أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - عزيزي مقهى إيليت














المزيد.....

عزيزي مقهى إيليت


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 4168 - 2013 / 7 / 29 - 15:41
المحور: الادب والفن
    


ها هي أجمل مدن العالم: الأسكندرية، والمكان الذي أُحبّ أكثر: محطة الرمل. أقطعُ شارع "صفية زغلول"، حتى أصل إلى هذا الكوخ المشيّد على الطراز الأوروبي: دعامات خشبية رفيعة متعامدة، وراءها ألواح زجاج. أرفع رأسي فأقرأ اللافتة: "إيليت" Elite، فأطمئن أن كل شيء على ما يرام.
لكنّ بهجة المكان قد ولّت. ولوحات بابلو بيكاسو وهنري ماتيس وجورج براك وفافياديس وسيف وانلي وأدهم وانلي وعصمت داوستاشي على جدران المقهى، قد كساها غبارُ السنوات، والترابُ الذي تخلّف مع رحيل عصر التحضر والثراء عن هذه المدينة الكوزموبوليتانية التي سكنها اليونانيون وعمّروها عقودا طوالا. أسألك أيها المقهى العزيز، الذي أحجُّ إليه كلما زرتُ الأسكندرية: أين بورتريه قسطنطين كفافيس، الشاعر اليوناني السكندري الذي كان يكتب قصائده في ركنك القصيّ، وهو يتأمل المارة والسابلة عبر زجاجك الذي غامت صفحته الآن؟ أسألك أيها المقهى العريق: أين كريستينا اليونانية الجميلة، التي اشترتك في منتصف القرن الماضي وعلّقت على جدرانك هذه اللوحات التي لا تقدر بثمن، فكنت أنتَ لها المقهى والصديق والحبيب والأب والابن والداعم ضد رعونة الزمن؟
عزيزي مقهى إيليت، هل تذكرني؟ أنا الفتاة الصغيرة التي كانت تأتيك مرة كل عام، كلما زارت الإسكندرية. أدخل يكسوني الارتباك، فأجلس على أقرب مقعد. أرسل ابتسامة خاطفةً لكريستينا جالسة إلى مكتبها، فترسل لي مثلها. وبين الحين والحين أختلس النظر إلى وجه كفافيس على الجدار. أخترقُ عينيه خلف نظارته مستديرة الإطار. ثم أثقب دماغه ببصري، لكي أصل إلى "ماكينة" ااشِّعر في هذا الرأس المُحيّر. أفيقُ من تلصصي على صوت النادل يقدم لي فنجان القهوة، فأعاود النظر سريعًا إلى كريستينا لأرى إن كانت قد "ضبطتني" وأنا أفتش في عقل كفافيس، صديقها القديم. ألمح ابتسامتها، فأطمئن.
قبل سنوات، زرت إيليت، ولم أرَ كريستينا. سألت عنها، فقالوا: ماتت منذ شهرين! يا إلهي! كيف مر موتها بهدوء دون صخب إعلامي؟ ألأنها امرأة؟ هل الموت عنصريّ؟ ركضت إلى البحر يكسوني الحزن الغضب، وكتبت هذه القصيدة: "محطة الرمل"، وأهديتها إلى كريستينا، التي نسيتُ أن أقبِّلَها.

محطة الرمل

"سيموتُ الشيطانُ غدًا/
قبل أن يتصفّحَ الجريدةَ على البحرِ/
كعادته كلَّ صبح/
بمجرد أن يرشفَ من فنجانِ القهوة/
ويغدو العالمُ مُضجرًا من دونِه/
إذ لن أجدَ سببًا/ لأبدو أكثر طيبةً/
من أصدقائي الأشرار!/
كنَّ يكذبن علينا/
أمهاتنا/
بأن الشيطان ينامُ تحت أظافرنِا المتّسخة./

لكن كريستينا هي الأخرى ماتتْ/
أولَ أمس/
دون أن يشعرَ بها أحدٌ/
ودون أن تشيّعَها امرأةْ./
ماتتْ قبل أن توقدَ شجرةَ الميلادْ/
أمام إطارِ الأبنوس الذي يحملُ قصيدةً/
كتبَها السَّكندريُّ في عينيها/
قبل نصفِ قرنٍ/

