|
البحث عن الغائب الحاضر-6-رواية
خالد الصلعي
الحوار المتمدن-العدد: 4082 - 2013 / 5 / 4 - 00:22
المحور:
الادب والفن
ركب سيارته هاربا من مطاردة الذكريات الوسخة ، تختلط صورة سريره بصورة بارون المخدرات ، بالأعمال القذرة التي قام بها ، وفجأة وهو يعبر شارع التحرير ، تذكر موت ذلك الطالب وهو يحاول اجتياز شارع المنفلوطي بفاس في احدى سنوات التسعينيات حين كان يطارده هو وأحد زملائه . دهسته سيارة كان صاحبها يقودها بسرعة جنونية ، حاول الاقتراب من الجثة التي كانت جسدا قبل أن يرتطم بواجهة السيارة ، وارتفعت أمتارا عدة في الهواء قبل أن تسقط على الأرض صورة لانسان ودع الحياة وترك جسده ملقى على الطريق ككومة لحم ميت . أوقف سيارته وأحس باختناق شديد ، أطفأ أضواء سيارته ، بحث بارتباك عن علبة السيجارة ، فلم يجدها ، تذكر أنه تركها على منضدة الفراش . جن جنونه ، جال ببصره لعله يجد دكانا لبيع السجائر ما يزال مفتوحا ، لكن المكان كان شبه ساكن ، وحده من يتواجد في المنطقة . أصوات موج البحر تخبره بفراغ المكان . انتبه لأضواء منتجع موفمبيك ، ليس هناك أفضل من هذا المكان ،قال في نفسه . أدار محرك سيارته واتجه نحو المنتجع . شيئ ما انتفض في داخله بشدة ، أشياء كثيرة تنكسر في داخله ، ترتج وتنهار ، أشخاص عديدون يتصارعون في أعماقه ، أحداث تتراكم وتتنافس لتطفو على صفحة ذاكرته ، كل حدث يسابق حدثا غيره ليكون الأول على منصة التتويج . أو ربما كان هناك تنسيق ما في لاوعيه بين مختلف صور الأحداث المؤلمة التي كان يفعلها دون رضى منه ، وها هي الآن تطارده داخله . كم هو قاس ان تطاردك نفسك . النفس البشرية نفس معقدة وغامضة ، يستحيل الوقوف على حقائقها . دخل المنتجع واتجه توا الى المرقص ، كان يحس بعطش شديد الى ملء رئتيه بالخمر ومرافقة مومس جميلة لعله يطفئ نار الاضطراب التي تغلي في أحشائه وتكاد تقذفه الى تخوم الجنون والحمق . صوت الموسيقى يتناهى الى مسمعه وهو يتجه عبر الكولوار المنبسط نحو المرقص ، انخفض سمك الضغط الذي كان يجثو على صدره ، دخل المرقص ، جلس على الكونتوار ، طلب علبة سجائر مالبورو وجعة "هينيكين " وكأسا من الكونياك الفرنسي ، اعتدل في جلسته . كانت الأغنية التي صادفها من أغاني الراي للشاب حسني ، ربما كانت تؤدى بطلب من أحد معجبيه ، أو من احد المكتوين بقصة حب عاصفة ؛" اللي بيني وبينها ،حب كبير مخبي " ، انساق مع ايقاع الأغنية وكلماتها الجميلة . لم يفكر في البحث عن عشيقة الليلة ، كانت أجواء الأغنية كافية كي ينسى مرافقة أنثى له . وحين انتهت الأغنية ، كان أحمد المجباطي قد شرب ثلاث كؤوس من الكونياك الفرنسي ، بينما ظلت زجاجة الجعة كما وضعتها الباروومان . فتاة شقراء ، ليست مغربية ، يبدو من سحناتها البيضاء أنها من اوربا الشرقية ، بابتسامتها السلسة ، ونظراتها العفوية المركزة ، تدعوك لاشتهائها دون اية مقاومة ، ولا تستطيع أن تمتلك تجاهها أي حصانة دفاعية . وهذا هو دورها ووظيفتها . لكن أحمد يريد واحدة الآن ، وشقراء أوروبا الشرقية التي اندمجت في أوروبا الغربية ليست على استعداد لمجالسته الآن . وهو يحن الى مداعبة شعر عاهرة ما ، وملامسة جسدها ، ولن يختار الا من تستطيع ان تخرجه تماما من عمق ناره .التي كادت ترمده قبل لحظات فقط . جال بعينيه في أرجاء المرقص الذي كان ليلتها قليل الزبائن ، لكنهم زبائن الطبقة العليا .للعهر أيضا مستوياته . فهنا جميع العاهرات لا يتجاوز سنهن الثلاثين ، يتم انتقاؤهن بعناية شديدة ، حتى نسبة الذكاء تخضع للدراسة . فالمهام التي يقمن بها تختلف من حيث التعقيد عن المهام التي تقوم بها مثلا مومسات الحانات الرخيصة . هنا عليهن أن يدرسن الزبون جيدا ، هل ينتمي الى طبقة المبذرين ؟ أم الى طبقة السياسيين ؟ هذه هي الفرائس التي يمكن أن يتفوقن فيها على غيرهن من المومسات اذا ما تم اصطياد احدهم يوما ما ، ويضمنّ مستقبلهن . لكن أحمد يدرك هذه اللعبة ، وقد يستغل احداهن في تمثيل دور ما .
#خالد_الصلعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مملكة المعنى الغامضة
-
حاولت مرارا أن أصيح
-
القطيعة الابستمولوجية :نحو فهم جديد -2-
-
تأويل الأولين
-
للغياب رائحة الموت
-
القطيعة الابستمولوجية : نحو فهم جديد-1
-
البحث عن الغائب الحاضر -4-رواية
-
لعنة البترول
-
ساكسونيا المغرب **
-
النظام البرلماني بالمغرب
-
المغرب ومنهجية الأزمة
-
المقصلة لمن قال لا
-
نحو اعادة دور المثقف
-
وطن لا ككل الأوطان
-
ما الذي يجري في العالم ؟
-
قراءة في كذبة أبريل المغربية
-
انكسارات الظلال
-
الراعي والقطيع والهلاك الفظيع
-
ابداعية الشعر والواقع المبدع -3-
-
البحث عن الغائب الحاضر -3-رواية
المزيد.....
-
بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ
...
-
مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
-
روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
-
“بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا
...
-
خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر
...
-
الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا
...
-
الرئيس الايراني يصل إلي العاصمة الثقافية الباكستانية -لاهور-
...
-
الإسكندرية تستعيد مجدها التليد
-
على الهواء.. فنانة مصرية شهيرة توجه نداء استغاثة لرئاسة مجلس
...
-
الشاعر ومترجمه.. من يعبر عن ذات الآخر؟
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|