أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - «أغنية إلى النهار» للشاعر المصري السمّاح عبدالله تحيي المسرح الشعري















المزيد.....

«أغنية إلى النهار» للشاعر المصري السمّاح عبدالله تحيي المسرح الشعري


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 3192 - 2010 / 11 / 21 - 12:09
المحور: الادب والفن
    


«أغنية إلى النهار» للشاعر المصري السمّاح عبدالله تحيي المسرح الشعري : الانتظار الأشدّ قسوة من الموت
فاطمة ناعوت

مسرحية شعرية جديدة أخذت مكانها بالأمس في المكتبة العربية، لتضيف رقماً إلى رصيد هذا الجنس الأدبي « الشحيح »، ولا أدري لماذا شحيح هو! « أغنية إلى النهار »، صدرت في القاهرة، عن « دار التلاقي للكتاب » (2009) ، كتبها الشاعر السمّاح عبد الله، وهو من عائلة تنضح بالشعر والشعراء.

أما السمّاح فقد حصد جائزة الدولة التشجيعية قبل أعوام قليلة. له ثلاثة عشر ديواناً شعرياً، وعدد من كتب الأطفال، وحقّق مختارات من الشاعرين محمود سامي البارودي وأمل دنقل.

لكن عنوان المسرحية « أغنية إلى النهار » ، ذلك العنوان الرومنطيقي العذب، مخادع مخاتل غير دال على محتوى المسرحية القاسي المخيف والمُقبض. وبالأحرى لا يشير إلى ما أنت على وشك التورّط فيه من صدمة وجودية وفلسفية، بل وفنية في آن. وهذا، بلا أدنى شكّ، مقصود من الشاعر، حتى يقع القارئ في الشّرك مرتين، لا مرّةً واحدة.

الزمان: زمان ما، ليل دائم. وليس معنى هذا أن مدة المسرحية هي ليلة، تنتهي مع انبلاج الصبح، لا، فليس من صبح سيأتي، إنما هو ليل سرمديّ. راح شخوص المسرحية، رجلان وامرأة، يغنون للنهار علّه يأتي.

« يا أيها النهار
يا سيد الشمسِ وصاحب الأمطار
يا أجمل الذكور
، يا ربيب الفرح
حطّ على حيطان هذا المطرح
هذا المكان منذ أعوام يلفّه الغبار
وخاصمتنا الشمس والأنهار
وجسمنا مع الظلام صار يابساً
ووجهنا أصبح عابساً
وأكل الجوع الكبار والصغار
وطوّف الجفاف حولنا
وسكن الخراب دورنا
وطال الانتظار
يا أيها النهار».

المكان: فراغ قحل خرِب لا زرع فيه ولا ماء، ولا أمل في نجاة، إلا في نهار لا يأتي على رغم التوّسل والغناء.

أما الشخوص الثلاثة، فلم تحدّدِ المسرحية طبيعة العلاقة بينهم، فالمرأة والرجل يناديان الرجل العجوز بـ «أبينا»، بما يشي أنهما شقيق وشقيقة، لكن المرأة تحاول أن تستقطب الرجل كي يمنحها ليلةً دافئةً، مثل تلك الأخيرة التي مرّت، قبل أن يفنى العالم ويخلو من بشره إلا، حصرياً، هؤلاء الثلاثة الذين سقطوا في ذلك الجبّ الأجرد، يحيون بأمل أن الشمس ستأتي، وأن المطر سيهطل. لا يربطهم بالعالم الخارجي سوى كوّة في جدار صخرة، ينظرون عبرها إلى الخارج، ليعرفوا هل جاء النهار أم لم يجئ.

هذا المجتمع الصغير الذي قوامه ثلاثة بشر، مجتمع أموميّ. فالمرأة هي المسيطرة على الاقتصاد الشحيح، تمرة واحدة وقطعة خبز ناشف وقطرتا ماء لكل شخص طيلة اليوم. ولم نعرف كيف يتحدد اليوم إذا كان النهار لا يتعاقب مع الليل. في يد المرأة سلطان الأمر والنهي والزجر والضرب أيضاً.

في وسعنا أن نحسب هذا العمل على مسرح العبث، الذي تألق فيه صمويل بيكيت وهارولد بنتر، إلا أنه عبث غير تام. فشخوصنا هنا لا ينتظرون غودو، الذي أبداً ما عرفنا من هو، ولما كان الانتظار، بحيث كان في وسع القارئ أن يحِلّ حلمه الخاص الذي يرجوه محلّ هذا « الغودو » المنتظر. فالمظلوم سيقول إن غودو هو العدالة، وكاره القبح سيُقسِم أن جودو هو الجمال... على أن شخوص « أغنية إلى النهار »، ينتظرون النهار، بكل ما يحمل النهار من قيم إيجابية مستقرة في الوعي الجمعي للإنسانية. من هنا أسميت النصّ «عبثاً إلا قليلاً». وأما العبث فيتأتى من فوضوية العلاقات الأسرية في هذا المجتمع الصغير، فقد شاهدتِ المرأة أمّها تضاجع أباها، أبا الأم، كما أنها شاهدت أمّها تضاجع أباها، أبا المرأة، ثم تلد هذا الرجل، الشخصية الثانية في النص، وبالتالي يكون هذا الرجل أخاها وخالها في آن، بل وحبيبها، لأنها ضاجعته يوماً، وترجوه أن يعيد الكرّة اليوم. هذه الشيوعية الجنسية تطرح فكرة انهيار المجتمع وتقوّض هويته. بل وتسرّب معنى أن الاقتصاد هو السلطان الأوحد في هذا العالم، وليس الخير والجمال والحق والعدالة، وما عداها من قيم إيجابية، حريّ بها أن تسود العالم وتتسيّده. ثم تتخذِ المرأة / السلطان قراراً حاسماً بأن الأب حان موعد موته. فتعذّبه وتهينه وتجوّعه بحرمانه من نصيبه اليوميّ في التمر والماء، ثم تساومه بتمرة وقطرتي ماء مقابل أن يذهب بعد ذلك إلى حفرته الخاصة في الأرض ليموت راضياً مختاراً. ونلاحظ أنها لم تقتله، ربما في إشارة إلى أن الحاكم قد يفعل ما هو أسوأ من القتل، بأن يجعل الموت حلماً ينشده الضعيف الجائع فيذهب إليه مختاراً راغباً، فراراً مما هو أقسى من الموت. تغريه المرأة بأن الموت جميل وعذب حيث:

