أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - خالد الصلعي - الصمت بين المعنى والوجود














المزيد.....

الصمت بين المعنى والوجود


خالد الصلعي

الحوار المتمدن-العدد: 4127 - 2013 / 6 / 18 - 15:08
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
    


ما معنى الصمت ؟ لا معنى لهذه الكلمة في السيميولوجيا ، كما لانجد لها موقعا في علم المعرفة المعاصر . بل لامعنى لها في الواقع ،والواقع هو المختبر الحقيقي لكل نظر معرفي عملي . هناك دائما خطاب ما ، بمعنى أن هناك لغة ما ، فكيف سنتعامل مع كلمة تأخذ من قاموسنا اليومي مساحات كبيرة ؟ ، في حين أن العالم ضاج وصاخب وهدّار ، خاصة في زمننا هذا الذي يعتبر زمن الضجيج والصخب بامتياز .
وعند العرب يعتبر الصمت حجز واعتقال " وفي الحديث : أصمتت أمامة بنت العاص أي اعتقل لسانها ، قال : وهذا هو الصحيح عندي ؛ لأن في الحديث : يوم أَصْمَتَ فلا يتكلم . . كما هو مثبت في لسان العرب في باب "صمت " . ولا أريد الاطالة في هذا الباب لأن الشواهد طويلة . ويكفي أن ندلل على أن الصمت من بين معانيه الاعتقال . خاصة ونحن اليوم ؛ بفضل تطور الدراسات والبحوث اللغوية واللسانية يمكن التأكيد أن لفظة الصمت ، أصبحت لفظة متجاوزة او تلعب دور الاستعارة فقط . فنقول صمت ، بمعنى انه اعتقل كلامه وملفوظه ، فقط ، لأن من طبيعة الموجود ان يعلن عن وجوده ، ومن طبيعة الفاعل أن يشير الى فعله ، ومن خصائص الكائن أن يعبر عن كينونته ، لكن وبفعل تطور العلاقات الانسانية وفرض شروط جديدة للتواصل بين بني البشر ، أصبح للصمت دلالات أخرى ، لأن الجميع أصبح بامكانه التعبير ، كما أن الرغبة في مشاركة الآخر ، ولو عبر الاعتراض صارت لها تعبيراتها المحايثة للغة الصمت . كوضع اللصاقات على الفم ، أو تكبيل الأيدي . لا صمت هناك اذن ، بل هناك فقط ، اتفاقات ضمنية لوضع حد لمسألة ما . والاكتفاء بالحديث بلغة أخرى في سياق آخر .
فالقاضي حين يحكم بالباطل على مظلوم ما ، لايمكن أن ننتظر من المظلوم صمتا ، بل سكوتا ؛ لأن السكوت هو التوقف عن الكلام مع القدرة على النطق ، فالسكوت هو أشد ايلاما من الصمت وأشد تعبيرا عن حالات القمع الذي تمارسه مختلف المؤسسات والاعتبارات التراتبية بين أفراد مجتمع ما ، اما تراتبية القوة الجسدية او القوة المادية او القوة الجماعية . هنا لايمكن الحديث عن الصمت ، لأن الصمت استرسال آخر في التعبير ، وانما يمكن الحديث عن السكوت ، أي أن المتضرر أُرغم على السكوت ، وتم اسكاته ، لكنه لم يصمت ، فسحناته الفيزيلوجية للوجه ، أو حركات مختلف عضلاته ، أكبر تعبير عن امتعاضه وضعفه أمام قوة المؤسسة أو قوة التراتبية الاجتماعية .
ولعل هذا ما يفسر لنا اليوم ضجيج العالم ، فأغلب الذين يوصلون اصواتهم منخرطين في لعبة اسكات الاخر ، لأن مؤسسات القمع ، ومؤسسات الهيمنة الشمولية أصبحت أكثر نفوذا ونفاذا من ذي قبل بواسطة وسائط الاعلام والتقنية التي فقد معها الانسان القدرة على الكلام ، وأصبح في الحقيقة أقل من الببغاء . لأن الببغاء يردد الكلام ولا يعقله ولا يطبقه ، ولايصرفه . عكس انسان مجتمعات الحداثة وما بعد الحداثة . والحداثة هنا بمفهومها العولمي وليس بمفهوم آخر . فالعالم العربي لا يعيش أي حداثة . انه عالم ساكت ، فرضت عليه دول الاستعمار ودول الهيمنة أن يسكت بتواطؤ مكشوف مع أنظمته البالية . وصمت أبنائه هو لغته التي يعبر عنها نخبة من رجال الفكر الحي ، الفكر المتفاعل . فكر لا ينازع وجوده من أجل الاقرار بوجوديته ، أما كثرة الأبواق التي تردد على مستوى أقل من الببغاوية فهي فقاعات ما يعتمل هنالك ، في مطابخ المعاهد الكبرى لدول الاستكبار العالمي .
هل يمكن اليوم أن نفرض صمتا ، أوبالأحرى سكوتا على طبقات الشعوب الحية ؟ ، سؤال يفترض اجراء استمزاج أو استقراء علمي ،كي نحصل على قلة المتنورين -التنوير هنا بالمفهوم الكانطي ؛أي النقد - ، الذين هم من تقع عليهم الرغبة في الاسكات ، لكنهم يفضلون الكلام والتعبير ، ان لم يكن بالعبارة فبالاشارة .
ان الرغبة في التعبير حالة انسانية ، ولايمكن وضع حد لها أو استئصالها بالكلية ، وكأن الحالة الانسانية حالة متشققة بالضرورة ، ولايمكن تنميطها ، ومن خلال الشقوق يحدث الكلام ويخرج النقد وينبعث التنوير .
لايمكن أن نضمن صمتا كليا ، لأن هذا يعني موتا أكيدا ، والموت حالة غير مرغوب فيها ، لأنه لابد دائما من اضفاء نوع من المشروعية على حالات التصميت والاسكات ، لذلك تبقى ضرورة خرق قانون الصمت والسكوت حالة مشروعة كي تتنفس الحياة بعض معانيها ، وان في زوايا معتمة ، لكنها أكثر اضاءة .
الصمت حالة شعورية وذهنية يجمع فيها الإنسان طاقته، ويتحكم في وعيه، ويوجه قوته، ويصنع حوله هالة من الهدوء والسكينة. الصمت تأمل وتفكير وحديث مع الذات كما يقول الكاتب عادل عواض .
الصمت هو الجدار الشفاف الذي تخترقه كل العبارات والتعبيرات ، وهو الجدار الذي يتحطم اذا لم يعثر على صداه . كان أرسطو حسب ما أورده عادل عواض وهو يواجه السفسطائيين يكتفي بالصمت ، ثم يسأل ليصمت كجواب نهائي على فراغ الهذر الكلامي . ربما كان أرسطو قد اقتبس هذه العادة من المعلم الكبير سقراط حين اكتفى بالرد على المحكمة التي حاكمته بالصمت ، لكي لا يمنحها شرعية الدفاع عن قضية عادلة . فلم يعدموا سقراط لأنه ما يزال حاضرا بيننا يتكلم الينا ونتكلم اليه ، لكنهم أعدموا أنفسهم لأنهم ظلوا غائبين منذ الزمن الأول .
الانسان لا يكف عن التفكير عبر صور وأشكال متعددة وغير حصرية ، حتى في منامه يكون بازاء الحديث مع عوالم أخرى . انه يتكلم بلغة أخرى أكثر بلاغة أحيانا ن واكثر تأثيرا .
لاوقت للانسان للصمت . ان الصمت يعني الموت . الصمت يعني أن نكف عن النقد ،عن السؤال ، عن الاعتراض . بمعنى أن نمنح لهذا الأخطبوط الامبريالي كل المبررات لاستنزاف وجودنا وموجودات هذا الوجود . أن نعطي للتوتاليتارية كل المشروعية في الحديث باسمنا وتزوير رغباتنا وتحريف أهدافنا .



