|
عن أغنية - مالي ومال الشمعة -
خالد الصلعي
الحوار المتمدن-العدد: 4111 - 2013 / 6 / 2 - 08:11
المحور:
الادب والفن
آآآآه من هذا الفن حين يعثر على أصحابه ، فيتجلى كغيث روحاني يتمطر على يبابنا الانساني الذي يكاد يشبه صحراء منسية . وأنت تنصت الى هذه الأغنية لا تستطيع أن تفتك نفسك من أسرها ، وكأنها تلخص لك كل سنوات الظلام التي أُرغمتَ على عيشها في وطن نفى الشمس عن سمائه واقتنص كل نجومها . واضع الكلمات مجهول ،على الأقل بالنسبة الي ، لكن عذوبة هذه الكلمات وشعريتها العالية ، واستعارتها العقلية والعاطفية والواقعية ، لا تملك أمامها الا أن تذوب أنت المستمع على وقعها الفياض ، كشمعة تنير ظلاما يتشبث بك بكل ما أوتي من صلف الجموح الأسود . وكأن الشاعر كان يعيش حالة ظلام شامل الى درجة أن شمعته الوحيدة لم تسعفه رغم اشتعالها في تبديد ولو جزء يسير من عتمة كلية مطلقة ، انه حقا لا تعمى الأبصار ، ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ؛ لكن صدورنا لم تعم بل صبوا عليها آلاف الأطنان من اسمنت الجهل والفقر والذل . استلبوا كل بصيص أمل فينا فغدونا بلا وجهة نروم سبيلها ،لعل خلاصا ولو عبر الحلم ينقذنا من هذا الظلام السرمدي . مالي ومال الشمعة ما ضوت لي ف ظلام " سؤال تعجيزي ، ليس هنا بصيغة الاستنكار ، فالمعلوم والمفروض أن تضيئ الشمعة في الظلام ، وكلما كانت كثافة الظلام قوية ،كلما ازداد نور الشمعة ، لكن شمعة الأغنية ، لا تضيئ شيئا ، كأن اشتعالها عين انطفائها ، لا فرق بين الاشتعال وبين الانطفاء هنا ، حتى مزحة ديوجين تفقد معناها هنا ، والفيلسوف بطبيعته مازح عظيم ، فمصباحه الذي كان يحمله نهارا لم يكن الا تعبيرا عن ظلام النهار ، وهو المؤمن بضوء الروح ، لذلك قال للأسكندر الأكبر حين سأله هل تحتاج شيئا ، رد عليه قائلا " تنح قليلا لأنك تحجب عني ضوء الشمس . انها فلسفة الفن حين يرتقي الى مستوى الفلسفة ، والفلسفة مالم تتقاطع مع الفن تصبح مجرد تعاليم ممسوخة ، الفن وحده ما يمنحها ماءها . مالي ومال السعد ما سكد لي ليام " ، ربما هي لازمة الانسان ،المتسائل عن سعادته ، هذا المصطلح اللغز ، الذي لم يعثر الانسان الى الان عن جوابه الشافي ، والسعد هنا بمعنى الحظ ، والحظ حسب القرآن له نصيب من حياتنا ، وهو حسب ميكيافيللي له دور أساس في الحفاظ على الامارة ، ومن لاحظ له لاحياة له . لكن الفنان يكفيه من الحياة حظ الفن ، وللعودة الى حياة الفنان والفيلسوف سنعثر على كنوز لا يمكن أن يمنحها لك حاكم ،بل ستتمنى لو لم تكن قائدا عظيما أن تكون شحاذا بصيغة فنان ، تماما كما تمنى الاسكندر الأكبر أن يكون ديوجين المعدم اذا لم يكن الاسكندر . مالي ومال شمسي غطوها لغيوم " يالوقع هذه الاستعارة البعيدة القصية ، انالبلاغة لم تكن يوما حكرا على اللغة الفصحى ، بلاغة الدارجة أحيانا تفوق ما كتبه فطاحلة الشعر العربي ، ولكن أليست هذه قصيدة من أجمل قصائد الدارجة الجزائرية ؟ ، الشمس هنا هي السعد =الحظ ، أسباب الحياة السعيدة ، نفس التساؤل ، لكنه هنا بمعناه الاخباري رغم جلباب الاستنكار الذي يلبسه . الشمس موجودة في مكانها لكن الغيوم تحجبها ، مثل وجودنا تحجبه غيوم الاستبداد والقهر والحكم المطلق ، وغيوم الخيانة والعمالة قذارة العلاقات التي تجمعنا بأقرب المقربين . لاشيئ يردم الهوة التي تبتلعنا غير الفن الراقي العظيم الذي ينقلنا من حالات الاحباط واليأس الى حياة الأمل والانسياب . مالي ومال سماي ما قعدت فيه نجوم " نفس التساؤل ، سماء بلا نجوم ، كحياة بلا أحلام ، كأرض بلا نبات ، كبحر بغير ماء ، ولنجوم وظائف عديدة أولها تعويض ضوء الشمس الغائب ، كما أنه تؤدي كما كانت وظيفة تعيين المكنة في الحضارات البدائية ، وكان القدماء يهتدون عبر مساراتها في رحلاتهم ، وعلى ضوئها الضعيف ييقطعون المسافات الطوال . وباختفائها تضيع المكنة ويستحيل السفر . فلا يبقى غير الثبات والسكون . آآآه ثم آآآآآآآه حين تورق في أحدنا أوراق الفن الخضراء ، فيأتي الفرج من الكلمات والخيال والفن ، وننتصر على منطق التشيؤ والاستيلاب . الفن وطن من لا وطن له . انه سماؤنا التي لا تغيب عنها الشمس .
#خالد_الصلعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قصة : لم أتعلم الندم
-
الى السيد عبد العالي حامي الدين*
-
تلبيس ابليس لباس القديس
-
ليس دفاعا عن العلمانية -2-
-
أثر الدلالة
-
البحث عن الغائب الحاضر-12- رواية
-
تذكرة السيرك
-
ليس دفاعا عن العلمانية
-
عاشق الفوضى
-
عرق الريح.......
-
الخوف من انبعاث الحضارة العربية ثانية
-
البحث عن الحاضر الغائب -11- رواية
-
ابتسمي
-
هاري كريشنا
-
المغرب وعلامات استفهام كبرى وعديدة
-
البحث عن الغائب الحاضر -10-رواية
-
سليل النار
-
رعشات تائه
-
البحث عن الغائب الحاضر -9-رواية
-
السلطة الرابعة ...السلطة الأولى -1-
المزيد.....
-
السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
-
فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف
...
-
بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ
...
-
مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
-
روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
-
“بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا
...
-
خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر
...
-
الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا
...
-
الرئيس الايراني يصل إلي العاصمة الثقافية الباكستانية -لاهور-
...
-
الإسكندرية تستعيد مجدها التليد
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|