أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - خالد الصلعي - غياب المثقف ، والمثقف الانسان















المزيد.....

غياب المثقف ، والمثقف الانسان


خالد الصلعي

الحوار المتمدن-العدد: 4139 - 2013 / 6 / 30 - 20:39
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
    


أصبح وضع المثقف العربي وضعا محرجا ومقلقا ، فهو فقد كل مواقعه الريادية ، بل ان موقع التابع تم نزعه منه ، وهي تبعية بطبيعة الحال للسياسي ، فارتد الى مادون ذلك . وقد حاول الكثير من المثقفين وضع المثقف العربي أمام حقيقته ، وعلى رأسهم الباحث اللبناني "علي حرب" في كتابه "نقد المثقف أو أوهام النخبة " وخاصة طبعته الثانية .
اذ استطاع هذا المفكر أن يعري جميع الأقنعة التي يتمترس وراءها مثقفوا الأمة العربية ، ويبرهن بنزعته السجالية الراقية على تهافت المثقف العربي وخذلانه وتنفجه المبالغ فيه . وقد كان للثروات العربية التي قامت بها الشعوب دون أن ينخرط فيها المثقف العربي بما تفترضه تاريخية دور ووظيفة المثقف من تنوير وطلائعية وريادة ، كان لهذه الثورة دور المرآة التي كشفت غياب المثقف العربي عن واقعه وغياب تفاعله مع أهم قضايا أمته ، وابتعاده المطلق عن هموم شعبه ، وافتقاره لحس المبادرة والفاعلية .
ليس عيبا أن يعترف المرء بعيوبه ، انما العيب أن يغطي هذه العيوب بعيوب أكبر ، ويدعي ما تُكذبه أفعاله وممارساته . وهنا ، وبما أني أتحدث عن المثقف العربي ، وجب أن أضع بين قوسين أسماء لمثقفين عرب واكبوا وتفاعلوا مع الثورات العربية . وهنا أسجل تخاذل البعض واللعب على الحبلين ، كأدونيس ، وايمان الآخرين بقضية الشعوب ورغبتها في التحرر من الاستبداد والديكتاتورية كمطاع صفدي ، وغياب مطلق للآخرين أو صحوتهم المتأخرة كما حدث للمثقفين المغاربة . وهم محسوبون كما يدعون على التيار الحداثي .
في ظل هذا الوضع المأزوم ، الذي انتصر فيه الغياب على الحضور ، وسطع نجم الأفول على الشروق ، لايمكن للمثقف المبتلى ببعده الحضاري الانساني الا ان يحاول خلخلة المسلمات ، وزعزعة الانطواءات ، ورج السواكن .
لقد ارتبط دور المثقف العربي حسب ما تراكم من منشورات وكتابات الستينيات والسبعينيات ، بدور المثقف المناضل ، قبل ان يبدأ العد التنازلي لهذا الدور ، وتبين مع مرور الوقت أنه مثقف مسكون بالترجمة النظرية وليس بالترجمة التطبيقية ، فهو سليل الترجمة ، وليس سليل الابداع ، انه صدى المنتوج الثقافي الغربي ، وليس أثرا من آثار التفاعلات الذاتية ، فهو مثلا قد يعجب بالمفهوم الغرامشي للمثقف ، لكنه لايمارسه ، ولكنه يجهل أن أدونيس قد حاول نحت مفهوم " المثقف المنخرط " ، غير أن هذا الأخير نفسه لم ينخرط في صلب القضايا العربية المرتبطة بالشعوب ، بل أصبح كما لا حظ الكثيرون ، كصادق جلال العظم ، تذبذبه وازدواجيته ، فاقدا للبوصلة ، وهذا ليس شأني كمثقف يشرفه كثيرا الانتساب الى الطبقات "المسحوقة " ، ففي النهاية يظل العقل والفكر متساميا شامخا ، دونه المناصب والكراسي الوثيرة ، والألقاب التي تذروها رياح الواقع والممارسة .
لكن ما يقلقني هو هذا الكم الهائل من الزيف الذي انخرط فيه المثقف العربي ، وقناعته الراسخة بخدمة أصحاب المعالي وأصحاب التيجان ، وقدرته على التلون والاحتفاظ بنفس القناع البالي ، فلربما أصبح ذلك القناع وجهه الحقيقي ، عكس "كواسي " الذي ظل ربع قرن مخبأ وراء قناع بسبب التشوهات التي أصابت وجهه اثر هجوم مباغت على كتيبته الانجليزية . وهي قصة حقيقية . لكنه قرر أخيرا أن يخرج للملأ بعد أكثر من ثلاثين عملية تجميل . قرر أن يواجه العالم بحقيقة وجهه رغم الكم الهائل من التشوهات .
فهل يمتلك المثقف العربي مثل هذه الشجاعة ليزيح الأقنعة عن وجهه ؟.
