أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - أنا رب الكون














المزيد.....

أنا رب الكون


عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

الحوار المتمدن-العدد: 4153 - 2013 / 7 / 14 - 19:33
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


طوال الرحلة البشرية الحضارية على مدار آلاف السنين إلى اليوم، قد ظل مطروحاً السؤال: حتى لو كنت أنا الإنسان الصانع والصائن الفعلي لكل هذه الحضارة البشرية العملاقة على وجه الأرض، من لا يزال هذا الذي صنعني أنا الإنسان الصانع الحضاري نفسي، ومن هذا الذي صنع مادة الكون التي بالطبع لا أملك ولا أدعي صناعتها بنفسي إنما قد استعنت بها فقط كمادة خام في صناعة أدواتي وحضاراتي؟ قد أعطيت إجابتين وحيدتين عن هذا السؤال الأزلي وكان لكل منهما نتائجها الحضارية المختلفة بالنسبة لهؤلاء المعتقدين في صوابها: (1) نعم، هناك خالق للإنسان وللكون، وهو معلوم؛ (2) لا، مستحيل أن يعلم الإنسان بمثل هذا الخالق، حتى لو كان موجوداً بالفعل.

في الأولى، قد اعتقد الإنسان في وجود الإله في آبائه الأحياء، في أرواح أجداده وأقربائه بعد الموت، في عناصر البيئة الطبيعية المحيطة به من أشجار وأنهار وحيوانات وشمس وقمر ونجوم وبرق ورعد ونار، في زعيم القبيلة، في الحكام والملوك، وفي الكهنة ورجال الدين...الخ. في هذه الحالة، كان من المنطقي أن يتوجه الإنسان بالعبادة والطاعة العمياء لكل هؤلاء، بالنظر إلى اعتقاده في مقدرتهم الخارقة على سعادته وشقائه سواء في حياته الدنيوية أو الأخروية. على هذا، قد ظل المسعى الفكري والفلسفي الإنساني في هذه العصور المؤمنة بنفوذ وهيمنة قوى عليا فوق مصائرها متجهاً على الدوام إلى طلب العلم والمثال والسلوى من أعلى، سواء من هذه القوى العليا ذاتها بشكل مباشر، أو من وسطاء وأولياء لها على الأرض بشكل غير مباشر. وفي هذا السياق، اكتسب هؤلاء البشر من ذوي الصلة المباشرة وغير المباشرة بالآلهة والقوى العليا المتصورة مكانة خاصة وسط أقرانهم من البشر العاديين، الذين تحولوا بهذا الشكل إلى درجات وطوائف وفرق بعضها فوق بعض بحسب القرب والبعد من هذه الآلهة أنفسها، ومن المعرفة بمقاصدها والعلم بأسرارها في أزمنة لاحقة. النتيجة الحتمية للإجابة التأكيدية على وجود إله خالق للإنسان هي أن يخضع الأخير خضوعاً تاماً لهذا الخالق، وأن يقضي حياته شاكراً له هذا الفضل.

ربما هذه الحالة الإلوهية، تلك التي كان الاعتقاد خلالها راسخاً في وجود إله خالق يدبر ويرعى كافة شؤون البشر والكون، قد عمرت مئات آلاف السنين وسط البشر. لكن قبل عدة قرون فقط، بالتحديد مع الخروج من تحت تأثير الكنيسة وانتصار ثقافة الدولة الوطنية العلمانية في أوروبا الغربية أوائل القرن الخامس عشر، بدأت تكتسب أرضاً أوسع الإجابة النافية: لا، من المستحيل أن يعلم الإنسان بوجود أو عدم وجود مثل هذا الخالق. الأكثر من ذلك، بحسب هذه الإجابة، أن حتى لو كان إله خالق موجود بالفعل في مكان ما، وكان علم الإنسان به ممكناً أيضاً، لا شك في أن ذلك لا يزال ما كان سيحدث أي تغيير جوهري في مسارات الحياة والحضارة البشرية على الأرض، سواء كما كانت في الماضي أو كما تكون في الحاضر. في قول آخر، فيما يتعلق بتسيير شئون الإنسان والكون، وجود إله خالق يساوي عدمه، لأنه في جميع الأحوال منقطع الصلة والاتصال المباشر وغير المباشر عن هذا الإنسان والكون. علاوة على ذلك، حتى لو كان إله موجود ويعيش بالفعل وسط البشر في هذه الحياة الدنيا، لا يزال لن يكون لذلك أي قيمة حقيقية، عدا التذكارية مثلما يتسلى ويتفرج السائحون الأجانب على الأهرامات ومومياوات قدماء المصريين. لكي يكون للوجود الإلهي أثر حقيقي، لابد له من قوة تنفيذ قهري لإرادته وسط البشر، تماماً مثل رئيس دولة أو قمة السلطة التنفيذية في العصر الحديث؛ لا قيمة لإله موجود إلا أن يكون ذو سيادة. وحتى في هذه الحالة الافتراضية، سوف لن تنفذ ولن تتحقق المشيئة الإلهية بالكامل وسط البشر على الوجه الذي قد يرضي غرور الآلهة، بل الأرجح أن تكون عرضة للرفض والمعاندة والمعارضة وحتى الإطاحة بها، مثلما فعل المصريون مؤخراً برئيسين اثنين ذوي سيادة خلال مدة لم تتعدى الثلاث سنوات فقط.

