أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد الصلعي - البحث عن الغائب الحاضر -10-رواية














المزيد.....

البحث عن الغائب الحاضر -10-رواية


خالد الصلعي

الحوار المتمدن-العدد: 4097 - 2013 / 5 / 19 - 10:31
المحور: الادب والفن
    


البحث عن الغائب الحاضر -10- رواية
*************************
صعب أن تلتقي بصديق بعد فراق أكثر من خمس عشرة سنة وهو على وشك الانهيار النفسي وربما العقلي .
حين انتابتني هذه الفكرة ، تهاطلت على رأسي كثير من صور أصدقائي وأبناء حيي الذين نشأت بينهم ، وغيبتهم ظروف العيش القاهرة والصعبة عن الحياة بمعناها الوجودي وبمعناه المعيشي . حسن بوحمالة كان لاعب كرة قدم يشبه في مراوغاته الكروية مارادونا وفي سرعة استخدامه وتحكمه في قدميه ،اليمنى واليسرى . مات وهو في طريقه الى المنزل في حومة الحداد بعدما انتقلت عائلته الى هناك ، وهو الذي شب وترعرع في حومة 12 . مات بسبب تعاطيه المفرط لمختلف أنواع المخدرات بعدما أُقفلت في وجهه كل منافذ الحياة المستقرة ، رغم موهبته الكروية الكبيرة التي كان يشهد بها كل من تفرج عليه وهو يداعب الكرة بقدميه الساحرتين . لكن نفس تلك القدمين خانتاه يوم سقوطه ميتا . ورغم مؤهله التكويني بعد مروره بمعهد التكوين المهني كخبير في "التور " وهي تقنية تختص بآليات ميكانيكية ، الا أن حظه لم يسعفه في العثور على مهنة ، فلم يكن بد من انخراطه الكلي في عالم المخدرات ، الى أن سقط صريعا يوما وهو عائد على رجليه من حيه القديم الى حيه الجديد .
"صْرارا" أيضا كان جاري لصيقا بي ، صدمت وأنا أسمع بموته ، اذ عثروا على جثته ملقاة في أحد الخنادق ، بعدما طردته عائلته من المنزل .
وجوه كثيرة لأصدقاء قضيت معهم عمرا من صغري وفتوتي وشبابي ، تبخروا كما تتبخر روائح الروث في الهواء . ذهبوا ولم يعودوا ، وكثيرون أيضا ما يزالون يعيشون أوضاع التشرد والضياع .
وهاهو أحمد المجلباطي أراه ينهار أمامي كورقة شجر يابس . رغم أن تجربته تختلف عن تجارب أصدقائي الآخرين . وهو يتوفر ظاهريا على كل أسباب العيش الكريم ، سيارة فارهة ، لباس غالي ، وجهه متلئ وبه حمرة تنبئ عن نوع الأكل الذي يأكله ، الا أن الانهيار والضياع يجعله يلتحق بالآخرين ، الضياع واحد وان كانت أسبابه عديدة .
الشمس ترسل اشارات الوداع . بعض الغيوم تتجمع متفرقة في جسد السماء اللامتناهي ، تحولات المناخ في هذه السنوات الأخيرة لم تعد تخضع لأي مقياس علمي أو تواتري ، كل يوم هو في شأن .
-تعجبني فيك سخريتك من واقعك هههههه . قلت له وأنا أبتسم .
-عن أي سخرية يا مصطفى تتحدث ، أنا أهزأ من نفسي ، ومن قدري الذي دخلته دون ترتيب أو دراية . لم يكن ذلك هو عالمي ، تلك الوظيفة يجب أن يتم اختيار أشخاص مناسبين لها نفسيا واجتماعيا وأهدافا ، أما أنا فقد انزلقت في عالمها كما ينزلق مرتاد حمام في صابونة فتتكسر أضلاعه .
ضحكت من تمثيله وتشبيهه البليغ ، وانخرط معي هو أيضا في الضحك . ربما أشجار الغابة الصغيرة أيضا شاركتنا ضحكنا ، والبحر أيضا يضحك أسفلنا ، ربما كل شيئ هنا يضحك معنا لأن كل شيئ هنا تزحلق على صابونة .
لم ألتق يوما شخصا في تناقضات أحمد ، شخص هادئ ووسيم ، اذا التقيته لأول مرة دون ان تستدرجه في الكلام ، يقفز اليك الظن أنه من الناس الذين لا يعانون أية مشكلة في الحياة . لكنه يحمل من الندوب النفسية ما لا يحمله المشردون والضائعون .
لن تدرك طعم بعض المشروبات الا اذا تذوقتها .
اضطرابه هذا يذكرني برواية مدام بوفاري ، لكنها اضطرابات كانت ناشئة عن أحلامها التي نسجتها من خلال الروايات التي قرأتها في صغرها ، فرسمت لنفسها حياة لم يمكنها منها واقعها ، فقلبت حياتها الأسرية بعدما تزوجت من شارل الى حياة من العذاب الذهني والنفسي .
لكن أحمد لم يدخل لعبة الحب ، ولم تغره حياة البذخ ، عكس مدام بوفاري . بل دخل جحيم الاستخبارات المغربية ، وهو لم يقصص بعد حكاياته .
-يجب أن ننصرف اخي مصطفى ، ربما ألتقيك غدا ، هناك حمولات لا بد من افراغها ، لم أعد أستطيع حملها لوحدي ، لككني الان لست مستعدا لسردها .
- أنا رهن اشارتك أخي أحمد ، متى ما احتجتني ما عليك الا مهاتفتي . ولن أخفيك اذا قلت لك اني متعاطف معك . دعني أصارحك ، لاحظت تمزقاتك منذ لقائنا الأول ، لكنني لم أشأ أن أسألك ، فللآخرين حرماتهم الذاتية وأسرارهم المقدسة .
ابتسم ابتسامته الصفراء الشاحبة ، ثم رد علي :
-لا تنس أني رجل استخبارات ، وأدعي الذكاء ، وقد تحملت ما تحملته بارادة مني لظروفي الشخصية ، وقد تعاملت مع جميع أصناف الرجال هنا في هذا الوطن ، وحللت شخصياتهم ، بل انني اشتغلت على الكثير من الغربيين . وكانت تقاريري تحظى بانتباه وأولوية من قبل جميع الرؤساء الذين اشتغلت تحت امرتهم .
أخذ نفسا طويلا من سيجارته ، نفثه على الزجاج الأمامي الذي أصبح مضببا بشكل كلي ، يحجب رؤية ما وراءه ، قبل أن يتلاشى كما تتلاشى أحلامنا في واقع شفاف ، لكنه سرابي .



#خالد_الصلعي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سليل النار
- رعشات تائه
- البحث عن الغائب الحاضر -9-رواية
- السلطة الرابعة ...السلطة الأولى -1-
- التفكير بالدين والتفكير في الدين
- روسيا تنتصر
- البحث عن الغائب الحاضر -8- رواية
- أنت الصباح
- فنجان قهوة مر
- فلسفة حق تقرير المصير-1-
- رحيل آخر جماليات النقد العربي : يوسف سامي اليوسف
- القطيعة الابستمولوجية :نحو فهم جديد -3-
- البحث عن الغائب الحاضر-7-رواية
- لن يحترموننا
- التهافت الاعلامي والاسترزاق الثقافي
- البحث عن الغائب الحاضر-6-رواية
- مملكة المعنى الغامضة
- حاولت مرارا أن أصيح
- القطيعة الابستمولوجية :نحو فهم جديد -2-
- تأويل الأولين


المزيد.....




- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد الصلعي - البحث عن الغائب الحاضر -10-رواية