماذا قدمتم له، ولنا؟ هل تتركوننا نزوي وتمحو ألوانَنا ممحاةُ الشيخوخة؟" فكروا في التخلص من هذا الميراث الضخم المُعذِّب اللوّام، بأن يلقوه عن كواهلهم، فيستريحوا! لكن كلمة حامد عويس أعادتهم إلى صوابهم. إذ قال: "متبعوش أبوكم ببلاش!" أسرّ لي الأستاذ ماجد بأنه على استعداد لأن يُهدي لوحةً لكل متحف فنون تشكيلية بمصر، على الأقل سيضمن لها مكانًا آمنا يستودعها فيه، فيفيد منها الناس، مثلما تزيّنُ لوحته ’أمومة‘، إحدى قاعات متحف الفنّ الحديث.
أناشد الفنان التشكيلي فاروق حسني، وأنا أعلم ماذا يعني لدى الفنان هلاكُ لوحة تشكيلية، أن ينقذ إرثًا مصريًّا مهمًّا مكوّنًا من 500 لوحة توشك أن تهلك في مخزنها المعتم بشقة مهجورة في عمارة تهدد بالسقوط.



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القتلُ الرحيم
- الزمن الأخير، اللعبةُ على نحوها الصحيح
- حبيبتان، من مصر!
- الأحدبُ في مصعد العمارة
- لستُ إرهابيًّا، بل مريضٌ بالجمال
- في صالون الرئيس مبارك
- ولاد العمّ- دراما تنتصر لكل ما هو إسرائيلي، ضد كل ما هو مصري ...
- تخليص الشباب، في تلخيص الكتاب
- رغم إن اللصَّ مازال طليقًا! شكرًا وزارة الداخلية
- آسف على الإزعاج- مضطرون أن نعيش الحُلمَ مادام الواقعُ مُرًّا
- سأختارُ دينَ الحرامي
- سوزان مبارك، والبرادعي
- صور آل البرادعي على فيس-بوك
- فليحاسبْني القانونُ على ذلك!
- شكرًا للصّ زهرة الخُشخاش
- الرحابُ فى جفاف
- مسرحية -قطط الشارع-
- مجدي أحمد علي مُخرج اللقطات الملهمة
- عسلٌ أسود، مرآةُ ميدوزا
- البنت المصرية سعاد حسني


المزيد.....




- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - أحمد عبد الفتاح، الفنانُ المَنسيّ