أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - في الرحلة مع تطور الآلهة















المزيد.....

في الرحلة مع تطور الآلهة


عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

الحوار المتمدن-العدد: 4110 - 2013 / 6 / 1 - 18:17
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


في الماضي البعيد، كان الدين ذو طابع شخصي يكاد لا يتعدى الحدود العظمية لجمجمة الفرد البدائي في عيشته المنعزلة في الوديان ووسط الغابات والبراري. ثم مع بدء الحياة الجماعية بتطور الأسرة النواة إلى العشيرة ثم القبيلة، تطور معها في المقابل "الإله الشخصي" المتفرد لكل فرد بذاته أو مجموعة صغيرة من الأفراد بذاتهم إلى "الإله القبلي" المشترك والموحد بين أفراد القبيلة جميعاً. في أغلب الأحيان، كان الإله القبلي يعيش جنباً إلى جنب في نفس المكان والزمان مع آلهة متعددة أصغر منه حجماً ودونه مقاماً؛ لكن الصفة الجوهرية للإله القبلي أنه كان بمثابة "الإله الأب" الأكبر- أو زعيم القبيلة- وسط كافة الآلهة الأصغر الآخرين. في جملة أخرى، مثلما كانت الجماعة البشرية القبلية تتكون من عدد من البيوت والبطون والعشائر وربما القبائل الفرعية والتابعة المختلفة، كذلك كان "مجمع الآلهة القبلية" يتكون هو الآخر من عدد موازي تقريباً من الآلهة بحيث قد يكون لكل بيت أو بطن أو عشيرة أو قبيلة فرعية إلهاً خاصاً متفرداً؛ لكن في النهاية كان لابد أن تخضع كل هذه الآلهة المتعددة بلا استثناء لسيادة ونفوذ وحكم إله أكبر واحد، إله القبيلة كلها؛ كما يكون لجميع بيوت وبطون وعشائر القبيلة في الحكم وإدارة شؤونها الجماعية المشتركة فوق الأرض زعيماً أكبر واحداً، كذلك كان لا بد أن يقابله على العرش في السماء إلهاً أكبر واحداً أيضاً.

لكن مهما كبر حجمها وعظم شأنها وقويت شوكتها، لم يقف منحنى التطور السياسي-الاجتماعي البشري عند حدود القبيلة. إذ تحت مطرقة ضغوط خارجية عنيفة ومسلحة وسندان شقاقات وتناحرات واحتياجات محلية متفاقمة كان التنظيم السياسي-الاجتماعي القبلي السائد آنذاك قد أصبح عاجزاً باطراد عن إشباعها، كان لا مفر من اندماج القبائل المختلفة معاً تحت سقف تنظيمات وكيانات جديدة حتى تستطيع البقاء في مواجهة هذه التحديات الخطيرة. تماماً كما اضطرت الأخطار والحاجات المتزايدة الأسر والعائلات الأصغر قبلاً إلى الاندماج في قبائل أكبر وأقوى، كان قد آن الأوان لكي تندمج هذه القبائل الأكبر بدورها في كيان أكبر لا يزال حتى تتمكن من التصدي لأخطار واحتياجات وتحديات تفوق قدرة الأسرة والقبيلة على أن تتعامل معها بالكفاءة المطلوبة. في سيناريو متكرر، كما حتمت الأخطار والتحديات الواقعية المعاشة الاندماج فيما بين القبائل، كان لابد أن يحدث في المقابل اندماجاً فيما بين الآلهة المتعددين للقبائل المختلفة في إله واحد أكبر من الجميع، قادر على أن يغني البشر عن كل الآلهة الأخرى. كان يستحيل أن ينشأ الكيان السياسي-الاجتماعي الجديد في ظل استمرار تمسك كل زعيم قبيلة بمنصبه؛ كان لابد أن يقبلوا جميعاً بسيطرة وولاية واحدة ومطلقة من زعيم أكبر واحد فقط فوق الجميع، في معظم الأحيان بحد السيف فوق أعناقهم إذا لم يكن برضاهم. وقد حدث نفس الشيء مع تعدد الآلهة؛ كان لا بد من إله واحد فقط لا شريك له على سدة العرش، فيما يشبه انعكاس مرآة في السماء للأوضاع والعلاقات المستجدة فوق الأرض.