نعم!/
نعم!/
فالنساءُ يمُتن/
بغير ضجيجْ/
ولا عصافيرَ تصكُّ الزجاج/
ولا حريم تأتي للعزاء/
رغم أن النساءَ/
أجملُ/
في ملابسِ الحداد./

علينا وحسب/
أن نجلسَ صامتيْن في مقهى Elite/
لنحسبَ طولَ الجسدِ وعرضَه/
من أجل تابوتٍ يليقُ بالرجلْ/
الذي أهلك البشرية./
فنحن أرقى من الصيادين الأجلافْ/
الذين لا يعبأون بجثامين الأسماكِ/
حين يُلقى بها في السَّلّة/
دون تقديرٍ لجلالِ الموت./

سندبّرُ جِنازًا محترمًا/
يليقُ برفيقِ البشرية المزمن/
السيّد/
الذي مهّدَ لنا مكانًا فوق الأرض:/
سيأتي أبي/
الذي أغواهُ الفقيدُ/
بالجلوسِ تحت شرفةِ أمي لعامين/
وأمي/
التي بكت للطبيبة/
كي تضعَ حرفًا على لسانِ عُمَر/
وعُمَرُ/
الذي بنى سفينةَ نوحٍ
ثم أغرقَها/
وفاوستْ/
والجبلاوي/
والإسكافيُّ/
الذي نثرَ المساميرَ في شارعِنا/
وشارعُنا/
الذي سكنَتهُ عجائزُ اليونان/
حين كانت بلادي/
أمًّا للدنيا./

أما أنا/
فأكون المرأةَ التي تستقبلُ العزاءَ/
بوصفي/
فعلتَهُ الكبرى."



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يعقوب، وطفل يحمل الكفن
- مفتاح الحياة، يا مصرييييييين!
- إيد واحدة
- الشاهدُ على لحظة الفرح: المقدم حسين شريف
- حلمُ العودة إلى 1954
- مادةٌ -فوق- دستورية!
- -نريدْ/ إسقاط/ ْأبواقِ النظام -
- يومٌ آخر من ميدان التحرير، قلب مصر النابض
- لليوم الخامس عشر على التوالي، يحدث في مصر
- نحتاجُ رئيسًا بحجم تحضّرنا
- رسالة إلى كل أسرة مصرية، أرجوكم، لا تكونوا طابورًا خامسًا
- أكتب إليكم من ميدان التحرير
- احذرْ كتابَ التاريخ
- جمعةُ الغضب الساطع
- أشرف ثورة في تاريخ مصر
- شيءٌ من الخيال لن يفسدَ العالم
- حوارٌ مع صديقي المتطرّف
- يا نعيش سوا يا نموت سوا
- هديةُ الرئيس لأقباط مصر
- دماءٌ على وجه البحر


المزيد.....




- وفاة الممثلة كيلي ماك عن عمر ناهز 33 عامًا بعد صراع مع السرط ...
- ليدي غاغا تتصدر ترشيحات جوائزMTV للأغاني المصورة لعام 2025
- عشرات الإعلاميين والفنانين الألمان يطالبون بحظر تصدير السلاح ...
- بين نهاية العباسي وأواخر العثماني.. دهاليز تظهر أثناء حفر شا ...
- ظهور جاستن ببير مع ابنه وزوجته في كليب أغنية Yukon من ألبومه ...
- تونس: مدينة حلق الوادي تستقبل الدورة الرابعة لمهرجان -نسمات ...
- عشرات الفنانين والإعلاميين يطالبون ميرتس بوقف توريد الأسلحة ...
- حكايات ملهمة -بالعربي- ترسم ملامح مستقبل مستدام
- مسرحية -لا سمح الله- بين قيد التعليمية وشرط الفنية
- أصالة والعودة المرتقبة لسوريا.. هذا ما كشفته نقابة الفنانين ...


المزيد.....

- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة ناعوت - عزيزي مقهى إيليت