في الحقيقة، العصر الحديث لم يعد يعطي اهتماماً لهذا السؤال القديم، الذي لم يعد كما كان في العصور الماضية المنبع والمصب لمساعيه وأعماله الفلسفية. في الواقع، قد انصرف البحث والجهد البشري بعيداً عن محاولة الاهتداء إلى وجود آلهة سماوية وقوى عليا فيما وراء الطبيعة ومعرفة مقاصدها من وراء عملية الخلق إلى البحث في خصائص هذا الخلق ذاته ومحاولة اكتشاف قوانينه وتطبيقاته الممكنة. وكأن الإنسان المعاصر قد أصبح يقول: "أنا رب نفسي وهذا الكون، لا أعرف رباً آخر، ولا يعنيني أن أعرف". "الرب" هنا لا تعنى الصانع والخالق، الذي يبقى سراً أبدياً أبعد من قدرة الإنسان على المعرفة، إنما تعني "الراعي" لنفسه ولهذا الكون و"المسؤول" عن المحافظة عليه وتنميته وتحسينه على الدوام. الإنسان هو المخلوق الوحيد في هذا الوجود "المكلف" بالعناية بنفسه وبالكون من حوله، لكن تكليفه هذا لا يأتيه من أي أحد أو قوة عليا مهما كانت خارقة، إنما من "ضميره" الفردي الذاتي والمستقل. من هذا المبدأ المؤمن بقيمة الإنسان الفرد وحقوقه قبل أي شيء آخر انطلقت مسيرة الحضارة المعاصرة وأنتجت حزمة من المثل والقيم والمبادئ والأعراف الإنسانية الشديدة التباين والاختلاف مع كل الحضارات السابقة- تلك التي اختارت أن تضع ثقتها في قوى غيبية بدلاً من أن تضعها في نفسها.



#عبد_المجيد_إسماعيل_الشهاوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رهان أوباما الخاسر على الإخوان
- وهل الرُسُل بشر أيضاً؟
- مصر تسقط إرهاب السياسة الإسلامية
- المصريون يخرجون على الشرعية
- هنا القاهرة 30
- مصر الوطنية تصارع مشروع الإسلام السياسي
- أمريكا وإيران من داخل المنطقة العربية
- فضفضة مصرية فوق السد
- إسلام متقدم لمسلمين متخلفين؟!
- في الرحلة مع تطور الآلهة
- بحثاً عن شرعية مفقودة في عرض توقيعات -تمرد- و-تجرد-
- سائق اللصوص الشريف!
- هذا كلام الله مش كلامي
- الدين الخارج عن القانون
- في العقلية الخرفانية
- إسلام بالقسوة
- إيران الإسلامية في سوريا العلمانية
- مصر- بلد .....
- صناعة العبيد
- عودة عمرو


المزيد.....




- مصر.. الإفتاء تعلن موعد تحري هلال عيد الفطر
- أغلق باب بعد تحويل القبلة.. هكذا تطورت أبواب المسجد النبوي م ...
- -كان سهران عندي-.. نجوى كرم تثير الجدل بـ-رؤيتها- المسيح 13 ...
- موعد وقيمة زكاة الفطر لعام 2024 وفقًا لتصريحات دار الإفتاء ا ...
- أسئلة عن الدين اليهودي ودعم إسرائيل في اختبار الجنسية الألما ...
- الأحزاب الدينية تهدد بالانسحاب من ائتلاف نتنياهو بسبب قانون ...
- 45 ألف فلسطيني يؤدون صلاتي العشاء والتراويح في المسجد الأقصى ...
- استعدادا لذبحها أمام الأقصى.. ما هي قصة ظهور البقرة الحمراء ...
- -ارجعوا إلى المسيحية-! بعد تراكم الغرامات.. ترامب يدعو أنصار ...
- 45 ألفا يؤدون صلاتي العشاء والتراويح في المسجد الأقصى


المزيد.....

- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود
- فصول من فصلات التاريخ : الدول العلمانية والدين والإرهاب. / يوسف هشام محمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - أنا رب الكون