لقد أبان تاريخ الأفكار عن حقيقة استقلال الثقافة عن جميع البنيات الاجتماعية من حيث الازدهار والانحطاط ، رغم انخراط الثقافة في شريان هذه البنيات . فهي كالأوكسجين بالنسبة للمجتمعات .والثقافة قد تكون مشروعا تنويريا من أجل النهوض بمجتمع ما ، وقد تكون حارسا لهذه الأنوار كلما خفتت أعادت اضاءتها . وهذا ما حصل مع أوروبا القرنين 17 و18 . كما انها قد تشهد انحسارا وانحطاطا بفعل غلبة المنطق المادي النفعي ، كما يحصل في الولايات المتحدة الأمريكية اليوم ، على الرغم من وجود صوت عالي للمثقفين الأمريكيين داخل بلدهم ، لكننا لا نتابع أعمالا وصروحا ثقافية ضخمة ، كما حدث مع أوروبا .
فما هو حال وضعنا نحن في العالم العربي ؟ ، انه وضع مختلف كليا ، اذ يبدو أن مغناطيس السلطة المقترنة بالمال والقمع قد أفسد أجواء الثقافة العربية . ويمكن التدليل على ذلك بانكشاف مجموعة من المثقفين الذين كانوا يحسبون على الصف الطليعي بانغماسهم وتمترسهم وراء الديكتاتوريات العربية . وهذا ما يعكس موت المثقف اليساري والثوري الا من اعتصم بحبل الفكر وأخلص للقيم العليا ، وهم قلة طبعا ، ولم يراوح انتصاره للشعوب باعتبارها الجذوة التي لا تنطفئ ، مهما عصفت رياح التسلط والتجبر.
لدينا ثلاث نماذج عالية من المفاهيم المرتبطة بالمثقفين جريا على ما أرساه غرامشي -المثقف العضوي- ، وسارتر-المثقف الملتزم-، وأدونيس -المثقف المنخرط - ، لكن المثقف الانسان هو ما ظل متواريا وراء هذه الألقاب اللامعة ، رغم أنهم جميعهم قد عايشوا عصر سيطرة التقنية وانتصارها الهائل . وأصبح الانسان في درجة ثالثة بعد الغيب والتقنية ، ، على الرغم من انتصار الرؤية الكانطية التي أعلت من شأن الفيلسوف الناقد ، بعدما استفاد كثيرا من فلسفة ديكارت التي أرشدت الانسانية الى الانسان المتسائل ، هل يفكر أم لا ؟ فأصبح وجوده مرتبطا بماهية التفكير كأُدلول على وجوده .
واذا كانت النماذج المذكورة أعلاه ، باستثناء المثقف الانسان ، هي نماذج وليدة سياقات تارخية بعينها ، وظروف اجتماعية بذاتها ووعيا معرفيا له شروطه الابستميولوجية ، فان كل شروط بروز مفهم المثقف الانسان أصبحت متوفرة ، سواء على المستوى الكوني ، اذ اصبح الكون أقرب الى الانسان من أي وقت آخر ، أو على المستوى التواصلي ، قدرة الانسان على التواصل مع الاخر أين ما كان ، أو على المستوى التشابكي ، لم تبق العلاقات الدولية حبيسة الحدود الجغرافية التقليدية ، أو على مستوى التأثير ، كل طرف يؤثر اليوم في الاخر بطريقة مباشرة ، وهنا لابد من ملاحظة أن ما وفرته المواقع الاجتماعية ، والتطنلوجيا التواصلية من فرصة التعبير عن الهواجس والرؤى الفردية التي كانت قبل عقد حبيسة الذات -وخاصة ذات العربي ومواطن العالم المتخلف - أصبح في امكان العالم -وخاصة أجهزة الاستخبارات الكبرى - قضية ادوارد سنودن - ، أن يطلع عليه ويتفاعل معه بطريقة أو أخرى ، ويمكن لأي مثقف مشاركة المثقفين العالميين في مساندتهم ل "ايدوا سنودن ".
هذا المشهد التفاعلي الكبير لا يمكن الا أن يؤسس لمثقف انساني ، خاصة وأن عوامل أخرى استجدت في عالمنا العربي ، كتطور مفهوم حقوق الانسان فيه وتغيير مجموعة من دساتير الدول العربية في السنتين الخيرتين -على علاتها ، الا أنها منحت للمواطن العربي الكثير من الحقوق وان كانت صورية ، غير أنها مثبتة في الدستور ، وعليه أن يطالب بتفعيلها بكل الوسائل الممكنة - .والطور الدينامي لبعض الشعوب العربية ، والقدرة على اسماع صوت الفرد العادي ....الخ .
نحن اذن أمام تحولات عميقة داخل المجتمعات العربية ، رغم كل الاعتراضات والانتقادات والتوجيهات التي يمكن توجيهها لهذه التحولات ، الا أن حضورها ووجودها يكفيان للترميز اليها . وهذا هو دور المثقف الانسان ، أن يرشد الى ما يمكن أن لا يعقله وينتبه اليه المجتمع وهو يتحرك نحو المطالبة بحقوقه الأساسية كالكرامة والحرية والمواطنة الكاملة ، بكل حمولتها التشاركية .
انها النظرية هنا التي لاتنفصل عن واقع معاش ومتحرك ، لكنه غير مؤسس ومبرمج ، بل هو كالرياح اللواقح لا تحس به غير الثمار التي تتكون وهي تستفيد من نضجها الطبيعي .ويبقى غياب المثقف العربي غيابا ماديا ومحسوسا ، يكاد اثره لا يظهر .



