|
القطيعة الابستمولوجية :نحو فهم جديد -2-
خالد الصلعي
الحوار المتمدن-العدد: 4074 - 2013 / 4 / 26 - 18:30
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
القطيعة الابستمولوجية :نحو فهم جديد -2- ******************************* ان القطيعة لا تأتي وجوبا الا من خلال رصد المعطيات وتمثلها جميعها ، بحيث تصبح قراءتها مبعث ضجر ، والضجر لايبعثه الا الى امتلاء ما ، وان جاء عن طريق الفراغ ، وهذا الامتلاء يبحث عن افراغ ، قد يتحول الى تجديد . كما أن تجاوز شيئ ما يعني ملاحظة أن هذا الشيئ يحمل في أحشائه فراغات يمكن ملأها . وهناك احتمالات عديدة لبواعث ومحفزات التجاوز والقفز والتخطي والاكتشاف والابداع ، لأننا ببساطة نتعامل مع مجهول انساني ، تتداخل فيه مجموعة من الموتيفات والرغبات والأهواء والصدف . فالقطيعة بمفهومها الانفصالي لا يمكن أن تحدث في أي مجال معرفي كيفما كان ، مادام الاطار العام الذي يتفاعل داخله الانسان اطار متناسق وهرموني ، وذو بعد وحدوي يهيمن بطريقة او أخرى على مجمل تنوعاته وتفاصيله ودقائقه . ولكي نقف على مفهوم القطيعة الابستمولوجية عند باشلار ، لا بد من محاولة تقمصه كشخص متفاعل مع عصره ، دون اسقاطاتنا الذاتية ، لتفادي سقطات الذات العربية التي ما فتئت تكررها عند كل خطوة . فاذا ما استأنسنا باستشهاد هاشم صلاح بقطيعة نيوتن مع الفيزياء القديمة وتحويلها ، فان مصطلح التحويل هنا يصبح مصطلحا شاذا ، ففي صلب التحويل لا يمكن الحديث عن القطيعة ، لأن المُحَوَّل لا يمكن أن ينفصل عن المحول عنه ، وعملية التحويل نفسها تحمل في أحشائها بذور التواصل ، حتى في حالة الطفرات ، لأن الطفرات هي تطورات دقيقة وبسيطة ، مما يجعلنا نقف عند مفهوم التجاوز والقفز ، الناتج عن الامتلاء ، او انتهاء زمنية نظرية ما . بل ان الحديث عن قطيعتين داخل المنظور البشلاري ، وان كان صحيحا من حيث طبيعة تناول الموضوعات المعرفية ،فان النتيجة كانت خاطئة ، ولايمكن الحديث بتاتا مع باشلار ،عن انفصال الحدثين /القطيعتين كما فاجأنا بذلك الدكتور هاشم صالح ، لأن الادعاء بافراد باشلار او تركيزه على المعرفة العلمية في قطيعتها مع المعرفة الشائعة، واغفاله ، للقطيعة المعرفية بين الأنظمة المعرفية في التاريخ العلمي ، فهذا اجحاف في حق فيلسوف أثرى خزانة الأدب بنصوص نقدية غاية في الجودة والابداع ، وغير مسبوقة "يرجى العودة الى كتاب هاشم صالح " مخاضات الحداثة الابستمولوجية .... ولتوضيح القضية يجوز القول ،لايمكن انكار حادثة سقوط تفاحة نيوتن ، كما لايمكن تجاهل صيحة أرخيمدس "أوريكا .أوريكا" أي وجدتُها وجدتُها ، بل أذهب أعمق من ذلك ولا أنكر سماع أبي يزيد البسطامي مخاطبا له يقول : وجدتَ ، وجدتَ ، ولا يمكن بتاتا اغفال لقاء جوردان أثناء سفره في عربة قطار ب"ماكس بورن وزميل له ، وهما يتداولان في نظرية المصفوفات ، فتدافع الثلاثة في نقاش القضية وبعد مدة قصيرة خرجوا بنظرية Dreimanner Arbeit= ثلاث طرق للعمل ، التي تهتم بنظرية الكم عند هيزنبرج ،في اطار منطقي موسع ، يدعى الآن "ميكانيكا المصفوفات " 5-. قد يعزو الكثير ذلك الى المصادفات ، لكن المصادفات لا تؤسس التحولات العظيمة للانسان ، بل هناك أشكال تفاعلية في الانسان ، وخاصة منه المبدع ، لاتقنع بما بين يديها ، أو لنقل بلغة أدق عقلها او تركيبها العقلي لايقتنع بالمعطيات ،بل يتركب من أطر وآليات تجاوزية ذاتية ، لاتركن للجاهز والمتداول والقديم ، ففي صلب كل قديم جديد ، وفي كل متداول أشياء مهملة غير متداولة قد تكون أجدى وأنفع من المتداول ، وفي كل جاهز مكون خامل وغير جاهز ، وفي كل معطى محجوب ومقصي ، وبمجرد ما ينعكس الجديد والخامل والمحجوب المقصي في عقل فردي أو جمعي ، تبدأ مرحلة أخرى قد تكون بطيئة نظرا للسياقات العامة التي تحيط به المحايثة والمفارقة ، المدركة والمجهولة بطريقة أو أخرى ، انها لايقينية علمية يؤمن بها اليقين العلمي ، أو مبدأ سببي يترك المجال مفتوحا للطارئ والمنسي أو المحجوب . لسنا اذن هنا أمام انقطاع الا اذا سلمنا بمنطق الصدفة والعبث ، وقد اظهرت الفيزياء المعاصرة ،أن لامجال للصدفة في تكوين الوجود ، ولا سند للعبث في هرمونية الكون . انه منطق علمي لايمكن اليوم تجاوزه ، لكن هناك اغفالات وكمونات وحجب ، تتحول الى استحضارات وكشوفات وانبثاقات ، وهذا ما تحدث عنه كثير من العلماء والمفكرين ، أمثال برتراند راسل في كتابه مبادئ الرياضيات .