احمد مصارع
الحوار المتمدن-العدد: 1193 - 2005 / 5 / 10 - 11:07
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تصاريف منطقية للشيوعية
الانحسار الظاهري للمد الشيوعي على الساحة الدولية , وخفوت قوته الدافعة , من جميع مناح الفاعلة في الفكر والممارسة , يستوجب القراءة بإمعان , للأصول قبل الفروع , وبلغة أوضح للمقدمات التي تستلزم النتائج المنطقية , لعمل داراتها المنطقية , وبيان جوانب الخلل في آلاتها ,
بشكل أولي تبسيطي , فإنني لا أرى امكان إزالة النظام المشاعي , ومنذ ظهور المجتمعات الأولى , فهو جزء من البنية الطبيعية لكل أشكال الوجود الإنساني , فيسظل الناس مر على العصور شركاء بالهواء والماء والنار , والزلازل والبراكين والأوبئة , وكل أشكال الكوارث .
عملية التقسيم المنهجية , وبقصد التحليل , تتطلب النظر للمصالح البشرية بوصفها من قسمين , مصالح عامة مشتركة ,و مصالح خاصة منفصلة , والشيوعية تنصب قامتها العالية وتمركز ثقلها على أهمية المصالح العامة المشتركة , وما التعبير (common ) سوى المشترك العام , وهو عملية ربط الحياة بين قطبي ماهو مشاع , وما هو مشترك معدل , لينتج عنها المفردات الموافقة لها من الشيوعية والاشتراكية .
لاشيء يمنع منطقيا من امكان التعايش , بين المصلحة العامة , والمصالح الخاصة , ولكن عملية الارتكاز بشكل مبدئي , يغلب الأولى على الثانية , وهو انحياز سوغته الثورة الشيوعية , وبدون أن تضبطه بقواعد دقيقة , تكون بمثابة الصمامات الآمنة , وبالتركيز على المادية لعملية السيطرة على مصادر الثروة , وأشكال التوزيع , نجد أن عمليات المصادرة والتأميم للأملاك الخاصة , صاحبها عمليات تعسف غير مبررة , وبخاصة عندما تقوم بها الدولة ذاتها , وفي عمليات تهويل لسلطة ثروة الأملاك الخاصة , التي تكون قد تراجعت منذ لحظة الاستيلاء على مقاليد الحكم , ومما كان ينبغي فعله تاريخيا هو بترك القطاعات الخاصة المجردة من كل سلطات القرار السياسي , أن تتنافس في ظل شروط سياسية متسامحة , وشروط اقتصادية مفتوحة , مما كان ينبغي فيه أن تقوم الدولة فقط بوظيفة سبل الاندماج التكاملي بين المصلحتين , وتسهيل عملية التوازن , والتي كانت ستظهر على نحو أفضل , مما حدث تاريخيا , لأن ما حدث في الماضي فعليا كان بمثابة حرب شاملة , للمصالح العامة المشتركة , في الاشتراكية والشيوعية , على كل أنواع المصالح الخاصة , وبشكل ابيض فيه أو احمر كل الفضاء , وقد حدث ما يشبه عملية توحيد كل ألوان الحياة , في لون واحد لا ينبغي أن يسود , ومن نوع الارتداء الهزلي لكرنفال الزي الموحد , واضطراب عملية القيادة بوصفها الحركة الدائمة الى الأمام , بدون توقف مفترض , أو بدون تراجع أو تصحيح أو تجديد يتطلبه الواقع , بل وانقسام مرونة يسمح للمصالح المهددة بالزوال أن تبقي على بعض امتيازاتها الحيوية , وأن تتغير بصفة ايجابية , تلقائية وبشكل حر .
والسؤال: ما علاقة الصراع بين نمطين من الأنظمة , بالتردد , والوقوف والتراجع , وتعايش الأضداد ,؟
الأضداد تتنازح , ولكنها لاتقوم بعملية الإلغاء , لأنها أصلا غير ممكنة , وهذا ما يحدث فعليا في الطبيعة والحياة
وبشكل دائم , لأن الأشياء لا تتمايز بدون ظلال , والتنميط ليس من مظاهر الحياة بكل أنواعها , والبحث عن التوازانات العلمية هو من صفات المنهج الجدلي والعلمي .