#خالد_الصلعي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لاتصدقي تجار الدين
- تحريف الجهاد
- الحداثة هدف مؤجل
- البيان حلم والممارسة واقع
- ثمة أغنية في الحنجرة
- الانسان ذلك المنحرف -1-
- القضاء المغربي ، فجوات بحجم العار
- قصة الدمعة -قصة-
- مؤتمر جنيف-2- الميت
- ريق السحلية
- البحث عن الغائب الحاضر -13- رواية
- ردة الحقوق وسلامة المواطن في المغرب
- عن أغنية - مالي ومال الشمعة -
- قصة : لم أتعلم الندم
- الى السيد عبد العالي حامي الدين*
- تلبيس ابليس لباس القديس
- ليس دفاعا عن العلمانية -2-
- أثر الدلالة
- البحث عن الغائب الحاضر-12- رواية
- تذكرة السيرك


المزيد.....




- ما هي وجهة نظر ترامب عندما طرح مسألة -تغيير النظام- بإيران؟ ...
- واشنطن تتحسّب لردّ إيراني: هجمات سيبرانية محتملة قد تستهدف م ...
- ترامب: إسرائيل وإيران وافقتا على وقف لإطلاق النار
- هجمات صاروخية إيرانية مع بدء وقف النار بين إسرائيل وإيران
- الحرب مع إيران تكشف فشل منظومة الحماية المدنية الإسرائيلية
- قتلى إسرائيليون بهجوم إيراني على بئر السبع
- إسرائيل وإيران.. ترامب يشعل الذاكرة بـ-حرب الأيام الـ12-
- بدء سريان وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل
- فيديو.. لحظة سقوط صاروخ إيراني في بئر السبع
- وسائل إعلام إيرانية تعلن عن اتفاق وقف إطلاق النار: -فُرض على ...


المزيد.....

- عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية / مصطفى بن صالح
- بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها / وديع السرغيني
- غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب / المناضل-ة
- دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية / احمد المغربي
- الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا ... / كاظم حبيب
- ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1) / حمه الهمامي
- برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب / النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
- المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة / سعاد الولي
- حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب / عبدالله الحريف
- قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس / حمة الهمامي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - خالد الصلعي - الصمت بين المعنى والوجود