ثم ظهرت إلى الوجود الإمبراطوريات، وفي ركابها وانعكاس مرآة لها ظهرت "الآلهة التوحيدية" الكونية التي، مثل الطموح السياسي-الاجتماعي الإمبراطوري، اعتبرت الكون كله ساحة نفوذ ودعوة وعمل لها وحدها وبدأت تتصرف على هذا الأساس العقائدي. على سبيل الإيضاح، كانت الإمبراطورية اليونانية القديمة التي أسسها الإسكندر الأكبر المقدوني (356 ق.م.- 323 ق.م.) ثم من بعدها الرومانية واللتان تجاوزتا حدود الجغرافيا القومية واختلافات اللغة والعرق والدين التي كانت تعزل بين الشعوب قديماً وأخذت تصهر شعوباً مختلة من أقصى مشارق الأرض إلى مغاربها في بوتقة رعية واحدة تتبع حاكم إمبراطوري (أو خليفة مسلمين) واحد أمثلة واقعية وملموسة على التوحيد الكوني (الإمبراطوري) الموازي- لكن بوتيرة أبطأ- للآلهة القبلية والقومية المختلفة في "إله كوني" (إمبراطوري) واحد. مثلما قد تطور الإله الشخصي إلى الإله القبلي ثم إلى الإله القومي، قد آن الأوان مرة أخرى ليندمج جميع الآلهة مجدداً في إله كوني واحد أحد، أو على الأقل هكذا يتصوره العقل الجمعي لكل إمبراطورية سياسية-اجتماعية مختلفة؛ مثلما وهبت الإمبراطورية (الخلافة) لنفسها نفوذاً سياسياً-اجتماعياً ذو نطاق عالمي وكوني، كذلك في المقابل كان لا بد أن يتوسع الإله بدوره أيضاً- كما قد فعل من قبل مرات عديدة- لكي يملئ هذا النطاق المستجد.

ثم، في العصر الحديث، تفككت الإمبراطوريات (والخلافة) وظهرت إلى الوجود الدولة الوطنية باعتبارها التنظيم السياسي-الاجتماعي الأساسي؛ وكان لا بد أن يتوازى مع هذا الانحسار في نطاق النفوذ السياسي-الاجتماعي من "الكوني" الإمبراطوري إلى "المحلي" الوطني انحساراً مقابلاً في نطاق نفوذ الأديان لكي لا تعتدي بالتجاوز على الحدود الجغرافية المرسومة للدولة الوطنية الحديثة. كما أصبحت كل جماعة سياسية-اجتماعية داخل حدود جغرافية محددة ومعترف بها من المجتمع الدولي تمثل دولة مستقلة ذات سيادة، كذلك كان لابد في الوقت نفسه من انسحاب الامتداد الديني العالمي والكوني السائد في العهود الإمبراطورية الماضية إلى داخل الحدود الجغرافية الأصغر للدول الوطنية المستقلة ذات السيادة.

بالفعل قد أصبح لكل دولة وطنية مستقلة وذات سيادة ما يشبه الدين الوطني المستقل وذو السيادة أيضاً داخل حدودها الجغرافية-السياسية-الاجتماعية الخاصة بها؛ قد أصبح لكل دولة مستقلة كنيستها المستقلة، ودار إفتائها ومشيختها المستقلة، وهيئة كبار علمائها المستقلة وشرائعها الدينية الخاصة المستقلة؛ قد انتهى زمن الشريعة الدينية الكونية الواحدة وبدأ عصر الشرائع المحلية المتعددة والمختلفة حتى من رحم نفس المذهب الديني الواحد. كما انقسمت الكنيسة والشريعة المسيحية الواحدة وتوزعت، مثلاً، بين الكنيسة الإيطالية والكنيسة الألمانية والكنيسة البريطانية كذلك قد انفكت وحدانية الفتوى والشريعة الإسلامية أيضاً وتوزعت، على سبيل المثال لا الحصر، بين فتاوى مفتي السعودية ومفتي المغرب ومفتي العراق ومفتي اليمن- أو ما كانت هناك حاجة لكي يكون لكل دولة مسلمة- حتى من داخل نفس المذهب السني الواحد- مفتيها المستقل ذو السيادة الخاص بها.



#عبد_المجيد_إسماعيل_الشهاوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بحثاً عن شرعية مفقودة في عرض توقيعات -تمرد- و-تجرد-
- سائق اللصوص الشريف!
- هذا كلام الله مش كلامي
- الدين الخارج عن القانون
- في العقلية الخرفانية
- إسلام بالقسوة
- إيران الإسلامية في سوريا العلمانية
- مصر- بلد .....
- صناعة العبيد
- عودة عمرو
- صناعة الأديان
- السيسي بونابرت
- عبدة الشياطين
- في البحث عن صهيوني عربي
- أنا بكره إسرائيل وبحب الدولة الوطنية
- في حب إسرائيل
- إيران القنبلة النووية
- مصر تحت الاحتلال
- للزوجة نصف ثروة الرجل
- الإسلام السياسي في ميزان السياسة الدولية (4- تركيا)


المزيد.....




- “عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي ...
- شاهد..المستوطنين يقتحمون الأقصى في ثالث أيام عيد -الفصح اليه ...
- الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام ...
- طلاب يهود بجامعة كولومبيا: مظاهرات دعم فلسطين ليست معادية لل ...
- مصادر فلسطينية: أكثر من 900 مستعمر اقتحموا المسجد الأقصى في ...
- مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى تحت حراسة إسرائيلية مش ...
- سيبدأ تطبيقه اليوم.. الإفتاء المصرية تحسم الجدل حول التوقيت ...
- مئات المستوطنين يقتحمون باحات الأقصى في ثالث أيام عيد الفصح ...
- أوكرانيا: السلطات تتهم رجل دين رفيع المستوى بالتجسس لصالح مو ...
- “خليهم يتعلموا ويغنوا ” نزل تردد قناة طيور الجنة للأطفال وأم ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - في الرحلة مع تطور الآلهة