#خالد_الصلعي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- البحث عن الغائب الحاضر -14-رواية
- اليسار المغربي وحدة من أجل موت جماعي
- عوربة الاقتتال
- العرب ومجتمع الزيف
- واقع الشعر من واقع العرب
- ايران ولعب الكبار
- الصمت بين المعنى والوجود
- لاتصدقي تجار الدين
- تحريف الجهاد
- الحداثة هدف مؤجل
- البيان حلم والممارسة واقع
- ثمة أغنية في الحنجرة
- الانسان ذلك المنحرف -1-
- القضاء المغربي ، فجوات بحجم العار
- قصة الدمعة -قصة-
- مؤتمر جنيف-2- الميت
- ريق السحلية
- البحث عن الغائب الحاضر -13- رواية
- ردة الحقوق وسلامة المواطن في المغرب
- عن أغنية - مالي ومال الشمعة -


المزيد.....




- وزير الدفاع الأميركي يجري مباحثات مع نظيره الإسرائيلي
- مدير الـ -سي آي إيه-: -داعش- الجهة الوحيدة المسؤولة عن هجوم ...
- البابا تواضروس الثاني يحذر من مخاطر زواج الأقارب ويتحدث عن إ ...
- كوليبا: لا توجد لدينا خطة بديلة في حال غياب المساعدات الأمري ...
- بعد الفيتو الأمريكي.. الجزائر تعلن أنها ستعود بقوة لطرح العض ...
- السلاح النووي الإيراني.. غموض ومخاوف تعود للواجهة بعد الهجوم ...
- وزير الدفاع الأميركي يحري مباحثات مع نظيره الإسرائيلي
- مدير الاستخبارات الأمريكية يحذر: أوكرانيا قد تضطر إلى الاستس ...
- -حماس-: الولايات المتحدة تؤكد باستخدام -الفيتو- وقوفها ضد شع ...
- دراسة ضخمة: جينات القوة قد تحمي من الأمراض والموت المبكر


المزيد.....

- عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية / مصطفى بن صالح
- بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها / وديع السرغيني
- غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب / المناضل-ة
- دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية / احمد المغربي
- الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا ... / كاظم حبيب
- ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1) / حمه الهمامي
- برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب / النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
- المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة / سعاد الولي
- حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب / عبدالله الحريف
- قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس / حمة الهمامي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - خالد الصلعي - غياب المثقف ، والمثقف الانسان