« الموت ليس سيئاً كما تظن
فعندما تنام في الحفرةِ
ويلفّك التراب
سوف تأتيك عصافير ملوّنة
تدور حول كتفيك
وتنفض التراب عن عينيك
وتطلق الزقزقةً الجميلة
وعلى مرمى البصر
ستبصر الجبل
الجبل الذي تأوي إليه هذه العصافير الملونة
انهض وسر وراءها
وكلما خطوت خطوةً إليه
ستحسّ أن الشمس من ورائه
تبدأ في الشروق.»

يذهب الرجل إلى حفرته حالما بالنهار والماء والعصافير، يدفن نفسه. ليبقى الرجل والمرأة وحدهما في انتظار النهار. تجوّعه أيضا مقابل أن يمنحها لقاءً جسديّاً دافئاً. تذكره بليلتهما الفائتة الدافئة فتقول:

« في مثل هذه الليلة من عامين
أتيتني
وقلت لي :
أحبّك
/.../
أغمضت عيني
وفتحت مسامّي
أعطيتني
كنت كقصّاب وكنت كالذبيحة
أعطيتني
كنت كحطّاب وكنت شجرةً
أعطيتني
كنت كمطر نازل
وكنت تربةً شقّقها انتظار البلِّ
لا الجفاف.»

وفي هذه الجملة الأخيرة مفتاح المسرحية بكاملها، في رأيي. فالعذاب هو في انتظار الشيء، لا في قيمة الشيء المفقود. ويعيدنا هذا إلى تيمة انتظار المخلِّص في بعض الأديان، و« الطريق لا الوصول » عند المتصوفة، وغودو عند بيكيت، والسعادة عند « شحّاذ » نجيب محفوظ، واليقين والهوية عنده أيضاً في رواية « الطريق ». تغري المرأة الرجل إذن ليضاجعها، حتى أنها تعطيه آخر التمرات، وأخر قطرتي ماء في القارورة، وآخر كسرة خبز. إلا أن قواه لا تسمح بسبب التجويع والخمول، فتضربه، إلى أن يختار الموت أيضاً، ليتركها وحيدةً خائفة. وفي آخر لحظة من المسرحية، يأتي النهار، ويجود الغيث، إلا أنها تفارق العالم قبل أن يبتلّ لسانها الجاف بقطرة، أو تشعّ مقلتها بشعاع شمس.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فاطمة ناعوت



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أحمد عبد الفتاح، الفنانُ المَنسيّ
- القتلُ الرحيم
- الزمن الأخير، اللعبةُ على نحوها الصحيح
- حبيبتان، من مصر!
- الأحدبُ في مصعد العمارة
- لستُ إرهابيًّا، بل مريضٌ بالجمال
- في صالون الرئيس مبارك
- ولاد العمّ- دراما تنتصر لكل ما هو إسرائيلي، ضد كل ما هو مصري ...
- تخليص الشباب، في تلخيص الكتاب
- رغم إن اللصَّ مازال طليقًا! شكرًا وزارة الداخلية
- آسف على الإزعاج- مضطرون أن نعيش الحُلمَ مادام الواقعُ مُرًّا
- سأختارُ دينَ الحرامي
- سوزان مبارك، والبرادعي
- صور آل البرادعي على فيس-بوك
- فليحاسبْني القانونُ على ذلك!
- شكرًا للصّ زهرة الخُشخاش
- الرحابُ فى جفاف
- مسرحية -قطط الشارع-
- مجدي أحمد علي مُخرج اللقطات الملهمة
- عسلٌ أسود، مرآةُ ميدوزا


المزيد.....




- إرث لا يقدر بثمن.. نهب المتحف الجيولوجي السوداني
- سمر دويدار: أرشفة يوميات غزة فعل مقاومة يحميها من محاولات ال ...
- الفن والقضية الفلسطينية مع الفنانة ميس أبو صاع (2)
- من -الست- إلى -روكي الغلابة-.. هيمنة نسائية على بطولات أفلام ...
- دواين جونسون بشكل جديد كليًا في فيلم -The Smashing Machine-. ...
- -سماء بلا أرض-.. حكاية إنسانية تفتتح مسابقة -نظرة ما- في مهر ...
- البابا فرنسيس سيظهر في فيلم وثائقي لمخرج أمريكي شهير (صورة) ...
- تكريم ضحايا مهرجان نوفا الموسيقى في يوم الذكرى الإسرائيلي
- المقابلة الأخيرة للبابا فرنسيس في فيلم وثائقي لمارتن سكورسيز ...
- طفل يُتلف لوحة فنية تُقدر قيمتها بخمسين مليون يورو في متحف ه ...


المزيد.....

- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - «أغنية إلى النهار» للشاعر المصري السمّاح عبدالله تحيي المسرح الشعري