الأهم في التحليل , هوفي وجود روح عامة في المصالح الخاصة , كما أن هناك روحا خاصة في المصالح المشتركة , وهي الروح المشتركة بين جميع أشكال الملكية , ومن غير امكان بقائها , فلا يمكن تصور امكانات وجود الحياة الحضارية المعاصرة , بدون هوامش عالية للحرية الخاصة والفردية , مستفزة للمشاعر الإنسانية ,
ففي حين يمكن للعقلانية المادية أن تضع حدودا منظورة للأسطورة , ولكن ذلك لن يمكنها من إلغائها , وكل عملية إلغاء ستكون رمزية للغاية , ومضادة لمجريات تطور الحضارة .
حين يسود ماهو مادي أو اقتصادي , تقل الروح المعنوية ظاهريا , وتعمل كقوة مقاومة لعملية فرض المصالح العامة المشتركة , وبصورة معاكسة , بل ومصطنعة , لمجرد بسط السيادة , وللون واحد , وبدون ظلال تمنح التمايز , وتعرف التراتبيات بشكل جيد ,وهو كما ظاهرة ( مفارقة ) تقدير العمل المادي , والعمل الفكري , بل العمل التكنولوجي , والعمل الأدبي , ولا بأس من التذكير بطرفة , أن يأمر خر وتشوف , بطبع ديوان شعري موجه الى حبيبة الشاعر , ولكن بنسخة واحدة , فما هو اجتماعي بالمعنى المصطنع مفقودة .
لقد روت لي أحدهم , عن المرحومة جدتي , ومما حدث معها في طريق الحج الى مكة المكرمة , وأمام اصطدام سيارتين , وقد نزل الجميع , كانوا جميعا محرمين , ويتكلمون في آن واحد , وأشكالهم متشابهة , فأين الحق وأين الباطل ؟ وكان لصياح جدتي الأثر الكبير في انصراف الجميع :
- : مشكلتكم هذه ليس لها حل أبدا , فجميعكم محرم , ولا احد يستطيع معرفة صغيركم من كبيركم .
وحتى بدون عولمة حديثة , بل وبدون ثورة تكنولوجية للاتصالات , فأن العالم يتجه نحو التلاقي , إن شرقا أو غربا , إن شمالا أو جنوبا , وان تخلفا وتقدما , وان غنيا أو فقيرا , وكذا الحال بين المصالح المشتركة الدائمة و والمصالح الخاصة الحيوية , وما حدث في الواقع مدهش للغاية , فقد عززت المصالح الخاصة , سلطة المصالح المشتركة , وحدث العكس أيضا , ولا احد يستطيع إنكار قدرة البلاد الاسكندنافية , على إحداث اكبر توازن بين المصلحتين , وصولا الى تحقيق أرقى أشكال الأنسنة والحرية , من التعليم المجاني ونحو الصحة العامة , والنقل العام شبه المجاني , وتوافقات معتبرة جديرة بالاهتمام , وكأن المشروع الشيوعي كان قد تحقق هناك , وفي غفلة من الزمن , فإذا كان كارل ماركس بعبقريته الفذة , قد رأى عمليات مركزة راس المال في بريطانيا , وامكان قيام سلطة البروليتارية الاشتراكية , بوصفها الحالة القانونية أو الحقوقية الملازمة لتحليل الواقع , بينما لم يكن الفكر الماركسي التقليدي يتصور , ولو للحظة واحدة امكان انتصار الاشتراكية في روسيا , على ضفاف القارة الأوروبية , وبعيدا عن المركزة الرأسمالية , وهذا بالضبط ما ينطبق على الواقع الاسكندنافي , وحيث بدأت تظهر هناك ملامح الحلم الشيوعي , وفي مظاهر كثيرة , ولكنها لم تنتج من أسطورة التمركز الرأسمالي , ولكن من تقاربيته مع النظام المشاعي بصفة المصالح المشتركة , والمتعايشة مع المصالح الخاصة , وبذلك نتج عن التضاغط مابين غرب أوروبا وشرقها , ارتداد نحو الشمال الأوروبي أي الى البلدان الاسكندنافية ...
وللمقالة بقية .
احمد مصارع
الرقه -2005
#احمد_مصارع (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