وهذا ما عناه ارنست بلوخ بكل وضوح . ونحن اذا عملنا على مفصلة التحديدات النهائية لقطيعة الابستمولوجية حسب التقسيم الباشلاري ،فاننا نقف عند ثلاث تحديدات : 1-مفهوم القطع/الفصل /البتر بين الفكرة والمحيط 2- مفهوم القطع التواصلي ،في معناه التطوري ، أي أن شكل أو معنى نظرية ما قد طرأ عليه تحول لايلغي ما انقطع عنه بقدر ما يحيل الى توسيع أو تمديد . 3-مفهوم التجاور والتنوع ، أي أن فكرة ما تحمل مجموعة أفكار أخرى . وبذلك تصبح القطيعة الابستمولوجية أغنى وأرحب من مفهوم التيتم المعرفي ان جاز التعبير كما صاغه محمد عابد الجابري في كتابه القيم نقد العقل العربي خاصة . فنسبية الحقيقة العلمية تثبت أن لاحقيقة واحدة نهائية ومثالية ، بل في داخل كل حقيقة حقائق لا متناهية ، والنظريات العلمية كما يشهد على ذلك تطور العلم تنفي بعضها البعض ، لتركب نظرية جديدة ، وهذا التعاقب هو نفسه جدل ذاتي تحمله كل ذرات الكون ، مفهوم النيوتون أصبح لاغيا بعدما تم استحداث مفهوم البروتون والالكترون والنيوترينو مثلا ، كما أن مفهوم علم الاجتماع لم يعد يهتم بالقضايا العامة حسب فهم أوغست كونت ، بل أصبح هو ايضا يتعامل مع موضوعاته بدقة متناهية وبتفصيلات متعددة ، كما هو الحال عليه عند المدرسة الأنجلوساكسونية والأمريكية بالتحديد . المراجع والهوامش ************* -5- من الذرة الى الكوارك ...تأيف سام تريمان ..ترجمة. أحمد فؤاد باشا ...عالم المعرفة ..الكويت 2006 ..ص :50
#خالد_الصلعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تأويل الأولين
-
للغياب رائحة الموت
-
القطيعة الابستمولوجية : نحو فهم جديد-1
-
البحث عن الغائب الحاضر -4-رواية
-
لعنة البترول
-
ساكسونيا المغرب **
-
النظام البرلماني بالمغرب
-
المغرب ومنهجية الأزمة
-
المقصلة لمن قال لا
-
نحو اعادة دور المثقف
-
وطن لا ككل الأوطان
-
ما الذي يجري في العالم ؟
-
قراءة في كذبة أبريل المغربية
-
انكسارات الظلال
-
الراعي والقطيع والهلاك الفظيع
-
ابداعية الشعر والواقع المبدع -3-
-
البحث عن الغائب الحاضر -3-رواية
-
البحث عن الغائب الحاضر -2-رواية
-
اشكروا الظلام......اشكروا القتلة
-
لا تتوتري
المزيد.....
-
أمير الكويت يأمر بحل مجلس الأمة ووقف العمل بمواد دستورية لمد
...
-
فرنسا.. الطلبة يرفضون القمع والمحاكمة
-
البيت الأبيض: توقعنا هجوم القوات الروسية على خاركوف
-
البيت الأبيض: نقص إمدادات الأسلحة تسبب في فقدان الجيش الأوكر
...
-
تظاهرات بالأردن دعما للفلسطينيين
-
تقرير إدارة بايدن يؤكد أن حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة لا
...
-
بالنار والرصاص الحي: قرية دوما في الضفة الغربية.. مسرح اشت
...
-
أمير الكويت يحل البرلمان ويعلق العمل جزئيا بالدستور حتى أربع
...
-
مجلس الأمن يؤكد على ضرورة وصول المحققين إلى المقابر الجماعية
...
-
بالفيديو.. إغلاق مجلس الأمة الكويتي بعد قرار حله ووقف العمل
...
المزيد.....
-
فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال
...
/ إدريس ولد القابلة
-
المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب
...
/ حسام الدين فياض
-
القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا
...
/ حسام الدين فياض
-
فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
يوميات على هامش الحلم
/ عماد زولي
-
نقض هيجل
/ هيبت بافي حلبجة
-
العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال
...
/ بلال عوض سلامة
-
المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس
...
/ حبطيش وعلي
-
الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل
...
/ سعيد العليمى
-
أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم
...
/ سعيد زيوش
المزيد.....
|